سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
"الوسط" في غابة أسرار المجال الخارجي ل "الجبهة الشعبية" . تلامذة وديع حداد يتدربون ويهزون العالم مريم اليابانية ومجاهد الأرمني وسالم الفنزويلي - غرق الياباني في بحر بيروت فسرع حداد عملية مطار اللد 3
ما سماه الغرب "امبراطورية الارهاب" كان بالنسبة الى الدكتور وديع حداد لقاء طبيعياً بين ثوار أعطوا أنفسهم لمعركة ضد الظلم داخل بلدانهم وعلى مستوى العالم كله. كان بدهياً ان يشعر "الموساد" الاسرائيلي بالقلق، فقد كان حداد قادراً على أن يضرب في هذه القارة أو تلك. وكان من حق الغرب أن يقلق فحداد يخوض حرباً بلا هوادة، وكان قادراً على مفاجأة خصومه في باريس أو لندن أو روما أو نيروبي. يصعب ضبط حركاته واحتواء اندفاعته. قد يكون المهاجم المانياً أو يابانياً أو تركياً أو ايرانياً. جنسيات كثيرة وشبكات معقدة ووثائق مزورة واسماء مستعارة. بعد العمليات الأولى ل"المجال الخارجي" توافدت مجموعات ثورية من بلدان مختلفة الى الشرق الأوسط تطرق باب حداد. وبعد المرور بالتنظيم الطالبي ل"الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" والاعلام فيها كان حداد يستقبل من يتوسم الجدية في عملهم. تبدأ العلاقة ببلورة الأرضية السياسية وحين تتأكد صلابتها يبدأ التعاون وفق برنامج محدد. تبادل معلومات وتوفير وثائق وأسلحة وتسهيلات وتدريبات وأحياناً مشاركة مباشرة في العمليات. تحول حداد رمزاً وملاذاً. وتحول "المجال الخارجي" معهداً للثوار تخرج منه من هزوا العالم بعنف: "سالم" الفنزويلي الذي لم يكن غير كارلوس و"مريم" اليابانية التي لم تكن غير نوريكو شيغينوبو زعيمة "الجيش الأحمر"، و"مجاهد" الأرمني الذي لم يكن غير أغوب اغوبيان زعيم "الجيش السري الأرمني لتحرير ارمينيا". "سالم" يقيم اليوم في سجنه الفرنسي. "مريم" سجينة في بلادها و"مجاهد" جندله الرصاص. سقطوا بعد رحيله. ربما بسبب غياب المظلة وربما أيضاً لأنهم وقعوا في ما كان يحميهم منه: نسج علاقات مع دول وأجهزة فضلاً عن الوقوع في النجومية. جاؤوا من البعيد الى المعسكرات الصغيرة. قلة تدربت في الأردن قبل اخراج المقاومة الفلسطينية منه. قسم تدرب في لبنان. بعضهم في مقديشو. لكن المعهد الكبير كان في عدن. للمرة الأولى سيزاح ستار الكتمان عن هذا الملف. وللمرة الأولى ستروى قصة معسكر عدن وهو في الواقع معسكر أقيم في منطقة جعار. كان النظام صارماً في تلك البقعة التي استضافت وافدين من جنسيات مختلفة تدربوا على الرماية والمتفجرات واخضعوا لعمليات تثقيف. وبين الذين أقاموا هناك شاب حار الدماء استهوته الرماية بالمسدس وكان اسمه كارلوس. كان حداد يزور المعسكر ويحاور المدربين والمتدربين ويهتم بمن أظهر براعة وصلابة وقدرات استثنائية. وفي هذه الحلقة حديث عن عملية مطار اللد ... وهي كانت ضربة موجعة وجهها "المجال الخارجي" في "الجبهة الشعبية" الى اسرائيل عبر "الرفاق" اليابانيين. لم تنجح الأجهزة الاسرائيلية في كشف قصة المجموعة اليابانية التي تدربت في "معسكر بعلبك" في البقاع اللبناني وفي موقع قريب من صيدا في جنوبلبنان. ولم تعرف ان الشاب الياباني الذي غرق صدفة في بحر بيروت كان أحد الذين اختارهم حداد لتنفيذ عملية مطار اللد في 30 أيار مايو 1972. تبقى ملاحظة لا بد منها وهي لا تخفى اصلاً عن القارئ. ان تكرار بعض الأسئلة الحساسة حتى في الحلقة نفسها يرجع الى أن من سمياه "المتحدث" هو في الواقع مجموعة أشخاص. وقد سعينا في كل محطة الى توجيه الأسئلة الى من شارك في القرار أو أشرف على التنفيذ. فرواية معسكر عدن مأخوذة من داخل المعسكر نفسه. ورواية عملية اللد مأخوذة ممن شاركوا في القرار والاعداد ومتابعة التنفيذ. أما عن الاسماء، باستثناء ما شاع منها، فقد حرص المتحدثون، انطلاقاً من التزامهم الأخلاقي حيال رفاقهم وحلفائهم، على عدم كشف ما يمكن ان يلحق أذى بأي شخص شارك في تلك المرحلة. ومن جانبها حرصت "الوسط" على عدم ايراد أي اسم يمكن أن يتعرض صاحبه لملاحقات أو ضغوط، خصوصاً أن المشاركين في عمليات "المجال الخارجي" والمتعاونين معه يعيشون في بلدان متباعدة وفي ظل أنظمة مختلفة. وهنا نص الحلقة الثالثة: ما هي عملية مطار اللد؟ - اقام "المجال الخارجي" علاقات وثيقة مع تنظيمات ومجموعات كانت تعتقد ان المعركة واحدة على مستوى العالم كله وان كانت لكل بلد اوضاعه وخصوصياته. من تلك العلاقات كانت العلاقة مع الاخوة اليابانيين. في 1972 كانت هناك مجموعة من "الجيش الاحمر الياباني" موجودة في بيروت وتخضع لعملية تدريب وكنا نتولى نقلهم من شقة الى اخرى للمحافظة على سرية العمل. كان لدى افراد المجموعة اليابانية ولع بالنقاش خصوصاً حول المائدة. وقع في تلك الفترة حادث غير متوقع. كنا نتناول الغداء مع وديع في الجبل. ولدى وصولنا الى محلة الروشة وأثناء عودتنا إلى بيروت شاهدنا ازدحاماً غير عادي. سألنا عن السبب فقالوا ان شاباً غرق امام صخرة الروشة مباشرة. لم يقل احد من هو الغريق. قال لي الدكتور وديع من هو الغريق؟ لم نعرف. تابعنا طريقنا ووصلنا الى مقرنا. وبعد نصف ساعة تلقينا النبأ وهو ان احد الاخوة اليابانيين، وهو كان مفروزاً للمشاركة في عملية اللد، غرق في محلة الروشة. كان للخبر وقع قوي، فالعملية محاطة بقدر كامل من الكتمان والسرية. من الطبيعي ان يثير غرق شاب ياباني اسئلة حول هويته وماذا يفعل. كان لا بد من احتواء المسألة وقرر وديع التعجيل في ترتيبات تنفيذ العملية. طبعاً شعر المشاركون في العملية بالالم لفقدان رفيق كان مقرراً ان يشاركهم لكنهم تجاوزوا الحادث وعقدوا سلسلة لقاءات مع وديع وتم التزام البرنامج وتعيين بديل للشاب الذي غرق خلال قيام عدد من افراد المجموعة بالاستحمام قبالة الروشة. شرح وديع لافراد المجموعة الخطة كاملة: الصعود الى الطائرة والاسلحة التي ستكون بحوزتهم وبينها قنابل صنّعها "المجال الخارجي" ولم تكن اجهزة المطارات قادرة على اكتشافها. بعد انتهاء قصة الياباني الغريق واستكمال الاستعدادات اعطيت تعليمات التنفيذ والتي كانت تتضمن الانطلاق الى محطة اخرى ومنها الى مطار اللد. كان المنفذون ثلاثة في حوزة كل واحد منهم رشاش من طراز "كلاشنيكوف" مع الذخائر والقنابل. وصلوا الى مطار اللد وحين جاء دورهم للتفتيش فتح كل واحد منهم حقيبته وبدأ اطلاق النار. هزت عملية اللد الكيان الصهيوني. كانت الضربة التي وجهت اليه مؤلمة ومكلفة. دخل المنفذون المطار باسلحتهم. يابانيون ينفذون هجوماً جريئاً و"الجبهة الشعبية" تعلن مسؤوليتها. في الجانب المالي وحده انفقت مبالغ مالية هائلة لتحسين اجراءات الامن في مطارات اسرائيل ومطارات الدول الغربية ايضاً. راحوا يضعون اجهزة الرقابة ثم يستبدلونها باخرى اكثر تطوراً. وديع اعتبر العملية ناجحة؟ - كانت ناجحة. هل كان وديع يطلع حبش على هذا النوع من العمليات قبل حصولها؟ - نعم، لكن ليس جميع اعضاء القيادة وكانت هذه المسألة من اسباب الخلاف. هل حاولتم اطلاق سراح اوكاموتو الذي اصيب واعتقل في عملية اللد؟ - حاولنا ولم ننجح. تمت المطالبة باطلاق سراحه في عملية عنتيبي وسواها. نحن لم ننس اي فرد شارك معنا لكن احياناً لا تستطيع تحقيق ما تريد. احتفظنا بعلاقة وثيقة مع "الجيش الاحمر الياباني" لفترة طويلة. في وقت لاحق اقام "الجيش الاحمر الياباني" علاقات مع تنظيمات اخرى او جهات اخرى. والجدير ذكره ان اجراءات أمنية خاصة كانت تلحق تنفيذ عمليات نوعية كعملية مطار اللد حيث كان يتم وضع خطة أمنية لاقامة وتحرك الكوادر الأساسية ل "الجبهة الشعبية" حينها مثل الدكتور جورج حبش وغيره. وفي هذه العملية بالذات طلب الدكتور وديع من الشهيد غسان كنفاني وكان حينها النطاق الرسمي باسم الجبهة وأحد أبرز مفكريها وقد وضع تحت أضواء الإعلام بصورة خاصة ان يغير مكان اقامته وسيارته مع تأمين التسهيلات اللازمة لذلك. إلا أن كنفاني تردد خوفاً من المزايدات التي قد تصفه ب "البورجوازي". توسيع المعركة لنتوقف عند "الجيش الاحمر الياباني" هل بادر الى عرض التعاون معكم ام انكم اتصلتم به؟ - جاءت المبادرة من "الجيش الاحمر". اعتقد انه جاء عن طريق "التنظيم الطلابي" ل"الجبهة الشعبية" عشية السبعينات في عمان. من "التنظيم الطلابي" حولوه الى الاعلام ثم انطلقت العملية. من هي "مريم"؟ - أنها المسؤولة عن المجموعة وهي معتقلة حالياً في اليابان؟ "مريم" التقت وديع حداد؟ - نعم التقاها وديع وكان معها آخرون. واوكوموتو التقى وديع؟ - نعم والاّ كيف يمكن تحضير العملية. اذكر الاسماء بالعربية. "مريم" هذا اسم نحن اطلقناه على المناضلة اليابانية. الشاب الذي استشهد كان اسمه "باسم". قتل اثنان واعتقل اوكوموتو. والمجموعات الآسيوية الاخرى؟ - كان هناك من ايران "مجاهدي خلق" الذين يتزعمهم مسعود رجوي و"فدائيي خلق" اضافة الى شخصيات ايرانية بينها عدد من الملالي. كان وديع قادراً على تجنيد رجال دين مسيحيين ومسلمين. وكان هناك الاكراد. تستغرب اذا قلت لك ان زعيماً بارزاً في كردستان العراق اليوم كلف مهمات عدة بينها مهمات استطلاع في اوروبا. كان وديع قادراً على التوفيق بين السلطة والمعارضة. العلاقة الجيدة مع العراق لم تمنعه من التعاون مع الاكراد لمصلحة القضية الفلسطينية. تصور ان وديع كان يلتقي عناصر عراقية شيوعية في بغداد على رغم صعوبة العلاقة بين حزب البعث الحاكم والشيوعيين. وفي تركيا كانت لنا علاقات مع "الجبهة الشعبية لتحرير تركيا". كنا نساعدهم في تمويل عملياتهم او ببعض الاسلحة والجوازات. في المقابل كانوا يقدمون لنا معلومات. تدريبات وعمليات كيف استطاع وديع اقناع "الجيش الاحمر" بتنفيذ عملية مطار اللد؟ - "الجيش الاحمر الياباني" منظمة ماركسية وهو يعتبر الامبريالية والصهيونية في طليعة اعداء الحركة الثورية العالمية. ضرب الاميركيين والاسرائيليين لا يتناقض مع برنامجهم بل يتفق معه. من وضع خطة عملية اللد؟ - وديع والفريق الذي كان معه. اين تدربوا؟ - في البقاع اللبناني وقرب صيدا. كنا في الواقع ندرب التنظيمات الحليفة لتأهيلها من اجل تنفيذ برنامجها. احياناً كانت تظهر فكرة عملية يمكن ان يساهموا فيها فيرشحوا لنا عناصر للتنفيذ. كنا نأخذ هذه العناصر ونجري لها تدريباً خاصاً لتنفيذ العملية. هل كانت الخطة تتوقع مقتل المنفذين؟ - طبعاً كان الاحتمال كبيراً. فحين ينزل مسلحون الى قاعة المسافرين ويطلقون النار هناك احتمال كبير بأن يحصل اشتباك. اين كان وديع ساعة التنفيذ؟ - في بيروت. ماذا قال بعد العملية؟ - لا شيء. كيف كانت اعصابه خلال تنفيذ العمليات؟ - لا شي يدفعه الى الاضطراب او الانفعال. كان يعتقد ان عليك ان تفعل كل ما في وسعك لضمان نجاح العملية لكنه كان يعرف في الوقت نفسه ان مفاجآت يمكن ان تحصل وتؤثر على التنفيذ. في ذروة فشل عملية او استشهاد عناصر كان يحتفظ برباطة جأشه. كان يعتقد انها معركة طويلة وتستلزم الكثير من التضحيات. عملية "الجيش الاحمر" هي عملية "اللد 1". اما عملية "اللد 2" فقد نفذها شاب اسمه نصر. حمل نصر حقيبة مفخخة جاهزة للانفجار لدى فتحها. وصل الى مكتب الجمارك وفتح الموظف الحقيبة فقتل نصر وقتل آخرون. انها عملية استشهادية. وعملية سينما "حين" كانت استشهادية ايضاً. والعلاقات مع الايطاليين؟ - لم تصل علاقتنا معهم الى حد المشاركة في العمليات. ودربتم مجموعة "العمل المباشر" الفرنسي؟ - نعم دربناهم ولكن لم تحدث مشاركة في التنفيذ. كانت علاقات وديع وثيقة مع بادرماينهوف؟ - نعم. الالمان اتصفوا بالجدية والدقة والالتزام. طبعاً معركة الالمان كانت اقرب الينا. اعضاء بادرماينهوف تدربوا في لبنان؟ - لا في عدن. والايطاليون؟ - في لبنان وفي عدن. ألم يكن هناك تدريب في بغداد؟ - في اوائل السبعينات كان لدينا بستان. بعد مقتل ناظم كزار لم تعد هناك تدريبات. و"العمل المباشر" اين تدربوا؟ - بعد 1973 و1974 صار التدريب يتم اساساً في عدن. دربنا في الصومال لفترة بسيطة جداً. والساندينيون؟ - في لبنان وكان بينهم الشخص الذي تولى وزارة الخارجية بعد الثورة. والتوباماروس؟ - لم يتدربوا، لكن المسؤول عنهم في باريس كان على اتصال للتعاون في اوروبا. كان وديع حداد يلتقي كل هؤلاء؟ - كان يستقبلهم بعد التأكد من جديتهم. الى متى بقي وديع في بيروت؟ - بعد 1971 كان وديع متنقلاً. غادر بيروت نهائياً في 1975. مرحلة عدن متى كانت؟ - بدأت من 1970. ألم تكن لدول اوروبا الشرقية علاقات مع "المجال الخارجي"؟ - لا. واجهزة الامن العربية؟ - كانت لنا بعض العلاقات المبنية على الاحترام. لكننا لم نكن نقبل اي نوع من التبعية. ألم يطلب منكم نظام عربي اغتيال معارضين له؟ - لم يحدث، ولو حدث لما قبلنا. ذات يوم سأل مسؤول في بلد عربي ما اذا كان بامكاننا ان نجمع معلومات عن احد مواطنيه في دولة اخرى فقلنا له هذا ليس من عملنا. مع من كانت علاقة "المجال الخارجي" في بغداد؟ - كانت علاقتنا جيدة مع سعدون شاكر وكان نعم الصديق. من هم ابرز الأشخاص الذين تدربوا في معسكر بعلبك؟ - تدرب عدد من اللبنانيين والفلسطينيين. وفي بغداد؟ - شباب "المجال الخارجي". عدن كانت المركز الاهم. كنا نحرص على عدم احراج الدول التي تفتح ابوابها لنا. هل تدرب اغوب اغوبيان زعيم "الجيش الارمني السري" في عدن؟ - لم يتدرب في عدن. تدرب في لبنان وهو كان عضواً في المجال الخارجي واسمه الحركي "مجاهد". اغوب من أرمن العراق وهو شاب دمث. فكر لاحقاً في انشاء تنظيم وغادر "المجال الخارجي". بقيت بيننا وبينه علاقة وكنا نساعده في حدود الممكن وفي حدود حاجاته. "مجاهد" بقي مخلصاً ل"المجال الخارجي" لكن ظروفه تغيرت وانشأ علاقات مع دول عربية وغير عربية مثل اليونان. هل كانت له علاقة شخصية مع وديع حداد؟ - نعم. كل من عمل في "المجال الخارجي" كان على علاقة بوديع. و"الالوية الثورية اللبنانية"؟ - كانت علاقتهم ب"المجال الخارجي"… ماذا تقول عن زعيمهم جورج ابراهيم عبدالله؟ - شاب مهذب وناعم ومتحمس ومجموعته كانت جيدة ومعطاءة. كان ملفتاً ان هذه المجموعة، ورغم الحرب الاهلية في لبنان، تنتمي الى الطائفة المسيحية. لم نسمع ان احداً نجح في اختراق هذه المجموعة. حاولت المجموعة استهداف تجمعات الجيش الاسرائيلي في شرق بيروت ابان الاجتياح في 1982 لكن المسألة كانت صعبة. متى تأسس معسكر عدن؟ - ظهرت الفكرة في 1971 وبدأت الاتصالات مع المسؤولين هناك. الحقيقة انه في كل بلد لنا فيه نشاط عسكري كنا نحتاج الى معسكر. المقصود وجود مكان جاهز لاستقبال وتدريب العناصر التابعة لنا او الاصدقاء. من المعسكرات التي تذكر بشكل كامل ومتكامل معسكر عدن الذي استمر طويلاً اي من بداية السبعينات الى وقت قصير قبل انتهاء اليمن الديموقراطية بقيام الوحدة بين شطري اليمن. خلال فترة التدريب مرّ في المعسكر الكثير من الاخوة او الرفاق وفق تسمية تلك الايام. منهم على سبيل المثال لا الحصر رفاقنا في اوروبا. مَن مِن الالمان مثلاً؟ - تنظيمات "الجيش الاحمر" الذين يعرفون أيضاً ببادر ما ينهوف أو اختصار ال "راف RAF"و"الثاني من حزيران" و"الخلايا الثورية". المعسكر كان للتدريب والتأهيل معاً. والمقصود ليس التأهيل العسكري وحده بل ايضاً التأهيل الايديولوجي والنفسي والسياسي وفقاً للمعركة التي يخوضها كل شعب ومتطلبات تلك المعركة. العلاقة انطلقت من قناعة بالتحالف وفي هذه العلاقات يكون التعاون في اتجاهين. تأخذ وتعطي لأن التحالف يبنى على مصلحة الطرفين. اليوم وبعد مرور كل هذه السنوات اقول ان العلاقة كانت صادقة وحميمية وقائمة على اسس ثورية حقيقية وبعيدة عن اللف والدوران. كان على هذه المجموعات ان تتفهم ظروفنا واوضاعنا وكان علينا في المقابل ان نتفهم خصوصيات هذه المجموعات ومتطلباتها. لا بد من الاشارة الى ان هذه المجموعات كانت مختلفة ولم تكن تجمعها وحدة فكرية واضحة لكن القاسم المشترك بينها كان التصميم على مواجهة التجمع المالي الهائل والضغط الكبير الذي يمارسه رأس المال على هذه المجتمعات. كانوا يرون ان المستقبل سيكون مظلماً ما لم يتحركوا لرفض الظلم والعمل ضده. ما كان يجمعهم هو الرغبة في قيام وضع لا يستغل فيه انسان الانسان الآخر واعتقدوا ان تحركاتهم يمكن ان تؤدي الى استنهاض الشعوب. أسبان وهولنديون وساندينيون هل جاء احد من فرنسا؟ - لم تأت مجموعات من فرنسا. في المقابل جاء كثيرون من الاسبان. جاءت مجموعات "ايتا". الاشخاص صادقون في التعامل والتوجه والاستعداد للعطاء لكن ينقصهم التماسك الذي ميز الالمان. كما جاءت تنظيمات يسارية محدودة من ايطاليا. لكن ليس "الالوية الحمر". لم نستقبل "الالوية الحمر" لاننا كنا على اعتقاد بأنهم مخترقون ولم نكن على استعداد لهدر الوقت في التأكد من صحة الاختراق او حجمه. جاء الهولنديون وتدربوا. وفي ضوء الاحتكاك لمسنا حجم مشكلة الفراغ التي يعيشها الشاب الهولندي. لم تكن قضيتهم مجذّرة. كما جاءت مجموعات صغيرة من نيكاراغوا. جاء الساندينيون وجاء باتريك ارغويللو الشاب الذي استشهد في عملية خطف الطائرة التي شاركت فيها ليلى خالد. جاء افراد من تشيلي ومجموعات من سان سلفادور لكن لم نلمس لديها بنية تنظيمية. جاء شباب من اصول عربية نزح اجدادهم الى تلك البلاد. جاء اشخاص من "مجاهدي خلق" وانقطعت العلاقة معهم بعد انتصار الثورة. جاءت "الجبهة الشعبية لتحرير تركيا" وفئات يسارية اخرى. وكنا نستقبل جرحاهم ايضاً اذ كنا نعتبر هذه المجموعات جزءاً من الثورة العالمية. ولم يتردد الاتراك في العطاء. وجاء اليابانيون ايضاً ولهم خصوصيتهم السيكولوجية. صادقون حتى الموت. متى اتخذوا قراراً لا يعودون عنه. اصحاب مصداقية عالية. والدليل كان هجوم "الجيش الاحمر الياباني" في مطار اللد. يحبون النقاش والاخذ والرد ولكن حين يتخذ القرار يتبعه التنفيذ. مريم واوكاموتو ذهبا الى عدن؟ - نعم وقد تدرب اليابانيون في اماكن اخرى. "الجيش الاحمر" تدرب في معسكر عدن وكذلك في معسكر بعلبك في لبنان؟ - نعم. والتدريبات على عملية اللد تحديداً؟ - في لبنان. لنعد الى المجموعات.. - جاء افراد من فنزويلا وبينهم كارلوس الذي سميناه "سالم" وسيبقى سالماً ان شاء الله. من كان يدربهم في عدن؟ - مجموعة من الشبان من اصحاب الخبرة. ألم يكن هناك مدربون من جنسيات غير فلسطينية؟ - كان هناك بعض العرب. كان هناك مدرب عراقي وآخر لبناني ومن جنسيات غير عربية. - لا. كيف كانت الاجواء في المعسكر؟ - لا ابالغ اذا قلت لك ان المعسكر كان بيتنا. كل من ذهب الى هناك كان يعرف لماذا ذهب وكان اتخذ قراراً لا عودة عنه. كان المعسكر عالمنا: البيت والمقهى والفسحة والتدريب والتأهيل والعلاقات الرفاقية والانسانية الجيدة. هل كانت هناك عائلات؟ - لا، يذهب المرء بمفرده. كان المعسكر مفتوحاً للجنسين. كم كانت مدة الدورة؟ - حسب حاجات كل مجموعة. كان التدريب لبعض العمليات يستغرق وقتاً طويلاً. البرنامج يتضمن البناء الجسدي اي الرياضة واللياقة وتهذيب النفس. ثم التأهيل العسكري ابتداء من الطوبوغرافيا ووصولاً الى كل الاسلحة الخفيفة التي يمكن ان يستخدمها رجال حرب العصابات. تدريب على عمليات التفجير؟ - التفجيرات من اهم وسائل حرب العصابات. الى كم كان يصل العدد في عدن؟ - حسب كل فترة وحسب المجموعة. بلغ احياناً العشرات. كانت قدرة المعسكر على الاستيعاب تقل عن 40 شخصاً. المعسكر لم يكن كبيراً. كان عبارة عن بيت كبير له ملحقات في منطقة في المحافظة الثالثة وتحديداً في منطقة جعار البعيدة نسبياً عن عدن. هل حاولت جهة ما مهاجمة المعسكر؟ - لا. ألم يفكر الاسرائيليون في قصفه؟ - لم تحدث اي محاولة. هل جاء احد وتدرب واعطى المعلومات للاسرائيليين والاميركيين؟ - لا علم لي بمسألة من هذا النوع. ولو حصل ربما تعرضنا لهجوم لأن منطقة باب المندب مفتوحة. الحقيقة ان الحماية كانت تأتي من ان الوجود السوفياتي العسكري والامني لم يكن يسمح لأي طائرات معادية باختراق اجواء اليمن الديموقراطية. هل شارك خبراء سوفيات او اوروبيون شرقيون في التدريبات؟ - لم يكن لنا مثل هذه العلاقات. كنا نعتبر انفسنا في خندق واحد لكن لم يكن هناك تعاون ميداني. برنامج صارم هل كان النظام صارماً في المعسكر؟ - اكثر من صارم. البرنامج يحترم. يحدث ان يحتج شخص لكن الاجواء سرعان ما كانت تساعد على اقناعه. الانضباط كان كاملاً. وهل جاءت الى المعسكر مجموعات عربية؟ - نعم جاءت "الجبهة الشعبية لتحرير ظفار" و"الجبهة الشعبية لتحرير اريتريا" ومجموعة من "الحزب السوري القومي الاجتماعي" وبعض الافراد من لبنان. بأي لغة كان يتم تدريب الاوروبيين؟ - بالانكليزية. من كان المسؤول عن المعسكر؟ - مجموعة من الرفاق والشخص الذي يتولى مع آخرين مسؤولية العمل العسكري. بينهم من لا يزال حياً وبينهم من عرف طريقه الى ربه. استقدمنا الى المعسكر شباناً في الرابعة عشرة من عمرهم تقريباً وتدربوا وتحولوا مدربين. غالبيتهم كانت فلسطينية وبينهم عدد من اللبنانيين. ارسلتهم فروع التنظيم في الخارج وبينهم عدد من الفلسطينيين المقيمين في الكويت. بهذا المعنى كان الجانب التربوي مهماً. هل كان وديع حداد يزور المعسكر؟ - نعم. فور وصوله الى عدن كان يتوجه الى المعسكر. وهل كان ينام هناك؟ - لم نسمح له بالنوم هناك. الاسباب كثيرة وبينها ان وجوده في عدن يساعد اكثر على معالجة الامور التي تحتاج الى معالجة. كان اول ما يهتم بالاطمئنان عليه العلاقات بين الناس داخل المعسكر وتفاعلهم مع البرنامج وعلاقتهم مع الجيران. كان يحاور المتدربين في كل دورة ويقوّم معهم التجربة ثم يحاور المدربين ويستمع الى آرائهم وتقويمهم. استقبل المعسكر في احدى المراحل عدداً من الشبان الليبيين لكن تجربتهم لم تكن ناجحة. كان الدكتور وديع يهتم بمعرفة من برع خلال التدريب. المعسكر كان اشبه بالغربال. ففي ضوء التجربة يتضح ان فلاناً يصلح للعمل العسكري وآخر للعمل التثقيفي او الاداري. جدية اليابانيين من هم ابرز الذين تميزوا في معسكر عدن؟ - بعض الالمان كانت نتيجتهم ممتازة. وهناك سالم كارلوس الذي عاش المعسكر جيداً. كان كارلوس يحب التدرب على الرماية. وعلاقاته مع المتدربين الآخرين كانت وثيقة والامر نفسه مع المدربين. وكان يساهم في الترجمة لمعرفته بلغات عدة. اليابانيون اظهروا قدرة على الاحتمال. تعاملوا بجدية تامة مع الآمر. خلال التدريبات على خطف شخص واحتجازه قام احد المتدربين اليابانيين بخطف زميله ورماه من اعلى الطابق، فاصيب الشاب بجروح. هل قتل احد خلال التدريب؟ - لا لكن سقط عدد كبير من الجرحى خصوصاً خلال دورات التخرج في المتفجرات. هذه المادة تقتل في غياب الثقة كما تقتل في حال الثقة الزائدة. عليك ان تتعامل مع المادة باحترام لتكون في أمان. ان تغافلت عنها قتلتك وان بالغت فيها قتلتك. كل تخرج كان يشهد وقوع اصابات. الخائف كان يصاب. كان هناك اختبار اسمه تفجير الثقة اي على مسافة تراوح بين 50 سنتيمتراً ومتر. اي عبوة صغيرة لكي يتبرمج في عقل المتدرب ان المادة غير قاتلة اذا اتخذ الوضع المناسب. في الوضع المختل تحدث الاصابة. بعض الثقوب في الجسم تعالج خلال ايام. هذه التجربة تكسر الخوف. تأهيل كارلوس متى جاء كارلوس للمرة الاولى الى معسكر عدن؟ - اعتقد ان ذلك كان في حدود 1974. لم يأت من فراغ. كان تابع عمليات تدريب. في الاردن اولاً ثم قليلاً في بيروت لكن تأهيله الابرز كان في عدن. اي دورات تابع؟ - تابع كل الدورات وكل عمليات التأهيل من الرياضة الى المتفجرات. درس كل المواد. هذا البرنامج كان شاملاً. خلال التدريبات يشعر المدربون ان هذا المتدرب يصلح ان يكون رامياً ماهراً، وان ذاك المتدرب متميز في الالغام والثالث في مادة اخرى. بماذا تميز كارلوس؟ - كان شغوفاً بالرماية بالمسدسات. كان يعتقد انه لن يحتاج في عمله الى البندقية او الرشاش. كان يعتبر المسدس عملياً وقابلاً للاخفاء والاستخدام السريع في اي لحظة. بعد التدريبات التي تشمل الجميع وبكل المواد يتم التقاط البارزين لاخضاعهم لدورات التخصص التي كانت تتم ايضاً في المعارك. من سيتخصص في المتفجرات مثلاً يعاد تأهيله من جديد. والامر نفسه بالنسبة الى احتجاز الرهائن او الرماية بالمسدسات. دورة التخصص تختلف. اي دورة تخصص تابع كارلوس؟ - تستطيع القول انه متخصص في اكثر من مجال بفعل اقامته الطويلة في المعسكر. اختلط بالمجموعات وانتقلت اليه تجارب مختلفة. استفاد من قيامه بدور المترجم. يعرف الفرنسية والانكليزية والاسبانية والروسية والعربية الى حد ما. كان التعاون معه سهلاً وكان يخرج بجديد من كل دورة تخصص وألمّ بمجموعة قضايا. اما شغفه فكان الرماية بالمسدس الأسبوع المقبل: أوبك والطلاق مع كارلوس