يقدم العدد الثالث من مجلة «البوابة التاسعة» النصف سنوية التي تصدر بالعربية والفرنسية عن شركة سوليدير - بيروت ويرأس تحريرها الشاعر فادي طفيلي، تجربة جديدة تختلف عن العددين السابقين في كون العدد الجديد عبارة عن نصوص سردية تدور حول ثيمة واحدة. ويوضح طفيلي في تقديمه العدد الجديد، أن هذا العدد يقدم إلى القراء «من إطار الثيمة الواسعة، التي كنّا بدأناها في عددينا الأوَّلين، إلى ما هو أكثر تفصيلاً وقُرباً، إلى النمط الإبداعي الذي يواكب اهتماماتنا الثقافيّة المدينيّة ويُغنيها. وهذا يعني وضع إيقاع لتسلسل أعداد البوّابة التّاسعة الصادرة مرّتين في العام، مع كلّ خريف وربيع. إيقاعٌ يسير متنوّعاً مع كلّ إصدار، قوامه عددُ ثيمةٍ مُعتاد واسع، يليه عدد «نمط»، مُتكيّف في شكله مع موضوعه». إلى هذا الاختبار في الشكل الجديد، المُتكيّف مع النمط المطروح، قرّرت المجلة البدء بما ارتأيته متقاطِعاً مع ما كانت بدأت به العدد الأوّل – «المُتخيَّل» – الذي استكتب فيه باحثون وأكاديميون وكتّاب، مُستطلعاً رؤاهم في المدن. واختارت المجلة الآن نمط السَّرْد، لما فيه من أبواب مُشرعة للاختبار بالكلمة المكتوبة والخيال الخالص. وما قامت به المجلة في الحقيقة مثّل مغامرة استثنائيّة، بصفتها مجلّة تُعنى بشؤون المدن والعمران والأمكنة، فهي طلبت من الروائي حسن داود كتابة رواية باللغة العربيّة، على أن تترجم إلى الإنكليزية بالتوازي مع كتابتها، ومن ثمّ نشرها في وقت واحد باللغتين، العربيّة والإنكليزيّة. والرواية عنوانها «نَقِّلْ فؤادَكَ»، وهي تحتفي بالعمر والبحث عن حب مستحيل ضائع، وبالمكان والبدايات التي لا تنفكّ تتناسل، مُطلّة برأسها من هنا وهناك. وفي التوازي اختارت المجلة، كما يقول طفيلي، نصوصاً لكتّاب عرب وأجانب من جيل كتابيّ – فنّي مُختلف ومُتفرّق، ولكن مُتفاعل ومتواصل في خيط حساسيّات «صغيرة». وتُقدّم هذه النصوص المختارة اختبارات لافتة توغل في لغة المدينة المحجوبة المُكتنفة بالأسرار كما في نص الكاتبة المصرية منصورة عزّ الدين «طيف الصقلي»، أو في ملامسة الأغراض الحميمة واللفتات والأنفاس والرعشات كما في نص الروسية إرينا بوغاتيريفا «المخرج» (ترجمه عن الإنكليزية فادي طفيلي) والرقّة الإنسانيّة والبراءة وهشاشة الفرد المُنكشف مثلما في نص الكاتب التركمستاني أرسلان خسافوف «مساعد ستيفن سيغال» (ترجمة كرمل بدر عن الإنكليزية). «لم تعد الشعارات القديمة عن كرامة العمل طنّانة كما في السابق»، يكتب أرسلان خسافوف، على لسان بطله أرتور، الشاب العشرينيّ، «الروسي» المسلم الداغستاني. و «كلٌّ حرٌّ بتصرّفاته»، تكتب إرينا بوغاتيريفا وتكرّر جملتها هذه كمحطِّ كلام بين الفينة والأخرى على لسان بطل نصّها، الدليل السياحي الرصين الذي يحاول تأدية وظيفته بانفصال عن مشاعره الشخصيّة تجاه مجموعات السيّاح المتبدّلة في كلّ مرّة. ويشير طفيلي إلى «أن الجهد الذي بذلته المجلة للوصول إلى كتّاب من خارج الفضاء الثقافي العربي، يُمثّل أيضاً مغامرة تعلّمنا منها. فعلى رغم الجهد المُضاعف في هذه المُهمّة، والمُتمثّل في الترجمة من الروسيّة إلى الإنكليزيّة فالعربيّة، فإننا على الأقل طرقنا باباً يُهمل طرقه في العادة، ليس فقط المتكلّمون بالعربية، بل أيضاً الغربيون وسواهم. إذ ثمّة ما يشبه الخدر التاريخيّ المُطمئنّ إلى الحضور الراسخ للتراث الكلاسيكي الروسي العالمي (بوشكين، دوستويوفسكي، تورغينيف، تولستوي...)، على حساب روسيا الجديدة، أو روسيا ما بعد الاتحاد السوفياتي». ويضيف: «الكاتبان اللذان نقدّمهما في عددنا هذا، هما بالضبط من هذه الروسيا الجديدة (أرسلان خسافوف هو تماماً مثل بطله التراجيدي أرتور، من إثنية الكوميك المسلمة)، وهما يعكسان تلك النزعة الروسية القائمة على المزيد من البحث والحراك والتنقّل إثر انهيار الستار الحديد في مطلع تسعينات القرن العشرين. والواقع أننا نضع تجربة هذين الكاتبين الروسيين الجديدين، بالتماس مع تجربة جيل كتابي – فنّي عربي متنوّع. ولمناسبة صدور العدد الجديد من «البوابة التاسعة» تنظم المجلة لقاء السادسة والنصف من مساء اليوم في مركز «دواوين» في بيروت تقرأ فيه مقاطع من رواية حسن داود «نقل فؤادك» بالعربية والإنكليزية.