تحت عنوان "آفاق الاستثمار الصناعي السعودي في القرن الحادي والعشرين" يعقد في مدينة الجبيل الصناعية في 12 تشرين الثاني نوفمبر مؤتمر المشاريع العملاقة الذي تنظمه الهيئة الملكية للجبيل وينبع بالتعاون مع الاتحاد الدولي للتنمية، برعاية الامير عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء. وقد وجهت الدعوة الى عدد من الوزراء ورؤساء كبرى الشركات المحلية والعالمية وحشد من رجال الاعمال والخبراء والاختصاصيين العالميين للمشاركة في فعاليات المؤتمر التي تستمر ثلاثة ايام. ويعقد المؤتمر 8 جلسات عمل، تجري خلالها مناقشة محاور عدة في ضوء 20 ورقة عمل، وابرز هذه المحاور: التوسع في انتاج الماء والكهرباء لتلبية الاحتياجات المستقبلية، والاقتصاد في ظل العولمة، والاتجاهات العالمية في صناعة البتروكيماويات، والتمويل وتطوير المشاريع، والنقل والموانئ. القطاع الخاص ويأتي انعقاد المؤتمر في وقت تتجه فيه المملكة الى مزيد من الانفتاح الاقتصادي على الخارج وجذب الاستثمارات الاجنبية وتعزيز دور القطاع الخاص، خصوصاً مع ترجيح الامير عبدالله بن فيصل بن تركي محافظ الهيئة العامة للاستثمار ان يكون القطاع الصناعي احد القطاعات التي يسمح فيها للمستثمرين الاجانب بالملكية الكاملة للمشاريع وفقاً لقانون الاستثمار الجديد. واذا كانت فعاليات القطاع الخاص قد رحبت بموازنة العام 2000 للمملكة العربية السعودية كونها تلحظ مبلغ 20 مليار ريال 5.3 مليار دولار لتمويل استثمار مشاريع جديدة، اضافة الى استمرار دفع المستحقات الى شركات المقاولات والشركات الصناعية، فان الحكومة السعودية ستلعب دور المحفز لتفعيل القطاع الخاص، وذلك عبر تهيئة الاطر القانونية والهيكلية التنظيمية الملائمة ليحل هذا القطاع تدريجيا محل القطاع العام ويقوم بدور اكبر في الاقتصاد. ويبرز في هذا المجال "التخصيص" الذي تعتبره الحكومة خياراً استراتيجياً يعكس رغبتها في زيادة تنويع مصادر ايراداتها بعيداً عن قطاع النفط، وزيادة مشاركة القطاع الخاص في الانشطة الاقتصادية المختلفة والاستخدام الامثل للموارد وزيادة حصته في الناتج المحلي. وتنفيذاً لذلك، تم تحويل خدمات الموانئ الى القطاع الخاص، وكذلك تخصيص الاتصالات السعودية، ودمج شركات الكهرباء في شركة واحدة تحت اسم "الشركة السعودية للكهرباء" برأسمال 33.7 مليار ريال تمهيدا لتحويلها لشركة مساهمة، وصدرت الموافقة على انشاء شركة للخدمات في مدينتي الجبيل وينبع لتهيئة الخدمات بشكل مستمر حتى يواكب النمو الصناعي الكبير في مجال انتاج البتروكيماويات. ويعتبر الخبراء المناخ الاقتصادي القائم في المملكة مناسباً لتبني الحكومة اجراءات اكثر لزيادة الخصخصة خلال العام 2000، وبناء قطاع خاص قوي يساهم بايجابية في الناتج المحلي الاجمالي. واذا كان القطاع الخاص قد سجل نمواً بنسبة 2.4 في المئة العام 1999 بالاسعار الجارية وبلغت مساهمته في الناتج المحلي 38 في المئة، فانه من المتوقع ان يبلغ معدل النمو بين 6 الى 7 في المئة خلال السنوات المقبلة، في حال تمكن هذا القطاع من خلق فرص عمل جديدة واستيعاب طارقي أبواب العمل الجدد مع تحقيق نسبة معتدلة من الكفاءة الانتاجية. الانتاج الصناعي ومع ارتفاع عائدات النفط تراجعت مساهمة الصادرات غير النفطية في مجموع صادرات المملكة من 17.5 في المئة عام 1998 الى 12 في المئة عام 1999، وذلك من 6.9 الى 6.4 مليار دولار، مقابل ارتفاع حجم صادرات النفط من 32.6 مليار دولار، والذي يعادل 82.5 في المئة، الى 46.7 مليار دولار او ما يعادل 88 في المئة من مجموع صادرات المملكة العام 1999. وفي اطار خطة تهدف الى زيادة الصادرات، حضّت الحكومة السعودية صندوق التنمية الصناعي على دعم الصادرات غير النفطية في خطوة يتوقع المراقبون ان تساعد المصانع الصغيرة على رفع نسبة التشغيل لديها بنحو 43.6 في المئة وهي النسبة المهدرة في هذه المصانع وفقا لاحصاءات وزارة الصناعة، ورفع نسبة التشغيل غير المستغلة في المصانع الكبيرة التي تقدر بنحو 12.7 في المئة من اجمالي طاقاتها الانتاجية. وفي حال نجحت هذه الخطوة، يتوقع الامين العام المساعد لمجلس الغرف السعودية والمدير التنفيذي لمركز الصادرات ابراهيم فوده ان يرتفع حجم الصادرات غير النفطية الى نحو عشرة مليارات دولار بنهاية العام 2000، وان تضاعف الى 20 مليار دولار في العام 2005، وتوقع في الوقت نفسه ان يصل حجم مجموع الصادرات السعودية بما فيها النفط في ذلك العام الى نحو 65.3 مليار دولار. ويبدو ان وزير الصناعة والكهرباء السعودي الدكتور هاشم يماني متفائل بمستقبل الصناعة، خصوصا بعدما نجح الانتاج الصناعي الوطني في احلال سلع قيمتها 50 مليار ريال 13.3 مليار دولار عام 1998 محل سلع اجنبية كانت تستوردها الدولة من الخارج. وقد تبين من احصاءات وزارة الصناعة ان الصناعة السعودية سجلت قفزات كبيرة خلال فترة ال 16 سنة الأخيرة، اذ تضاعف عدد المصانع في المملكة من 1325 مصنعاً عام 1982 بلغت استثماراتها 85 مليار ريال 6.22 مليار دولار الى 3190 مصنعاً في تموز يوليو 1999 بلغت استثماراتها اكثر من 232 مليار ريال نحو 61.8 مليار دولار، وبذلك تكون الاستثمارات قد تضاعفت ثلاث مرات. واوضح الوزير اليماني في تقرير صادر عن وزارته ان اجمالي قيمة الانتاج الصناعي السعودي بلغ 78 مليار ريال 20.8 مليار دولار خلال عام 1998، استهلكت السوق المحلية ما نسبته 46.5 في المئة. وذكر التقرير ان الوزارة اعتمدت في اطار جهودها للارتقاء الى مصاف الدول المتقدمة انشاء اربع مدن صناعية جديدة توفر الاراضي المخدومة بكافة المرافق اللازمة للصناعيين لتسهيل اقامة صناعاتهم الجديدة. يذكر انه باقامة هذه المدن الجديدة يرتفع عدد المدن الصناعية في السعودية الى 12 مدينة انفقت الدولة عليها 533 مليون دولار فيما انفق المستثمرون الصناعيون فيها ما يقرب من 11 مليار دولار. وبخلاف هذه المدن تملك السعودية مدينتين صناعيتين عملاقتين هما مدينتا الجبيل وينبع اللتان تشكلان القاعدة الاساسية للصناعات السعودية خصوصاً الصناعات البتروكيماوية ويقدر اجمالي الاستثمارات الصناعية بالمدينتين بحوالي 32 مليار دولار أي ما يتجاوز نصف اجمالي الاستثمارات الصناعية السعودية. وتأتي هذه المناطق في اطار جهود السعودية لتشجيع القطاع الخاص على الاستثمار الصناعي بوصفه التصنيع البديل الامثل للاسراع في تحقيق اهداف التنمية الرامية الى تنويع القاعدة الانتاجية، وتخفيف الاعتماد على انتاج وتصدير النفط الخام، وزيادة اسهام القطاع الخاص في التنمية، وتوفير فرص وظيفية جديدة وتنمية القوى العاملة الوطنية، وارساء قاعدة تقنية صلبة. الاستثمار الاجنبي وفي هذا المجال تدرس وزارة الصناعة والكهرباء السعودية مراجعة شاملة لنظام الاستثمار الاجنبي بهدف تعزيز القدرة التنافسية للمملكة في جذب المستثمرين الى الصناعة بحيث تؤدي هذه الخطوة الى جعل السعودية تنافس بقوة الدول الاخرى في تشجيع الشريك الاجنبي ذي التقنية العالية للاستثمار في البلاد. لقد قدر الاستثمار الاجنبي في الصناعة السعودية بنحو 70 مليار ريال 18.6 مليار دولار ومعظمها يتركز في النشاط البتروكيماوي، ويتم بنظام الاستثمار المشترك مع شركاء سعوديين حتى يستفيد الشريك الاجنبي من الامتيازات التي توفرها الدولة وفق نظام الاستثمار الاجنبي. وبما ان اهتمام السعودية خلال الفترة المقبلة لا بد وان ينصب على زيادة الصادرات ولاسباب عدة، لذا يجب العمل على جذب الاستثمارات لتحقيق هذا الهدف. كما ان جذب التقنيات الاجنبية المناسبة هو امر اساسي لتصنيع بعض الصناعات الغائبة حالياً خصوصاً في مجال الصناعات البتروكيماوية الوسيطة والمتخصصة وفي الصناعات الهندسية. ويمثل انضمام السعودية الى منظمة التجارة العالمية "الغات" فرصة وتحدياً في ان معا بالنسبة إلى الصناعة الوطنية، فهي فرصة بحيث تؤدي زيادة انفتاح الاسواق الخارجية الناتجة عن تخفيض التعرفات الجمركية وازالة بعض العوائق غير الجمركية، الى تعزيز سياسة السعودية الرامية الى تطوير الصادرات الصناعية، وفي هذا المجال شدد الوزير يماني على ان الصناعات البتروكيماوية وبعض الصناعات التحويلية التي تصدر الآن ستستفيد منذ البداية على ان تتطور مع مرور الوقت قدرات هذه الصناعات على زيادة نسبة انتاجها الموجه للتصدير. اما بالنسبة للتحديات التي يمكن ان تواجه الصناعة الوطنية مع انضمام المملكة الى "الغات"، فهي تكمن في ازدياد المنافسة الدولية بالنسبة للمنتجات الصناعية السعودية دولياً ومحلياً. ولمواجهة هذه التحديات يرى الوزير يماني "ان السعودية حددت اهم ميزتين يجب ان تتحلى بهما الصناعات الوطنية هما الصناعات الاحلالية ذات الجدوى الاقتصادية لتحقيق درجة كبيرة من الاكتفاء الذاتي والصناعات التصديرية ذات الميزة النسبية". واضاف: "سنعمل على قصر الصناعات التحويلية على القطاع الخاص السعودي ما لم تكن هناك حاجة ضرورية لامتصاص مخاطرة ما في صناعة تحويلية استراتيجية لا يود القطاع الخاص المخاطرة فيها، وحتى في هذه الحالات سيكون التركيز على التصدير، وليس على السوق المحلي"