في ربيع العام 2002 أُدين جيرالد، وهو شاب بريطاني لم يبلغ الثلاثين، بالتحرش جنسياً بشقيقين هما دون العاشرة. استغل جيرالد موقعه كقائد كشاف ليكسب ودّ الصبيين، ووجد خلال رحلات كشفية فرصاً للتحرش بهما. بعد اعتقاله تحدث جيرالد عن نفسه معتبراً أن انحرافه نابع من تعرضه هو شخصياً للاعتداء الجنسي حين كان طفلاً من قبل قريب له. "كان لذلك أثر مباشر في نفسي، فقد بدأت ومنذ عمر الثامنة أو التاسعة استهدف أطفالاً آخرين، فكنت أميل نحو السريعي التأثر، وأبحث عن الأطفال الصغار ممن كانوا يتعرضون للعنف. لقد قدمت نفسي كحام ٍ لهم وكنت قادراً على الارتباط بهم عاطفياً لأنني تعرضت أيضاً للعنف في المدرسة فكنت أفهم ذلك الشعور". تجربة جيرالد تُعتبر مساراً كلاسيكياً للذين يتحرشون جنسياً بالأطفال، لكنه ليس المسار الوحيد، فقد أصبح التحرش الجنسي بالأطفال أو "البيدوفيليا"، هوساً مستحدثاً في بعض المجتمعات، وبات يبرز عبر عوالم الفضاء الافتراضي على شبكة الانترنت، ما يشكل ظواهر تسبق في انتشارها وتأثيرها القدرة على احتوائها والحدّ منها، بل وحتى إمكانية فهم أسبابها ونتائجها. فقبل سنوات قليلة انتشرت ظاهرة ترويج الصور الاباحية للأطفال عبر الانترنت، وكان كثيرون ربما يعتقدون بأن هذا ضرب من المبالغة. لكن للأسف تبين أن هذه التجارة موجودة فعلاً وأن هذا النوع من الصور يجذب الملايين على امتداد العالم. في أحد مواقع الانترنت المخصصة لمن لديهم ميول جنسية تجاه الأطفال دعوة ورد فيها: "هذه المجموعة هي لأولئك الذين يحبون الأطفال. يمكنك أن تطبع أي رسالة التي تريد توجيهها أو أي نوع من الصور والفيديو أيضاً". آلاف الذين تجاوبوا مع الدعوة للانضمام إلى هذا الموقع الالكتروني، هم الآن عرضة لأوسع تحقيق من نوعه في العالم يتعلق بجرم التحرش الجنسي بالأطفال من خلال شبكات تم كشفها في بريطانياوكنداوالولاياتالمتحدة إلى درجة أن التحقيق اتخذ اسم الموقع، وقد تم اعتقال عشرات المتورطين. بدأت التحقيقات في هذه الشبكة، حين كشف مكتب البريد الأميركي عن موقع يعرض صوراً إباحية للأطفال، وتبين أن مقرّ الموقع في ولاية تكساس ويديره زوجان جنيا ملايين الدولارات سنوياً من قبل أكثر من 250 ألف مشترك حول العالم. ألقت الشرطة الأميركية القبض على توماس ريدي الذي كان يدير الموقع، وكان المشتركون يدفعون له مبالغ تتراوح بين 15 إلى 30 دولاراً شهرياً، بواسطة بطاقاتهم الائتمانية. وما بين العامين 1997 وحتى صيف العام 2001 وزع ريدي وزوجته آلاف الصور الجنسية للأطفال، وحالياً يقضي ريدي حكماً بالسجن المؤبد، فيما حكم على زوجته جانيكا بالسجن أربعة عشر عاماً. كان الزوجان يجنيان من هذا الموقع مليوناً وأربعمئة ألف دولار شهرياً. وقد أبقت الشرطة الأميركية على الموقع مع وعود بصور إباحية للاطفال للإيقاع بالمتورطين فيها، وما أن قال المشاركون "نعم" حتى باتوا عرضة للملاحقة عبر مذكرات تفتيش واعتقال في حملة كبيرة شنها مكتب التحقيقات الفيديرالي الأميركي. وفي بريطانيا تلقت السلطات معلومات عن أرقام لبطاقات ائتمانية وعناوين بريد الكتروني لأكثر من 7300 شخص مقيم في بريطانيا، كانوا من ضمن المشتركين في الموقع الالكتروني Candyman. ويعيش 1100 شخص من هؤلاء في لندن، وقد اعتقلت الشرطة 1300 شخص في عملية كبرى مستمرة تعرف بعملية Operation Ore. والمفاجأة أن الأشخاص الذين تم اعتقالهم في بريطانيا، بينهم معلمون وأطباء وقضاة وجنود وفنانون، ومن بينهم أيضاً 50 ضابطاً في الشرطة، أحدهم برايان ستيفنس الذي شارك في التحقيق في جريمة سوهام الصيف الماضي التي قتلت فيها الطفلتان هولي ويليس وجيسيكا تشابمان. وكان ستيفنس قرأ مقطوعات شعرية مؤثرة خلال مراسم دفن الطفلتين، أما اليوم فهو يواجه تهماً بتسويق صور إباحية للأطفال عبر الانترنت. بعد الكشف عن الشبكة، تم إدراج أربعين طفلاً في إطار مؤسسات الرعاية الاجتماعية كان بعضهم تعرض للتحرش والاعتداء الجنسي، فيما هناك خشية على بعضهم الآخر من أن يتعرض لذلك إما من قبل الأهل أو من قبل أخصائيين. كما تم توجيه تهم لعشرة أشخاص بالتحرش بالأطفال بمن فيهم أب لثلاثة أطفال، اكتشف البوليس أنه التقط صوراً من كاميرا بولارويد للطفل الذي تحرش به. رجال الشرطة البريطانيون الذين بدأت تحقيقاتهم قبل سبعة أشهر، فوجئوا بحجم العمل الذي ينتظرهم بسبب كبر لائحة المشتبه فيهم، لذلك عمدوا إلى تقسيم اللائحة إلى ثلاث فئات وفقاً للأهمية بهدف تسريع التحقيقات. أما الفئة الأكثر أهمية فهي تلك التي تشمل كل من له صلة مباشرة بأطفال، سواء من معلمين أو أخصائيين اجتماعيين، أما الفئة الثانية فهم أولئك الذين لديهم مناصب ذات سلطة مثل رجال الشرطة والقضاة. ويندرج تحت هاتين الفئتين 90 في المئة من بين ال1300 شخص الذين تم اعتقالهم. في كانون الأول ديسمبر الماضي أعلنت الشرطة البريطانية أنها قد تحتاج تسعة أشهر أخرى للتحقيق مع السبعة آلاف وثلاثمئة مشتبه. هذا وتمتد الحملة ضد شبكة استغلال صور إباحية للأطفال عبر شبكة الانترنت لتطال كندا، حيث تلاحق الشرطة 2300 مشتبه استعملوا بطاقاتهم الائتمانية للاشتراك في هذه المواقع. وتعتبر الشرطة أن هناك نقصاً في التعاون بين الأجهزة الأمنية المختلفة في كندا، إذ لم يتم التمكن من القبض سوى على 5 في المئة من المشتبه فيهم فقط. أما في تايلاندا، فقد ألقت السلطات بالتعاون مع الشرطة البريطانية هذا الشهر القبض على البريطاني روبرت ايرول 24 عاماً واتهمته باستغلال الأطفال وبتوزيع صور إباحية لهم عبر الانترنت. وتم اعتقال ايرول في مطار بانكوك الدولي فيما كان مسافراً إلى دبي، وصادرت الشرطة كاميرات ومعدات كومبيوتر من غرفته في الفندق. وكانت الشرطة البريطانية أخطرت السلطات التايلاندية بأنها تلاحق ايرول بتهمة توزيع صور إباحية للأطفال عبر الانترنت، وهو قد يواجه حكماً بالسجن لخمسة عشر عاماً إذا ثبتت التهمة. كما تزايدت في الفترة الأخير عمليات اعتقال أشخاص معروفين لارتكابهم مثل هذا الأمر آخرهم المغني الأميركي آر كيلي الحائز على جائزة غرامي الموسيقية. اعتقل كيلي في ميامي أواخر شهر كانون الثاني يناير 2003، ودين لحيازته صوراً إباحية للأطفال وما زال قيد المحاكمة. لقد حصلت شركة "غوغل" الالكترونية في نيسان ابريل 2001، في عملية بحث حول استخدام الأطفال في الأعمال الإباحية على 425 ألف لقطة، ما يؤكد أن حجم تجارة الأعمال الإباحية المتعلقة بالأطفال لا يستهان به. كيف يفكرون؟ لفهم كيف يفكر الشخص المستغل جنسياً للأطفال أو "البيدوفيل"، دخلت راشيل اوكنيل، من مركز الابحاث الخاص بالشبكة الالكترونية في جامعة Central Lancashire، غرفة محادثة على موقع خاص بمجموعة ذات ميول جنسية نحو الأطفال، وقدمت راشيل نفسها على أنها واحدة منهم من خلال المحادثات عبر الانترنت. "الأشخاص الذين تحادثت معهم عبروا بحرية عن هواياتهم وعن علاقاتهم الجنسية مع الأطفال. إنه أمر رهيب، فعلى رغم أنهم كانوا يتحادثون معي بصفتي شخص يشاركهم هيامهم فقد كانوا دائماً بحاجة إلى تبرير تصرفاتهم. لذا حين يزعم أحدهم أنه مارس الجنس مع شقيقة صديقه غير البالغة، يضيف لاحقاً أنها تعرضت للتحرش من قبل أبيها وكأن ذلك يبرر أو يصحح الأمر. إنهم لا يريدون أن يظهروا كوحوش حتى في ما بينهم". وتظهر الأرقام في بريطانيا أن 70 في المئة من الذين شاركوا في المواقع التي تعرض صوراً جنسية للأطفال عبر الانترنت ليست لديهم سجلات إجرامية، وربما مارس بعضهم تحرشاً بالأطفال لكن الأمر لم يصل إلى الشرطة، لكن ما برز للمتابعين فجأة هو أن هناك مجموعة كاملة من الأشخاص الذين يفكرون بالطريقة نفسها، فمقولة أن شخصاً يتصرف على هذا النحو هو نزعة خاصة وفردية بات أمراً غير صحيح لأن الحالة باتت شعوراً مشتركاً بين كثيرين. في دراسة أجراها مركز الخدمات البريدية في الولاياتالمتحدة، ظهر أن 1000 شخص تم ضبطهم وفي حيازتهم صور جنسية لأطفال، وكانت صورة واحدة من كل ثلاثة من تلك الصور تظهر استغلالاً جنسياً كاملاً للأطفال. البريطاني دونالد فيندلاتر، عالج على مدى سنوات مئات الأشخاص من ذوي الميول الجنسية المنحرفة تجاه الأطفال، وهو يقول: "تفسر الذنوب الجنسية بأنها محاولة تجاوز الحدود إلى ما وراء ما هو مقبول اجتماعيا، والانترنت يقدم للشخص المستغل جنسياً للأطفال، أي "البيدوفيل"، لمحة عما سيحدث له لاحقا،ً وأي شكل من التصرفات المنحرفة سيصل إليها. بهذه الطريقة، يمكن تسريع الطاقات العدوانية الكامنة، وحين يزور الشخص هذه المواقع الالكترونية يومياً يصبح خطراً نوعاً ما". ويعتقد فيندلاتر أن التحقيقات التي تجريها الشرطة غير مجدية وغير فعالة، إذ برأيه هناك حاجة إلى أساليب أخرى في احتواء القضية، أساليب تكون أكثر خيالاً مما يجري حالياً، فقد "سمعت أن المسؤولين في أحد مراكز البوليس لا يملكون الوسائل اللازمة لإجراء مقابلات مع كل الذين وردت أسماءهم على لائحة المطلوبين في منطقة عملهم، لذا أرسلوا رسائل تقول "نحن نعرف ما كنت تنوي فعله. توقف وإلا تم اعتقالك". يزعم بعضهم أن صور الاستغلال الجنسي للأطفال الموزعة عبر الانترنت ليست نتاج اعتداء على الاطفال بقدر ما هي نتاج تقنيات وخلق صور غير حقيقية. فقد أتاحت التكنولوجيا الرقمية المجال لإنتاج أعمال إباحية متعلقة بالأطفال من دون أن يكون الطفل حاضراً، من دون أن ينفي ذلك وجود آلاف الصور الحقيقية التي جرى فيها استغلال فعلي للأطفال. وتبين أن غالبية الأطفال الذين جرى تصويرهم هم من القوقازيين والعديد منهم من الولاياتالمتحدة وما زالت صورهم متداولة. كان هناك بعض الأطفال من الهند والمكسيك وإفريقيا. وشهد نمو السياحة الجنسية التي تستهدف الأطفال خلال عقدي الثمانينات والتسعينات من القرن العشرين صوراً متزايدة لأطفال من آسيا وأوروبا الشرقية. ويقول الخبراء إن المشتركين الذين تم ضبطهم من خلال بطاقات الائتمان هم "الساذجون" فقط، ولكن يبقى هناك أشخاص أكثر خطورة، تعلموا كيف يخفون أثرهم وهم يمارسون هوسهم من دون أن تلاحقهم الشرطة. ويرى تينك بالمر من مركز بارناردو لحماية الأطفال أنه يجب تركيز مزيد من الاهتمام على حماية الاطفال، "لدينا أدلة على استغلال مراهقات عبر الانترنت للعمل في الدعارة في هذا البلد. لقد تم التلاعب بوجوههن على شاشة الكومبيوتر لاظهارهن أكبر عمراً. لدينا أدلة على استغلال أطفال دون سن البلوغ عبر صور جنسية تبث مباشرة عبر الانترنت. في العديد من الحالات يتم التحرش بالأطفال في غرف نومهم، ما يعني أننا نتحدث عن أشخاص مقربين من العائلة". لقد أسهمت التقنيات الرقمية في تعزيز قدرة المتحرشين على تسجيل مجموعات كبيرة من الأعمال الإباحية للأطفال وتخزينها واسترجاعها وتبادلها. وتشير التقارير إلى أن تبادل الأعمال الإباحية للأطفال مع أناس من المزاج والتفكير نفسه، من مستغلي الأطفال جنسياً، يعطي المستغلين عبر شبكة الانترنت حساً بالانتماء إلى المجموعة واحترام الذات.