أدت عملية"الوعد الصادق"التي نفذتها المقاومة الإسلامية، الذراع العسكرية لپ"حزب الله"اللبناني ضد موقع للجيش الإسرائيلي في مستعمرة زرعيت داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، ورد اسرائيل بتوسيع القصف البري والجوي والبحري ليشمل المناطق الجنوبية كافة الى تسارع التطورات السياسية التي تسببت بإرباك الحكومة اللبنانية بعدما تبلغت من ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في لبنان غير بيدرسون والسفير الأميركي في بيروت جيفري فيلتمان بإنذار اسرائيلي للبنان بتصعيد الموقف العسكري في كل الاتجاهات في حال عدم إفراج"حزب الله"من دون قيد أو شرط عن الجنديين الأسيرين. ووضع تسارع التطورات العسكرية الحكومة اللبنانية امام خيارين، اما تبني موقف"حزب الله"بالكامل وتوفير الغطاء السياسي لوجهة نظره القائلة بتحريك عملية التبادل لإطلاق سراح الأسرى اللبنانيين في السجون الإسرائيلية في مقابل الإفراج عن الجنديين الإسرائيليين ما يدفعها الى مواجهة مع المجتمع الدولي الذي يتعامل مع العملية العسكرية في زرعيت على انها تشكل اعتداء من قبل دولة على دولة اخرى، او ان تخالفه في الموقف ما يرتب أزمة سياسية حادة تتجاوز تهديد مصير الحكومة من جراء انسحاب وزراء الحزب منها الى وضع البلد في المجهول. وكانت عملية زرعيت لجهة اسر الجنديين الإسرائيليين موضع اهتمام دولي وعربي فزار بيدرسون فجأة رئيس الحكومة فؤاد السنيورة بعد ان أبلغ قائد القوات الدولية في الجنوب الجنرال آلان بيلليغريني المعنيين في الحكومة وقيادة الجيش بأن العملية حصلت في مستعمرة زرعيت وعلى مسافة من الحدود اللبنانية الدولية تتراوح بين 150 وپ200 متر. وبعد الاجتماع قال بيدرسون:"نشجب بشدة الهجوم الذي قام به حزب الله صباح اليوم امس على دورية تابعة للجيش الإسرائيلي وأسره لجنديين اسرائيليين". وأضاف:"اننا قلقون جداً من خرق الخط الأزرق الذي يتعارض مع الموقف اللبناني المعلن بالحفاظ على الهدوء على طول الخط . إن ما قام به"حزب الله"أدى الى تأزم الوضع المتوتر اصلاً على الخط الأزرق واتخذ ابعاداً خطرة، بما لا يخدم مصلحة لبنان". واعتبر بيدرسون:"ان الهجوم"يأتي في وقت حساس بالنسبة الى لبنان والمنطقة، ويسلط الضوء مجدداً على ضرورة ان تكون الحكومة اللبنانية هي التي تتخذ قرارات السلم والحرب وأن تمارس حصريتها في استعمال القوة انطلاقاً من أراضيها"، داعياً"حزب الله"الى إطلاق الجنديين، والأفرقاء كافة الى"ممارسة أقصى حدود ضبط النفس والحؤول دون المزيد من التأزم". ثم التقى بيدرسون رئيس المجلس النيابي نبيه بري ولم يدل باي تصريح. لكن مصادر نيابية قالت لپ"الحياة"انه أبلغ بري بمضمون الموقف الذي أعلنه بعد مقابلته السنيورة. وكشفت المصادر لپ"الحياة"ان بري بقي طوال امس على تشاور مع الأمين العام لپ"حزب الله"السيد حسن نصر الله وأوفد إليه النائب في"امل"علي حسن خليل لإطلاعه على حصيلة الاتصالات التي أجراها لمواكبة التطورات. كما تشاور بري مع السنيورة الذي كان اتصل بالأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان والأمين العام لجامعة الدول العربية عمر موسى وعدد من السفراء العرب والأجانب المعتمدين لدى لبنان، إضافة الى انه تحدث اكثر من مرة مع رئيس كتلة"المستقبل"النيابية سعد الحريري الموجود في بكين. وكثّف الحريري اتصالاته بالسنيورة وبقيادة"حزب الله"من خلال المعاون السياسي لأمينه العام حسين الخليل وقائد الجيش العماد ميشال سليمان، اضافة الى اتصالات اجراها بعدد من قادة قوى 14 آذار وأنان ومسؤولين كبار في واشنطن وباريس وعدد من الدول الأوروبية والعربية. وأطلع السنيورة رئيس الجمهورية اميل لحود على الاتصالات التي أجراها مع السفير الأميركي جيفري فيلتمان وبيدرسون وسفراء أوروبيين. وبعد اتصالات السنيورة ببري وقيادة"حزب الله"، التقى الأول النائب خليل ثم المعاون السياسي للسيد نصر الله فور انتهاء اجتماع رئيس الحكومة ببيدرسون. وعلمت"الحياة"ان السنيورة وضعهما في أجواء الإنذار الإسرائيلي للبنان الذي حملته تل ابيب للأمم المتحدة والسفير الأميركي في بيروت الذي كان نصح عدداً من الوزراء بضرورة المبادرة الى اتخاذ موقف يتميزون فيه عن موقف"حزب الله"، بذريعة ان موقفهم المتميز من شأنه ان يفسح في المجال ومن خلال الاتصالات الدولية ان يخفف من حجم الضغط الإسرائيلي والدولي على الحكومة اللبنانية. وفيما لم تعرف الطريقة التي تبلغت فيها الحكومة اللبنانية الإنذار الإسرائيلي، قالت مصادر ديبلوماسية أوروبية لپ"الحياة"ان الإنذار وصل عبر القنوات الديبلوماسية الى كل من يعنيهم الأمر في لبنان من قيادات رسمية وسياسية. وأضافت المصادر عينها"ان من يقرأ جيداً تصريحات رئيس وزراء اسرائيل ايهود اولمرت يعرف من دون تردد ان الإنذار قائم وأن مدته ست ساعات وأن الأخير سيلجأ بعد انقضاء المهلة الى شن هجوم عسكري واسع النطاق وربما من دون اي ضوابط". ولفتت المصادر ايضاً الى الاتصالات الدولية والعربية الجارية لتمديد مهلة الإنذار مبدية خشيتها من ان تتعامل الحكومة الإسرائيلية مع لبنان بالطريقة التي تتعامل فيها مع الحكومة الفلسطينية بعد أسر الجندي الاسرائيلي. وبالنسبة الى اجتماع السنيورة والمعاون السياسي لنصر الله، اكدت مصادر مقربة من الطرفين ان الحكومة تبلغت بوجود نية لدى اسرائيل للقيام بهجوم شامل على كل لبنان اذا لم يصدر عنها موقف يتعارض مع موقف"حزب الله". وإذ أشارت الى ان الوضع اللبناني مفتوح الآن على كل الاحتمالات، قالت ان جلسة طويلة عقدت بين السنيورة وحسين الخليل، استفسر خلالها الأول من الثاني عن مجريات العملية التي نفذتها المقاومة الإسلامية والوضع في الجنوب وخصوصاً في المناطق الحدودية. ونقلت المصادر عن الخليل تأكيده امام السنيورة ان الحزب على استعداد للدخول فوراً في مفاوضات لإنجاح عملية تبادل الأسرى، مشيراً ايضاً الى استعداد الحزب لوقف إطلاق النار شرط امتناع العدو عن مواصلة اعتداءاته وإلا سيضطر للرد على هذه الاعتداءات. وبحسب هذه المصادر احيط السنيورة علماً من الخليل بأن الأسيرين الإسرائيليين باتا في مكان آمن وأن المقاومين نجحوا في نقلهما الى منطقة خارج المناطق التي هي الآن مسرح للاعتداءات الإسرائيلية، وأن عملية اخراجهما منها تمت قبل ان يبادر الاحتلال الى توسيع رقعة عدوانه. أما في خصوص توقيت العملية، المرتقب ان تقلب جدول الأعمال السياسي المحلي رأساً على عقب، وقالت مصادر قيادية في"حزب الله"ان الحكومة كانت تبنت في بيانها الوزاري دعم المقاومة من ناحية وتحرير الأسرى اللبنانيين من السجون الإسرائيلية وأن ما حصل لا يشكل خروجاً على البيان الوزاري، مؤكدة ان ما حصل لم يكن سراً على احد. وقد سبق للسيد نصر الله ان اعلن عن عزم الحزب تحرير الأسرى وكشف في اكثر من مناسبة عن وجود نية لاختطاف جنود اسرائيليين بغية الضغط على تل ابيب لتسريع عملية تبادل الأسرى. ورداً على سؤال حول توقيت العملية، اكدت المصادر لپ"الحياة"ان التوقيت مرتبط بالوضع الميداني وبقدرة المقاومين على إنجاز الهدف الذي يصبون إليه، لجهة اسر جنود للعدو الإسرائيلي، مشيرة ايضاً الى ان"ليس بالضرورة ان يكون السيد نصر الله مطلعاً على مجريات العملية التي لا تتم عادة بكبسة زر بل تكون مقترنة بتوافر شروط النجاح لها وهذا ما حصل في العملية الأخيرة امس". وحول ما يتردد من ان العملية ادت الى خرق الخط الأزرق نظراً الى أنها نفذت داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، سألت عن استمرار اسرائيل في خرق الأجواء ومواصلة اعتداءاتها. اضافت:"ألا يشكل ذلك خرقاً للخط الأزرق؟". لقاء نواب 14 آذار والسنيورة وعلى صعيد تحرك الأكثرية النيابية، عقد امس اجتماع لنواب قوى 14 آذار في ساحة النجمة، كان مقرراً للبحث في تسريع إجراءات وضع القانون الجديد للمجلس الدستوري موضع التنفيذ لكنه خصص لتقويم الوضع السياسي العام. وقرر المجتمعون إبقاء اجتماعاتهم مفتوحة لمواكبة ما سيصدر عن الحكومة والأطراف الأخرى، وأبلغ السنيورة نواب 14 آذار بأن لبنان تلقى إنذاراً اسرائيلياً نقله إليه غير بيدرسون اضافة الى سفراء اجانب في بيروت.