في إحدى المناظرات التي ينظمها تجمع البرلمانيين السود بين المرشحين الديموقراطيين للانتخابات الأولية للرئاسة الأميركية المقبلة، سأل أحد الحاضرين المرشح هَوارد دين، وهو من أبرز المرشحين الديموقراطيين، عما يمكنه ان يعرفه، كحاكم سابق لولاية فرمونت الصغيرة، ذات الأكثرية المطلقة من البيض، عن مشاكل الأقليات الاثنية في الولاياتالمتحدة، فأجابه المرشح الديموقراطي الأبرز: "إذا كانت الأكثرية العرقية في مسقط الرأس هي التي تقرر مقدرة رجل سياسي ما على التحاور مع السود، فإن "ترِنت لوت" هو مارتن لوثر كينغ بالذات!"، مما أثار ضجيجاً وقهقهة في الصالة. والمعروف ان ترِنت لوت هو الرئيس السابق لمجموعة الجمهوريين في الكونغرس الأميركي، وقد أرغم على الاستقالة نهاية عام 2002 لإلقائه خطباً، يرشح منها تحسره على نهاية التفرقة العنصرية في الولاياتالمتحدة. على هذا الشكل بدأت المعركة الانتخابية في الولاياتالمتحدة. والمعروف ان الانتخابات الرئاسية في هذا البلد لا تشبه مطلقاً أية انتخابات في أي بلد من العالم. والأموال التي تنفق عليها كافية لسد العجز في خزائن دول العالم الثالث. وتتبارى وسائل الاعلام، المرئية منها خصوصاً، في استقبال أكبر عدد ممكن من المرشحين، يدر عليها أموالاً طائلة. لكن الغريب في الأمر أنه قد يصل الى رئاسة أغنى وأقوى دولة في العالم رجل قد لا يكون تاريخه السياسي معروفاً، ذلك ان الولاياتالمتحدة هي أرض المفاجآت في هذا المجال. فهذا ما حصل مع الرئيس رونالد ريغان، الذي كان، قبل دخوله عالم السياسة، ممثلاً من الدرجة الثانية، كما انه ليس مطلوباً من الرئيس الأميركي ان يكون من عباقرة السياسة المخضرمين، وهذا ما حصل مع وصول الرئيس بوش الابن الى سدة الرئاسة. والمعروف أيضاً ان على سعيد الحظ ان يكون وسيماً وأنيقاً قدر الإمكان، ذلك ان للشكل أهمية كبرى، أكبر بكثير من المقدرة والحنكة السياسية، لإيصال مرشح ما الى البيت الأبيض، واستقطاب أصوات عدد كبير من الجنس اللطيف. وقد شذّ قليلون عن هذه القاعدة، من بينهم، برأي بعض الأميركيات، الرئيس ريتشارد نيكسون، الذي لم يكن بالوسامة المطلوبة. لقد بدأت إذاً بازارات التصفيات الأولية، لانتخابات عام 2004، لدى الجمهوريين والديموقراطيين، وبشكل مركز أكثر لدى خصوم الرئيس بوش. ذلك انه حتى الساعة يظهر ان الحزب الجمهوري قرر ترشيح الرئيس الحالي لولاية ثانية. لكن المعركة الحالية تجري لدى الديموقراطيين أنفسهم، لاختيار المرشح الأوفق لمواجهة الرئيس بوش، ويتنافس تسعة مرشحين ديموقراطيين، في معركة تبدأ، كما يريد التقليد، في الأول من أيلول سبتمبر كل 4 سنوات يوم عيد العمل في الولاياتالمتحدة. ورقة العراق وعلى رغم أن الرأي العام الأميركي قد يتغير، كعادته في الانتخابات الرئاسية، مرات عدة قبل النهائيات الرئاسية السنة المقبلة، فإن المحللين يجمعون على أن لحرب العراق دوراً أساسياً في هذه الانتخابات، قد يضعف كثيراً موقع الرئيس بوش إذا استمر الوضع في العراق على تأزمه. فمعركة اختيار المرشح الديموقراطي تبدأ، بينما تتزايد أعمال العنف في بلاد الرافدين، ولم يحصل أي تقدم، بانتظار دستور جديد، وانتخابات موعودة، وإعادة إعمار لم تبدأ. بينما يبدو، من الناحية الاقتصادية، ان تفجير أنابيب النفط والبنى التحتية الحيوية زاد من خيبة العراقيين وغضبهم المتضاعف على القوة الأعظم في العالم، المطلوب منها اليوم القيام بالمعجزات. وحتى لو تصورنا أنه من الممكن، على المدى الطويل، للأميركيين وحلفائهم، مع الأممالمتحدة المخولة المشاركة في إعادة الإعمار، سياسياً وعلى الأرض، أن ينجحوا في إعادة الاستقرار الى البلاد، فسيكون من الصعب على إدارة الرئيس بوش القفز فوق تناقض ذاتي هو في صلب منطق تدخلها أو مستقبل هذا التدخل. فعلى الصعيد السياسي، ومع بداية التصفيات الانتخابية الأولية، من الواضح ان واشنطن تتمنى، وبأسرع وقت ممكن، التخلص من العبء العراقي، لكن ليس بإمكانها، عقلانياً، وقف الفوضى وإحلال السلام من دون وجود عسكري مستمر في بلاد أصبحت ترفض أكثر فأكثر السلام الأميركي. هوارد دين الجريء في هذا الجو القاتم يجري التحضير للتصفيات الأولى بين المرشحين الديموقراطيين. وبالتحديد يبدأ السباق، تقليدياً، من ولاية آيووا، التي يبلغ عدد سكانها 3 ملايين نسمة، والتي تفخر بأنها تقرر ترتيب انطلاق المرشحين نحو التصفيات الأولية. فقد حضر إليها، في اليوم التقليدي، أربعة من أصل تسعة مرشحين ديموقراطيين يتنافسون ليواجه واحد منهم الرئيس بوش. لكن يبدو ان المرشح الأوفر حظاً لتمثيل الديموقراطيين في الوقت الحاضر، هو هَوارد دين، حاكم ولاية فرمونت السابق، الذي تمكن، حسب بعض استطلاعات الرأي العام، من تصدّر لائحة المرشحين الديموقراطيين. فهو يبلغ من العمر 54 عاماً، طبيب أطفال وابن مصرفي ثري من نيويورك، فضّل الطب واختار ان يمارسه في ولاية فقيرة في الشمال الغربي، كان حاكماً لها مدة 11 سنة، حتى نهاية عام 2002. وهو عندما أعلن عزمه على الترشح للانتخابات قبل حوالي السنة، لم يكن يعتبر من الأوزان الثقيلة في المجال السياسي، لكن نجاحه المتواصل جعل منه رجلاً معروفاً، وهو نجاح ارتكز على موضوع أساسي: معارضته الشديدة للحرب على العراق. ويعتقد مناصرو دين أنه الأقوى حالياً ويتمتع بجرأة كافية لتحدي الرئيس بوش وإدارته. فهم يعرفون الحالة التي تتخبط فيها إدارتهم في العراق، ما يؤكد، حسب رأيهم، أن دين كان على حق منذ البداية لأنه وقف ضد حرب العراق، كما كان دائماً يؤكد انه لا يمكن لأي مرشح ان يهزم الرئيس الحالي اذا كان يسير في الخط نفسه الذي اعتمده الأخير. وهو يدعو بقوة الى تبني قرار صارم صادر عن الأممالمتحدة وإعطائها دوراً أكبر في العراق. كما انه يعد محازبيه بإلغاء قرار خفض الضرائب الصادر منذ سنتين بهدف تمويل تأمين صحي جماعي للأميركيين تحت سن الثامنة عشرة، وبتشجيع الشركات على تحمل أعباء الضمانات الخاصة لموظفيها. لكن كثيرين من ديموقراطيي الوسط يعتبرونه متطرفاً ويتوقعون له خسارة أكيدة أمام الرئيس بوش إذا اختاره الحزب الديموقراطي مرشحاً. ويعتقد أحد أخصامه، السيناتور جوزف ليبرمان الذي كان على لائحة آل غور في انتخابات عام 2000، أنه سيقضي على الحزب الديموقراطي في حال خوضه الانتخابات الرئاسية النهائية. إن معارضة ترشيح دين هي في الواقع قوية جداً في بعض المسائل، بسبب الأسلوب الخصامي المعلن الذي يتبعه. لكنه ليس أبداً ذلك اليساري الذي يخشاه كثيرون من الديموقراطيين والذي يفرح جمهوريين كثراً. فهو، إذا كان يدعو الى اعطاء الحقوق نفسها التي يتمتع بها الأشخاص الطبيعيون إلى مثليي الجنس، يمتنع عن الخوض في موضوع السماح للأخيرين بالزواج. كما انه يدعو الى ترك الولايات الأميركية تضع تشريعاتها بنفسها، خصوصاً في ما يتعلق بتجارة الأسلحة. أما في ما يختص بعقوبة الإعدام، فهو من المطالبين بإنزالها بقتلة الأطفال ورجال الشرطة وبالارهابيين. وهي مواضيع ثلاثة لها أهميتها القصوى في الولاياتالمتحدة، تعمّد دين التركيز عليها لنيل دعم الأميركيين من مختلف الاتجاهات. وكذلك بالنسبة إلى إلغاء قرار خفض الضرائب، القرار الحساس الآخر، لأنه يعتبر ان الموازنة المتوازنة ضرورة لا بد منها للحفاظ على صحة الاقتصاد الوطني. يُعتبر دين، في رأي كثيرين، مرشح الشباب. ويرافقه آلاف منهم حيث يذهب، كما يحضر لقاءاته المتعددة آلاف الشباب في المناطق التي يزورها. وهو لا يتعب، فقد زار خلال أربعة أيام فقط عشر مدن، تحت شعار رنان هو "الجولة الصيفية التي لا تنام". ورفعت في جولاته الانتخابية لافتات تدعو الى عدم التصويت للرئيس الحالي: "الأصدقاء لا يتركون أصدقاءهم يصوتون لبوش"، أو الى العودة الى القرار الوطني "لنسترجع إرادة وطننا". ويعتبر كثيرون من محازبيه، وكثيرون منهم طلاب أعجبتهم فيه صدقيته وشجاعته الواضحة، أن دين أيقظ الحزب الديموقراطي من سباته العميق. بينما يظن آخرون أنه يخدم الجمهوريين في خطاباته وجولاته لأن الانتخابات، حسب رأيهم، لا يمكن الفوز بها إلا في الوسط، بعيداً عن التطرف. ذلك ان المرشح الديموقراطي يشدد، في جولاته الانتخابية، على أمور الساعة التي تهمّ وتخيف الأميركيين في الوقت نفسه. فيذكر دين بالوظائف التي خسرها الأميركيون خلال السنتين الأخيرتين والتي تعدت ثلاثة ملايين وظيفة، كما يشدد على ذكر البلدان التي تلزم مواطنيها الانتساب الى الضمان الصحي، ككندا واليابان وألمانيا وفرنسا وغيرها. من هذا المنطلق، يطرح المحللون أسئلةعن إمكان الحاق هزيمة بالرئيس بوش في الانتخابات المقبلة عن شخصية المرشح الديموقراطي الذي قد يتمكن من ذلك. وإذ تبدو الاجابات على هذه التساؤلات سلبية في معظمها للوهلة الأولى، يؤكد المرشحون الديموقراطيون ان فوزهم ممكن في مواجهة الرئيس الحالي. نقاط ضعف بوش ويجمع المراقبون على ان نقاط ضعف بوش تكمن أولاً في نتائج السياسة التي يتبعها منذ سنتين، بعد أحداث 11 أيلول سبتمبر. فإذا تضاعف عدد القتلى الأميركيين في العراق، وإذا تحول الوجود الأميركي هناك الى ما يشبه فييتنام جديدة، فقد تصبح عندها قدرته على حماية الولاياتالمتحدة أمراً مشكوكاً فيه، حسب رأيهم. وبدأ عدد من المرشحين الديموقراطيين هجومهم على الرئيس بوش من هذا الباب، ويبدو ان أكثرهم تهجماً هو المرشح الديموقراطي دين نفسه. فهو يتهمه ونائبه ديك تشيني بدفع الولاياتالمتحدة الى الحرب على العراق لأسباب يعتبرها، كما كثيرين غيره، كاذبة وملفقة: كاليورانيوم الذي اتهم صدام حسين بشرائه من النيجر، والقنبلة الذرية التي اتهم بأنه كان على وشك التوصل الى تصنيعها، وعلاقاته المزعومة مع تنظيم "القاعدة". وقد توجه دين الى الرئيس بوش قائلاً: "سيادة الرئيس، إنني لن أقوم مطلقاً بتعريض الجيوش الأميركية للخطر من دون أن أعلن عن الأسباب الحقيقية لهذا القرار". في هذا المجال، يلاحظ المتابعون للمعركة الانتخابية التي ما زالت في بدايتها ان المرشحين الديموقراطيين الآخرين أعلنوا مواقف واضحة ضد الحرب على العراق، لكنهم لا يتكلمون عنها عادة كما يفعل دين وفي كل المناسبات. ويعتقد عدد منهم كانوا قد وافقوا سابقاً على خوض الحرب ضد العراق مثل جوزف ليبرمان وجون كيري وجون ادواردز وريتشارد غيبهارت، بعيداً عن رأيهم في صحة هذا القرار، انه لا يمكن الفوز على الرئيس بوش بمرشح يظهر وكأنه غير حازم تجاه الارهاب. من هنا أطلق دين فرضية ترشيح الجنرال ويسلي كلارك، القائد السابق للقوات الأميركية في أوروبا وللحلف الأطلسي في كوسوفو، الذي هو في الوقت نفسه عسكري ومناهض للحرب العراقية. لذلك يمكنه ان يكون، على الأقل، مرشحاً على لائحة دين. وهذا ما قد يفكر به هذا الأخير في حال وصوله الى مواجهة الرئيس الحالي. وبالنسبة إلى المرشحين الديموقراطيين الآخرين، فهم لا يتحلون بالقوة الكافية، أقله حتى اليوم، لمواجهة منافسهم، وحتى مواجهة دين نفسه. فالنائب عن ولاية أوهايو دينيس كوسينيتش، والذي يعتبر مرشحاً عمالياً، لا يتمتع بالشهرة الكافية خارج ولايته، وقد يخرج من السباق قبل بدئه فعلياً. وكذلك جون ادواردز، سيناتور ولاية كارولينا الشمالية، والسيناتورة السابقة كارول موسلي - براون، والمتطرف الأسود آل شاربتون. يبقى النائب ريتشارد غيبهارت، المنافس الأساسي لدين في آيووا، والذي تؤيده النقابات العمالية، وبوب غراهام الرئيس السابق للجنة الاستخبارات في الكونغرس وأكثر المنتقدين للرئيس بوش في مسائل الأمن والدفاع. أما المرشحون الأكثر جدية في مواجهة دين، فهما سيناتور الكونيكتيكات جوزف ليبرمان، وسيناتور ماساتشوستس جون كيري. المعروف ان ليبرمان، الحليف السابق لآل غور على اللائحة الديموقراطية، هو المرشح الثالث مع دين وكيري الذي يأتي من انكلترا الجديدة، وهو يهودي ممارس، انطلق في معركة مستوحاة الى حد كبير من المجلس القيادي الديموقراطي، وهو فريق مفكري الوسط والمستشارين الذي ارتكز عليه الرئيس بيل كلينتون سابقاً. وهو كان دائماً يدعم سياسة الرئيس السابق الاقتصادية والاجتماعية. وكذلك سياسته الخارجية ونشاطاته في مواجهة الجريمة. وهو أول يهودي أميركي يطمح الى دخول البيت الأبيض من الباب الكبير، كما يدعو الى عدم انقطاع الديموقراطيين عن الناخبين الذين يعتبرون من المحافظين تماشياً مع نظرتهم ومعتقداتهم الاجتماعية. وكان ليبرمان قد دعم الرئيس بوش في "حربه على الارهاب" في العراق والشرق الأوسط، لكنه ينتقد بشدة التسرع الفاضح وعدم التحضير كما يجب لاحتلال العراق. ويعتبر ليبرمان من بين الديموقراطيين التسعة المرشحين للرئاسة، الأكثر جدية وصلابة إذا استمر في ترشيح نفسه، تؤيده في ذلك غالبية الناخبين والمحازبين. أما كيري، فيؤكد العارفون بأمور الحزب الديموقراطي أنه المرشح الأوفر حظاً لتمثيل الديموقراطيين. وقد حاول منذ بداية الشهر الجاري إعادة الحياة الى حملته الانتخابية لإخراجها من المأزق الذي وضعها فيه منافسه دين. واختار كيري، وهو في التاسعة والخمسين من العمر، ولاية كارولاينا الجنوبية وحاملة الطائرات "يوركتاون" لانتقاد سياسة الرئيس بوش الخارجية وفشله عندما أكد في تموز يوليو الماضي ان بإمكان الولاياتالمتحدة وقواتها في العراق ان تقضي بسهولة على الارهاب. ويأخذ كيري، الذي صوّت على قرار الكونغرس الداعم لقرار الرئيس الأميركي في مواجهة صدام حسين في تشرين الأول اكتوبر 2002، ان الرئيس بوش "رمى بنفسه وبالولاياتالمتحدة في الحرب" بدلاً من العمل للحصول على دعم المجتمع الدولي له. ويعقد كيري اليوم، وهو أحد أبطال حرب فييتنام، مقارنة بين تاريخ الرئيس بوش الذي نجح في الهروب من التجنيد، وتاريخ دين الذي أعفي وأعيد تأهيله. ويعتبره كثيرون من بين أعضاء الكونغرس الأوسع خبرة وثقافة، ومناصراً لسياسة بيئية حقيقية. آل غور وهيلاري كلينتون من هنا يبدو نجاح دين الشعبي وقفاً على الناخبين الديموقراطيين الأكثر التزاماً. وهو أفاد من بعض الحركات المناهضة للحرب التي بدأت تدعمه على مواقع الإنترنت، والذين وضعوا بتصرفه شبكتهم الخاصة وساعدوه على جمع مبلغ 8 ملايين دولار، هو أكثر بكثير مما توصل الى جمعه كبار منافسيه. ويؤكد ان بإمكانه الاعتماد في حملته الانتخابية على مساعدة حوالي 230 ألفاً من مناصريه المتواصلين عبر شبكة الإنترنت. لكن الديموقراطيين يعتبرون، بشكل عام، أنهم لم يجدوا حتى الساعة المرشح المطلوب لمواجهة الرئيس بوش. وعندما يسألون عن موقفهم في حال تراجع آل غور وهيلاري كلينتون عن قرارهم عدم خوض المعركة الرئاسية عام 2004، يؤكد معظمهم دعمه المطلق لأي من المرشحين الاثنين، وكأن السياسة الأميركية لم تتمكن حتى اليوم من الخروج من الخيار الأوحد، الذي أصبح في عامه الحادي عشر، بين آل بوش وجماعة كلينتون. البطالة يبقى ان الرئيس بوش، وعلى رغم الصعوبات الجمة التي تواجهه، ما يزال المرشح الأوفر حظاً، والذي يصعب، بالمنظار الحالي للأمور، الحلول مكانه في البيت الأبيض. فاستطلاعات الرأي تبين ان شعبيته عادت مجدداً الى المستوى المعقول، في حدود 54 في المئة من الموافقين على سياسته، وهي النسبة التي كان يتمتع بها قبل 11 أيلول 2001، والتي تزعزعت بشكل ملحوظ مع الحرب العراقية. وإذا كانت هذه الأخيرة هي التي أضعفت شعبيته فعلاً، فإن الوضع الاقتصادي الأميركي قد يصبح العامل الثاني في زعزعة الثقة به. ويجمع الديموقراطيون هذه المرة في اتهامهم له بالقضاء على حوالي 5.2 مليون فرصة عمل خلال سنتين. وهي المرة الأولى، منذ عهد الرئيس الجمهوري هربرت هوفر عام 1932، يسعى رئيس السلطة التنفيذية فيها للترشح لولاية جديدة في ظل نتائج سلبية في سوق العمل. لكن يبدو ان الاقتصاد الأميركي بدأ يبشر بانطلاقة جديدة. وإذا سلمنا بأن الوظائف المفقودة في هذه السوق والتي أعيد احياؤها مجدداً لن تصبح عملية الا في الربيع المقبل، فهذا يعني ان الانتخابات الأميركية قد تحصل في جو أكثر تفاؤلاً. والرئيس بوش يعلم ذلك، وهو يدرك نقاط ضعفه، خصوصاً على الصعيدين الأهم، اقتصادياً ودفاعياً. كما يعلم ان الرأي العام الأميركي بدأ يوجه انتقادات شديدة لوزير الدفاع دونالد رامسفيلد ومساعده بول وولفوفيتز، وحتى الى نائب الرئيس ديك تشيني، حيث أصبح الثلاثة في دائرة الخطر الأكيد. من هنا كان تنبه مستشاريه الى خطر هذا الأمر على امكان إعادة انتخابه لولاية ثانية، فنصحوه ربما بمحاولة تسوية هذا الأمر. ومع أنه لم يتراجع كثيراً عن تأكيداته السابقة المتعلقة بالارهاب، ملقياً باللوم، كعادته، على الآخرين الذين لم يهبوا معاً لمناصرة الولاياتالمتحدة، ومع ان اجتماع جنيف أظهر التباعد في وجهات النظر بين المشاركين فيه حول التعامل مع قضية العراق، إلا أنه بدأ يعرف كيف يتعامل مع هذه القضية. من هذا المنطلق كانت اعادة اطلاق يد كولن باول المعتدل - أي العودة الى الديبلوماسية مجدداً - الذي كان تنحى جانباً أمام صقر الإدارة رامسفيلد، للحد من الانتقادات المتكاثرة، مما قد يعيد القضية الى كنف الأممالمتحدة، على رغم الصعوبات المتوقعة