لم يدرِ الفتى اياد، الذي لم يتجاوز السادسة عشرة من عمره كيف يستوعب الاحداث التي دارت أمامه خلال 24 ساعة وفقد فيها شقيقه وابن خاله. كان شاهداً على موت الاثنين معاً وعلى تفاصيل جريمتي القتل التي نفذها الجنود الاسرائيليون. شاهد كيف تتعذب امه وهي تودع ابنها وابن شقيقها في يوم واحد. قتلا من دون مواجهات ولا هجوم على حاجز ولا دبابة. هكذا من دون أي سبب، لمجرد انهما فلسطينيان. لم تكن تلك المعاناة الأولى لاياد في ظل محاصرة الجيش الاسرائيلي بلدته نابلس، فهو سبق وفقد زملاء له استشهدوا او زجوا في السجون الاسرائيلية وشاهد كيف اصيب ابناء حيه الاطفال والفتيان برصاص الجيش وتحول اثنان منهم الى مقعدين. صور كثيرة عبرت في خياله وقصص كثيرة سمعها خلال أيام عزاء شقيقه وابن خاله يبدو أنها اثرت عليه بشكل كبير ما جعله يتحول، خلال اقل من اسبوع، الى مشروع شاب استشهادي. فخلال هذه الايام عاش وحيداً مع لحظات استشهاد الاثنين. واضاف اليها صور عدد من زملاء المدرسه الشهداء والاسرى، وعجزت والدته عبير، التي لم تتعد الخامسة والثلاثين من عمرها، عن مساعدة ابنها. بل هي الاخرى كانت تحتاج لدعم ومساعدة، بل ان جميع افراد العائلة كانوا يحتاجون الى المساعدة النفسية والدعم. ولما وجد اياد نفسه عاجزاً عن تقديم أي شيء يساعد عائلته ووالدته التي تعيش حالة ياس واحباط ونواح دائم وان احداً لم يحاسب منفذي عملية القتل، وجد في نفسه الاداة للانتقام، فقرر الاستشهاد. أقل من اسبوع وتفقد الام عبير بكرها اياد. في ساعات الصباح الأولى زنر جسده بحزام ناسفٍ وتوجه نحو الجنود لينتقم، وهناك فجر نفسه. في عمليته لم يصب احد من الجنود الا ان جسده تمزق كلياً. والدته عبير لم تستوعب ما يجري. فكيف قرر ابنها بهذه السرعة، ان يتحول الى استشهادي. تقول: "قد يكون موت شقيقه وابن خاله أثر عليه كثيراً. شقيقه امجد الذي يصغره بعام واحد، كان في طريقه الى المدرسة لاجراء امتحان فقتل برصاص الجيش. أما محمد ابن خاله فقتل وهو يحمل نعش أمجد بعدما اطلق الجيش الرصاص على المشيعين، وجاءت الاصابة في رأسه. ما علمته ان اياد كاد أن يقتل هو الاخر في الجنازة"، تقول الام وتحاول ان تتذكر تصرفات ابنها في تلك الفترة: "كان هادئاً طوال ايام العزاء حتى انه طلب منا عدم انهاء العزاء. لم أفهمه وطبعاً لم نتجاوب مع طلبه لأنه من الطبيعي انهاء العزاء بعد ايام محددة، لكن اياد كان يلح علينا بطلبه عدم اغلاق بيت العزاء الى ان ذهب واستشهد". حال اياد واحدة من مئات حالات الاطفال والفتيان الفلسطينيين الذين كانوا شهود عيان، خلال سنوات انتفاضة الاقصى، على القتل والاعتقال والتعذيب لافراد عائلاتهم واقاربهم وجيرانهم، ما ولّد لديهم رغبة الاستشهاد ليصبح المعدل بين أطفال فلسطين الراغبين بالاستشهاد واحداً من بين كل اربعة اطفال. وعندما يجري الحديث عن اطفال غزة فإن استعداد الاطفال لاستشهاد يتضاعف. فهناك كثافة السكان أكبر، ومعاناتهم اقسى والصور اليومية التي تلاحقهم جراء عمليات القتل والاعتداء والاعتقال باتت تؤثر بشكل خطير على الاطفال. واليوم وبعد الصور المرعبة التي نشرت عبر مختلف وسائل الاعلام عن عملية اغتيال الشيخ احمد ياسين سواء كانت صور الشهداء، وبشكل خاص الشيخ احمد ياسين، أو صور الفلسطينيين الذين شاركوا في تشييع الجثامين وراحوا يبكون زعيم "حماس" من مسنين ورجال وشباب ونساء واطفال ويتوعدون بالانتقام، فإن وضع أطفال غزة والفتيان الذين لم يتجاوزوا السادسة عشرة من عمرهم سيكون أخطر واصعب. فالانتقام بات الوسيلة الوحيدة اهم في ظل الظروف الحالية امام العمليات العسكرية والاغتيالات التي تنفذها إسرائيل بحق الفلسطينيين. دراسة احصائية في دراسة اجراها "برنامج غزة للصحة النفسية بين الاطفال"، تبين ان 25 في المئة منهم يريدون ان يصبحوا شهداء قبل سن 18 عاماً. وفي حديث مع "الوسط"، قال الدكتور صلاح عبدالشافي مدير عام برنامج غزة الذي اشرف على هذه الدراسة، فإن وضع الطفل الفلسطيني يزداد تعقيداً والفترة المقبلة قد تكون أخطر فترة زمنية في تاريخ هذا الشعب بكل ما يتعلق بوضع الاطفال. ويقول: "عندما نتحدث عن اطفال يريدون الاستشهاد فاننا نتحدث عن شريحة في جيل ما بين 9 و17 عاماً، والأبرز بين هؤلاء نسبة الفتيات التي لا تقل عن نسبة الفتيان والاطفال الذين يرغبون بالشهادة". وجاء اجراء الدراسة بعد ارتفاع عدد الفتيان الفلسطينيين الذين نفذوا عمليات استشهادية، وانتهت غالبية هذه العمليات بمقتل الاطفال فقط. ففي العملية التي نفذها اياد كانت الخطة تقضي أن يصل الى بلدة يهودية في مركز اسرائيل وتنفيذ عملية استشهادية هناك، لكنه في اول لقاء مع الجنود عند الحاجز القريب من بلدته فجّر نفسه. لا احد يعرف الظروف التي أدت الى تفجير نفسه بهذا الشكل وعدم تنفيذ العملية كما كان مخططاً لها، ولكن من الواضح ان حال الخوف التي يعيشها فتى لا يتعدى السابعة عشرة من عمره من الطبيعي ان تؤدي إلى مثل حال اياد. الشهيد قبل الأب والمعلم يقول عبدالشافي ان الرغبة بالاستشهاد ليست جديدة عند الطفل الفلسطيني وانما باتت ملموسة أكثر هذه الايام وقد تتحول الى ظاهرة خطيرة، ويضيف: "الدراسة الحالية تتعلق بالطفل الفلسطيني خلال ثلاث سنوات انتفاضة الاقصى، ولكن عموماً منذ العام 1967 والطفل الفلسطيني يعيش وضعاً غير طبيعي بسبب الحرب المتواصلة مع الاسرائيليين. إلا أن ما يميز السنوات الثلاث الاخيرة العنف الشديد الذي يستخدمه الجيش الاسرائيلي تجاه الفلسطينيين بحيث أصبح المجتمع بأسره عرضة للعنف. الأب والأم والطفل والمدرس وكل فئات المجتمع يتعرضون يومياً لعنف واعتداءات وقتل واعتقالات". وما يؤثر على الطفل الفلسطيني، بنظر عبدالشافي انه يعيش العنف بشكل مباشر: "فهو يكون شاهد عيان على حالات قتل ومشاهد مصابين وجنازات شهداء في الشوارع وان لم يعش العنف بشكل مباشر فهو يلمسه بشكل غير مباشر من قبل الاهل. فهو يلاحظ خوف أمه ووالده ومدرسه، وعجز كل واحد من هؤلاء عن تقديم المساعدة له أو حمايته". الدراسة التي كشفت الوضع الخطير لدى الأطفال الفلسطينيين شملت عينة من الفتيان حسب التوزيع الجنسي وتركيبة المجتمع، 3.50 في المئة من البنات و49.7 في المئة من الفتيان وتبين ان نسبة الفتيات اللواتي أصبن بالصدمة تجاوزت 57 في المئة، فيما لا تتعدى النسبة 33 في المئة من الفتيان. 25 في المئة من الاطفال والفتيان يطمحون الى تنفيذ عمليات استشهادية والمفاجأة كانت في الرغبة الشديدة بين الفتيات لتنفيذ عمليات استشهادية، إذ تطمح 32.2 في المئة منهن لذلك وتصل النسبة بين الفتيان الى 67.8 في المئة. أما الأسباب التي ادت الى هذه الوضعية فتشير الدراسة الى الآتي: - 94.6 في المئة من الاطفال شاهدوا جنازات. - 83.2 في المئة شاهدوا اطلاق نار. - 66.9 في المئة شاهدوا أشخاصاً من خارج العائلة يصابون او يقتلون و62 في المئة منهم شاهدوا أفراداً من العائلة يصابون او يقتلون. - 36 في المئة من الاطفال تعرضوا لغاز مسيل للدموع. ومن جراء هذا الوضع تبين ان 32 في المئة من الاطفال تعرضوا لصدمة نفسية بعد الحادث و33 في المئة يعانون من اعراض الصدمة مثل الكوابيس في المساء وحالات القلق الشديدة والتبول اللاارادي في الليل، وليس أقل خطورة من هذه الاحصاءات، ان 33 في المئة من الاطفال، وهي نسبة مرتفعة جدا، يعانون من مظاهر حادة جدا ويحتاجون الى علاج نفسي، ولكن القسم الأكبر منهم لا يتلقى العلاج. هؤلاء هم الاستشهاديون القادمون، كما يرى الاخصائيون النفسيون. ويقول محدثنا ان الحالة التي تطرأ على الطفل الفلسطيني بعد مشاهدته حالات العنف ومعاناته النفسية الشديدة من دون تلقي العلاج اللازم تدفعه الى حال احباط ويأس قد تكون السبب المشجع له للاستشهاد. ويقول: "ما نلمسه اليوم بين الاطفال هو أن تكثيف الاحتلال وتضييق الخناق على الفلسطينيين أصبح سبباً مباشراً لاحباط الأطفال وادخالهم في حالات صعبة لا تقتصر على الخوف والقلق، بل تصل الى أن أي طفل يفقد قريباً قوياً يندفع الى البحث عن أساليب تجعله هو قوياً يستطيع مواجهة الجنود الإسرائيليين". ويقول عبدالشافي: "الطفل الفلسطيني يرى والده، رمز القوة والحماية، خائفاً وغير قادر على توفير الحماية لأطفاله وأفراد عائلته. وعندما يغادر البيت متوجها الى المدرسة يواجه الجيش والدبابات والعراقيل والاجراءات المشددة وأحياناً لا يصل الى المدرسة فيعود في حال نفسية سيئة. وان وصل الى المدرسة فقد يتعرض وزملاؤه لاعتداءات داخل المدرسة وفي هذه الحال المفروض ان يكون المدرس او مدير المدرسة، وهما رمز الاحترام والقوة، محل الامان والدفاع عن الطلاب، لكنهما يصبحان ضعيفين وعاجزين عن حماية الطلاب، عندها يبدأ الطفل في البحث عن نموذج جديد وشخص بطل يمثل له القوة. فلا يجد أمامه إلا المقاتل أو الشهيد أو منفذ العملية. هؤلاء يصبحون لدى الطفل البديل عن الوالد وعن المدرس. فالمقاتل ومنفذ العملية والشهيد هم رمز القوة وهم، وحدهم، القادرين على الانتقام ومواجهة الجنود وأعمالهم الهمجية. عندها تصبح لدى الطفل حالة تماثل مع الانسان القوي ويصبح هؤلاء المثل الأعلى له بدلاً من والديه ومعلمه. ويتعزز هذا الشعور لدى الطفل حتى في ظل غياب رئيس السلطة المحاصر وغير القادر على الدفاع عن أي شخص. وهكذا يصبح الشهيد المثل الأعلى للطفل فتولد لديه رغبة الموت وتنفيذ العملية". وتعكس الدراسة أيضاً وضع الاستشهاديين عموماً حيث يظهر بشكل واضح ان كثيرين من الشهداء الذين نفذوا عمليات خلال انتفاضة الاقصى كانوا أطفالاً في الانتفاضة الاولى بين 1987-1989. وحسب عبدالشافي، فإن الوضع سيكرر نفسه في هذه الفترة أيضاً، فإن لم يذهب الاطفال والفتيان، الشهود على انتفاضة الأقصى، لتنفيذ عمليات، وإذا تواصلت عمليات القتل والاحتلال، فإنهم سيتحولون مقاتلين أو استشهاديين في السنوات القليلة المقبلة. وفي مقارنة بين دراستين أعدتا في الانتفاضة الأولى وانتفاضة الأقصى تبين ان وضع الطفل الفلسطيني والمشاكل التي يعاني منها وتدفعه الى تنفيذ عملية استشهادية ازدادت سوءا. وكما يقول الدكتور شفيق مصالحة الذي اعد الدراستين فان الطفل الفلسطيني خلال انتفاضة الاقصى يشعر بأنه أقل سعادة ويفتقد أي أمل في الحياة وفي مستقبل افضل وهو على استعداد أكثر للاستشهاد. ويستند مصالحة إلى نتائج دراسة انتفاضة الاقصى التي بينت ان 90 في المئة من الأطفال الفلسطينيين يحلمون أحلاماً سياسية، و80 في المئة من الاحلام تتركز على الصراع الاسرائيلي - الفلسطيني. ويقول: "الاجواء التي تحيط بالأطفال الفلسطينيين تؤثر عليهم بشكل مباشر فتقوي رغبتهم في الاستشهاد تعبيراً عن العجز الذي يشعرون به أمام ما يشاهدونه من عمليات قتل واغتيال وحصار وجوع وفقر واغلاق مدارس واعتقالات. ففي هذه الانتفاضة الطفل غير فعال في مقاومة الاحتلال في حين كان في الانتفاضة الاولى في وضع يختلف من خلال مواجهة الجنود بالحجارة. في الانتفاضة الاولى كان يمكن للطفل والفتى ان يفرغ ما يشعر به من ضيق وغضب اما في الانتفاضة الثانية فالطفل يواجه بشكل مستمر الدبابات والطائرات والصواريخ والغارات المسائية وكل هذا جعله يعيش حالاً نفسية صعبة". ويضيف مصالحة: "أحلام الطفل الفلسطيني تنبع من مشاهداته اليومية. فهذا والده يستشهد وآخر شقيقه يعتقل أو جاره يهان ويذل ويقتل وسط الشارع. لقد باتت احلام الطفل الفلسطيني خالية من التفاؤل، فهو لا يحلم ببيت جميل ولا برحلة الى الخارج ولا حتى شراء الملابس الجميلة. أحلام اطفال فلسطين باتت قومية ووطنية وتتركز على طريقة الانتصار على اسرائيل واقامة الدولة الفلسطينية". إن الخطر الأكبر الذي يواجهه الفلسطينيون اليوم هو عدم وجود مؤسسات كافية لعلاج الاطفال الذين يعانون من حالات نفسية صعبة. فظاهرة استشهاد الأطفال الفلسطينيين، ومع كل ما تحمله من معان مأسوية وأخطار على مستقبل المجتمع الفلسطيني، لا تحظى باهتمام المؤسسات المختصة. ربما لانشغالها في هذه الفترة القاسية التي يعيشها الشعب الفلسطيني، من خلال المعارك اليومية، من دون أن تتنبه إلى الظواهر الكثيرة الاخرى التي يمر بها هذا الشعب وتبدو كأنها بسيطة لكن نتائجها في الواقع خطيرة جداً. وتكفي زيارة هذه المؤسسات للتأكد من عدم إعارة الموضوع العناية اللازمة، حيث لا أحد يفكر في كيفية معالجة هذه الظاهرة واستدراك الاخطار المترتبة عليها، على رغم ان العديد من المؤسسات والمسؤولين مطلعون على الدراسات التي اجريت حول هذا الموضوع. ويقول عبدالشافي إن "استمرار هذا الوضع سيشكل خطراً جدياً على مستقبل الأطفال، لأن الصراع مع اسرائيل بدا يدخل الى المجتمع الفلسطيني من دون أن يكون أحد منهم محصناً من نتائج هذا الصراع". ويذهب إلى ابعد من ذلك فيقول إن نتائج الوضع الحالي لن تقتصر على اقبال الاطفال والفتيان على الاستشهاد، فهناك خطر من وقوع اضرار اخرى في المجتمع الفلسطيني مثل ارتفاع نسبة الجريمة وعدم الالتزام بالقانون، ما يعني جعله مجتمعاً فوضوياً ساقطاً. وهذا يستدعي وضع خطة اشفاء سريعة للأوضاع النفسية التي يعيشها الأطفال. وإضافة إلى العلاج النفسي الذي يتوجب تقديمه للطفل هناك حاجة لتوعية الاطراف المختلفة حول ضرورة التعامل بالشكل السليم مع الطفل بحيث لا يرى الاستشهاد مخرجاً وحيداً لمشكلته وضائقته ولا يقع فريسة التربية الخاطئة التي يتلقاها، سواء في المدرسة أو من خلال وسائل الاعلام أو المؤسسات المختلفة. ويرى عبدالشافي أن الخطأ الكبير الذي يرتكب داخل المجتمع الفلسطيني هو ضم الطفل الفلسطيني إلى عملية النضال والعنف ضد الاحتلال ويقول: "يمكننا ومن دون ان نعزل الاطفال عن واقعهم، حمايتهم من مؤثرات الاحتلال. فمن حقنا مقاومة الاحتلال ويمكننا فعل ذلك من دون ان يواجه الطفل الدبابة أو تجنيده لعملية استشهادية. فمن حق الأطفال الحصول على تعليم جيد وحياة كريمة وتفكير علمي. وهذا هو أكبر تحد للاحتلال الذي يريدنا شعباً متخلفاً بلا علم ولا تقدم ولا تكنولوجيا، وليس فقط بلا وطن وبلا أرض. وعلينا ان نحرص على ان نوزع مسؤولياتنا النضالية بطريقة تحفظ لأطفالنا سلاح العلم فالنضال الاخر ضد الاحتلال له رجاله". وبكل وضوح يرى عبدالشافي ان الفلسطينيين اليوم في مأزق حقيقي أمام الوضع القائم الذي لا تسعى فيه الاطراف الى انقاذ الاطفال، وإن لم يكن ذلك بسبب عدم توافر المؤسسات الكافية، فإن مساهمات شخصية واساليب تعليم خاطئة تجعل الطفل ضحية الصراع الاسرائيلي - الفلسطيني. وتحاول المؤسسة التي يشرف عليها عبدالشافي، كما يقول، خدمة أكبر شريحة من الاطفال الفلسطينيين وعائلاتهم من خلال برامج توعية وارشادات وتقديم العلاج النفسي، خصوصاً للأطفال الذي يسكنون في مناطق أصبحت على مدار السنوات الثلاث عرضة للضربات الاسرائيلية. والى جانب متابعة وضع الطفل وحاله النفسية، فإن المركز يعمل مع العائلات والمدارس في محاولة للكشف عن الاطفال الذين يعيشون وضعاً نفسياً صعباً قد يوصلهم الى قرار الاستشهاد دفاتر التلامذة... "قنابل"! لا يمكن تجاهل حقيقة أن تصرفات الجيش الإسرائيلي تجاه الأطفال الفلسطينيين، هي السبب الأساسي في توليد ردود فعل لديهم تكون في كثير من الأحيان متطرفة، مثل الرغبة في الاستشهاد. ففي إحدى العمليات الخاصة التي قام بها الجيش ضد طلاب مدارس اصيب المئات منهم بالرعب وهم يشاهدون الجيش يصادر كتبهم ودفاترهم. وكان الهدف الأساسي من الحملة "اثبات أن الأطفال الفلسطينيين هم أيضاً أصحاب مواقف تحريضية سامة". إذ زعم الجيش أنه عثر على مواد تحريضية وسامة ضد إسرائيل فيها تمجيد ل"المخربين" يحتفظ بها الأطفال في دفاترهم. هذه الصور وزعها الجيش الإسرائيلي على وسائل الإعلام كوسيلة تحريض على الفلسطينيين، من تنظيمات ومدارس وسلطة رسمية، حيث وزعت الصور تحت عنوان "دروس في الإرهاب". وعلى رغم أنه كانت هناك رسومات على بضعة دفاتر من يوميات الأطفال، إلا أن الإعلان عنها هدف إلى اظهار المعلمين الفلسطينيين وكأنهم يدرسون الطلاب هذه المواد ويقنعونهم بأن "الشهداء" هم الأبطال. وطاول التحريض أيضاً السلطة الفلسطينية بادعاء أن الدفاتر ضبطت داخل مدرسة حكومية تابعة للسلطة الفلسطينية. ومن بين الصور التي وزعها الجيش من مفكرة طالب، واحدة تحمل صور 13 شهيداً من فلسطينيي الداخل الذين قتلوا في أحداث تشرين الأول اكتوبر 2000 أثناء المواجهات مع الجيش الإسرائيلي، وكان قرار لجنة "أور" الإسرائيلية، التي بحثت في حيثيات الأحداث التي أدت إلى مقتل هؤلاء الشبان، وجه إدانة إلى قادة الشرطة الإسرائيلية باطلاق النار بشكل غير مبرر. وجاءت صور هؤلاء الشهداء في إعلان الجيش الإسرائيلي تحت عنوان "مخربون".