"اليوم الوطني".. لمن؟    القيادة تعزي ملك البحرين في وفاة الشيخ خالد بن محمد بن إبراهيم آل خليفة    ضبط 22716 مخالفا لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    بعد اتهامه بالتحرش.. النيابة المصرية تخلي سبيل مسؤول «الطريقة التيجانية» بكفالة 50 ألفاً    تفريغ «الكاميرات» للتأكد من اعتداء نجل محمد رمضان على طالب    السعودية تتصدر دول «العشرين» في نمو عدد السياح الدوليين في 2024    البكيرية تستعد للاحتفاء باليوم الوطني 94 بحزمة من الفعاليات    الصين لا تزال المصدر الرئيس للاوراق العلمية الساخنة    القيادة تهنئ الحاكم العام لبيليز بذكرى استقلال بلادها    كلية الملك فهد الأمنية الشرف والعطاء    الشرقية: عروض عسكرية للقوات البحرية احتفاءً بيوم الوطن    بلدية الخبر تحتفل باليوم الوطني ب 16 فعالية تعزز السياحة الداخلية    زاهر الغافري يرحلُ مُتخففاً من «الجملة المُثقلة بالظلام»    الفلاسفة الجدد    حصن العربية ودرعها    أبناؤنا يربونا    تشكيل الإتحاد المتوقع أمام الهلال    مآقي الذاكرة    "البريك": ذكرى اليوم الوطني ال94 ترسخ الإنتماء وتجدد الولاء    شكر وتقدير لإذاعتي جدة والرياض    موعد مباراة الأهلي القادمة بعد الفوز على ضمك    مصر: تحقيق عاجل بعد فيديو اختناق ركاب «الطائرة»    اختفاء «مورد» أجهزة ال«بيجر»!    إسرائيل - حزب الله .. لا تهدئة والقادم أسوأ    الشورى: مضامين الخطاب الملكي خطة عمل لمواصلة الدور الرقابي والتشريعي للمجلس    انخفاض سعر الدولار وارتفاع اليورو واليوان مقابل الروبل    "الأوتشا" : نقص 70% في المواد الطبية و65% من الحالات الطارئة تنتظر الإجلاء في غزة    رياح سطحية مثيرة للأتربة والغبار على القصيم والرياض    فلكية جدة: اليوم آخر أيام فصل الصيف.. فلكياً    2.5 % مساهمة صناعة الأزياء في الناتج المحلي الإجمالي    «النيابة» تحذر: 5 آلاف غرامة إيذاء مرتادي الأماكن العامة    خطيب المسجد النبوي: مستخدمو «التواصل الاجتماعي» يخدعون الناس ويأكلون أموالهم    "مدل بيست" تكشف مهرجان "ساوندستورم 2024" وحفل موسيقي لليوم الوطني ال 94    "أكاديمية MBC" تحتفل بالمواهب السعودية بأغنية "اليوم الوطني"    "تعليم جازان" ينهي استعداداته للاحتفاء باليوم الوطني ال94    الأخضر تحت 20 عاماً يفتتح تصفيات كأس آسيا بمواجهة فلسطين    بيع جميع تذاكر نزال Riyadh Season Card Wembley Edition الاستثنائي في عالم الملاكمة    شرطة نجران تقبض على شخص لحمله سلاحًا ناريًا في مكان عام    رياض محرز: أنا مريض بالتهاب في الشعب الهوائية وأحتاج إلى الراحة قليلاً    الدرعية تحتفل بذكرى اليوم الوطني السعودي 94    حاملة الطائرات الأميركية «يو إس إس ترومان» تبحر إلى شرق البحر المتوسط    مجلس الأمن يعقد اجتماعا طارئا لبحث التطورات في لبنان    «لاسي ديس فاليتيز».. تُتوَّج بكأس الملك فيصل    الناشري ل«عكاظ»: الصدارة أشعلت «الكلاسيكو»    وزارة الداخلية تُحدد «محظورات استخدام العلم».. تعرف عليها    ب 2378 علمًا بلدية محافظة الأسياح تحتفي باليوم الوطني ال94    المراكز الصحية بالقطيف تدعو لتحسين التشخيص لضمان سلامه المرضى    زعلة: ذكرى اليوم الوطني ال94 ترسخ الانتماء وتجدد الولاء    "الصندوق العالمي": انخفاض معدلات الوفيات الناجمة عن مرض الإيدز والسل والملاريا    حركة الشباب تستغل النزاعات المحلية الصومالية    خطيب المسجد النبوي: يفرض على المسلم التزام قيم الصدق والحق والعدل في شؤونه كلها    خطيب المسجد الحرام: أعظم مأمور هو توحيد الله تعالى وأعظم منهي هو الشرك بالله    محمد القشعمي: أنا لستُ مقاول كتابة.. ويوم الأحد لا أردّ على أحد    حصّن نفسك..ارتفاع ضغط الدم يهدد بالعمى    احمِ قلبك ب 3 أكوب من القهوة    احذر «النرجسي».. يؤذيك وقد يدمر حياتك    قراءة في الخطاب الملكي    برعاية خادم الحرمين.. «الإسلامية» تنظم جائزة الملك سلمان لحفظ القرآن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجريمة الاكثر غموضاً وتعقيداً في التاريخ . لغز جاك السفاح هل تفكه السينما ؟
نشر في الحياة يوم 08 - 04 - 2002

كان على كل الألغاز ان تجد جواباً نهائياً في العام 1992، حين تفتح سكوتلنديارد ملفاتها المتعلقة بالقضية، بعدما ظلت مغلقة طوال مئة عام. وكان كل المفاجآت متوقعاً باستثناء المفاجأة التي كانت تنتظر الجميع: لا شيء في الملفات. لا أسماء واضحة. لا تفاصيل كافية لرسم الحقيقة. وهكذا أدرك المعنيون ان قضية "جاك باقر البطون" جاك ذي ريبر سفاح وايتشابل الشهير، الذي أرعب لندن في اواخر القرن التاسع عشر، ستبقى، الى جانب اغتيال الرئيس جون كيندي واحدة من الجرائم الأكثر غموضاً في التاريخ. فهل هذا هو القاسم المشترك الوحيد بين جريمتين لا علاقة لهما ببعضهما البعض؟
في هذه الأيام يأتي عرض فيلم "من الجحيم" للمخرجين هيوز، من بطولة جوني دب وهيذر غراهام، ليذكّرنا بما كان مجرد اقاويل طوال عقود من الزمن، وبما صار نظرية متكاملة في كتاب ستيفن نايت الذي صدر في العام 1978. هناك قاسم مشترك ثان وهو ان الجريمتين سياسيتان تتعلقان ب"مصلحة الدولة العليا": مصلحة الولايات المتحدة واقتصادها في حال كيندي، ومصلحة الملكة فكتوريا وسمعة عائلتها في حالة "جاك". أوليفر ستون قال ذلك عن كيندي في فيلمه "جي أف كي" وها هما الأخوان هيوز يقولانه عن فيكتوريا في فيلمهما.
تحريك المخيلات
وهكذا نجد انفسنا من جديد في معمعة قضية "جاك ذي ريبر" التي لا تزال تحرك المخيلات مبتدعة الروايات مخترعة المشبوهين طوال اكثر من قرن من الزمن.
ولكن قبل الوصول الى نظرية "من الجحيم" قد يجدر التوقف بعض الشيء حول ما حدث حقاً، في ظلام لندن في تلك الحقبة المرعبة من نهاية القرن التاسع عشر.
ما حدث هو سلسلة جرائم متتالية، وقع ضحيتها خمس بائعات هوى، بشكل متلاحق. وبطرق متشابهة. ولم يكن هذا، وحده، ما جعل المحققين، ومن بينهم المفتش آبرلين، يقولون ان المجرم واحد. بل ان "القاتل" نفسه لم يفته ان يكتب الى الشرطة رسائل متلاحقة يعلن فيها عن جرائمه ويسخر من عدم قدرة سكوتلنديارد على الإمساك به. ولعل أغرب هذه الرسائل تلك التي تلقاها آبرلين يوماً وقال فيها القاتل الذي اطلق على نفسه اسم "جاك"، انه بات على يقين بأنه هو الصانع الحقيقي ل"القرن المقبل... القرن العشرين".
ويبدو ان "جاك" كان محقاً في هذا، إذا نظرنا الى القرن العشرين بوصفه عصر الجرائم المسلسلة بامتياز. غير ان هذا لم يكن ما أثار اهتمام اللندنيين في ذلك الحين. ما أثارهم هو الحدث نفسه. والمنطقة التي كان يجري فيها. فمنطقة وايتشابل، كانت في ذلك الحين واحدة من اكثر مناطق اوروبا بؤساً. كانت منطقة الحانات والسكارى والعاطلين من العمل وفتيات الليل، اللواتي لا يمارسن "المهنة" إلا للحصول على الطعام والمأوى، وكان ليل وايتشابل ليلاً مرعباً، حتى من دون جرائم.
وهكذا حين اكتشفت الجثة الأولى لضحية "جاك" ليلة 31 آب اغسطس 1888، وتبين انها تعود الى مومس تدعى بولي نيكولز، ارتعب اهالي الحي، لكن اياً منهم لم يكن ليتوقع ان تكون أولى في السلسلة. وكذلك لم يحاول كثيرون الربط بين مقتل بولي ومقتل فتاة اخرى قبل ذلك بأسابيع في حي غير بعيد. ولكن في الثامن من ايلول سبتمبر التالي، حين عثر على آن تشابمان قتيلة ذبحاً وقد مثّل بجثتها في ردهة بناية في شارع هامبري، بدأ الحديث فوراً عن جرائم متصلة ببعضها البعض. وبدأت الشرطة تحقق في اوساط المتسولين والفوضويين في طول المنطقة وعرضها، غير ناسية ان تضطهد، في طريقها، جموع المناضلين السياسيين والمتظاهرين ومناصري الحصول على حقوق المرأة. وهكذا تحول الأمر الى مصدر للرعب، وقضية اجتماعية.
وتتالت الروايات وكثر المعتقلون... وظلت الشرطة تشعر بعجزها امام وضع لم يمكّنها من حل لغز الجريمتين حقاً. ولكن الأمر ازداد سوءاً يوم 12 من الشهر نفسه حين وصلت الى "وكالة الاخبار المركزية" رسالة كتبت بالحبر الأحمر يقول كاتبها بلهجة الواثق من نفسه: "سيدي المدير، أنا لا أكف عن سماع انباء تؤكد ان الشرطة اعتقلتني. لكن الحقيقة هي ان الشرطة لن تتمكن من اعتقالي قريباً. ويضحكني ان تقول الشرطة انها باتت قادرة على تعقب آثاري. انا ضد فتيات الليل، ولن أكف عن ذبحهن حتى أرتوي ... انني احب هذا العمل، وستسمعون اخباري الجديدة قريباً. في المرة المقبلة سأرسل لكم أذن المرأة التي سأقتلها...".
وكان القاتل الذي وقّع باسم "جاك" محقاً في ما قال، إذ ما إن مضت اسابيع قليلة حتى كان يخبط من جديد، وسط هلع لندن وغضب الشرطة. وفي اواخر شهر ايلول نفسه، وخلال ثلاثة ارباع الساعة قتل امرأتين جديدتين بواسطة الذبح وعمد الى تقطيع اوصالهن وتشويههن. وفي اليوم التالي ارسل الى الشرطة جزءاً من رئة الضحية الثانية كايت اودوز. اما آخر الضحايا فكانت ماري جين كيلي، التي ذبحها "السفاح" في شهر تشرين الاول اكتوبر التالي. إذ وسط الهلع العام، وفي وقت كانت فيه الملكة فيكتوريا نفسها تبدي رعبها مما يحدث، توقف القاتل فجأة عن ارتكاب جرائمه و... اختفى. اما الشرطة فستقول لاحقاً انه عثر عليه ميتاً، غريقاً في نهر التايمز. كيف؟ ماذا؟ لا أحد يدري. والشرطة نفسها، إذ بدت واثقة مما تقول، لم ترد ان تزيد.
وبدا واضحاً ان الأمر، لو كان صحيحاً، فمعناه ان ثمة خفايا سياسية وراء هذا كله.
وهكذا ولدت تلك الأسطورة التي لم تمت حتى الآن. الأسطورة التي كان يتعين على أسرارها ان تنجلي في العام 1992 فلم تفعل. وها هو "من الجحيم" يأتي ليؤكد أبعادها السياسية.
وجوه الأسطورة
ولأن للأسطورة عادة وجوهاً كثيرة. ولأن الشرطة لم تكشف الخفايا حقاً، كان من الطبيعي للعقل الشعبي وللكتّاب ان يمضوا في اختراع "الحقائق". وهكذا منذ اللحظة التي دخلت فيها حكاية "جاك" الحس الشعبي تنوعت الهوية الحقيقية للسفاح. فمن قائل انه، في الحقيقة، امرأة هي قابلة قانونية كانت تجهض نساء من علية القوم يخطئن فتتستر عليهن، لكن واحدة منهن رمتها في السجن، فقررت الانتقام، الى قائل ان القاتل ولم يفصح عن اسمه ابداً، بل أشير إليه، باسم "ستانلي" فقط كان طبيباً جراحاً تعرف ابنه الشاب على ماري كيلي فنقلت إليه مرض الزهري ومات، فانتقم من فتيات الهوى قتلاً وذبحاً، ومن بينهن ماري.
ومن الحكايات ما يتعلق بمحام يدعى م. ج. دوريث قيل انه مهووس جنسي، ارتكب جرائمه ثم انتحر بأن رمى نفسه في نهر التايمز. وهناك "نظرية" اليهودي البولندي كورنسكي، الذي تقول الحكاية انه كان كارهاً للنساء لذلك راح يقتلهن قبل ان يوضع في مأوى. ونظرية تتحدث عن طبيب روسي يدعى اوستروغ كان مجرماً بالسليقة، قتل النساء كراهية لهم كذلك.
غير ان أياً من تلك النظريات لم تصمد طويلاً.
النظرية الوحيدة التي صمدت زمناً طويلاً، كانت نظرية الدكتور ستويل التي نشرها في العام 1970، وقال فيها ان "جاك" الحقيقي انما هو "سي"، وهو وريث أسرة كبيرة جداً، ما ان عرفت الشرطة يومها - اي عند زمن اقتراف الجرائم - هويته الحقيقية حتى آثرت التكتم على الموضوع. ولكن لماذا تراه اقترف جرائمه: لأنه، بحسب ستويل، خلال رحلة بحرية مارس علاقة مع مومس فأصيب بالزهري الذي أفقده صوابه، وحين عاد عهد به الى الدكتور غال. اما هو فحقد على فتيات الهوى وراح يقتلهن حتى انكشف أمره للشرطة ولأعلى السلطات، فأوقف "عند حده" وحفظ الملف. والحقيقة ان بحث المعنيين عن حقيقة "سي" عندما نشر الدكتور ستويل مقالته، قادتهم الى الدوق كلارنس حفيد ملكة بريطانيا حتى وإن كان مؤكداً ان كلارنس، يوم مقتل ماري كيلي كان يحضر عيد ميلاد والده. نظرية كلارنس كانت ذات صدقية. ومع هذا كانت واحدة من نظريات عدة. وكان لا بد من الانتظار اكثر قبل الوصول الى حكاية معقولة اكثر... اهميتها هذه المرة ان اسم كلارنس وارد فيها.
هكذا احتاج الأمر الى انتظار اكثر من قرن قبل الوصول الى التفسير الأكثر جدية وصدقية حتى الآن، وهو نفسه الذي بنى عليه الأخوان هيوز أساس فيلمهما "من الجحيم" وحتى من دون ان يثير ذلك الآن، سجالات من النوع الذي كان اثاره في حينه. غير ان الأخوين هيوز، طورا الأمر، إذ مزجا بين النظرية التي ظهرت في العام 1970 دكتور ستويل، والأخرى الثورية التي تقدم بها ستيفن نايت في كتابه "جاك السفاح: الحل النهائي"، مضيفين الى هذا، الدور الذي يفترض ان الماسونيين لعبوه.
فماذا يقول تفسير العام 1970، وماذا يقول تفسير ستيفن نايت؟
يقولان معاً، بكل بساطة، ان المجرم الحقيقي سليل اسرة رفيعة جداً لم يحددها ستويل، فيما قال نايت انها الأسرة المالكة. وفيما قال ستويل في المقال الذي نشره في مجلة "الجنائي البريطاني" ان للقاتل "جدة يبجلها الإنكليز" و"ظلت حية بعد رحيل حفيدها"، قال نايت ان هذه الجدة انما هي الملكة فيكتوريا، مؤكداً ان هذا هو السبب الذي جعل دوائر سكوتلنديارد، تتحفظ عن القضية بعدما تيقنت من موت "جاك" غرقاً في نهر التايمز، ما أوقف سلسلة الجرائم. والآن قبل العودة الى الدكتور ستويل، وإلى غيره من اصحاب النظريات التي تنوعت بتنوع التفسيرات، ما جعل الأفلام العشرة - على الأقل - التي تناولت حكاية "جاك" وجرائمه، تقدم عشرة تفسيرات لواحدة من اكثر جرائم التاريخ غموضاً، إذا استثنينا جريمة قتل جون كنيدي، قد يكون من المفيد هنا ان نتوقف عند نظرية ستيفن نايت، ليس فقط لأنها الأكثر اغراء وإثارة، بل لأنها ايضاً المرشحة لنيل حظوة الناس، بعدما كرسها فيلم "من الجحيم".
حكايتا الابن وابيه
يقول نايت انه واثق من حكايته لأنه حصل على تفاصيلها مباشرة من جوزف سيكرت. فما هي اهمية هذا الأخير؟ اهميته انه ابن رسام يدعى والتر سيكرت. وهذا الأخير كان رساماً يمضي لياليه وسهراته وهو يروي، امام اصدقائه، كيف انه كان يقطن مع "جاك" السفاح في بيت واحد. وهذه الرواية كان لها في حينه صدى واسعاً لدى المستمعين. وذهب سيكرت أبعد من هذا حين اكد للسير اوزبرت ستويل انه كان يعرف الهوية الحقيقية ل"جاك"، قائلاً: "كان جاك مصاباً بداء السل ولم يكن يعود الى الغرفة قبل السادسة صباحاً، فيمضي الساعات التالية يروح ويجيء داخل الغرفة، ولا ينام إلا بعدما يسمع صوت نداءات بائعي الصحف معلنين عن العناوين الرئيسة. عند ذاك كان يهرع الى الخارج ويشتري صحيفة، ثم يعود لينام هادئ البال". وأكد سيكرت ان جاك هذا، كان يتعمد ان يحرق في المدفأة، في الليلة نفسها، كل الثياب التي كان يرتديها الليلة السابقة. ويرى سيكرت انه اذا كانت الجرائم توقفت، فما هذا إلا لأن صحة جاك اعتلّت ونقل الى منزل امه في بورنموث، حيث مات بهدوء.
إذاً، على ضوء هذا روى سيكرت الابن للكاتب ستيفن نايت ما يلي:
في العام 1884 استدعي والتر سيكرت، لإعطاء دروس في الرسم للدوق كلارنس، وهو نفسه حفيد الملكة فيكتوريا، الابن الأكبر لأمير ويلز، الذي كان معتل الصحة ويعتني به الدكتور ستويل. وهو المشتبه فيه الرقم واحد على اية حال. وهذا الدوق التقى في منزل سيكرت بموديل شابة تدعى آني كروك. وعلى الفور أغرم كلارنس بالفتاة وتزوجها سراً، امام كاهن كاثوليكي. وأنجب الاثنان في العام 1885، ابنهة سمّياها أليس، وعهدا بها الى جارة ايرلندية تدعى ماري جين كيلي التي ستكون آخر ضحايا "جاك"، في الواقع، وعشيقة المفتش آبرلين - يلعب دوره جوني ديب - في الفيلم.
نحن لا نعرف كيف علمت الملكة فيكتوريا بالأمر، لكن في امكاننا تخيُّل حجم الفضيحة التي راحت تهدد مقر باكنغهام: فوارث العرش يتزوج فتاة ليل. والزواج ينجب ابنة. وهذه الابنة بما انها هي كبرى اولاد كلارنس - إذا أنجب غيرها - فإنها هي التي سيحق لها وراثة العرش، او المطالبة به ذات يوم. ويزيد الطين بلة ان الزواج والعمادة تما تبعاً للطقوس الكاثوليكية. وهكذا، تبعاً لهذه النظرية، تقرر الملكة فيكتوريا الجدة التي يبجلها الإنكليز حسب رواية الدكتور ستويل انهاء هذه الحكاية التي لا يمكن التهاون معها. فتستدعي وزيرها الأول اللورد سالزبري آمرة اياه بوضع حد لهذا كله لأن الملكة لا تهتم بالتفاصيل ولا تود الخوض في هذا الموضوع مرة اخرى.
يفهم سالزبري ما عليه ان يفعله، ويطيع امر مولاته. وهكذا يتم اقتياد الدوق كلارنس الى مقر باكنغهام ليمنع من مبارحته. وتختطف آني كروك التي اقتيدت الى السير ويليام غال، فيعلن هذا ان آني مصابة بالجنون، ويتم ايداعها مأوى تموت فيه. أما طفلتها أليس فتُنتزع من ماري جين كيلي وتوضع في عهدة الرسام والتر سيكرت.
هنا يبدو للمعنيين ان القضية انتهت. لكن هذا لم يكن صحيحاً. فماري جين كيلي حين وجدت نفسها معدمة خالية الوفاض، انصرفت الى ممارسة الدعارة، ثم روت ما حدث لثلاثة من رفيقاتها هن آني تشابمان، وماري آن نيكولز، وإليزابيث سترايد، وهي اسماء المومسات نفسهن اللواتي وقعن ضحية "جاك" خلال المرحلة التالية. ويبدو ان الفتيات، حين ادركن انهن يملكن سراً ثميناً، قررن إعلام العائلة المالكة بالأمر - ودائماً بحسب هذه النظرية - اي قررن ان يمارسن نوعاً من الابتزاز يدر عليهن مالاً يقيهن حياة الليل. وكان هذا حكماً بالإعدام عليهن، من قبل اعلى مستويات السلطة. فمن الذي اتخذ القرار بتصفيتهن، الواحدة بعد الأخرى؟لا يجيب ستيفن نايت بوضوح على هذا السؤال في كتابه. وكذلك فإن الفيلم لا يوضح التفاصيل. لكن في الكتاب والفيلم من المؤشرات ما يبدو كافياً: اعلى السلطات هي التي اتخذت القرار، والتنفيذ تم بإشراف كبار الماسونيين. ولهذا بالتحديد يجد المفتش آبرلين - في الفيلم - نفسه وهو مطالب بأن يتوقف عن التحقيق في القضية! لا أحد يعرف من اتخذ القرار، لكن الجميع يعرف من الذي نفذه. وهذا ما يقوله الكتاب والفيلم.
المنفذون هم والتر سيكرت نفسه وسير ويليام غال وحوذي الدوق كلارنس المدعو جون نيتلي. وفي كل مرة كانت تقنية القتل هي نفسها باستثناء حالة ماري جين كيلي. إذ يبدو هنا ان سيكرت هو الذي اقتاد المرأة البائسة الى غرفتها حيث تولى الحوذي ذبحها، بينما أمعن السير ويليام غال، في مهنته كطبيب مشرح بحيث تبدو الجريمة من فعل معتوه سادي. اما كيت ايدوز، الضحية الخامسة، فيبدو ان قتلها كان على سبيل الخطأ.
ان امعاناً في هذه النظرية يجعلها الأغرب بين كل النظريات. غير ان ثمة من الدلائل والتفسيرات ما يجعلها الآن النظرية الأكثر رجحاناً.المهم ان السير ويليام غال مات في العام 1890 اما الحوذي نيتلي فمات تحت حوافر حصانه في العام 1903. وأما والتر سيكرت، فقد عاش حتى العام 1943 وتزوج الصغيرة أليس التي كان قد عهد بها إليه. وأنجبا معاً جوزف سيكرت الذي روى بنفسه، كل هذه الأحداث، للكاتب ستيفن نايت. ويبدو ان والتر وهو على فراش الموت اراد اراحة ضميره فروى الحكاية الى ابنه. غير ان هذا، ما ان نشر نايت كتابه، حتى جن جنونه، وأعلن ان كل ما رواه لم يكن صحيحاً: كل ما في الأمر، قال انه اراد ان يتسلى حين التقى نايت فاختلق تلك الرواية من اساسها!
فهل هذا صحيح؟
لا أحد يعرف تماماً.
لكن المهم ان نايت بنى الحكاية تماماً، وذكر كيف ان والتر سيكرت نفسه كان لا يكف عن التحدث عن الأمر امام اصدقائه، حتى قبل ولادة جوزف، عن سكن القاتل معه في شقة واحدة. وهذه الحكاية هي نفسها كما نعرف، يرويها الكتاب.فإذا صدق هذا، ستكون حكاية "جاك باقر البطون"، مجرد اسطورة اخترعتها السلطات لإخفاء سلسلة جرائم كانت هذه السلطات ترى ضرورتها من اجل مصلحة البلاد العليا.
غير ان هذا كله ليس اكثر من رواية جديدة. ومهما تبدو هذه الرواية "معقولة" يبقى ان لا أحد يمكنه اعتبارها الوحيدة والنهائية. تماماً مثلما حدث حين حقق اوليفر ستون فيلمه عن جون كيندي، فقدم عن جريمة اغتياله رواية معقولة، صدقها كثيرون، غير ان أحداً لم يستطع الرهان راهن على نهائيتها. فهكذا هي الجرائم الكبرى. لم تقترف لكي تكتشف. فلماذا تشذ حكاية "جاك" عن هذه القاعدة؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.