خسر الدولار الاميركي في الأشهر الخمسة الأخيرة ما احتاج إلى أكثر من سنة لتحقيقه ضد العملة الأوروبية التي ارتفعت إلى أعلى مستوى لها منذ بداية العام الحالي، وبما نسبته 10 في المئة، في الوقت الذي يقدر فيه أن يبلغ تحسن الين نسبة أعلى، لولا التدخل السافر للحكومة اليابانية في أسواق القطع المحلية، لمنع عملتها من الارتفاع إلى مستويات غير اقتصادية. وترتبط الأسباب في معظمها بما قررت واشنطن اعتماده لإعادة الانتعاش إلى الاقتصاد الاميركي المتباطئ، على قاعدة إعطاء الأولوية للاقتصاد القوي، ولو على حساب الدولار المرتفع، وهو ما عكسته بوضوح إجراءات مجلس الاحتياط الفيديرالي الذي اقر، وللمرة السابعة على التوالي هذا العام، خفض أسعار الفوائد التي هبطت حالياً إلى أدنى مستوى لها منذ 7 سنوات، من 6,5 في المئة، في كانون الثاني يناير الماضي، إلى 3,5 في المئة في الوقت الحاضر، وربما إلى أدنى من ذلك في الأشهر المتبقية من السنة، إذا ما تبين أن ثمة حاجة ماسة للخطوة. وتجمع التقديرات على أن التباطؤ الذي سجله الاقتصاد الاميركي، في النصف الأول من العام الحالي، تجاوز بكثير ما كان يتوقعه الاحتياط الفيديرالي، إلى الحد الذي يتوقع فيه ألا تزيد نسبة النمو هذا العام عن 0,5 في المئة، بعدما كانت وصلت قبل سنة، إلى 5 في المئة، في الوقت الذي تشير فيه تقديرات أخرى، إلى احتمال تحقيق نمو سلبي، إذا لم تطرأ تغييرات جدية. ومن وجهة نظر غرينسبان، فإن المؤشرات التي يتوجب انتظارها تتعلق بضرورة انتعاش التسليفات، وتحسن الطلب الداخلي، وتراجع المخزون لدى الشركات، ثم بتوقف موجة التسريحات العمالية من الشركات التي تعاني من صعوبات في مجال تصريف إنتاجها. ومع أن كثيرين ينظرون إلى غرينسبان على انه رجل المهمات المستحيلة، وهو اللقب الذي فاز به منذ انهيار العام 1987، إلا أن هؤلاء أنفسهم يرون أن المهمة الحالية، وهي إعادة الانتعاش إلى الاقتصاد الاميركي، وإبعاد شبح الكساد، باتت أكثر تعقيداً لأسباب كثيرة أبرزها الآتي: تراجع الطلب الخارجي نتيجة التباطؤ في أهم الأسواق الدولية، وتحديداً في أوروبا وفي وجنوب شرقي آسيا، بعدما تبين أن النمو في هذه الأسواق سيكون أقل بكثير مما كان مقدراً. الهزات النقدية التي ضربت دولاً صديقة أو حليفة للولايات المتحدة، مثل البرازيل وبعض دول أميركا اللاتينية، الأمر الذي يضفي ظلالا من الشك على المستقبل الاقتصادي لهذه الدول. أما السبب الأهم لتراجع الطلب الخارجي على السلع الاميركية فيرتبط قبل كل شيء، بالدولار القوي بأكثر مما يجب أن يكون عليه، وهو ما حرم الشركات الاميركية من المنافسة المتكافئة بصورة لم يسبق لها مثيل منذ أكثر من 10 سنوات. إلى ذلك، فإن الأسباب الخارجية على أهميتها يجب ألا تلغي، من وجهة نظر مجلس الاحتياط الفيديرالي، ضرورة معالجة الأسباب الداخلية، وفي طليعتها تراجع الطلب المحلي، نتيجة موجة التسريحات العمالية، وتفاقم أزمة الديون المتراكمة على الأفراد، والتي وصلت قيمتها إلى حوالي 7300 مليار دولار، وهو أعلى رقم منذ 10 سنوات، فيما ارتفع عدد حالات الإفلاس الفردي لمواطنين اميركيين هذا العام إلى 1,400 مليون حالة إفلاس أقرتها المحاكم. ومع ذلك، وعلى رغم ضخامة الأزمة، فإن المحللين الاقتصاديين يرون أن إجراءات الاحتياط الفيديرالي، ولو المتأخرة، ستعطي ثمارها، اعتباراً من آخر العام الحالي، أو مطلع العام المقبل، وهو ما عكسته تصريحات غرينسبان الذي رأى أن العقدة تم تجاوزها، بانتظار أن تظهر النتائج. وفي هذا السياق، يتوقع محللو "ميريل لنش" أن يبدأ الاقتصاد الاميركي قطف ثمار الإجراءات اعتباراً من العام المقبل، مشيرين في هذا الإطار إلى المكاسب التي سيكون بمقدور المستهلكين الحصول عليها، وتصل قيمتها الإجمالية إلى 120 مليار دولار، تتوزع بواقع 40 مليار دولار قيمة الإعفاءات الضريبية التي أقرتها إدارة الرئيس بوش، و 50 مليار دولار قيمة القدرة الشرائية الإضافية التي سيتسبب بها خفض كلفة الاقتراض، ثم 30 مليار دولار حصيلة هبوط أسعار المشتقات النفطية، بالمقارنة مع ما كانت عليه في العام الماضي. إلى ذلك، ومن وجهة نظر محللي "ميريل لنش" فإنه سيكون بمقدور الشركات الاميركية الإفادة من الإجراءات الأخيرة لتحقيق هدفين: الأول، خفض كلفة توسعاتها الاستثمارية، نتيجة خفض أسعار الفائدة على القروض، فيما يتمثل الثاني بتحسن قدراتها التنافسية في الأسواق الخارجية، نتيجة هبوط سعر صرف الدولار، تجاه العملات الأخرى