تحت عنوان "الرؤية المستقبلية للاقتصاد السعودي"، تستعد وزارة التخطيط السعودية بالتعاون مع البنك الدولي وبمشاركة مجلس الغرف التجارية والصناعية السعودية، لعقد أضخم مؤتمر اقتصادي في تشرين اول اكتوبر المقبل في الرياض، بهدف صياغة استراتيجية جديدة للاقتصاد السعودي في العقدين المقبلين، وينتظر ان يركز المؤتمرون مناقشاتهم على مسيرة الاقتصاد السعودي في السنوات الماضية واستشراف آفاقه المستقبلية للدخول في الألفية الثالثة، ومواجهة تحديات العولمة، من خلال حوالي 20 ورقة عمل ودراسة اقتصادية مقدمة من القطاعين الحكومي والخاص تتناول تقويم أداء الاقتصاد السعودي وملامح نموه وتطوره في السنوات العشرين المقبلة لرفع كفاءته التنافسية في ظل الانضمام المرتقب للمملكة الى منظمة التجارة العالمية. ويأتي انعقاد هذا المؤتمر بعد مؤتمر عقد في ايار مايو الماضي تحت عنوان "تمويل المستقبل" وحضره 400 مستثمر عربي واجنبي، وهدف الى تشجيع المصارف المحلية والاجنبية على الاسهام في تمويل المشاريع الاستثمارية في المملكة، في ظل نظام الاستثمار الاجنبي الجديد. وكان الاقتصاد السعودي تعرض لضغوط شديدة خلال العام 1998 بسبب ازمة النفط العالمية التي شهدت تدهوراً قياسياً في الاسعار، لم تسجلها خلال 15 سنة ماضية، ولكنه عاد لتحقيق نمو ايجابي في العامين الأخيرين. ووفق معلومات وزارة المال والاقتصاد الوطني، فإنه من المتوقع ان تكون نسب النمو لعام 2000 قد تعدلت نحو الاعلى ليصل النمو الفعلي الاجمالي للناتج المحلي الى 4.5 في المئة مقارنة مع 4.11 في المئة كما وردت في بيان الموازنة، كذلك ارتفع متوسط النمو الاسمي من 15.5 في المئة في الموازنة الى 21.3 في المئة فعلياً. اما ناتج القطاع الصناعي فقد ارتفع بدوره بنسبة 8 في المئة في العام الماضي. ويتوقع هنري عزام مجموعة ميدل ايست كابيتال نمواً اسمياً في اجمالي الناتج المحلي قدره 4 في المئة في العام 2001. ويؤكد تقرير اقتصادي وضعه "البنك السعودي البريطاني"، قدرة المملكة على حل الكثير من المشاكل الاقتصادية باستخدام الامكانات المتوفرة حالياً على صعيد الموارد البشرية والمالية. واشار الى ان المملكة تملك العديد من الموارد خصوصاً المالية لاعادة هيكلة الاقتصاد وتنويع القاعدة الصناعية والتجارية، والابتعاد عن الاعتماد الشديد على النفط، ويمكن لهذه الاصلاحات ان تفعل الكثير لتحرير قوى السوق بشكل يؤدي الى نمو اكبر وفرص عمل اوسع، واستقرار اقتصادي اكثر رسوخاً. واضاف التقرير المصرفي: اذا ما ارادت المملكة العربية السعودية ان تسخر عناصر للعمل أكثر من مواردها الطبيعية، فإن مستقبلها سيكون باهراً. ويأتي انعقاد المؤتمر في وقت تتجه فيه المملكة الى مزيد من الانفتاح الاقتصادي على الخارج وجذب الاستثمارات الاجنبية وتعزيز دور القطاع الخاص، ويبرز في هذا المجال "التخصيص" الذي تعتبره الحكومة السعودية خياراً استراتيجياً يعكس رغبتها في زيادة تنويع مصادر ايراداتها بعيداً عن قطاع النفط، وزيادة مشاركة القطاع الخاص في الانشطة الاقتصادية المختلفة والاستخدام الامثل للموارد وزيادة حصته في الناتج المحلي. وتنفيذاً لذلك، تم تحويل خدمات الموانئ الى القطاع الخاص، وكذلك تخصيص الاتصالات السعودية، ودمج شركات الكهرباء في شركة واحدة تحت اسم الشركة السعودية للكهرباء برأسمال 33.7 مليار ريال تمهيداً لتحويلها لشركة مساهمة، وصدرت الموافقة على انشاء شركة للخدمات في مدينتي الجبيل وينبع لتهيئة الخدمات بشكل مستمر حتى يواكب النمو الصناعي الكبير في مجال انتاج البتروكيماويات. ويعتبر الخبراء المناخ الاقتصادي القائم في المملكة مناسباً لتبني الحكومة اجراءات اكثر لزيادة الخصخصة خلال العام 2000، وبناء قطاع خاص قوي يساهم بايجابية في الناتج المحلي الاجمالي. واذا كان القطاع الخاص سجل نمواً بنسبة 2.4 في المئة عام 1999 في الأسعار الجارية وبلغت مساهمته في الناتج المحلي 38 في المئة، فإنه من المتوقع ان يبلغ معدل النمو بين 6 الى 7 في المئة خلال السنوات المقبلة، في حال تمكن هذا القطاع من خلق فرص عمل جديدة واستيعاب طارقي العمل الجدد مع تحقيق نسبة معتدلة من الكفاءة الانتاجية. وفي اطار خطة تهدف الى زيادة الصادرات، حضّت الحكومة السعودية صندوق التنمية الصناعي على دعم الصادرات غير النفطية في خطوة يتوقع المراقبون ان تساعد المصانع الصغيرة على رفع نسبة التشغيل لديها بنحو 43.6 في المئة وهي النسبة المهدرة في هذه المصانع وفقاً لاحصاءات وزارة الصناعة، ورفع نسبة التشغيل غير المستغلة في المصانع الكبيرة التي تقدر بنحو 12.7 في المئة من اجمالي طاقاتها الانتاجية. وفي حال نجحت هذه الخطوة، يتوقع الامين العام المساعد لمجلس الغرف السعودية والمدير التنفيذي لمركز الصادرات ابراهيم فوده ان يرتفع حجم الصادرات غير النفطية من نحو عشرة مليارات دولار بنهاية العام 2000، الى 20 مليار دولار في عام 2005، وتوقع في الوقت نفسه ان يصل حجم مجموع الصادرات السعودية بما فيها النفط في ذلك العام الى نحو 65.3 مليار دولار. ويبدو ان وزير الصناعة والكهرباء السعودي الدكتور هاشم يماني متفائل بمستقبل الصناعة، خصوصاً بعدما نجح الانتاج الصناعي الوطني في احلال سلع قيمتها 50 مليار ريال 13.3 مليار دولار عام 1998 محل سلع اجنبية كانت تستوردها الدولة من الخارج. وتبين من احصاءات وزارة الصناعة ان الصناعة السعودية سجلت قفزات كبيرة خلال السنوات ال16 الماضية، اذ تضاعف عدد المصانع من 1325 مصنعاً عام 1982 بلغت استثماراتها 85 مليار ريال 22.6 مليار دولار الى 3190 مصنعاً في تموز يوليو 1999 بلغت استثماراتها اكثر من 232 مليار ريال نحو 61.8 مليار دولار، وبذلك تكون الاستثمارات قد تضاعفت نحو ثلاث مرات. وأوضح الوزير يماني في تقرير صادر عن وزارته ان اجمالي قيمة الانتاج الصناعي السعودي بلغ 78 مليار ريال 20.8 مليار دولار، استهلكت السوق المحلية ما نسبته 46.5 في المئة. وذكر التقرير ان الوزارة اعتمدت في اطار جهودها للارتقاء الى مصاف الدول المتقدمة انشاء اربع مدن صناعية جديدة توفر الاراضي المخدومة بالمرافق اللازمة للصناعيين كافة لتسهيل اقامة صناعاتهم الجديدة. وبذلك يرتفع عدد المدن الصناعية في السعودية الى 12 مدينة انفقت الدولة عليها 533 مليون دولار فيما انفق المستثمرون الصناعيون فيها ما يقرب من 11 مليار دولار. وبخلاف هذه المدن تملك السعودية مدينتين صناعيتين عملاقتين هما الجبيل وينبع اللتان تشكلان القاعدة الاساسية للصناعات السعودية، خصوصاً الصناعات البتروكيماوية ويقدر اجمالي الاستثمارات الصناعية في المدينتين ب32 مليار دولار أي ما يتجاوز نصف اجمالي الاستثمارات الصناعية السعودية. وتأتي هذه المناطق في اطار جهود السعودية لتشجيع القطاع الخاص على الاستثمار الصناعي بوصف التصنيع البديل الامثل للاسراع في تحقيق اهداف التنمية الرامية الى تنويع القاعدة الانتاجية، تخفيف الاعتماد على انتاج وتصدير النفط الخام، زيادة اسهام القطاع الخاص في التنمية، توفير فرص وظيفية جديدة وتنمية القوى العاملة الوطنية، وارساء قاعدة تقنية صلبة. لقد قدر الاستثمار الاجنبي في الصناعة السعودية بنحو 70 مليار ريال 18.6 مليار دولار ومعظمها يتركز في النشاط البتروكيماوي، ويتم بنظام الاستثمار المشترك مع شركاء سعوديين حتى يستفيد الشريك الاجنبي من الامتيازات التي توفرها الدولة وفق نظام الاستثمار الاجنبي. وبما ان اهتمام السعودية خلال الفترة المقبلة لا بد وان ينصب على زيادة الصادرات ولأسباب عدة، لذا يجب العمل على جذب الاستثمارات لتحقيق هذا الهدف. كما ان جذب التقنيات الاجنبية المناسبة هو أمر اساسي لتصنيع بعض الصناعات الغائبة حالياً خصوصاً في مجال الصناعات البتروكيماوية الوسيطة والمتخصصة وفي الصناعات الهندسية. ويمثل انضمام السعودية الى منظمة التجارة العالمية الغات فرصة وتحدياً في آن معاً بالنسبة الى الصناعة الوطنية، فهي فرصة بحيث تؤدي زيادة انفتاح الاسواق الخارجية الناتجة عن خفض التعرفات الجمركية وازالة بعض العوائق غير الجمركية، الى تعزيز سياسة السعودية الرامية الى تطوير الصادرات الصناعية، وفي هذا المجال شدد الوزير يماني على ان الصناعات البتروكيماوية وبعض الصناعات التحويلية التي تصدر الان ستستفيد منذ البداية على ان تتطور مع مرور الوقت قدرات هذه الصناعات على زيادة نسبة انتاجها الموجه للتصدير. اما بالنسبة الى التحديات التي يمكن ان تواجه الصناعة الوطنية مع انضمام المملكة الى "الغات"، فهي تكمن في ازدياد المنافسة الدولية بالنسبة الى المنتجات الصناعية السعودية دولياً ومحلياً. ولمواجهة هذه التحديات يرى يماني "ان السعودية حددت اهم ميزتين يجب ان تتحلى بهما الصناعات الوطنية هما الصناعات الاحلالية ذات الجدوى الاقتصادية لتحقيق درجة كبيرة من الاكتفاء الذاتي، والصناعات التصديرية ذات الميزة النسبية". وقال: "سنعمل على قصر الصناعات التحويلية على القطاع الخاص السعودي ما لم تكن هناك حاجة ضرورية لامتصاص مخاطر ما في صناعة تحويلية استراتيجية لا يود القطاع الخاص المخاطرة فيها، وحتى في هذه الحالات سيكون التركيز على التصدير، وليس على السوق المحلية"