"أنا أمّ، كغيري من أمهات العالم. نحلم ان يكبر أبناؤنا ويتعلموا. كنت أحلم أن يصبح ابني طبيباً أو مهندساً أو أستاذ مدرسة... أو على الأقل، حامل شهادة جامعية، تؤمن له مستقبلاً واعداً. وأن يكون واعياً ومثقفاً. إلاّ أنه ذهب هكذا بكل سهولة، ببساطة، فجّر نفسه. في ظروف لا يعلم قسوتها إلاّ الله، سعينا إلى تعليمه وتربيته مع أشقائه. خلال 15 سنة، كان همي الوحيد ان يكبروا ويتعلموا ويتثقفوا. ولكن يوسف، حطّم أحلامي. كنت أرسم له كل يوم في مخيلتي صورة مستقبل جميل. وفجأة رحل. دمّر أملي، ورحل، اختار أن يكون شهيداً". من الصعب على إلهام زقوت إكمال حديثها، من دون أن تقاطعها دموعها، وهي الأم الفلسطينية، التي فقدت"طفلها"في عملية استشهادية غزة في 23 نيسان أبريل 2002. فتغيّر اسمها إلى أم الشهيد يوسف زقوت، على رغم أن بكرها يدعى أحمد. أيام وأسابيع وشهور، تمر قاسية، على عائلة زقوت وغيرها من العائلات الفلسطينية، في ظلّ الاحتلال الإسرائيلي، والقصف المستمر للأحياء السكنية. وتسأل الهام:"هل تتصورين ماذا يحدث لطفل عندما تهتز أركان البيت من قوة القصف؟". وتجيب نفسها:"صراخ، خوف، ورعب... يرتجف جسد الطفل كله، ويعجز عن النوم من بعدها. كان همي الوحيد أن أبعهث في نفوس أولادي شيئاً من الطمأنينة". الفتى الشهيد يوسف زقوت، واحد من عشرات صبية فلسطين الذين ينفذون عمليات استشهادية. وفي حين أن بعض العائلات تصنّف هذه الأعمال كواجب وطني، كان همّ إلهام الوحيد ولا يزال المحافظة على حياة أولادها، وحمايتهم من الأعمال البربرية للجيش الإسرائيلي وجرائم القتل اليومي. وتقول إلهام:"الوحشية الإسرائيلية، تشكّل دوافع قوية للفتية ليقوموا بمثل هذه العمليات، كرد فعل انتقامي". إلاّ أن إلهام تلقي اللوم أيضاً، على التنظيمات الفلسطينية، وتلقي المسؤولية على عاتق القيّمين الذين يسمحون للأطفال بتنفيذ عمليات كهذه. وتشرح أم يوسف بحسرة:"الجهاد، في رأيي، ان يتعلم ابني ويكبر ويحلم. أن ينال شهادة جامعية. العلم هو الجهاد". ثم تروي:"نفّذ يوسف 15 عاماً عملية استشهادية، في مستوطنة نتسريم في قطاع غزة مع اثنين من أصدقائه، مغيّراً معالم المستقبل الذي رسمه له والداه. وترك أهله يتخبطون بين أحلامهم والواقع. ويقول والده باسم:"الجهاد رسالة في قلب كل فلسطيني، ولكن دور ابني لم يأت بعد. وخطأ كبير إذا هللنا لعمليات استشهادية يقوم بها أطفال وفتيان، فهؤلاء نحن في حاجة ماسة إليهم، إنهم مستقبلنا. واستخدامهم للعمليات الاستشهادية تفريغ الشعب الفلسطيني من أجياله". مهمّة أخرى ترتبت على عاتق العائلة، بعد استشهاد يوسف، وتحوّل التركيز إلى الحد من انعكاسات المأساة:"نركّز على توعية أبنائنا على الخطأ الذي ارتكبه يوسف، وفي الوقت نفسه، نحاول الحفاظ على حياتهم من العمليات الإجرامية التي ينفذها الجيش الإسرائيلي". وتقول إلهام:"مقتل يوسف خسارة لا تعوّض، إنه طفل. اليوم، أتحدث مع أحمد يكبر يوسف بعام واحد، في شكل متواصل عن الخطأ الذي ارتكبه يوسف". 75 في المئة من الفتيان والفتيات الفلسطينيين حلموا خلال فترة انتفاضة الأقصى أن يصبحوا شهداء، بحسب دراسة خاصة أُجريت حول تأثير الحرب في الأطفال الفلسطينيين. إحصاءات تبقى هامشية بالنسبة الى العديد من المؤسسات الفلسطينية، التي لا تولي اهتماماً كبيراً لنفسية الطفل الفلسطيني وما يرافقه في أعقاب جرائم الاحتلال. وتوضح أم الشهيد يوسف، أن المشكلة التي تعانيها العائلات، هي الجهل بنيات الأطفال الذين يقررون تنفيذ عملية ما أو حتى الإحساس بها:"مرّة واحدة قال يوسف: سأخرج وأقاوم المحتل والويل لمن يعترض طريقي، وذلك بعد رؤيته صور مجزرة جنين. وكان يتألم لرؤية جنازات الشهداء، وبخاصة صديقه هيثم أبو شوكة الذي استشهد قبل يومين، من تنفيذ يوسف العملية. ولكننا لم نتوقع ولا في أسوأ أحلامنا، ولم نشعر يوماً أن طفلنا يوسف يمكن أن يُقدم على خطأ كهذا".