"ها أنذا. نهاركم سعيد" بهذه العبارة البسيطة اختصرت الزميلة مي شدياق عودتها الى بيروت، الخامسة بعد ظهر امس، وسط استقبال رسمي وسياسي وإعلامي شامل احتفاء بوطأة قدمها أرض المطار حيث لوحت بيدها اليمنى وهي تنزل سلم الطائرة متكئة على عصا لتعينها على رجلها الاصطناعية الثانية. احتفل الإعلام اللبناني والمؤسسة اللبنانية للإرسال امس بالسيدة الزهرية اللون، البرّاقة، وسط مراسم منحازة الى الحرية دون سواها، بعد مضي زهاء 10 أشهر على محاولة اغتيالها التي نجت منها بأعجوبة واضطرتها الى السفر الى فرنسا لإجراء سلسلة جراحات ومعالجة جروحها البليغة بعد بتر يدها ورجلها. بعد الاستقبال الرسمي على باب الطائرة من رفاق لها في الاستهداف نجوا مثلها، كنائب رئيس الحكومة الياس المر ووزير الاتصالات مروان حمادة، ووزراء الإعلام غازي العريضي ممثلاً رئيس الحكومة فؤاد السنيورة، والوزراء: نايلة معوض واحمد فتفت وجو سركيس وسامي حداد وبيار الجميل وميشال فرعون، والنائبين ستريدا جعجع وجورج عدوان ممثلين الدكتور سمير جعجع، والعائلة وزميلها الأول بيار الضاهر... عرضت مي ثلة من الدرك ادت لها التحية امام صالون الشرف بعد ان قطعت المسافة سيراً من طائرة"المملكة"التي أقلتها الى مدخله وهي تبتسم وتدقق بعينيها في الأصدقاء والزملاء وسط الجموع. الشهقة الأولى التي أعقبتها صرخة المفاجأة العاطفية الأولى كانت حين ركضت نحوها سهام جبران تويني، وهي تحمل احدى التوأمين اللتين لم تتجاوزا السنة من العمر فعانقت الأم والطفلة، فقد كانت مي شدياق آخر من التقاها جبران تويني في باريس قبل ان يأتي الى الطفلتين وإلى حتفه في لبنان في 12 كانون الأول ديسمبر الماضي. ضاق الممر الى صالون الشرف الذي غص بالمستقبلين، وبباقات الزهر والكاميرات، حيث اصطف الرسميون، ممثلو كل الكتل النيابية المنضوية في لقاء 14 آذار، تكتل"التغيير والإصلاح"، وممثل رئيس المجلس النيابي نبيه بري النائب علي بزي، وبعض اعضاء كتلته النيابية، المستشار الإعلامي في رئاسة الجمهورية رفيق شلالا ممثلاً الرئيس اميل لحود، والنائب البطريركي المطران بولس مطر إضافة الى الأمين العام بالوكالة في الخارجية السفير بطرس عساكر وعدد كبير من اعضاء كتلة"المستقبل"النيابية، والسفير المصري حسين ضرار ونقيب الصحافة محمد البعلبكي، ورئيس المجلس الوطني للإعلام عبدالهادي محفوظ... وكثيرين يصعب تعدادهم. قبل ان تصافح وتقبل مي جميع المستقبلين، كان لا بد من كلمات للمناسبة. وحيا رئيس مجلس إدارة"المؤسسة اللبنانية للإرسال"بيار ضاهر في كلمته"كل الشهداء الذين ماتوا مضرجين بالحياة والشهداء الأحياء"، وقال:"مي هزمت القتل والقاتل فأعادت الحياة للشهداء". وكرر:"إننا لن نخاف الإرعاب والإرهاب وسنظل نرتكب المزيد من الحرية. وفي زمن ميثاق الشرف أعود وأكرر اننا في المؤسسة عقدنا ميثاقاً دائماً وغير مكتوب مع الحقيقة والحرية في بلد متهم بالحرية، فليس من المعقول ألا يتلازم التباهي باستعادة حرية القرار مع الإصرار على عودة حرية التصريح والتعبير والتقرير". وقال:"صحيح ان القانون هو السقف الذي تنتظم تحته حركة المؤسسات والمجتمع، لكن الحقيقة ايضاً ان الحرية في لبنان هي سقف القانون وأساسه". وقال الوزير العريضي غامزاً من قناة رئيس الجمهورية اميل لحود وممثله الى المناسبة"بالعز نستقبلك والغار والإكبار، إكبار الجمهورية حقاً من دون تمثيل أو استغلال، بإكبار الحقيقة حقاً والتضحية والعطاء نستقبلك بالأيادي المرفوعة تلوح لك وللحرية التي تمثلين وأعطيتها الكثير، نستقبلك واقفين، الأقدام راسخة ثابتة وأنت من فقدت جزءاً من يد وقدم لكنك بقيت قوية عنيدة ثابتة على المواقف ومدافعة عن الحرية والديموقراطية وعن لبنان". ورحب العريضي بعودة مي"باسم رئيس مجلس الوزراء ومجلس الوزراء وإعلام لبنان وزملائك الذين رافقوك في اصعب الظروف، وكل اللبنانيين الذين تابعوك". وقال:"تعودين لتقولي للجميع ان الأشلاء والأجزاء التي تناثرت من جسدي ويدي وقدمي إنما زرعت حباً وعاطفة وقوة وأيماناً وشجاعة وإصراراً على التمسك بالحرية في لبنان، قبلك قطعوا الأوصال وقطعوا الأصابع وأحرقوا الأجساد بالأسيد وقتلوا صحافيين كباراً وتوهموا عند كل اغتيال انهم أسقطوا القيمة الأسمى في لبنان إلا وهي الحرية"، وعدد الاغتيالات التي استهدفت الوزير مروان حمادة وصولاً الى محاولة اغتيال شدياق وقال:"في كل مرحلة كانوا يشعرون انهم مهما كبر سلطانهم هم صغار امام تضحيات اللبنانيين وتصميمهم، ولن تقوى قوة على إسقاط هذه الحرية والديموقراطية والتنوع في لبنان، يحاولون ويشكون دائماً الإعلام ويتذمرون منه ويحمّلون الإعلام مسؤولية كل المشكلات، وما يجري في لبنان ونقول لهم ليس الإعلام مسؤولاً عما يجري، الإعلام سيبقى حراً والحرية ستبقى المنارة التي نهتدي بها ليبقى لبنان نظاماً فريداً غير مستنسخ في هذه المنطقة من انظمة تقمع الحرية وتقتل الديموقراطية". واستهلت الزميلة شدياق كلمتها وسط تصفيق الحضور بالتعبير عن فرحتها"التي لا توصف"بعودتها التي تهيبتها"لكنني مللت الغربة القسرية والفراق والبعاد واشتقت الى وطني وإليكم فعدت". وقالت:"ضاقت بي الدنيا وأنا بعيدة فعدت بعد رحلة عذاب ارادها المجرمون ان تنتهي بي في القبر لكن إرادة الله كانت اقوى وكانت صلواتكم اقوى فها أنا ذا نهاركم سعيد ولو كره المجرمون". وأضافت:"نهاركم سعيد ولو لم يبق في عروقنا سوى نقطة دم واحدة ولو لم يبق من اجسادنا سوى رجل ويد واحدة، نهاركم سعيد لأن النهار يطلع على رغم انف الليل والشمس تشرق مهما طالت ساعات الظلام، عدت ووطأت رجلي ارض لبنان وبيدي هذه احييكم. لوحت للحضور بيدها السليمة، أرجو أن أكون من جديد على قدر المسؤولية، هي كبيرة فالكل ينتظر مني الكثير وأنا على أحر من الجمر، او على عبوة زنتها فوق 500 غرام من المواد المتفجرة، كما يحلو للبعض ان يمازحني لأعود وألتقي الجميع وأعدكم بأنني سأكون صوت الشهداء لأنني كنت مشروع شهيدة، وسأكون صوت اليائسين لأن الرجاء والأمل موجودان والدليل انني بينكم وسأكون صرخة في وجه المجرمين". لكن شدياق قالت:"ان نفسها حزينة وعاتبة في آن، حزينة أنا لأننا لم نعرف كيفية استثمار التضامن الدولي والعربي والدعم الذي توافر لنا والذي ربما لن يدوم الى ما لا نهاية فما زلنا نراوح مكاننا وندور في دوائر التأجيل. من جهتي لم أؤجل انتفاضتي على الواقع المرير، بالإيمان دبت فيّ الروح من جديد وقمت كما طائر الفينيق من الموت، احترق بعض جوانحي، تقطع بعض اجزائي ولكن مي شدياق ما زالت مي شدياق، رجل اصطناعية ولكن العقل هو العقل، يد اصطناعية ولكن القلب هو القلب، جروح في الجسد لكن اللسان سليم وعلى أحسن حال والقلب يحبكم". واسترجعت شدياق ما كان قاله لها الوزير حمادة يوماً:"اننا ما زلنا هنا نستطيع ان نتكلم ونعبر عن رأينا ولسنا على عمق 3 أمتار تحت الزنابق التي تغمر القبور، لم نرحل بقينا، رحل احباء لنا، ربما بقينا لنقول الحق وندافع عن الذين راحوا وسبقونا وما زالوا حتى الآن يجمعون اشلاءهم ويدفنونهم مرات ومرات، غير آبهين بدموع أولادهم وزوجاتهم وأمهاتهم ودمعة الأم قاسية ومريرة ودموع الأمهات في بلادنا كثيرة، دموع على الشهداء والشهداء الأحياء وعلى المعتقلين في السجون من دون ذنب". وقالت شدياق:"عاتبة أنا لأن القرارات الحاسمة لم تؤخذ بعد ولأن القتلة ما زالوا يتغندرون فرحين بما صنعته ايديهم وعتبي كبير، وأنا عاجزة ان أغفر لهم لأنهم كانوا يعرفون ماذا كانوا يفعلون، لم أفهم لمَ الحقد والبغضاء، والله في كل الأديان محبة وسماح، يتجمعون حول الطاولات، هكذا كنت أسمع في فرنسا ويدعونها طاولة حوار ومناقشات وأملي ألا تكون طاولات تأجيل وتقطيع وقت، وعلى كل اشتقت لطاولتي، الى كلمتي التي تنبض في عروقي تنساب بين يدي يكتبها قلمي، تحاور وتناقش من دون ان تنتظر شيئاً من احد ومن دون ان تسيء الى احد، اشتقت الى جمهوري الذي انار الساحات وأضاء الشموع وصلى حتى انقطعت الصلوات، مشيئة الله ان أبقى وأكون صرخة في وجه المجرمين ولن يموت حق وراءه مطالب، عدت إليكم لأعاهدكم ان صوتي سيبقى صوتكم وسيبقى مرتفعاً طالما الوطن لم يعد بعد وفي النهاية الحقيقة ستظهر وتنجلي لأن شعب لبنان تواق للحياة والحق والحرية". وشكرت الحضور وفرنسا التي غمرتني بعطفها والرئيس جاك شيراك وبيار الضاهر والامير الوليد بن طلال والوزيرة السابقة ليلى الصلح والسيدة نازك الحريري والشهيد الحي الياس المر، وحيت رئيس الهيئة التنفيذية لپ"القوات اللبنانية"الدكتور سمير جعجع والصديق الشهيد جبران تويني، وختمت بپ"الى اللقاء قريباً جداً على الشاشة الكبيرة التي سميت خطأ بالشاشة الصغيرة وكما بدأت وختمت قبل 290 يوماً صبيحة الأحد في 25 ايلول سبتمبر 2005 اعود وأقول نهاركم سعيد، قوموا كي نصفق للحياة وللبنان الذي لم ولن يموت".