المملكة تشارك في جلسة الآمال الرقمية ضمن مؤتمر قمة المستقبل    شارك في الحدث رفيع المستوى بقمة المستقبل.. الربيعة: 4 تحديات تواجه العمل الإنساني    اليوم.. أول أيام فصل الخريف فلكيا    اليوم الوطني ذكرى تتجدد وحلم يتحقق    "الأرصاد" استمرار هطول الأمطار على جازان وعسير والباحة ومكة    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على هذال بن سعيدان    الموت يغيب مطوف الملوك والزعماء جميل جلال    البليهي: مشكلة الاتحاد انه واجه الهلال وكل المدافعين في اتم الجاهزية    رايكوفيتش: كنا في غفوة في الشوط الاول وسنعود سريعاً للإنتصارات    غزة.. الاحتلال يبيد العائلات    للأسبوع الثاني.. النفط يواصل صعوده    «الأمم المتحدة»: السعودية تتصدر دول «G20» في نمو أعداد السياح والإيرادات الدولية    وزير الخارجية يبحث مع نظيره الجزائري الأوضاع في غزة    ريال مدريد يسحق إسبانيول برباعية ويقترب من صدارة الدوري الإسباني    الهلال يكسب الاتحاد بثلاثية في دوري روشن للمحترفين    في كأس الملك.. الوحدة والأخدود يواجهان الفيصلي والعربي    خادم الحرمين لملك البحرين: نعزيكم في وفاة خالد آل خليفة    ولي العهد يواسي ملك البحرين في وفاة خالد آل خليفة    279,000 وظيفة مباشرة يخلقها «الطيران» في 2030    مئوية السعودية تقترب.. قيادة أوفت بما وعدت.. وشعب قَبِل تحديات التحديث    أمانة القصيم توقع عقداً لنظافة بريدة    "طويق" تحصل على شهادة الآيزو في نظام الجودة    وداعاً فصل الصيف.. أهلا بالخريف    «التعليم»: منع بيع 30 صنفاً غذائياً في المقاصف المدرسية    "سمات".. نافذة على إبداع الطلاب الموهوبين وإنجازاتهم العالمية على شاشة السعودية    دام عزك يا وطن    بأكبر جدارية لتقدير المعلمين.. جدة تستعد لدخول موسوعة غينيس    "متحالفون من أجل إنقاذ الأرواح والسلام في السودان" يؤكد على مواصلة العمل الجماعي لإنهاء الأزمة في السودان    "قلبي" تشارك في المؤتمر العالمي للقلب    فريق طبي بمستشفى الملك فهد بجازان ينجح في إعادة السمع لطفل    اكتشاف فصيلة دم جديدة بعد 50 عاماً من الغموض    لا تتهاون.. الإمساك مؤشر خطير للأزمات القلبية    "الداخلية" تحتفي باليوم الوطني 94 بفعالية "عز وطن3"    «الخواجات» والاندماج في المجتمع    لعبة الاستعمار الجديد.. !    فأر يجبر طائرة على الهبوط    حل لغز الصوت القادم من أعمق خندق بالمحيطات    نسخة سينمائية من «يوتيوب» بأجهزة التلفزيون    مركز الملك سلمان: 300 وحدة سكنية لمتضرري الزلزال في سوريا    ضبط 22716 مخالفا لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    يوم مجيد لوطن جميل    أحلامنا مشروع وطن    مسيرة أمجاد التاريخ    صور مبتكرة ترسم لوحات تفرد هوية الوطن    الملك سلمان.. سادن السعودية العظيم..!    خمسة أيام تفصل عشاق الثقافة والقراء عنه بالرياض.. معرض الكتاب.. نسخة متجددة تواكب مستجدات صناعة النشر    تشجيع المواهب الواعدة على الابتكار.. إعلان الفائزين في تحدي صناعة الأفلام    مجمع الملك سلمان العالمي ينظم مؤتمر"حوسبة العربية"    إقامة فعالية "عز الوطن 3"    مصادر الأخبار    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين.. تنظيم المسابقة المحلية على جائزة الملك سلمان    الابتكار يدعم الاقتصاد    تعزيز أداء القادة الماليين في القطاع الحكومي    القيادة تعزي ملك البحرين في وفاة الشيخ خالد بن محمد بن إبراهيم آل خليفة    "الداخلية" توضح محظورات استخدام العلم    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالفيحاء في جدة يستأصل بنجاح ورماً ضاغطاً على النخاع الشوكي    أبناؤنا يربونا    خطيب المسجد النبوي: مستخدمو «التواصل الاجتماعي» يخدعون الناس ويأكلون أموالهم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صفحات من تاريخ الجيش الاحمر الالماني الحقبة الاوروبية السوداء !
نشر في الحياة يوم 13 - 01 - 2003

مثلما كانت البداية لافتة ومفاجئة، لم تكن النهاية أقل مفاجأة ولفتاً للأنظار، حيث اختار "الجيش الأحمر" الألماني يوم عمل عادياً لتوزيع "بيان النهاية" واطلاق "رصاصة الرحمة" على نفسه. في ذلك اليوم فوجئت وسائل الاعلام في مدينتي كولونيا غرب ولايبزيغ شرق بنص تعطيل العمل واعتبار "جيش التحرير" أو "جناح الجيش الاحمر" داخلا رحم التاريخ. فقد قال البيان الذي طوى الصفحة السوداء في تاريخ العمل السري السياسي "قبل 28 سنة انشأنا جيش التحرير الاحمر، وبعد مضي هذه الفترة نعلن على الملأ انتهاء هذا المشروع الكفاحي".
جاء خبر حل "الجيش الاحمر" ليثير الارتياح لكنه بعث الشكوك للوهلة الأولى، اذ لم يكن موقعاً، حتى ولا من اسم وهمي. الأمر الذي جعل تحويله الى دائرة التحريات الجنائية أمراً حتمياً، وبعد التحقيقات تبين ان الأمر لم يكن مزعوماً، وأن نهاية تلك المرحلة لم تكن نكتة سياسية.
كان جناح الجيش الأحمر بدأ الخطوة الأولى في مسيرة العمل المسلح لاسقاط "النظام الامبريالي" على هامش تراكمات كثيرة، أبرزها نشوء حركة "الثاني من حزيران يونيو" في احد احياء مدينة برلين الغربية، ذلك الحي ظل زمناً مركز استقطاب لجماعات اليسار المتشدد، على خلفية مقتل الالماني بنينو أونيزورغ، خلال تظاهرات طلابية صاخبة احتجاجا على الزيارة التي قام بها شاه ايران السابق للمدينة في 2 حزيران يونيو عام 1967. ومع ان الحركة لم تكن على صلات تنظيمية مع "الجيش الاحمر" الا ان الكثيرين من اعضاء الجيش السري لم يخفون تأثرهم بالمسار الذي اتبعته الحركة والمعروف بالفوضوية، على عكس التنظيم الداخلي المتقن لجماعة "الجيش الاحمر".
واللافت ان الطلاب اليساريين كانوا يتهمون بون بتعمد قتل اونيزورغ على يد احد افراد الشرطة، للبدء بحملة "تصفية دموية ضد اليسار الثوري"، ما ساعد في بلورة الحقد والكراهية في صفوف عناصره، وتأمين الاستعداد النفسي في ما بعد للانضمام الى المنظمة الاكثر تشدداً في التعامل مع قضايا السياسة، خصوصاً الاوروبية، والالمانية بسبب ظروف ما بعد الحرب، وتقسيم المانيا الى دولتين شرقية وغربية.
واستفادت الحركة في حينه من موجة التعاطف الشعبي مع ذوي القتيل، التي تصاعدت نتيجة تصريحات ادلى بها الشاه في مطار برلين، لحظة مغادرته، قال فيها ان "مقتل هذا المتظاهر يعد امرا اعتيادياً في بلادي، وهو لهذا السبب لم يترك اي اثر في النفس!" وكأنه تصور السؤال اعتذاراً منه لمقتل الطالب.
والواقع ان زيارة الشاه المليئة بالتحدي والمواجهات بين قوى الامن في المدينة، يساندهم عناصر السافاك الايراني ومجموعة صغيرة من الطلبة الموالين لنظام الشاه، وبين الطلاب اليساريين اعادت خلط الاوراق من جديد بين بون والجماعات اليسارية المتشددة، فلم تمض سوى ثمانية شهور حتى قامت عناصر من هذه الجماعات بمهاجمة متجر "شنايدر" الكبير في فرانكفورت، واشعال النيران فيه، ما ادى الى الحاق اضرار جسيمة بالمتجر وبعض المحال المجاورة، اعقبها حملة اعتقالات واسعة طالت منفذي هذه العملية، وعلى رأسهم اندرياس بادر، الذي سيلعب دوراً مهماً في ما بعد، في تأسيس منظمة بادر ماينهوف، الاساس الذي ادى الى نشوء جناح "الجيش الاحمر" الالماني.
ولأن المنظمة كانت بحاجة الى المال لتدبير امورها، ولان جميع الطلاب اليساريين من الفقراء تقريبا، فقد لجأت الى وسائل غير مشروعة للحصول عليه، حيث اقدمت في 29 ايلول سبتمبر عام 1970 على عملية سطو مسلح على ثلاثة مصارف مالية، اسفرت عن الاستيلاء على 200 الف مارك، كانت في ذلك الوقت تعتبر مبلغاً ضخماً. اضافة الى 110 آلاف كانت عناصر بادر ماينهوف استولت عليها قبل ذلك التاريخ بزهاء ثمانية شهور، اثر عملية سطو ناجحة.
ويبدو ان هذه الاموال شكلت عنصرا داعما لاعضاء المنظمة ساعدهم في تصعيد عملياتهم، التي كرسوها في البدء للانتقام من جهاز الشرطة الاتحادية والاقليمية من استهدافات سابقة لعناصر اليسار. فأقدمت المنظمة في الثاني عشر من ايار مايو عام 72 على تفجير ثلاث قنابل استهدفت رئاسة شرطة مدينة اوغو سبورغ، ومقر التحريات الجنائية في ميونيخ.
ستار الحرب الفيتنامية
وفي الحادي عشر من ايار مايو من العام ذاته اقدمت بادر باينهوف على توجيه اول عمل مسلح استهدف المؤسسات الاميركية في المانيا الاتحادية، حيث وضعت ثلاث قنابل في مقر القيادة العليا للقوات الاميركية المرابطة آنذاك في معظم الاقاليم الالمانية.
وكانت المنظمة لاذت بصمت مطبق، عقب ضرب المصالح الاميركية، استمر ثلاثة ايام، وادى الى ارباك اجهزة الدولتين الامنية والاستخباراتية، اعقبها اصدار بيان ورد فيه "نطالب الاميركيين بالوقف الفوري لجحيمالقنابل الساقط على فيتنام الشمالية، كما نطالبهم بالرحيل عن منطقة الهند الصينية برمتها. واذ نقول هذا فنحن مقتنعون بحتمية انتصار مقاتلي الفيتكونغ وجميع رجال العصابات الثوريين. ثم نقول ان الذي يمتلك شجاعة المقاتل هو الذي يمتلك مفاتيح الانتصار". وكانت تلك العملية صدمة "قوية لكبار جنرالات الجيش الاميركي العاملين في المانيا الغربية".
ثم عادت جماعة بادر ماينهوف الى التركيز على اجهزة الدولة الالمانية، فاختطفت حركة "الثاني من حزيران" المقربة منها، عمدة برلين المحافظ بيتر لورنس من الاتحاد الديموقراطي المسيحي. واعتبر السابع والعشرين من شباط فبراير عام 1975 الذي شهد تنفيذ هذه العملية المهمة نقلة نوعية في العمليات اليسارية المتشددة ضد الدولة الالمانية الامبريالية، لانها لم تنته الا باخلاء سبيل رفاقهم المعتقلين داخل المانيا.
مأساة السفارة في السويد
ولأن منظمة بادر ماينهوف كانت تتوقع من الحركة اليسارية مكاسب اخرى، اقلها اطلاق معتقليها ايضا، وهو ما لم يحدث، ما دفع ببادر ماينهوف الى تنفيذ عملية بالغة الخطورة، في 25 نيسان ابريل عام 1975، عندما اقتحم ستة مسلحين مقر السفارة الالمانية في السويد، واحتلوا الطابق العلوي منها، مطالبين بتحرير 26 من رفاقهم، بينهم رأسا المنظمة الاكثر اهمية اندرياس بادر واولريكه ماينهوف. لكن هذه العملية لم تنته بسلام بعدما تدخلت الشرطة السويدية واحتلت الطابق الارضي من المبنى، ورفضت الاستجابة لمطلب المغادرة الفورية للسويديين، فقتلت الملحق العسكري الالماني، آنذاك، بارون فون ميرباخ.
واستمرت عمليات الجيش الاحمر على رغم تصلب المستشار هيلموت شميدت، من الناحية النفسية والتكتيكية، الى حد اعتبار بعضهم ان حادث ستوكهولم كان الممهد الطبيعي لما عرف في حينه "بخريف المانيا" عام 1977، الذي بدأ مع مشروع الجيش الاحمر بتوجيه ضربة قوية الى اتحاد أرباب الاعمال باختطاف رئيسه هانز مارتين شلاير في ايلول سبتمبر.
عمليات "الخريف الألماني"
كانت تلك العملية من أبرز العمليات التي قامت بها المنظمة وأخطرها وأدقها تنظيماً، مع ما رافقها من روح مغامرة، اذ بينما كان شلاير يخترق بعربته الرسمية احد شوارع مدينة كولونيا المزدحمة تصحبه سيارة شرطة مدنية للحماية، اعترضته عربة اطفال، ما ادى الى اضطرار السائق للضغط المفاجئ على الفرامل، ومن ثم الاصطدام من الخلف مع عربة الشرطة المدنية.
وسط هذه الاجواء الانفعالية المشحونة كان خمسة من عناصر الجيش الاحمر يسرعون الى المكان حيث عاجلوا ثلاثة من افراد الشرطة باطلاق النار فاردوهم قتلى. وبعدما ارتبك الوضع سحبوا شلاير من السيارة ونقلوه الى عربة صغيرة كانت تقف بالانتظار. وعقب اطمئنان الجناة الى نجاح عمليتهم اصدروا بياناً يطالب الحكومة باطلاق قادة المنظمة، خصوصا اندرياس بادر، وتسليم كل شخص 100 الف مارك.
وبينما كانت المنظمة تنتظر "ردا ايجابيا" من بون، كان المستشار شميدت يؤكد مبدأه بعدم تقديم التنازلات، أيا كان الثمن!، الامر الذي صار يعني الكثير لوحدة زيغفريد هاوزر التي نفذت العملية، اضافة الى قرار السلطات "الاحترازي" والقاضي بمنع المعتقلين من الاختلاط ببعضهم البعض، عبر وضعهم في زنزانات انفرادية، ثم منع محامين من مواصلة الاتصال بهم. واقتضى هذا التصرف غير القانوني تفسيراً من الحكومة التي رأت انه "اجراء تحتمه ظروف المرحلة الطارئة"، ثم اضطرت بون الى اصدار عاجل لتشريع استثنائي يسمح بالتفريق بين المعتقلين "في حال تعرض حرية الافراد وحياتهم للخطر". وحدد لاستمرار هذا الاجراء سقف لا يتجاوز ثلاثين يوما لم تكد تنتهي حتى توفي العديد من عناصر المنظمة في ظروف "غامضة".
وفي ما يتعلق بالسجين اندرياس بادر، فانه كان قبل اعتقاله الاخير اعتقل في 4 نيسان ابريل عام 1970 لاتهامه بالمسؤولية عن مهاجمة المتجر الكبير في فرانكفورت واحراقه، لكن مكوثه رهن الاحتجاز لم يدم سوى شهر وعشرة ايام، اذ تمكنت منظمته من تحريره من داخل سجنه الموقت. وفي هذه الفترة تطور الموقف بالاعلان عن ولادة جناح الجيش الاحمر.
ويبدو ان عزم حكومة المستشار شميدت على الاحتفاظ ببادر، في كل الاحوال، كان نهائيا، ولم يكن قرار تشكيلها "هيئة طوارئ" للبحث في مطالب باطلاق سراحه ورفاقه، الا عملاً تكتيكياً يرمي الى استغلال الوقت ومعرفة مكان اختفاء الصناعي شلاير. بل ذهبت الهيئة الى أبعد من هذا عندما تصنعت الرغبة باطلاق سراح المعتقلين، فذهبت تسألهم واحداً واحداً عن الوجهة التي يرغبون الذهاب اليها بعد اخلاء سبيلهم. لكن يلاحظ ان المعتقلين كانوا في أشد حالات انعدام الثقة بالحكومة واعضائها، وانعكس هذا في الحديث الذي أدلوا به بشكل متشابه بشأن العزم على الانتحار، امام مجموعة من رجال الدين الذين زاروهم في زنزاناتهم.
وجاء اختطاف طائرة لوفتهانزا، الرحلة 181، اثناء رحلتها من جزيرة مايوركا الى فرانكفورت، بمثابة الدعم الكبير الذي يأتي من خارج السجن، اذ تبين بعد اكمال وحدة كفر قدوم ان اهدافهم متطابقة تماما مع المطالب التي تقدم بها خاطفو شلاير، لكن محمود مطير، احد الخاطفين، اضاف الى ذلك مطلباً آخر يتلخص باطلاق سراح اثنين من الفلسطينيين الذين كانوا محتجزين في احد السجون التركية، ودفع فدية مالية بقيمة 15 مليون دولار.
وبينما كانت هيئة الطوارئ تمارس المزيد من محاولات الالتفاف على خاطفي شلاير كانت الطائرة المخطوفة تحلق فوق مطار لارناكا في قبرص، قبل ان تتوجه الى منطقة الخليج، تلاحقها طائرة المانية تحمل وحدة امنية للتدخل السريع.
هبطت الطائرة اولا في مطار المنامة للتزود بالوقود قبل هبوطها في مطار دبي. كان الجو حتى تلك اللحظات مشوباً ببعض "الهدوء المفتعل" من الخاطفين، اذ ما ان سمعوا بمصادفة يوم الاختطاف احتفال احدى المضيفات بعيد ميلادها حتى اوصوا لها على كعكة خاصة. ولاستمرار الاجواء الطبيعية داخل الطائرة امر المختطفون برفع المتفجرات التي زرعوها في ارجاء مختلفة من الطائرة، الامر الذي قوبل بتصفيق عاصف من الرهائن، لكن تفاؤلهم لم يدم سوى خمس دقائق، اذ ان الخاطفين كانوا حددوا يوم 15 تشرين الاول اكتوبر، بعد يومين من الاختطاف موعدا لقيام نجل شلاير ايبرهارد بتسليم الفدية المطلوبة الى مكان في فندق انتركونتيننتال بفرانكفورت، لكن الخاطفين ادركوا ان هيئة التحريات الجنائية الالمانية تعمل على الالتزام بتعليمات المستشار شميدت وهيئة الطوارئ الوزارية التي شكلها، ومن ثم "المناورة" من أجل كسب المزيد من الوقت، بدأوا بمسعى خاص بهم، حيث نجحوا في الاتصال بنجل شلاير، ايبرهارد، من خلال هاتف فندق انتركونتيننتال في مدينة فرانكفورت، الذي بدا صريحاً ليخبرهم أن الأجهزة الأمنية تمنعه من الاستجابة، ومن ثم تسليمهم الفدية المطلوبة.
في هذه الأثناء علم الخاطفون ان الطيار الألماني شومان ادلى للسلطات في مطار دبي بمعلومات خطيرة عن أوضاعهم النفسية والعامة، والأهم عن عددهم، ومناطق تمركزهم.
ويبدو ان رمي الطيار أعقاب سجائر غير مستخدمة في سلة المهملات، كان خطوة غير موفقة فهمها الخاطفون فعاجلوه بعبارات التهديد بالقتل ان هو عاد إلى تكرار فعلته، لكن الرجل أدرك أن تهديد الخاطفين لم يكن إلا البداية لتصفيته. أما السؤال الذي لم يجد اجابة فهو سبب عودته إلى الطائرة بعدما نجح في اقناع الخاطفين بمغادرتها في مطار عدن، لفحص العجلات التي كان يعتقد بتضررها بسبب الهبوط الاضطراري في منطقة رملية قريبة من مدرج المطار، لكنه عاد في كل الأحوال بعد تأخر على أساس التضحية بنفسه، بعدما هدد الخاطفون بتفجير الطائرة ما لم يعد، وإذا عاد فإنهم سيكتفون بقتله. وفعلاً تم تنفيذ الجريمة وبقيت جثة الضحية يوماً كاملاً ملقاة في أرضية الطائرة التي أقلعت من مطار عدن بقيادة مساعد الطيار، ولم يتم اخلاؤها إلا في مطار مقديشو الصومالي.
وفاة قادة المنظمة
وفي فجر 18/10/1977 وبعدما وصلت مأساة الطائرة إلى نهايتها بتحرير الرهائن وقتل ثلاثة من الخاطفين الأربعة، حدثت مفاجأة داخل السجن الذي يقبع فيه قادة المنظمة، حيث أفاد الحراس انهم عثروا على جان كارل راسبه مضرجاً بدمه ومصاباً بجروح خطيرة نتيجة "اطلاقه النار" على نفسه، وبعد فترة وجيزة عثر على اندرياس بادر ميتاً وقد "شنق نفسه"، وعلى غودرون انسيلين، التي "انتحرت" بالطريقة ذاتها، وارمغارد مولر التي كانت مصابة بطعنات عدة "لم تفض إلى الموت".
وهكذا أصدرت السلطات الأمنية بياناً أكدت فيه رواية الانتحار، التي قوبلت بجدار كثيف من الشكوك. لكن البيان كان كافياً لحدوث مأساة أخرى في "خريف المانيا" تجسدت بإعلان خاطفي الصناعي الكبير شلاير تصفيته، بعد يوم واحد على موت رفاقهم في السجن. وبهذه الطريقة تكون وحدة "زيغفريد هاوزر" أسدلت الستار على اختطاف رئيس اتحاد أرباب الأعمال الألماني، بعدما أصدرت بياناً أفادت فيه "ان قتل شلاير لا يعني شيئاً ازاء مذبحة مقديشو، ومعتقل شتام هايم، ونعلن ان هذه التصرفات الفاشية للامبرياليين لن تفاجئنا، وسنلاحق هيلموت شميدت ومن يدعمه وتسببوا في سفك هذه الدماء، كما نعلن ان الكفاح التحرري بدأ الآن فقط".
مهاجمة هيغ
العملية التي قامت بها وحدة "اندرياس بادر" واستهدفت تصفية الجنرال الاميركي الكسندر هيغ، القائد العام لقوات "الناتو"، الذي نجا بأعجوبة من المتفجرات التي القيت على موكبه، تمت في إطار "الانتقام" لما حدث في "خريف المانيا"، خصوصاً أن الجيش الأحمر ترك بياناً أكد فيه "أن الكفاح لن يعرف نهاية إلا بانهاء دور الامبريالية الأميركية وقواعدها في أرجاء العالم".
وبالفعل كان عقدا الثمانينات والتسعينات شهدا تصعيداً في العمليات الانتقامية، إذ تمت في 15 أيلول سبتمبر 1981 مهاجمة الجنرال كروكسي، القائد العام للقوات الأميركية ممثل الولايات المتحدة لدى "الناتو". كما قامت المنظمة في 20/12/1984 بتفجير قرب إحدى المدارس، وكانت قبل ذلك بثلاثة شهور اعتدت على حياة وكيل وزير المال الألماني هانز تيتاماير، كما قتلت مطلع شباط فبراير 1985 رئيس الاتحاد الألماني للملاحة الفضائية والجوية، وفي آب اغسطس من العام التالي أردت المنظمة مدير الشؤون السياسية في وزارة الخارجية الألمانية، لأنه "أحد أهم واضعي السياسات المتعلقة بالتعامل الأوروبي"!
استغلال حرب الخليج
ويعتقد على نطاق واسع أن حرب الخليج الثانية كانت بمثابة هدية السماء للمنظمة التي استغلت بشكل جيد عواطف غالبية الألمان المعارضة لشن الحرب على العراق، فأقدمت في 13 شباط 1991 على اطلاق صواريخ استهدفت السفارة الأميركية في بون، تحت ستار "التضامن مع كل الذين انتفضوا ضد عمليات الإبادة الجماعية التي يمارسها الناتو والولايات المتحدة".
بمثل هذا الاسلوب البارع انضمت جماعات اليسار المتشدد، بما فيها جناح الجيش الأحمر، إلى التيار الأعظم من السكان، بعدما اكتشف انه محكوم بوازع وضمير. وبمثل هذا الاسلوب "اختلط الحابل بالنابل" في تظاهرات يومية كان يشارك فيها مئات الآلاف من رافضي المنطق الأميركي واخراجاته الحربية.
واللافت ان الجيش الأحمر، الذي ارعبت صواريخه على السفارة الأميركية جماعات من حزب الخضر وأنصار السلام كانت ترابط ليلاً ونهاراً أمام السفارة، لم ينسَ تطمين هؤلاء بأنه لا يستهدفهم ولم يكن يريد افزاعهم بدليل "اننا عمدنا إلى خلط ذخيرتنا الحية بأخرى ضوئية حتى تتبينوا الهدف ولا تلوذوا بالمكان الخطأ"!
وبعد أقل من شهرين على "حادثة بون"، عمدت الجماعة إلى قتل رئيس إدارة ممتلكات جمهورية المانيا الديموقراطية الملغاة، ديتليف روفيدر، بطريقة مذهلة، إذ اصابته في ظهره من بعد 63 متراً، عندما كان يقف في ساعة متأخرة من الليل في غرفة نومه وظهره إلى النافذة بمنزله في مدينة ديسلدورف، وترك الجناة عبارة مكتوبة تقول: "نحن نقاتل، ومن لا يفعل يموت ميتة الجرذان".
ويعتبر كثير من الخبراء في شؤون التطرف السياسي وأعمال العنف أن هذا النوع من القتال هو الذي دفع المنظمة إلى اختيار سبيل الانسحاب من الساحة السياسية قبل عامين من انتهاء القرن الماضي، وهو سبيل لا يختلف كثيراً عن انسحاب المذعورين الذين تجاوزهم الزمن، فحلت بهم الكارثة وربما تجرعوا من كؤوس المرارة ذاتها التي أذاقوا بها ضحاياهم.
ولا يعني هذا أن منطق السلطات الألمانية كان سليماً في كل مسارات المواجهة مع العنف والجماعات التي تمارسه، فلطالما ارتكبت أخطاء تكتيكية وأخرى في الحسابات، وثالثة بسبب التسرع في توجيه الخطاب.
ولعل من أبرز التساؤلات التي تطرح اليوم تلك التي تتعلق بمصير أبرز عناصر الجيش الأحمر، وأين انتهى بهم الدهر.
والمعلوم أن الكثير منهم اختار الفرار إلى جمهورية المانيا الديموقراطية عندما كانت هناك جمهورية بهذا الاسم. لكنهم اقتيدوا بعد التحولات التي أسفرت عن توحيد المانيا وتمت ادانتهم والحكم عليهم، ومن أولئك سوزانا البريشت، وهي ابنة محام الماني شهير، أنهت دراستها العليا في التربية والعلوم الاجتماعية في جامعة هايدلبرغ، شاركت في عقد السبعينات بأحداث العنف التي شهدها شارع "كورنيش هامبورغ" عام 1973، وفي احتلال مبنى منظمة العفو الدولية عام 1974، كما كانت العنصر الرئيسي الذي استخدم في قتل صديق والدها المصرفي الكبير يورغن بونتو. أنهت عامين في أحد المعسكرات في جنوب اليمن، وبعدما فرّت إلى المانيا الشرقية عام 1980 منحت جنسيتها وبقيت هناك حتى سقوط جدار برلين فتم اعتقالها وحكم عليها عام 1991 بالسجن أحد عشر عاماً.
ومن المدانين أيضاً، بعد الوحدة، بيتر يورغن بوك الذي شارك في قتل شلاير والمصرفي بونتو، ورالف فريدريش وكريستيان كلير


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.