سبب حديثي المستطرد عن اخطاء السياسيين، غير العرب طبعاً فقادتنا معصومون، هو الرئيس جورج بوش، وهذا اخطاؤه لا تفهم إلا إذا تذكّرنا أخطاء أبيه، فمن اجل بوش الابن والاب قيل المثل المشهور "هذا الشبل من ذاك الاسد". نسمع بوش الاب يقول: أنا أناصر اللاتعصب واللاسامية واللاعنصرية، وندرك غلبة الجينات في قول بوش الابن: سأحتفظ بالسلطة التنفيذية لنفسي، وللرؤساء الذين سبقوني. وبوش الاب قال يوماً: لن اعتذر ابداً عن الولاياتالمتحدة. الحقائق لا تهمني. ونفهم الآن كيف تقدم الولاياتالمتحدة مئة سبب للحرب على العراق يتبين بعد ذلك انها كلها كاذبة او خاطئة ومع ذلك لا يعترف بوش الابن ولا يتراجع وحتماً لا يعتذر، وانما يقول: اريد من كل الاميركيين ان يعرفوا انني اتخذ القرارات بنفسي وأريد منكم انتم ايضاً وهو يحدث اميركيين اصلاً ان تعرفوا... غير انني سجلت ما يكفي من اخطاء الابن، لذلك اكمل اليوم مع ابيه وآخرين. وبوش الاب قال: الناخبون الذين لم يقرروا من سينتخبون حتى الآن، قد يختارونني انا، او يختارونه. وايضاً: اتخذت قرارات صائبة في الماضي، واتخذت قرارات صائبة في المستقبل. وهو سمع ان بعض الصحافيين قالوا انه من دون رؤيا، فعلّق قائلاً: لا أرى كيف يقولون ذلك. وبوش الاب، مثل ابنه، يؤيد حمل السلاح للمواطنين، وقال مرة معارضاً الحملات ضد السلاح: انا عضو في جمعية البندقية الوطنية، وكلامك يجرح شعوري كما يقولون في الصين. والرئيس الاسبق مثل ابنه الرئيس الحالي يؤيد عقوبة الاعدام، وقال الاب يوماً انه يؤيد حكم اعدام أشد. ولم يكن وحده في موقفه، فالسناتور اورين هاتش قال: ان حكم الاعدام في مجتمعنا هو اعتراف بقدسية الحياة، وقال رئيس بلدية نيويورك الاسبق اد كوخ، وهو اشتهر بعدائه للعرب والمسلمين "ان الحياة ثمينة، وحكم الاعدام يثبت كلامي هذا". غير ان اطرف ما قيل عن حكم الاعدام كان من نانسي ريغان التي قالت ببساطة: حكم الاعدام ينقذ ارواح الناس. زوجها رونالد زايد عنفاً على الجميع فخلال تظاهرات الطلاب ضد حرب فيتنام طلب وقفها بأي وسيلة، وقال: اذا احتاج الامر الى حمام دم، دعونا ننفذه ونحسم الامر. واشتهر رونالد ونانسي بقراءة الابراج وتصديقها، وهو عندما سئل عن الموضوع لم ينف او يؤيد، وانما قال انه لا يعرف ما يكفي ليبدي رأياً. وكان ريغان قال يوماً: نخصص ساعات واسابيع كل يوم لاعداد الميزانية. وقال جورج بوش الابن بعده: هذه ميزانية بالتأكيد انها ملأى بالارقام. كلهم بوش الاب او الابن او ريغان. جيمي كارتر قال يوماً انه واثق من وجود صحون طائرة لأنه رأى واحداً منها. وبيل كلينتون الذكي قال للمستشار الالماني هيلموت كول الضخم الجثة: كنت افكر فيك الليلة الماضية يا هيلموت، فقد كنت اتفرج على مصارعة السومو على التلفزيون. وعندما كنت أقيم في واشنطن ثارت ضجّة على وزير الداخلية في حينه جيمس وات انتهت باستقالته، فهو أهان كل الأقليات في جملة واحدة بقوله سنة 1983: عندنا كل نوع ممكن، أسود، امرأة، يهوديان اثنان، ومُقعد. ووقعت فيضانات هائلة في كاليفورنيا فقال الحاكم بات براون: هذه اسوأ كارثة تصيب كاليفورنيا منذ انتخابي. رئيس الوزراء البريطاني ادوارد هيث قال وهو مسافر: انا في مهمة انسانية، لذلك فأنا لا امثل الحكومة البريطانية بأي شكل. وقال رئيس الوزراء البريطاني الآخر جون ميجور: اذا كان ظهرك الى الحائط، فلا تستطيع ان تفعل شيئاً سوى ان تستدير وتقاتل. اما انطوني ايدن الذي سبق الاثنين، فقال شارحاً العدوان الثلاثي: لسنا في حالة حرب مع مصر، وانما في حالة نزاع مسلح. وجاء بعده بعقدين السفير الفرنسي في نيوزيلندا الذي رد على الحملة ضد التجارب النووية الفرنسية في المحيط الهادئ، بالقول: لا احب كلمة قنبلة. انها ليست قنبلة. انها جهاز متفجّر. وما سبق يساعد القارئ على فهم الكذب وتطويع الكلام في غير معناه خلال الحرب على العراق، ولعل القارئ يذكر كيف ألحق الصحافيون بالقوات الاميركية، فلم ينقلوا من الاخبار الا ما أُعطي لهم منها، وهذا ليس جديداً البتة، ففي حرب فيتنام قال القائد الجنرال وليام ويستمورلاند مدافعاً عن الرقابة الصحافية انها مهمة، لان غيابها سيترك الناس وقد ارتبكت عقولهم. وكانت مارغريت ثاتشر قالت يوماً: لست واثقة مما يقوله زميلي المبجل، ولكن موقفي مثل موقفه تماماً. ويبدو ان عدم الفهم لا يمنع التأييد او المعارضة وبوش الاب قال: لا اعرف ما يقول الا انني اعارضه. غير انني اريد ان اختتم بشيء أخف وطأة، فقد قال السياسي البريطاني جون ديوار اللورد ديوار في ما بعد ان مايكل فوت نعي على قدمين لحزب العمال. والوصف هذا دقيق الى حد الإيلام، فقد كان جون فوت مسناً، يعرج وشعره ابيض منفوش عندما اصبح رئيساً لحزب العمال في اواخر السبعينات عندما كان الحزب متطرفاً، وألحقت به مارغريت ثاتشر والمحافظون هزيمة منكرة. وديوار قدّم نصيحة بعيدة عن السياسة، وان كانت تنفع السياسيين مع غيرهم هي: الرجل يجب ان يبلغ زوجته كل شيء يمكن ان تكتشفه بنفسها، او يمكن ان يبلغها به الآخرون