غوارديولا مُستاء من ازدحام جدول الدوري الإنجليزي    الهلال يضرب الأخدود برباعية في دوري روشن للمحترفين    المملكة تفعّل قواعد «التسويات المالية» لمواجهة الفساد    رسمياً .. النصر يضم الكولومبي "جون دوران"    ولي العهد يقود مسيرة تعزيز الانتماء.. إلزام الطلاب بالزي السعودي كرمز للهوية الوطنية    إحباط تهريب 198 كجم «قات» بمنطقتي عسير وجازان    نائب رئيس مجلس الوزراء وزير داخلية الإمارات يغادر الرياض    وزير الخارجية ونظيره الأمريكي يبحثان العلاقات الثنائية بين البلدين    أمير الرياض يعزّي في وفاة الأميرة وطفاء بنت محمد آل عبدالرحمن آل سعود    الأمم المتحدة: الاحتياجات الإنسانية في قطاع غزة «هائلة»    المملكة تضيء معرض القاهرة بالثقافة والترجمة    الفتح يتعاقد مع حارس النصر "العقيدي" على سبيل الإعارة    مسؤولة بالاحتياطي الفدرالي تدعو لمواصلة خفض أسعار الفائدة لحين تراجع التضخم    تعادل سلبي بين الفيحاء والتعاون في دوري روشن    «سيوف» السعودية تخطف التوقيت الأفضل في ال«جذاع»    موسكو: «البريكس» لا تخطط لإصدار عملة موحدة    مخيم "مشراق 2″يختتم فعالياته التوعوية تحت شعار "شتاؤنا غير مع تواصل"    التوعية ودعم الشباب.. أبرز توصيات ورشة "إعمار الأرض" بالأحساء    تدريب 15 طالبة جامعية على نظم المعلومات الجغرافية بالشرقية    تعليم شرق الدمام" يكرم الفائزين بمسابقة تحدي القراءة العربي    تعرف على تفاصيل «المصافحة الذهبية» للجهات الخاضع موظفوها لسلالم الخدمة المدنية    «صفقة السبت».. إطلاق 3 أسرى إسرائيليين مقابل 90 فلسطينيا    الأستاذ يحيى الأمير.. "وجدت نفسي تلميذًا بين يدي الطبيعة ومواسم الحصاد كانت تأسرني"    حرس الحدود بالمنطقة الشرقية ينقذ امرأة من الغرق أثناء ممارسة السباحة    خطيب المسجد النبوي: ثقوا بربكم الرزاق الشافي الغني عن الخلق فهو المدبر لأموركم    وصول الطائرة الإغاثية السعودية ال 55 لإغاثة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة    "هيئة العقار" تُعلن تمديد فترة استقبال طلبات الانضمام للبيئة التنظيمية التجريبية للشركات التقنية العقارية    دور برنامج خادم الحرمين الشريفين في إثراء تجربة المستضافين في ندوة بمكة اليوم    رحيل الموسيقار ناصر الصالح    تقييم جديد لشاغلي الوظائف التعليمية بالمملكة من 5 درجات    رياح نشطة مثيرة للأتربة والغبار على تبوك والمدينة ومكة    ارتفاع اسعار النفط    الخليج يعزز هجومه بالنمساوي «مورغ»    «سلمان للإغاثة»: تدشين مشروع أمان لرعاية الأيتام في حلب    هل سمعت يوماً عن شاي الكمبوتشا؟    دهون خفيّة تهدد بالموت.. احذرها!    للبدء في سبتمبر.. روسيا تطلق لقاحاً مضاداً للسرطان يُصنع فردياً    رابطة العالم الإسلامي تعزي في ضحايا حادثة اصطدام الطائرتين في واشنطن    القاتل الثرثار!    وفاة ناصر الصالح    العنزي يحصل على درجة الدكتوراة    هل تنجح قرارات ترمب الحالية رغم المعارضات    برقية ولي العهد إلى الرئيس السوري الجديد.. خطوة إستراتيجية نحو استقرار المنطقة    التراث الذي يحكمنا    نيابة عن أمير قطر.. محمد آل ثاني يقدم العزاء في وفاة محمد بن فهد    لماذا صعد اليمين المتطرف بكل العالم..!    مصحف «تبيان للصم» وسامي المغلوث يفوزان بجائزة الملك فيصل لخدمة الإسلام    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على الأميرة وطفاء بنت محمد آل عبدالرحمن آل سعود    تجمع القصيم الصحي يفوز بأربع جوائز في ملتقى نموذج الرعاية الصحية السعودي 2025    "مفوض الإفتاء بمنطقة حائل":يلقي عدة محاضرات ولقاءات لمنسوبي وزارة الدفاع    مستشفى خميس مشيط للولادة والأطفال يُنظّم مبادرة " تمكين المرض"    الديوان الملكي: وفاة الأميرة وطفاء بنت محمد آل عبدالرحمن آل سعود    المفتي للطلاب: احذروا الخوض في منصات التواصل وتسلحوا بالعلم    تعزيز العلاقات البرلمانية مع اليابان    عشر سنبلات خضر زاهيات    أهم الوجهات الاستكشافية    خطورة الاستهانة بالقليل    حسام بن سعود يستعرض مشروعات المندق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ألف كتابا ونادم على ما فعله . جندي اسرائيلي يعترف بالفظائع : نحن وحوش مع الفلسطينيين
نشر في الحياة يوم 22 - 12 - 2003

"انا افهم جيدا لماذا يكرهوننا الى هذا الحد. معهم حق"
يروي الشاب الاسرائيلي ليران رون - فورر 26 عاما، في كتاب جديد بعنوان "وباء الحاجز"كيف كان ينكل مع رفاقه بالفلسطينيين من دون سبب، حتى في زمن مفاوضات السلام قبل الانتفاضة. وبعد صدور كتابه أعلن رفضه الخدمة في أي موقع عسكري يجعله في احتكاك مع الفلسطينيين. ويقول ان موقف والديه اليمينيين بدأ يتغير.
وفي الكتاب قصص تعذيب فلسطينيين تقشعر لها الأبدان: عامل يرغم على النباح، ومتخلف عقلي يحرقون جسده بالسجائر.
"سلام عليكم ايها العبيد الصغار من البشر. ها أنا ذا أطير فوق رؤوسكم وأبول عليكم. انا حر الآن من الوسخ الذي تعيشون فيه داخل ذلك الوطن الوسخ. حر من طاقة الجنون التي ادخلتموها في رأسي. الان أفهم خططكم وبرامجكم وكيف ضحكتم عليّ بها وأدخلتم الجنون الى رأسي بواسطتها. لقد قذفتم بي الى غزة الكريهة واجريتم لي غسيل دماغ بتلك البنادق الشريرة وجعلتم مني خرقة. يا أولاد ...، وها انا أفضحكم، من بعيد. لأنني من بعيد أراكم على حقيقتكم. ولا تعود لي صلة بكم. سوى ان أبوّل فوق رؤوسكم".
بهذه الكلمات، التي اختصرنا منها الشتائم التي لا يتحملها الورق، يتوجه ليران رون - فورر، الجندي المسرح من الجيش الاسرائيلي، الى قيادته السياسية والعسكرية، بعدما اصدر كتابا عن تجربته في المناطق الفلسطينية المحتلة. وفيه يعترف: "نحن مجرمون ووحوش في التعامل مع الفلسطينيين". والكتاب عبارة عن اعترافات، تعتبر في القانون الجنائي خطيرة، وبإمكانها ان توصله الى السجن المؤبد في محاكمة ضد جرائم الحرب. وعندما تسأله عن ذلك يجيب ببرود أعصاب مذهل: "أجل. أعرف ذلك. ومستعد لان أدفع ثمن أفعالي. المهم ان يعرف الجميع. وان يعرفها بشكل خاص أهالي الجنود الاسرائيليين. فليس من المعقول ان تستمر تلك الممارسات من دون تدخل الأهالي. وأنا واثق من ان أحداً لا يريد ابنه ان ينشأ مجرماً. فنحن نتحول مجرمين. صدقوني، ليس فقط ضد الفلسطينيين. فعندما كنت أعود الى بيتي كنت اتصرف بفظاظة أيضا مع والدي. وكنت أتصرف بوحشية مع صديقتي، دانا، التي تركتني. حتى ممارسة الجنس صارت عندي مجرد عمل غريزي من دون قيمة انسانية. وليس عندي فقط. فكل من قرأ كتابي قال لي: معك حق. هذا يصيبني".
القصة من بدايتها
رون فورر شاب يهودي عادي، ولد في عائلة ميسورة الحال قبل 26 عاما. والده موظف في شركة الكهرباء، التي تدفع رواتب عالية جدا. ووالدته مربية، ونشيطة سياسياً. عضو في المجلس المركزي لحزب ليكود اليميني، لكنها كانت تحمل افكاراً متطرفة اكثر من اليهود، حتى سنة 1995، عندما اغتيل اسحق رابين، فتركت السياسة وبدأت تتحدث بواقعية.
رون فورر ولد مدلل. نشأ ذا حساسية مفرطة. وانتسب الى مدرسة الفنون الثانوية، كي يصبح فنانا، ويتابع دراسته الجامعية في الكلية التابعة للمؤسسة نفسها المشهورة جدا في اسرائيل وتدعى "بتصلئيل"، لكنه في الجيش تحول الى انسان آخر تماماً: "ان تخدم على الحاجز العسكري، فذلك مناسبة نادرة لعمل أشياء لا تستطيع عملها في حياتك المدنية. فلا توجد لديك فرص كثيرة، مثلا، لان تضرب شخصا من دون ان يحاسبك احد. والمناطق يقصد المناطق الفلسطينية المحتلة هي مشاع. كل شيء فيها مباح. لا قانون ولا ما يحزنون. واثار ذلك عندي غرائز سادية. ليس أنا وحدي. وليس مهما ماذا تكون ومن هي تربيتك واخلاقك. فأنا انسان مرهف الحس وطول حياتي لم أتشاجر مع أحد. لكن الشعور البالغ بالقوة من جهة، والسأم الذي تشعر به وانت تنتظر على حاجز عسكري، وفي بعض الاحيان الرغبة، مجرد الرغبة في التسلية، تجعلك ساديا. لقد فوجئت بضخامة القوة التي اعطيت لنا في الجيش. الشعور بالقوة كان فظيعا وظل يتصاعد، وفي المقابل انخفض عندنا باضطراد الشعور الانساني. وكلما زاد تخدرنا وسكرنا بالقوة، زاد مستوى وحشيتنا وأصبحنا اكثر انغلاقا ازاء المشاعر الانسانية".
قصص التنكيل والتعذيب
من هنا ينطلق ليران ليروي بعض ما شاهدت عيناه او فعلت يداه، تنكيلا وتعذيبا بحق الفلسطينيين.
يبدأ ليران رواياته في الحديث عن المرة الاولى التي وصل فيها الى حاجز عسكري ليحرسه، ويوضح ان "هناك مستويين من الجنود. الاول، الجنود القدامى، وهم الذين يعاملون باحترام. فيعطون مهمات سهلة مثل المراقبة من بعيد والمسؤولية عن اللوجستيكا وعن الطعام وعن التنقلات وتنظيم برامج ترفيه للجنود بما في ذلك افلام جنس. والثاني، الجنود الجدد"، وهم الذين يعطون المهمات الوسخة مثل التنظيف والوقوف على الممرات في الحاجز والاحتكاك الدائم مع الفلسطينيين".
وهكذا يتحدث عن انطباعه الاول: "تأثرت كثيراً منذ وصولي. كنا نشعر بضغط. تكلمنا بشكل لطيف مع العرب. فحصنا كل سيارة بشكل جذري. والعرب أدركوا على الفور اننا جنود جدد على الحاجز. بعضهم سألنا من أين نحن قادمون. وبعضهم راح يضحك علينا. ضحكنا. غضبنا. خفنا. اخفنا. ثم يوما بعد يوم، رحنا نعتاد على هذه اللعبة. ثم ادركنا اننا لسنا نحن الذين يجب ان نخاف العرب. فهمنا شيئاً فشيئاً ان العرب هم الذين يجب ان يخافوا. فنحن نقرر لهم كل شيء. متى يصلون الى العمل. او لا يصلون البتة. نحن نستطيع جعل حياتهم جحيماً. احد الزملاء قال: كلما خاف العرب منا اكثر يسود النظام على الحاجز. ومع الوقت اكتشفنا ان هذا القول صحيح تماماً".
"في بعض الاحيان أجد العرب مقرفين، خصوصاً اولئك الذين ينافقون لنا. وهم كبار السن أساساً. يصلون الى الحاجز العسكري بابتسامة عريضة. يقدمون لنا بطاقات الهوية بأدب: "كيف حالك ايها الجندي؟"، يسألون. فتحسب ان مرورهم على الحاجز متعة. وهذا كذب مفضوح. فمن الواضح انهم يكرهوننا. ولو كان بيدهم لكانوا طيرونا من هنا نحن والحاجز على السواء. لكنهم يظهرون ولاء، كأنهم اصبحوا حيوانات أليفة.
اما الشبان منهم فهم يستهترون بنا. يأتي الواحد منهم ويعطيك البطاقة من دون ان ينبس بكلمة، بل انهم في بعض الاحيان يضحكون في ما بينهم في الخفاء. وهم لا يخفون كراهيتهم لنا. ولكنهم أيضاً، هم الذين يتلقون منا الضربات بشكل عام. وهم الذين يثيرون عصبيتنا. لذلك تجدنا نتعمد ايجاد أي وسيلة لمضايقتهم وتأخيرهم على الحاجز بضع ساعات. قد يخسر الواحد منهم، جراء ذلك، يوم عمل كاملا، فقط هكذا يتعلمون".
هكذا افهم السلام
"اكره الحديث في السياسة. لكن حاييم يحدثني عن السلام وعن رابين الذي منح العرب الفلسطينيين السلاح وانه السبب في الحرب والعمليات. الحاجز العسكري مليء بالسيارات الواقفة بالدور، وهو يضرب رأسي بأفكاره ومواقفه. فما الفارق الان ان كان السلام أم لا. هذا الموضوع شغلني ذات مرة عندما دخلت الى المناطق المحتلة. أما الآن، على الحاجز العسكري، فليس مهما من هو صاحب الحق. فالعرب يكرهوننا لأننا أقمنا لنا دولة اسرائيل على رؤوسهم. والآن نحن نكبت أنفاسهم بهذه الحواجز ونجعلهم يكرهون الحياة. لهذا يتحولون ارهابيين كي يحاربوننا ويقاوموننا. فيفجرون الباصات والمطاعم. انها دائرة دامية يجلس فيها الجميع على خازوق. فما هي أهمية المذنب وغير المذنب. الامر المؤكد هو ان الأفضل ان تكون يهودياً في هذه الاوضاع".
تسلية
صديقي شاحر اخترع لعبة. يفحص بطاقة الهوية لأحد الفلسطينيين، لكنه بدلاً من ان يعيدها له يداً بيد، يطيرها في الهواء. هكذا لمجرد التسلية. كان يتمتع وهو يشاهد عربياً يخرج من سيارته وينحني ليأخذ البطاقة عن الارض. بمثل هذه اللعبة كان يسلينا، فتنقضي فترة الحراسة ذلك النهار بسرعة. وصار العرب يعرفونه. وقبل ان يطير لهم البطاقة، ينزلون من سياراتهم يتقدمون قليلا منه، حتى لا يضطر الى النهوض عن الكرسي. فمن يتجاوب معه كان يحظى بالبطاقة في يده. فيقول عنه: هذا أصبح أليفاً".
صورة للذكرى مع الدماء
"نحن طوال الوقت نتصور. على الحاجز أثناء الدورية. توجد آلة تصوير دائما لدى أحدنا. وصديقي شاحر يملك ألبوما زاخراً بالصور على الحواجز. والصور عنده مضحكة للغاية. احداها التقطت بعدما ألقوا القبض على أحد المطلوبين الفلسطينيين. وكان ذلك مطلوبا ثقيلا. فتصورا معه كما لو انه سمكة كبيرة اصطادوها في البحر. وبدا ذلك العربي مهشم الوجه والدماء تنزف منه وتغطي عينيه ووجنتيه. توجد عند شاحر ست صور كهذه. انا افهمه. هو يريد صوراً للذكرى، حتى يظل يتذكر هذه الفترة المجنونة".
عقاب نموذجي
"ذات مرة كنا نسير في الدورية، واذا بي ألمح شاباً بدت ملامحه معروفة لي، ثم تذكرت انه الشاب نفسه الذي مر على الحاجز قبل ايام وشتم زميلي شاحر وهرب. فهناك علامة في خده لا أنساها. فأخبرت شاحر. فأوقف السيارة بسرعة، جعلت العجلات تمسح الارض وتحدث صوتاً حاداً. وانقض عليه. حاول الهرب. فمنعته. فحاول لكم شاحر، فزجرته. كان وقحاً. جررناه وراء سيارة الجيب. ورحنا نرفسه ونركله بقسوة. وربط شاحر يديه بالأغلال. وعصبت عينيه.
نصحت شاحر بأن نبلغ عنه. لكن شاحر خشي ان يأمرونا بإطلاق سراحه. وجندي ثالث اعتقد انهم سيأمروننا بإبقائه معنا لمدة ساعة او اكثر. فتخلص منه شاحر بطريقة فريدة. رماه جانبا. ووقف على صخرة الى جانب الشارع. وراح يبول عليه".
العربي ينبح
"كنت في دورية مع دادو المجنون، والتعب يهد حيلي. الوقوف على الحاجز مدة أسبوعين انهكني. فرحت أغط في نوم عميق داخل السيارة. وأحلم بدانا صديقتي. في اللحظة التي وصل فيها الحلم مرحلة حساسة، أيقظني دادو: "قم يا... قم... يوجد اكشن": كان اربعة شبان عرب يقفون ووجوههم الى الجدار، وايديهم الى أعلى وأرجلهم مفتوحة ودادو يصرخ بهم. ويوسي السائق يحمل بطاقات هويتهم ويضحك. راح دادو يركلهم ويشتمهم ويشتم العرب، ووجنتاه حمراوتان من الغضب. اي أهبل هو دادو. أمن أجل هذا يوقظني؟ انا أكرهه. انه يبحث عن المشاكل. نزلت من السيارة. اطلق سراح ثلاثة منهم. واختار رابعاً وأمره بأن يركع وينبح كالكلب. لم يطلق سراحه إلا بعد ان نفذ الأوامر. عندها صرخ في وجهه: ايها الكلب السيئ. لماذا تبول على البساط؟ وراح يوسي يضحك".
اطلقت الرصاص على ولد
"اليوم اطلقت الرصاص على شخص ما. أخذونا الى منطقة كان فيها أولاد يحدثون شغباً قرب السياج الحدودي. منطقة مشاكل دائمة. تظاهرات. قذف حجارة. توجهنا الى هناك بعد ان تزودنا بأسلحة تفريق التظاهرات: قنابل دخانية. غاز مسيل للدموع، رصاص مطاطي وهو المحظور علينا استخدامه. لكن كل واحد منا يحصل على باغتين منه. كانوا حوالى مئة شخص معظمهم من الاطفال، يقذفون الحجارة على سيارة دورية عسكرية في المكان.
جنود الدورية انهوا كل الذخيرة التي في حوزتهم. وراحوا يطلقون الرصاص الحي في الهواء كي يخيفوهم. وقفنا في صف واحد ورحنا نطلق الغاز عليهم. لكن هؤلاء العرب في غزة، كانوا قد اعتادوا على ذلك. فكلما تصل اليهم قنبلة غاز، كانوا يدفنونها في الرمل. نظرت اليهم جيدا، فوجدت بينهم شابا كبيرا يوجههم ويشجعهم. فقلت في نفسي: هذا ما كنت ابحث عنه بالضبط. وفي اللحظة نفسها رآه الضابط. فقال: "يجب ان نفعل ونترك في ابن الشر... هذا". وخلال ثوان كانت فوهة بندقيتي مصوبة نحو بطنه. فأخذت نفساً عميقاً، حسب التعليمات العسكرية كي اضمن الإصابة بدقة، وضغطت على الزناد. رصاصة واحدة وإذا به يسقط على الرمال. جميع الأولاد هربوا من حوله، وبقي وحده يتلوى من الألم. فحضر اثنان من الفتية وحملاه وابتعدوا وانفضت التظاهرة.
جاء زملائي نحوي، وراحوا يربتون على كتفي: "كل الاحترام. انك رجل، لقد نجحت". هذا الاطراء هو ما انتظره منذ بداية الخدمة العسكرية. صحيح ان اصابة مدني ليست مثل اصابة عربي مسلح. ولكنني شعرت بالإعتزاز. خصوصا بعدما راح زملائي يتعاملون معي كأنني بطل. انتهيت من التحقيق، وصعدت الى الغرفة واتصلت بشقيقتي، التي تعمل اخصائية نفسية، وكانت دائما تحذرني من مغبة التعامل غير الانساني مع الفلسطينيين. قلت لها: "اطلقت الرصاص على أحد الاشخاص العرب"، فسألتني: "كيف تشعر مع هذا؟"، فقلت لها: "لا اعرف. لا أذكر". والحقيقة انني كنت أريد ان أقول لها الحقيقة، وهي انني لا أشعر بشيء".
يشفق على الكلاب
"على طول الجدار بين اسرائيل وقطاع غزة تنتشر الكلاب الشاردة والمسعورة. تقفز من طرف الجدار الى الطرف الآخر، فتضرب بالسياج وبذلك يتم تفعيل صفارات الانذار. وهذه تصيبنا بالجنون. فكلما انطلقت الصفارات علينا ان نقفز من مكاننا ونهرول الى مصدر التماس مستعدين. لهذا كنا نستدعي خبير سلطة حماية الطبيعة، مرة كل اسبوعين كي يبيد الكلاب. وكنا نسميه صياد الكلاب.
غريب هذا الصياد. انه يبدو مثل رعاة البقر الاميركيين، بقبعتهم المشهورة والبندقية. كان يأتي ونحن نسير وراء سيارة الجيب التي يقودها. وفي كل مرة يتوقف فجأة، ويقفز من سيارته بالبندقية، يركع على الأرض ويصوب نحو حركة مشبوهة ويطلق الرصاص ثم يعود الى السيارة ويتابع السير. هكذا، بميكانيكية غير عادية. لا يفحص ماذا جرى؟ هل أصاب الضحية ام لا؟ هل الضحية ماتت أم لا؟ كان يقتل بهذه الطريقة حوالى عشرة كلاب. وكنت أشفق عليها. ذات مرة رأيت كلبا اسود جميلاً. وعندما مررت به بعد ساعات، كان ما زال ينزف ويتنفس. ويتلوى من الألم. مساكين هذه الكلاب، فما ذنبها وهي تعيش حياتها. ولا تعرف انها بهذه الحياة تضايقنا، لا توجد عدالة للكلاب".
السرقات
"عرفت انه في نهاية الامر ان هناك مبالغة. لقد بدا ذلك من المسابح التي يشتهر العرب بحملها. جميلة هي تلك المسابح، خصوصاً اللماعة منها، فهي طريقة ناجعة لتمضية الوقت.
نحن ببساطة نطلب المسبحة من صاحبها. فإذا اثاروا المشاكل، يكون رد فعلنا سريعا بالمماطلة في فحص أوراقهم، وبالدقة الزائدة في فحص سياراتهم، الى ان يفهموا انهم في المرة المقبلة يجب ان يعرضوا علينا المسابح بأنفسهم. العرب المسنون لا حاجة لان تطلب منهم. يكفي ان تقول للواحد منهم، أي مسبحة جميلة لديك. فيفهم. ويقدمها لك على الفور. وهكذا، اصبح الجنود الشبان يتنافسون على المواطنين كي يحصلوا منهم على المسابح. وفي بعض الاحيان، يطول الطابور الذي تقف فيه السيارات على الحواجز بسبب مسبحة.
ثم بدأ الامر يتسع. فبعض الجنود راح يطلب السجائر. شاحر كان يطلب سيجارة من كل سيارة، فيعطونه علبة. وكنا نضحك من ذلك، الى ان وقعت حادثة أوقفت كل هذه اللعبة. فقد طلب الجندي ميرو السجائر من احد الركاب في سيارة. فرفض. فانقض عليه يضربه ما أدى الى كسر يده. فاشتكى. وعندها حوكم شاحر وقبع مع ميرو في السجن لمدة شهر".
هذه بعض القصص التي رواها ليران في كتابه وهي - كما يقول اليوم - غيض من فيض بالنسبة الى ما حدث معه وامامه خلال سنوات الخدمة العسكرية الثلاث. اتصل بدور نشر فرفضت وحتى دار النشر "جفانيم" التي أصدرته، قالت انها ترددت كثيراً"، لأنه "كتاب صعب وقاس، يصور مسار التدهور الاخلاقي وفقدان المشاعر الانسانية للجندي على الحاجز العسكري في قطاع غزة.
ويقول ليران انه اختار ان يروي القصص كما هي بلا اي تفسير او تعليق، مع ان لديه الكثير مما يقوله في هذا الشأن خصوصا الان "حملت معي هذه القصص كذكريات مضحكة في البداية. وسافرت الى الهند بعد انهاء الخدمة، في رحلة استجمام طويلة لمدة ثلاثة اشهر، فاكتشفت هناك انها ليست مضحكة. بل هي مرض أحمله معي الى الهند. صرت انظر الى الهنود باحتقار كما لو أنهم عرب. وحدث ان حاولت الاعتداء على مواطنين هنود آمنين، لانهم ألقوا علي التحية بابتسامة جميلة. فحسبت انني على حاجز عسكري في الضفة الغربية. وان الهنود يسخرون مني مثل العرب.
وعندما عدت الى اسرائيل، حاولت التحرر من شخصية الجندي المتوحش، فلم استطع. استأنفت دراستي الجامعية في فرع الفنون، الذي يحتاج الى الحس المرهف. فغلبت علي مشاعر الذنب من جراء تصرفاتي. وقررت ان أقطع الدراسة حتى اكتب هذا الكتاب. والآن اشعر بقليل من الراحة وان مشواري طويل. فمن واجبي ان أفعل شيئاً يهز المجتمع اليهودي حتى يعرف حقيقة ما يجري هناك. ويعرف ان العربي، عندما يكرهنا الى هذا الحد، معه حق. واذا كان قد تنازل عن حياته في سبيل قتل أكبر عدد من اليهود، فإنه يفعل ذلك لأننا لم نبق لديه حياة ولا حتى الأمل بالحياة"


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.