منذ إعلان مجلس الحكم العراقي الانتقالي في أواخر العام الماضي قراره طرد عناصر منظمة "مجاهدين خلق" الإيرانية المعارضة من العراق، كثرت التأويلات في شأن مصير بضعة آلاف من هذه المجموعة التي تحوطها حراسة أميركية مشددة في مقرها في مخيم أشرف قرب بغداد. وعلى رغم أن قرار مجلس الحكم ينص على طرد هذه العناصر في نهاية العام 2003، إلا أن القرار لم يدخل حيّز التنفيذ بعد. فآلية تطبيقه لا تزال عصية في ظل التعقيدات التي تحيط بهذا الملف. هل سيطرد هؤلاء إلى إيران التي تصفهم ب"المنافقين" وتريد محاكمتهم، أم إلى دول أخرى، كما أعلن في وقت سابق الحاكم الأميركي في العراق بول بريمر؟ توقيت القرار له أهميته، إذ يمكن ربطه برغبة مجلس الحكم الانتقالي في تحسين علاقته بإيران. وحالياً لم تعد هناك مجموعات معارضة فعلية على أي من الحدود الإيرانية. لكنّ هناك سؤالاً لم تتم الإجابة عنه وهو: ما الذي سيحل بالمنظمة؟ فقرار مجلس الحكم العراقي يدعو الى إغلاق مركز المنظمة في بغداد وحظر النشاطات السياسية لأعضائها إلى حين رحيلهم من العراق. كما ينص على مصادرة أرصدة المنظمة وأسلحتها، وذلك كله سيسجل ضمن الأرصدة الخاصة بتعويضات ضحايا نظام صدام حسين. لقد أثار قرار إنهاء ملف منظمة "مجاهدين خلق" جدلاً واسعاً حتى داخل الإدارة الأميركية نفسها. أما داخل دوائر المعارضة الإيرانية، فسرعان ما ارتفعت أصوات عناصر سابقة من تنظيم المجاهدين تروي تجارب وحكايات أضفت ملامح مختلفة على هذه الجماعة، وهي التنظيم المسلح الوحيد في المعارضة الإيرانية، والذي تحكمه سيطرة تشبه تلك العائدة لجماعات دينية صغيرة ذات ممارسات خاصة: طقوس على غرار الممارسات الماوية، من تجريم النفس وإدانتها والتي تتطلب أيضاً تبجيلاً إلى حدّ العبادة للزوجين قائدي التنظيم، مسعود ومريم رجوي. ويتحدث مقاتلون سابقون تم تجنيدهم سواء في الولاياتالمتحدة وأوروبا أم مباشرة بين الإيرانيين الذين كانوا سجناء حرب في العراق، عن الخوف الشديد السائد داخل دوائر هذه المجموعة. وتروي معصومة روشان حكايتها بين إيرانوالعراق. فبعد طول انتظار حلّ أخيراً اليوم الذي كانت تصلي من أجله، إذ تمكنت في أواخر شهر ايلول سبتمبر الماضي من السفر إلى العراق ورؤية ابنها الوحيد وهو مراهق أغرته جماعة "مجاهدين خلق". لكن لقاء لمّ الشمل بين روشان وابنها سرعان ما تحول إلى لقاء دامع في مخيم أشرف، حيث تحرس القوات الأميركية حوالي 3800 مقاتل من "مجاهدين خلق". فقد قوبلت لهفة السيدة الإيرانية بأخذ ابنها والعودة إلى إيران برفض من القوات الأميركية التي قالت إن الفتى لا يمكنه المغادرة بعد. وتقول روشان إنها بالكاد تعرفت على ابنها الذي لم يتجاوز السابعة عشرة من عمره حين رأته بهيئته البائسة في المخيم. "لقد اقترب من أذني وقال لي: لا تبكي يا أمي، كوني واثقة أنني سأعود معك. لا يمكنني البقاء هنا. إنهم ليسوا بشراً"! تتذكر روشان وهي تحاول أن تخفف من ارتجاف صوتها. حين كان مجد في إيران حصل على الحزام البرتقالي في لعبة الكاراتيه، وكان والداه قد تلقيا وعوداً بأنهما إذا انخرطا في جماعة "مجاهدين خلق" فسيتم احتساب سنتين دراسيتين بسنة واحدة لابنهما، كما وُعدا بضمان مقعد له في الجامعة، إلا أن أياً من ذلك لم يتحقق وبقي مجد في المخيم في العراق. "لقد خلع رداءه العسكري وصرخ: لا يمكنني العودة. ستكون حياتي في خطر". تتذكر روشان خلال مقابلة أجرتها معها صحيفة أجنبية في طهران. ضباط "مجاهدين خلق" والقوات الأميركية أصروا على بقاء مجد لذا اضطرت روشان لأن تعود وحيدة إلى طهران. في طريق عودتها خالية الوفاض شعرت بالخوف، "كنت كشخص ميت" تقول روشان. المقاتلون الذين كانوا يوماً على استعداد لأن يموتوا من أجل منظمة "مجاهدين خلق" هم اليوم في فخّ يُشبهونه بالدور الذي تمّ إلصاقه بتحالف الشمال الأفغاني ضد حركة "طالبان"، فقد طغت قناعة بأنه سيتم استخدام هذا التنظيم للضغط على إيران، "لا أعتقد بأن الولاياتالمتحدة يمكنها أن تستفيد من هذه المجموعة" يقول أشرف سامتيبور وهو مقاتل سابق في المنظمة تم تجنيده في الولاياتالمتحدة. وقد نجا أشرف من بضع محاولات انتحار من خلال كبسولات من سم السينيد ومن خلال قنبلة يدوية أدت إلى بتر يده اليمنى بعد محاولة انتحار فاشلة في طهران مطلع العام 2000". "أتذكر جيداً يومياتنا حين كنا في مخيم أشرف. كانوا يوقظوننا في الساعة السابعة، وكنا ننشد أغاني تتضمن عبارات من نوع : في آخر الطريق ينتظر المجاهدون. والأشرار سيخرجون". يتذكر أشرف وهو لا يزال يقبع في السجن في إيران، حيث أجرت صحيفة أميركية مقابلة معه، "إنه تنظيم ماوي ماركسي والقائد مسعود رجوي يتصرف كستالين." تعاون وثيق مع صدام بقرار الطرد أنهى مجلس الحكم العراقي تاريخ هذه المجموعة في العراق، معتبراً انه "بعد التاريخ الأسود لهذه المنظمة الإرهابية والسنوات التي أمضتها في تعاملها الوثيق مع صدام حسين لا بد من إنهائها وطرد عناصرها من البلاد". أما الحاكم الأميركي بول بريمر فأعلن أن عناصر "مجاهدين خلق" لن يتم إبعادهم إلى إيران، بل إلى ثلاث دول سيختارها الأميركيون والمفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة ومجلس الحكم الانتقالي. وعلى رغم ذلك لا يزال مصير "مجاهدين خلق" غير واضح. فبينما يريد العراقيون تسريح المجموعة وحلها، فإن هذه الجماعة التي تضم طبقة سياسية ذكية لا تزال تحتفظ بدعم من قبل بعض أعضاء الكونغرس ومسؤولي البنتاغون الذين يرون في المنظمة أداة يمكن استخدامها ضد إيران. ويقرّ مسؤولون أميركيون بأن معلومات أساسية سربتها جماعة "مجاهدين خلق" أدت إلى اكتشافات مهمة في شأن برنامج إيران النووي، على رغم أن العديد من الاتهامات تبين أنها لا تتمتع بصدقية فعلية. أما إيران، فلطالما كانت تسعى إلى وقف نشاطات هذه المجموعة ومحاكمة قادتها، وقد عرضت طهران أن تحل أزمة "مجاهدين خلق" من خلال عملية تبادل تسلم إيران بموجبها عناصر من القاعدة معتقلين الآن في إيران في مقابل عناصر هذه المجموعة التي كانت أحد أبرز تعقيدات علاقات المثلث الإيرانيالعراقي الأميركي. مأزق عراقي أم أميركي؟ ويوحي وضع أولئك المحتجزين في مخيم أشرف قرب بغداد بالمأزق الذي تواجهه الأطراف المعنية بالقرار في العراق. فمصير "مجاهدين خلق" جزء لم يستكمل من أهداف الحرب الأميركية في العراق. وبالنسبة إلى كثيرين هناك ضرورة للتخلص من مشكلة "مجاهدين خلق" وحلّ قضيتهم، الأمر الذي عكسه القرار السريع والحاسم الصادر بالإجماع عن مجلس الحكم. وبعد القصف الأميركي لمواقع "مجاهدين خلق" في بداية الاجتياح الأميركي للعراق، سرعان ما تم التوصل إلى هدنة مع الجماعة التي يعتقد بعض صقور البنتاغون أنه يجب دعمها وتحويلها إلى أداة معارضة أميركية ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية. بعد إعلان الرئيس جورج بوش انتهاء العمليات العسكرية في العراق، سلمت "مجاهدين خلق" إلى القوات الأميركية 300 دبابة و250 ناقلة جند و250 قطعة مدفعية وعشرة آلاف قطعة سلاح صغيرة. ومع ذلك فإن التقارير تشير إلى استمرار قدرة المنظمة على شن هجمات ضد النظام الإيراني. وعلى رغم أن الجماعة تبدو ظاهرياً تحت حراسة أميركية لكن عناصرها لا يزالون يملكون أسلحتهم الخاصة الصغيرة. ورداً على قرار الطرد تقول المنظمة الايرانية المعارضة ان غالبية العراقيين تدعم وجودها في العراق، وأن قرار طرد أعضائها "بالكاد يعكس رغبات الملالي ونظامهم الذي يعتبرنا العقبة الأساسية في تصدير التطرف والديكتاتورية في العراق" وما يزيد من تعقيد وضع التنظيم افتقاده الى الشعبية المطلوبة في الأوساط الإيرانية، فعلى رغم أن إيرانيين كثيرين يرفضون سيطرة رجال الدين إلا أن ثمة نظرة تجاه "مجاهدين خلق" على أنهم مجموعة "خونة" حاربوا مع القوات العراقية ضد إيران في الثمانينات. أما في العراق، فلدى العراقيين القليل من الوقت والجهد للتفكير في وضع "مجاهدين خلق" مع انهم يدركون ان المنظمة ساعدت قوات صدام حسين في قمع الانتفاضة الكردية قبيل حرب الخليج الثانية كما ساعدت النظام البعثي في قمع انتفاضة الجنوب عام 1991. وعلى رغم ذلك تقول المنظمة انه "خلال وجودنا على مدى 17 عاماً في العراق لم نتدخل في الشؤون العراقية الداخلية". ويبدو أن الحساسيات الداخلية في العراق التي تفجرت مواجهات أمنية انعكست على قضية "مجاهدين خلق" التي أثار قرار طردها تظاهرات عراقية متضاربة. ففي حين تظاهرت عشائر محافظة كربلاء التي تتهم المنظمة بمشاركة صدام في قمع انتفاضة الشيعة تأييداً للقرار، ردّت عشائر محافظة ديالى التي يقع فيها معسكر أشرف التابع للمنظمة بتظاهرة أخرى محتجة عليه. وهتف متظاهرو ديالى بعبارات من نوع "ديالى ما تطرد ضيف" و"ثلثين الطك لأهل ديالى"، مكررين بذلك عبارة كان يرددها الرئيس العراقي المخلوع عندما كان يتحدث عن أهالي أي محافظة مشيداً بشدة أبنائها. وفي الوقت الذي لا يمكن فيه استبعاد دور إيراني في التحريض والتحرك ضد هذه الجماعة، والذي تمثل بتحريك تظاهرات في مدن عراقية من السهل رصد نفوذ إيراني فيها، يبدو أن للحراسة الأميركية المشددة على مخيم أشرف وظيفتين: الأولى تتمثل في ضبط أي محاولة للتحرك من قبل "مجاهدين خلق" باتجاه إيران والثانية وهي لا تقل أهمية عن الأولى، تتمثل في منع جماعات عراقية قريبة من إيران من الاقتراب من هذه المجموعة. ومما لا شك فيه ان الجميع امام مأزق خصوصاً ان التجارب تؤكد صعوبة التعامل مع "مجاهدين خلق" ففي حزيران يونيو 2003 اعتقلت فرنسا 150 ناشطاً من المنظمة بمن فيهم رئيستها مريم رجوي، لكن رد المنظمة جاء عنيفاً، اذ اقدمت عناصر منها على الانتحار من خلال اشعال النار في انفسهم، وهو اسلوب يُعتقد بأنه قد يتكرر اذا تم ارغام المنظمة على مغادرة العراق. وقبيل بدء تنفيذ قرار الطرد، يجادل محامون إيرانيون بأن هذا القرار يخالف قوانين الحرب ويقولون أنهم وجّهوا رسائل إلى وزير الدفاع الاميركي دونالد رامسفيلد وآخرين يطلبون من البنتاغون إبطال القرار. ويقول مسؤول في البنتاغون إن "الولاياتالمتحدة تدرس خيار إرسال أعضاء "مجاهدين خلق" إلى دول غير إيران بعد التدقيق في سجلاتهم، فمن يثبت عليه التورط في جرائم يجب أن يعاقب بطريقة ما. لكن لا ينبغي أن يعودوا إلى إيران وإذا لم يكونوا متورطين في جرائم فهناك العديد من الأماكن التي يمكنهم الذهاب إليها". ولا شك في أن قرار طرد المنظمة من العراق ومصادرة أملاكها يعتبر خطوة من شأنها تبديل توازن القوى في المنطقة. فالقرار الذي اتخذه مجلس الحكم العراقي هو خطوة أمنية سياسية مهمة بالنسبة إلى إيران. كما أن إنهاء وجود المنظمة يعد نقطة تحول في السياسة الأميركية. فمستقبل المعارضة الإيرانية كان محل جدل داخل إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش. وحركة "مجاهدين خلق" التي تمزج بين الماركسية والإسلام هي على لائحة المنظمات الإرهابية منذ عام 1999، لكن بعض صقور الإدارة جادلوا بأن المنظمة يمكن أن تكون أداة بيد الإدارة لفرض التغيير في إيران. وتعرضت واشنطن لضغوط متزايدة قبيل غزو العراق من الأوروبيين وحلفاء آخرين لوقف نشاط المنظمة ومعاملتها مثل بقية المنظمات الإرهابية