سبعون الف حالة زواج قسري على الاقل، تمت في اوساط المهاجرين القادمين من افريقيا وآسيا والمقيمين في فرنسا بطريقة شرعية. هذا ما اعلنته اللجنة العليا لشؤون المهاجرين المسؤولة عن عملية اندماجهم في المجتمع في تقرير رسمي تناقله بعض وسائل الاعلام بشيء من التستر، بينما اطلقت وسائل اعلام اخرى صيحة خجل واتهام بالتقصير وعدم المبالاة التي يواجه بها المسؤولون مشاكل المهاجرين. ومشكلة الزواج القسري الذي ازداد عدده بنسبة خمسة اضعاف في اقل من عامين، ليست سوى مأساة جديدة تخرج من صمت الملفات والتقارير وتضاف الى مسلسل العنف، بكل انواعه، الذي تتعرض له المرأة المهاجرة في اوروبا. ليس هناك اقوى من صدمة الارقام. الارقام وحدها تخيف الغرب، لانها تعبّر عن مأساة تحدث على ارضه، وهو يحترم الاحصاءات ويرفض ان يكون في وضع الجاهل لما يجري في مدنه وقراه. فعمليات العنف التي تتعرض لها المرأة المهاجرة ومن بينها الزواج القسري، تجري في الضواحي الباريسية حيث تعيش الطبقة العمالية المهاجرة. ولفتت الجمعيات النسائية، نظر المؤسسات الرسمية المهتمة بأمور المهاجرين الى الازدياد الخطير لعمليات الزواج بالإكراه التي تتعرض لها مراهقات من اصول اجنبية لكنهن فرنسيات الهوية، الا ان الجواب هو دائماً ان من واجب الدولة الفرنسية احترام عادات وتقاليد مواطنيها والمقيمين على ارضها وان القانون المدني الفرنسي لا يستطيع التدخل في زيجات تتم وفقاً للتقاليد الدينية الا في حال ثبوت عملية الاكراه في هذا الزواج، عندها يعتبر الزواج باطلاً من الناحية القانونية. ابتزاز عاطفي كان الزواج القسري ولا يزال امراً مأسوياً ومنافياً للمفهوم الانساني بكل معانيه، وهو نوع من التضحية التي تتحول الى عبودية خاضعة لتقليد اجتماعي لا يلغيه التطور ولا الحداثة. ومن الصعب معرفة عدد الفتيات اللواتي خضعن ويخضعن لعملية الزواج القسري في العالم. كما يصعب التفريق كلياً بين الزواج المرتّب او المدبّر سلفاً من قبل الاهل، او الزواج القسري، فالتقاليد تدمج نوعي الزواج وغالباً ما تكون النتيجة واحدة: زواجاً بالإكراه. ويظهر آخر الاحصاءات الاجتماعية الخاصة بعادات الزواج، ان غالبية حالات الزواج القسري تتم في البلدان الافريقية والآسيوية، خصوصاً السنغال ومالي وتركيا والمغرب. الزواج القسري ليس تأكيداً على احترام العادات والتقاليد، فهو قبل كل شيء، اعتداء على حقوق الافراد المكتسبة خصوصاً النساء، ونادراً الرجال. وتختلف، من دون شك، وطأة هذا النوع من الزواج لدى الفتاة المهاجرة التي تعيش بعيدة عن وطنها الام، وبالتالي في مجتمع يختلف في كل شيء عن مجتمع بلدها الاصلي، عن تلك التي تعايش التقاليد والعادات لبلد ولدت فيه ونشأت في مجتمعه حيث يدخل الزواج القسري في مفهوم القيم الاجتماعية الثقافية وفي عمق المعتقدات والتقاليد الموروثة. ففي هذا المجتمع على الاهل، بل من واجب الأب، ايجاد عريس مناسب لابنته الشابة، وعلى هذه الاخيرة، اطاعة الوالد والموافقة على اختياره. وغالباً ما يتحول الزواج المدبّر في اوروبا الى زواج قسري، فهناك مهاجرون، خوفاً من اتهامهم بالتمثّل بالاوروبيين والابتعاد عن تقاليدهم، يقومون بتنسيق زواج ابنتهم، وتبدأ عملية الابتزاز العاطفي التي تنتهي، بشكل عام، بموافقة الفتاة التي تضحّي بحريتها، واحياناً بمستقبلها للمحافظة على هيبة الاب وكرامته في مجتمعه المهاجر. هذا النوع من الزواج ليس افضل بكثير من الزواج القسري، وتعيش الفتاة المهاجرة بسببه معاناة نفسية شديدة ترتبط بعقدة ذنب لانها حادت عن الطريق الذي رسمته لمستقبلها وخانت مبادئها الشخصية وفقدت آمالها بمستقبل افضل. هذه المعاناة تؤدي الى ضياع هويتها الانسانية والثقافية والنفسية والعائلية ايضاً. ويتحول الزواج المدبّر الى زواج قسري عندما ترفض الفتاة الزواج ممن اختاره لها الاهل، ولا ينفع في اقناعها، لا الابتزاز العاطفي ولا المنطق العقلاني. وهنا يعمد الاهل الى العنف او الحيلة. وهذا يحدث دائماً في اوروبا، خصوصاً في فترة العطل المدرسية، فهناك فتيات كثيرات يذهبن لقضاء عطلة الصيف او الربيع في البلد الام، برفقة الوالد او جميع افراد العائلة، لكنهن لا يعدن ابداً الى اوروبا، اذ يتم زواجهن رغما عنهن، من رجال قد يكونون في عمر أبائهن. وهناك فتاة عندما تجد نفسها مرغمة على البقاء في بلدها الام، توافق على الزواج كي تستطيع العودة الى اوروبا بعد ان تعد الزوج بإنهاء المعاملات الخاصة بالتحاقه بها وبالتالي الحصول على اقامة شرعية وطويلة ثم الجنسية الاوروبية. لكنها عندما تعود الى اوروبا تطلب الطلاق من زوج لم توافق عليه، على رغم معرفتها الجيدة بالعواقب التي ستنتج عن عملها هذا، وتعتبر هذه الزيجات غير شرعية في فرنسا ويبطل مفعول الزواج القسري بمجرد اثبات عملية الارغام. مع ذلك يزدهر هذا النوع من الزواج، فالنساء عموماً يخشين الكلام من جهة، والسلطات الاوروبية تفضّل من جهة اخرى، عدم التدخل بقوة في قضايا تتعلق بالتقاليد الاجتماعية والدينية الخاصة بالمهاجرين، الا في حال شكوى او حدوث مأساة مؤسفة تتحدث عنها وسائل الاعلام. لا يمكن اعتبار الزواج القسري عادة او تقليداً حمله المهاجرون من افريقيا وآسيا معهم الى بلاد الهجرة. فهذه العادة موجودة دائماً في مختلف المجتمعات المتحضرة وسواها، حتى انها موجودة في تقاليد العائلات الارستقراطية والبورجوازية والسياسية ايضاً والاختلاف يكون في عملية التطبيق. ففي بلدان اميركا واوروبا تقام حتى اليوم حفلات خاصة بالطبقة الارستقراطية وسواها هدفها التعارف بين شباب وصبايا هذه الطبقة الراقية من المجتمع بقصد ترتيب زيجات مستقبلية. لقد اصبح من الشائع نسب الزواج القسري لدى المهاجرين الى تقاليد اسلامية بسبب الانتماء الديني لغالبية هذه الزيجات. فاذا كان صحيحاً ان التقاليد الاسلامية تقضي بوجود ولي أمر يوافق على الزواج، إلا أن الصحيح ايضاً هو ضرورة موافقة الفتاة على هذا الزواج. خصوصاً ان القرآن الكريم يدين إرغام الفتاة على الزواج، وعملية الإرغام هذه هي قاعدة الزواج القسري. اخيراً، اذا كانت الزيجات القسرية التي تتم في اوروبا، وبشكل خاص في فرنسا، تجري في طبقة المهاجرين الافارقة والآسيويين والعرب المغاربيين من المسلمين، فيجب الا ننسى العنف الذي تعرضت له المرأة الاوروبية، والفرنسية بالذات في الريف الفرنسي، قبل حوالى نصف قرن فقط وللاسباب ذاتها. وحتى في ايامنا هذه تتعرض فتيات من الفئات المهاجرة المسيحية للزواج القسري، وفي فرنسا بالذات تقارير ميدانية ونصائح للمسافرين بريطانيا عام 1998: تم القاء القبض على والدي الشابة الباكستانية الاصل ريحانة بشير، بعد قيامهما بتخديرها وسجنها في المنزل في محاولة لتسفيرها الى باكستان وتزويجها قسراً من رجل لا تعرفه ولم تره ابداً. فرنسا عام 2000: في اوائل شهر نيسان ابريل ذهبت الطالبة فطومة كونتا السنغالية الاصل لتمضية عطلة الربيع مع والدها في السنغال، وحتى اليوم لم تعد. وكانت فطومة في نهاية دراستها الثانوية ومن الطالبات اللامعات وتستعد لاكمال دراستها العليا في فرع الآداب وهي تعرضت لعملية خطف انتهت بزواج قسري في السنغال. فرنسا عام 2002: استطاعت شابة مغربية الهرب، قبل مغادرتها الاراضي الفرنسية، من قبضة أهلها بعدما حاولوا تسفيرها عنوة، برفقتهم الى بلدها الام بقصد تزويجها قسراً من رجل يكبرها بأكثر من ربع قرن. في محاولة لايجاد حل ما لمشكلة الزواج القسري والعنف الذي تتعرض له الفتيات بسببه، نشر مكتب الهجرة البريطاني، تقريراً يظهر صعوبة مساعدة الشابات وملاحقة العائلات خصوصاً عندما يتم الزواج في البلد الام، لذلك طلب المكتب اعتبار الزواج القسري اعتداء على حقوق الفرد، وبالتالي يستطيع رجال الامن ملاحقة الاهل بناء على شكوى تقام ضدهم. وفي اوائل عام 2001 حقق مكتب الهجرة البريطاني بالتعاون مع وزارة الداخلية مشروعاً مهماً لمحاربة الزواج القسري، تم بموجبه وضع برنامج مشترك للتعاون بين الشرطة البريطانية والشرطة الهنديةوالباكستانية غالبية المهاجرين في بريطانيا من الهندوباكستان وهكذا وفي مدى سنة ونصف السنة استطاع المكتب حل مشكلة 240 زواجاً تم بالاكراه، كما توصل الى استعادة اكثر من ستين فتاة أُرغمن على البقاء في البلد الأم. وفي فرنسا، وضعت وزارة الخارجية اجراءات هي عبارة عن "نصائح للمسافرين" خصوصاً الشباب من الجنسين، الذين قد يتعرضون لعمليات زواج قسري خلال العطلة الصيفية خارج الاراضي الفرنسية. النصائح عبارة عن معلومات تساعد الشباب في حال الضرورة على الاتصال بالاجهزة المختصة بواسطة ارقام هاتف تصلهم مباشرة بالقنصليات او السفارات والادارات التي تهتم بشؤون الفرنسيين في الخارج. وتفكر الحكومة حالياً بايجاد حلول فعلية لعمليات العنف والزواج القسري التي تتعرض لها المرأة المهاجرة في فرنسا وخارجها في بلدها الام. والواقع ان الجمعيات النسائية والاجتماعية تناضل منذ سنوات من اجل حصول المرأة المهاجرة على حقوق قانونية تساعدها على مواجهة مشاكل الحياة اليومية، خصوصاً محاربة تقاليد معينة تحطّ من شأنها وتمنعها من التقدم. وهذه الجمعيات هي التي وضعت تقاريرها الميدانية الخاصة بالزواج القسري والعنف الذي تواجهه المرأة المهاجرة الى اللجنة العليا للاندماج.