في اطار خطة الحكومة السعودية لدعم نشاط القطاع الخاص وتشجيع الاستثمارات المحلية والاجنبية لتنفيذ مشاريع صناعية وتجارية ومالية وخدماتية، تتجه المملكة الى تخصيص الهيئة الملكية لمدينتي الجبيلوينبع وهي الهيئة التي تتولى ادارة اكبر مدينتين سعوديتين، تقع الاولى الجبيل على ضفاف الخليج، والثانية ينبع على شاطئ البحر الاحمر. وقد كشف هذا الاتجاه مجلس الوزراء السعودي أخيراً، عندما اقر النظام الاساسي لشركة مرافق المياه والكهرباء، والتي انشئت كشركة مساهمة سعودية برأس مال يبلغ 2.5 مليار ريال 677 مليون دولار، وجاء اطلاق هذه الشركة استجابة للتحول المرتقب على صعيد الاستثمارات الصناعية بعد صدور النظام الجديد لاستثمار رأس المال الاجنبي الذي سمح للمرة الأولى للاجانب بتملك مصانع كاملة، وقدم تسهيلات لجذب الاستثمارات الاجنبية. وستعمل الشركة الجديدة التي ستدير في المرحلة الاولى المرافق القائمة لتوفير خدمات المياه والكهرباء في مدينتي الجبيلوينبع والمرشحتين اكثر من غيرهما لاستقبال الاستثمارات الجديدة، وقدر الأمير سعود بن عبدالله بن ثنيان آل سعود رئيس الهيئة الملكية للجبيل وينبع حجم الاستثمارات في هاتين المدينتين بنحو 167 مليار ريال 44.5 مليار دولار ونسبة الاستثمارات الصناعية فيها نحو 89 في المئة، وتوقع الامير سعود نمو المدينتين خلال العشرين سنة المقبلة الى ضعف مساحتيهما الحالية. الاستثمار الصناعي لقد تأسست الهيئة الملكية للجبيل وينبع عام 1975 بقرار ملكي واسندت اليها مسؤولية التخطيط والانشاء والاشراف على تطوير هاتين المدينتين، واعلنت الهيئة اخيرا عن تحقيق سلسلة من الانجازات عبر مسيرة امتدت عقدين ونصف العقد مما جعل المدينتين صروحا صناعية تتطلع الى تنويع القاعدة الانتاجية في حركة التصنيع الوطني الشامل والتوسع لتعزيز الصناعات البتروكيماوية كمنافس صناعي عالمي. وتنتج المدينتان حاليا نصف الانتاج الصناعي للمملكة ونحو 5 في المئة من انتاج العالم من البتروكيماويات، وتوفران وظائف لحوالي 85 الف مهندس وموظف وعامل ويقطنها نحو 130 الف نسمة. واذا كانت الحكومة السعودية حسب قول الامير سعود رئيس الهيئة الملكية للجبيل وينبع، تنوي ضخ نحو 10 مليارات دولار خلال السنوات الخمس المقبلة في البنية الاساسية للمدينتين، فمعنى ذلك انهما مقبلتان على مراحل توسع صناعي ضخم وبتكلفة اجمالية تصل الى نحو 62 مليار ريال 16.5 مليار دولار منها 4.52 مليار دولار في ينبع ونحو 12 مليار دولار في الجبيل، وذلك لإنشاء مصانع جديدة حتى سنة 2003، الامر الذي يتطلب توسيع منشآت ومرافق الطاقة والمياه في المدينتين بتكلفة تقدر بنحو 2.5 مليار دولار. وانطلاقا من اعلان المملكة العربية السعودية عن اقرار نظام الاستثمار الجديد وانشاء الهيئة العامة للاستثمار، تتركز الانظار على مدينتي الجبيلوينبع على اساس انهما الاكثر جاذبية للاستثمار الاجنبي لما تتميزان به من القرب لمصادر الطاقة الاولية وجاهزية البنية التحتية، فضلاً عن الاستقرار السياسي والاقتصادي في المملكة، لذلك قررت الهيئة الملكية عقد مؤتمر المشاريع العملاقة من 13 الى 15 تشرين الثاني نوفمبر 2000 في الجبيل تحت عنوان "آفاق الاستثمار في القرن الحادي والعشرين في المملكة العربية السعودية". وسيركز المؤتمر على المجالات الاستثمارية في السعودية والتسهيلات المقدمة للمستثمرين والنجاحات التي حققتها الاستثمارات الاجنبية المشتركة، حيث يوجد في المملكة 357 مصنعاً باستثمارات مشتركة بين سعوديين واجانب وتبلغ قيمتها اكثر من 30 مليار دولار. وسيعقد المؤتمر بالتعاون مع الاتحاد الدولي للتنمية برعاية ولي العهد الأمير عبدالله بن عبدالعزيز. وقد وجهت الدعوى الى عدد من الوزراء ورؤساء كبرى الشركات المحلية والعالمية وحشد من رجال الاعمال والخبراء والاختصاصيين العالميين للمشاركة في فعاليات المؤتمر التي تستمر ثلاثة ايام. وسيشارك في المؤتمر محافظ الهيئة العامة للاستثمار الامير عبدالله بن فيصل بن تركي، ووزير الصناعة والكهرباء الدكتور هاشم يماني، ووزير التجارة اسامة فقيه، ووزير البترول والثروة المعدنية المهندس علي النعيمي، ووزير المال والاقتصاد الوطني الدكتور ابراهيم العساف، ووزير المواصلات الدكتور ناصر السلوم، ووزير الدولة عضو مجلس الوزراء رئيس المؤسسة العامة للموانئ الدكتور عبدالعزيز المانع، ورئيس مجلس ادارة الشركة السعودية العالمية للبتروكيماويات والداعم الرئيسي للمؤتمر المهندس عبدالعزيز الزامل، ورئيس شركة ارامكو عبدالله بن جمعة، ونائب رئيس شركة سابك المهندس محمد ماضي، ومدير عام شركة المعادن الدكتور عبدالله الدباغ. ويعقد المؤتمر 8 جلسات عمل، تجرى خلالها مناقشة محاور عدة في ضوء 20 ورقة عمل، وابرز هذه المحاور: التوسع في انتاج الماء والكهرباء لتلبية الاحتياجات المستقبلية، والاقتصاد في ظل العولمة، والاتجاهات العالمية في صناعة البتروكيماويات، والتمويل وتطوير المشاريع، والنقل والموانئ. ويأتي انعقاد المؤتمر في وقت تتجه فيه المملكة الى مزيد من الانفتاح الاقتصادي على الخارج وجذب الاستثمارات الاجنبية وتعزيز دور القطاع الخاص. واذا كانت فعاليات هذا القطاع قد رحبت بموازنة العام 2000 للمملكة كونها تلحظ مبلغ 20 مليار ريال 5.3 مليار دولار لتمويل استثمار مشاريع جديدة، بالاضافة الى استمرار دفع المستحقات الى شركات المقاولات والشركات الصناعية، فان الحكومة السعودية ستلعب دور المحفز لتفعيل القطاع الخاص، وذلك عبر تهيئة الاطر القانونية والهيكلية التنظيمية الملائمة ليحل هذا القطاع تدريجيا محل القطاع العام ويقوم بدور اكبر في الاقتصاد. ويعتبر الخبراء المناخ الاقتصادي القائم في المملكة مناسبا لتبني الحكومة اجراءات اكثر لزيادة الخصخصة خلال السنة 2000، وبناء قطاع خاص قوي يساهم بايجابية في الناتج المحلي الاجمالي. واذا كان القطاع الخاص قد سجل نموا بنسبة 2.4 في المئة عام 1999 بالاسعار الجارية وبلغت مساهمته في الناتج المحلي 38 في المئة، فانه من المتوقع ان يبلغ معدل النمو بين 6 الى 7 في المئة خلال السنوات المقبلة، في حال تمكن هذا القطاع من خلق فرص عمل جديدة واستيعاب طارقي العمل الجدد مع تحقيق نسبة معتدلة من الكفاءة الانتاجية. الصادرات الصناعية مع ارتفاع عائدات النفط تراجعت مساهمة الصادرات غير النفطية في مجموع صادرات المملكة من 17.5 في المئة عام 1998 الى 12 في المئة عام 1999، وذلك من 6.9 الى 6.4 مليار دولار، مقابل ارتفاع حجم صادرات النفط من 32.6 مليار دولار، والذي يعادل 82.5 في المئة، الى 46.7 مليار دولار او ما يعادل 88 في المئة من مجموع صادرات المملكة عام 1999. وفي اطار خطة تهدف الى زيادة الصادرات، حضّت الحكومة السعودية صندوق التنمية الصناعي على دعم الصادرات غير النفطية في خطوة يتوقع المراقبون ان تساعد المصانع الصغيرة على رفع نسبة التشغيل لديها بنحو 43.6 في المئة، وهي النسبة المهدرة في هذه المصانع وفقاً لاحصاءات وزارة الصناعة، ورفع نسبة التشغيل غير المستغلة في المصانع الكبيرة التي تقدر بنحو 12.7 في المئة من اجمالي طاقاتها الانتاجية. وفي حال نجحت هذه الخطوة، يتوقع الامين العام المساعد لمجلس الغرف السعودية والمدير التنفيذي لمركز الصادرات ابراهيم فوده ان يرتفع حجم الصادرات غير النفطية الى نحو عشرة مليارات دولار بنهاية السنة 2000، وان يتضاعف الى 20 مليار دولار في سنة 2005، وتوقع في الوقت نفسه ان يصل حجم مجموع الصادرات السعودية بما فيها النفط في تلك السنة الى نحو 65.3 مليار دولار. ويبدو ان وزير الصناعة والكهرباء السعودي الدكتور هاشم يماني متفائل بمستقبل الصناعة، خصوصا بعدما نجح الانتاج الصناعي الوطني في احلال سلع قيمتها 50 مليار ريال 13.3 مليار دولار عام 1998 محل سلع اجنبية كانت تستوردها الدولة من الخارج. وقد تبين من احصاءات وزارة الصناعة ان الصناعة السعودية سجلت قفزات كبيرة خلال فترة ال16 سنة الماضية، اذ تضاعف عدد المصانع في المملكة من 1325 مصنعاً عام 1982 بلغت استثماراتها 85 مليار ريال 22.6 مليار دولار الى 3190 مصنعاً في تموز يوليو 1999 بلغت استثماراتها اكثر من 232 مليار ريال نحو 61.8 مليار دولار، وبذلك تكون الاستثمارات قد تضاعفت ثلاث مرات. وبما ان اهتمام السعودية خلال الفترة المقبلة لا بد وان ينصب على زيادة الصادرات ولاسباب عدة، لذا يجب العمل على جذب الاستثمارات لتحقيق هذا الهدف. كما ان جذب التقنيات الاجنبية المناسبة هو امر اساسي لتصنيع بعض الصناعات الغائبة حالياً خصوصا في مجال الصناعات البتروكيماوية الوسيطة والمتخصصة وفي الصناعات الهندسية. ويمثل انضمام السعودية الى منظمة التجارة العالمية الغات فرصة وتحدياً في آن معاً بالنسبة للصناعة الوطنية، فهي فرصة بحيث تؤدي زيادة انفتاح الاسواق الخارجية الناتجة عن خفض التعرفات الجمركية وازالة بعض العوائق غير الجمركية، الى تعزيز سياسة السعودية الرامية الى تطوير الصادرات الصناعية، وفي هذا المجال شدد الوزير يماني على ان الصناعات البتروكيماوية وبعض الصناعات التحويلية التي تصدر الآن ستستفيد منذ البداية على ان تتطور مع مرور الوقت قدرات هذه الصناعات على زيادة نسبة انتاجها الموجه للتصدير. اما بالنسبة الى التحديات التي يمكن ان تواجه الصناعة الوطنية مع انضمام المملكة الى "الغات"، فتكمن في ازدياد المنافسة الدولية بالنسبة الى المنتجات الصناعية السعودية دوليا ومحليا. ولمواجهة هذه التحديات يرى الوزير يماني "ان السعودية حددت اهم ميزتين يجب ان تتحلى بهما الصناعات الوطنية هما الصناعات الاحلالية ذات الجدوى الاقتصادية لتحقيق درجة كبيرة من الاكتفاء الذاتي والصناعات التصديرية ذات الميزة النسبية". واضاف: "سنعمل على قصر الصناعات التحويلية على القطاع الخاص السعودي ما لم تكن هناك حاجة ضرورية لامتصاص مخاطرة ما في صناعة تحويلية استراتيجية لا يود القطاع الخاص المخاطرة فيها، وحتى في هذه الحالات سيكون التركيز على التصدير، وليس على السوق المحلية"