يحار قارئ كتاب رشا الأمير "يوم الدين"، بعد فراغه منه، في تصنيفه. هل هو رواية؟ ام سيرة؟ ام انه مونولوغ طويل لامرأة - ليست نكرة - اختارت رجل دين ليطلق العنان لمخيلتها وربما لواقعها؟ شيء من هذا او ذاك. بل كل هذا وذاك. ذاك كتاب مؤلفة "اليوم" ناشرة الأمس. اذ بعدما امضت رشا الأمير اكثر من عشر سنوات ممتهنة نشر الكتب الجديرة بالنشر في "دار الجديد" اللبنانية التي اسستها مع شقيقها لقمان سليم استكتبت نفسها الكتاب المعجمي الذي يبهر الراسخين في لسان العرب. وقد لا يبهر إلا هؤلاء الراسخين. ليست معقدة "رواية" "يوم الدين" في تطور احداثها، خصوصاً صعود بطليها الى مرتبة العشث. فرجل الدين الأعجمي؟ يحل في مدينة عربية خارج بلاده، آتياً من حياة بكر او عذراء الى حياة تقوده فيها امرأة فتنته ليس بجمالها فقط، بل وبأحلامها ايضاً. ويبدو "الرجل الغريب" مطواعاً في يد فاتنته الى درجة امحاء شخصيته كلياً. فهي التي تأخذ بيده في فقه اشياء الحياة، تعلمه وتدربه وتعيش معه حياة سرية لا يقطعها سوى افتضاح امره ونفيه الى مكان بعيد حيث ينكب على كتابة وقائع ايامه تجربته في مونولوغ طويل يبدو وكأن البطلة تهجئ حروفه له، بل وكأنها مصرة على قيادة خطاه حتى النهاية... حتى الكلمة الاخيرة. في هذا المونولوغ المنغلق على نفسه لا مسرح للحدث، غير "مسجد العمرين" ومنزل عادي، بمطبخه وأرائكه، وخصوصاً بكتبه المعجمية التي يرفرف فوقها طيف المتنبي. ووسط هذا الاطار البسيط تمضي حياة غير رتيبة اطلاقاً، يكتشف فيها "البطل" كل يوم نفسه من جديد، غير مصدق حياته. قد تكون متعة "يوم الدين" في ان الكتاب يجري على لسان امرأة مضمرة، ولمَ لا، لكن متعته القصوى - متعة القراءة - هي في هذا التحدي اللغوي الذي ترفعه رشا الأمير في وجه القارئ، داعية اياه الى مشاركتها في النهل من ينابيع اللغة.