الطائرة التي أقلعت أمس من مطار بيروت المدمرة مدرجاته احدث إقلاعها دهشة في أوساط الصبية الذين كانوا يلهون الى جانب الحفرة التي احدثها القصف الإسرائيلي على مستديرة الغبيري في الضاحية الجنوبية لبيروت. ما هو سر هذه الطائرة التي أقلعت على رغم تحطم المدارج والإنذار الإسرائيلي للطيران المدني؟ شرع يسأل الصبية. قال أحدهم انها ربما لوسيط دولي هبطت ثم أقلعت ناقلة رسالة جوابية، خصوصاً انه من الواضح انها طائرة خاصة. لقد كانت طائرة رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي وهو توسط لدى جهات دولية لتأمين خروجها سالمة من مدرجات مطار بيروت. اما شكوك الصبية في الضاحية الجنوبية في انها تعود الى وسطاء سريين جاؤوا لإنهاء الأزمة بين لبنان وإسرائيل فهي شيء من التمنيات، اذ ان السؤال الذي غالباً ما يواجهك به سكان الضاحية الجنوبية عندما تقصدهم في هذه الأيام هو"هل بدأت التحركات الدولية؟". والضاحية الجنوبية كانت صباح امس وبعد ليل طويل من الغارات الإسرائيلية التي سبقتها إنذارات أدت الى إخلاء جزء من السكان منازلهم، قليلة الازدحام على غير عادتها طبعاً، والإسرائيليون قصفوها جواً على نحو يكاد يكون هندسياً. فمستديرات مار مخايل والمشرفية والغبيري اضافة الى جسر المطار القديم، قصفت أمس وهي متواجدة على خط واحد لا يفصل بين اولها وآخرها اكثر من كيلومترين، بحيث يمكن تخيل ان طائرة واحدة عبرت من فوق هذه الطريق المستقيمة ورمت بقذائفها على هذه النقاط الأربع. اما الهدف الخامس للقصف الإسرائيلي في الضاحية الجنوبية لبيروت ليل اول من امس فكان الجسر الجديد الذي يربط منطقة الحدث بمطار بيروت الدولي وهو يوازي تماماً الطريق الأول الغبيري مار مخايل وأدت القذيفتان اللتان سقطتا عليه الى إحداث فجوات مستديرة في وسطه من دون ان يؤدي القصف الى تحطمه بالكامل، وهو ما دفع أحدهم الى القول:"ان عدم تحطم الجسر يعني ان إسرائيل ستعيد الكرة هذه الليلة". بالنسبة الى جسر المطار القديم عند مستديرة الغبيري وهو جسر معدني هوت بفعل القصف قطعة معدنية منه في حين بقيت قطعه الأخرى منتصبة وثابتة بحيث بدا اننا حيال قصف هندسي، او ان الجسر وعلى رغم قدمه ما زال يحتفظ بخصائص معمارية دقيقة. علماً ان الجسر المذكور يعتبر علامة بدء الضاحية والفاصل بين عالمها وعوالم المدينة المجاورة، وهو كان شاهداً على عدد من الوقائع كان آخرها الاشتباك الشهير بين الجيش اللبناني وعناصر من"حزب الله"في النصف الأول من العقد الفائت. كثيرون ممن يعرفهم المرء يقيمون في مناطق قريبة من المناطق التي استهدفها القصف الإسرائيلي على الضاحية الجنوبية. هكذا راح السائق يردد حين عبرنا في منطقة مار مخايل بالقرب من الحفرة الكبيرة التي احدثها القصف عند ذلك التقاطع الشهير المقابل للكنيسة التي سميت المنطقة باسمها واشتهرت على نطاق واسع خلال سنوات الحرب بصفتها منطقة فاصلة بين المتقاتلين، وهي توجت شهرتها باختيار التيار العوني و"حزب الله"مكاناً لها لتوقيع"وثيقة التفاهم"الغامضة تلك. ضحايا القصف على الضاحية اربعة قتلى وعشرات الجرحى وهو رقم ليس كبيراً اذا ما تذكرنا الكثافة السكانية العالية في هذه المناطق. وحين اتصلت زميلتنا وأبلغتنا ان شقيق زميلنا عماد عاصي هو بين القتلى الأربعة تذكرنا ما قاله السائق لجهة ان كثيرين ممن نعرفهم يسكنون في الضاحية الجنوبية. وقالت الزميلة ان شقيق عماد يقيم بالقرب من الجسر المستهدف وانه حين سمع الغارة الأولى انزل أولاده الأربعة الى الملجأ ثم صعد الى المنزل ليحضر حاجيات لهم فأغارت الطائرة مجدداً وقضى. الجميع في الضاحية الجنوبية كان يتحدث بالأمس عن ان القصف الإسرائيلي لهذه المنطقة بقي خارج ما يسمى المربع الأمني ل"حزب الله"اي بئر العبد وبعض مناطق حارة حريك. القصف شكل حزاماً حول هذا المربع، وإسرائيل بدل ان تقصف الحزب وتنذر المدنيين القريبين منه، فعلت العكس، اي قصفت المدنيين والمنشآت المدنية في ما يشبه انذاراً للحزب ولمنطقته. هذا ما ردده كثيرون من خارج الضاحية الجنوبية. اما السكان في تلك المنطقة فلا يقدرون المسافة بينهم وبين الحزب ولا يشعرون ان الفارق بين المشرفية وبئر العبد بعيد جداً.