قلّل النائب والوزير اللبناني السابق باسم السبع، المقرب الى رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، من خطورة الوضع الاقتصادي في لبنان، مستبعداً ما يشاع عن انهياره "لأن ما ينطبق على الشركات لا ينطبق على الدول"، الا انه لم يكتم الصعوبات التي يعاني منها، وتحدث عن "حروب خفية" على الليرة اللبنانية واحتياطي مصرف لبنان، وعن مساع لتهريب العملة الصعبة خارج لبنان، واعتبر ان الرهان على سقوط الوضع الاقتصادي تمهيداً لسقوط المشروع السياسي للحريري "قمة الخطيئة السياسية". "الوسط" كان لها مع نائب بعبدا الحوار الآتي: هل صحيح ان الوضع الاقتصادي يجعل لبنان في خطر ويضعه على حافة الانهيار؟ - هذه معادلة تنطبق على المؤسسات والشركات ولا تنطبق على الدول. مما لا شك فيه ان الوضع الاقتصادي معقد وشديد الصعوبة، لكنني لا أذهب بفرضياتي الى اعتبار أن لبنان يقف على حافة الهاوية، بل يواجه صعوبات شديدة التعقيد على المستويين المالي والاقتصادي، وأجد ان الحلول لمواجهة هذا المأزق ليست مستحيلة على الإطلاق. المهم ان تعرف الدولة اللبنانية وان يدرك المجتمع السياسي اللبناني حقيقة الصعوبات التي تواجهه والاتعاظ من المرحلة الماضية لمواجهة هذه الصعوبات. لكن ملاحظات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي للحكومة اللبنانية تشير الى انها لم تطبق الاصلاحات اللازمة لتعويم الاقتصاد اللبناني؟ - المذكرة التي صدرت أخيراً عن صندوق النقد الدولي تصف واقع الحال الاقتصادية والمالية في لبنان، وهي لا تتحدث عن حلول لهذا الواقع لكنها في المقابل تتحدث عن الاجراءات الحكومية، وتتوقف عندها من زاويتين: اجرائية تقوّم فيها هذه الإجراءات تقويماً جيداً، وأخرى تقوّم بعض الاجراءات على نحو غير ايجابي وتطالب الحكومة بإجراءات اضافية. في تقديري ان ما صدر عن صندوق النقد الدولي مفيد وفيه نوع من الترشيد لتوجيهات الحكومة التي لا بد لها من أن تأخذ بهذا النوع من الإرشاد الدولي لمعالجة المأزق الاقتصادي. لكن المذكرة تقول إن الصعوبات ستستمر حتى سنة 2006، وإن رفع سعر العملة الوطنية في مقابل الدولار لم يعد مجدياً؟ - هذا الأمر يخدم مصلحة التوجهات الحكومية، لأن صندوق النقد الدولي اقتنع أخيراً بعدم جدوى الأخذ بالرأي القائل برفع سعر العملة الوطنية. والواضح ان هذه المذكرة ترجمة للتحذير الذي اطلقه رئيس البنك الدولي قبل أشهر وقال فيه ان اللبنانيين يعيشون في سفينة مثقوبة، لكن المهم الا يتسع هذا الثقب. ومنذ هذا التحذير لم يتسع هذا الثقب في رأيي، بدليل ان الاجراءات الحكومية في طريقها الى التنفيذ، فضلاً عن ايجاد علاجات على المستويين الإداري والمالي، وأمام الحكومة مهلة افترض انها لن تتجاوز ستة أشهر عليها ان تتخذها وتضعها موضع التنفيذ. الحكومة تكاد تقترب من انتهاء سنتها الأولى ويبدو ان اللبنانيين لم يلمسوا بعد أي تحسن في الوضع الاقتصادي. - هناك انطباع آخر أكثر سوداوية، إذ انه لو لم تكن هذه الحكومة لكان الوضع الاقتصادي انهار في أيار مايو 2000. وهناك جهات تضع مواقيت للانهيار مرة في أيار ومرة في تموز يوليو، وهناك من يحدد ايلول سبتمبر أو شباط فبراير المقبل، ولا أعرف المصادر الحقيقية لمثل هذه المواقيت. في كل الأحوال فإن بعضها تمنيات، نظراً الى وجود جهات متضررة لديها رغبة في انهيار الوضع الاقتصادي، وهي جهات محلية بالتأكيد تعتبر ان سقوط الوضع الاقتصادي سيؤدي الى سقوط مشروع سياسي يمثله الحريري ومن معه في السلطة. وهذه قمة الخطيئة السياسية التي يمكن ان ترتكب في حق لبنان. هل هذا الرهان صحيح أم خاطئ أم متهور؟ - إنه شديد التهور. هل هو رهان على اسقاط الحريري أم إسقاط مشروعه؟ - لم يعد هناك فصل بين الحريري وبين مشروعه في المعادلة القائمة. بل هناك مصير الوضع الاقتصادي والنقدي في لبنان. اطلاق النار على الحريري يؤدي الى اطلاق النار على التماسك الاقتصادي في البلد. عملياً هذا هو الذي يحصل. لو كانت الغاية هي اسقاط الحريري فأنا أعتبر انه أمر طبيعي. هناك لعبة سياسية فلتأخذ مداها الكامل: إذا كانت هناك جهة تريد اسقاط رئيس الحكومة فلتذهب الى مجلس النواب الذي هو ساحة اسقاط الحكومة. أما وان الوضع اصبح يستهدف جوهر النظام الاقتصادي في لبنان، فهناك علامات استفهام كبيرة تحيط بكل المحاولات الجارية لمواجهة الوضع الاقتصادي الراهن. أنا أفرّق دائماً بين أمرين أساسيين: انتقاد السياسات الاقتصادية وتدمير السياسات الاقتصادية. انتقادها أمر واجب وضروري وملح في بلد ديموقراطي مثل لبنان ويجب ان يمارس في كل لحظة من الحياة السياسية في البلد. أما تدميرها فهذا ما أخشاه وأحذر منه. هل تعتقد بان الحريري لا يزال قادراً على انقاذ الاقتصاد اللبناني كما كان عام 1992 حين وصل الى رئاسة الحكومة؟ - الحريري في عام 2000 و2001 هو بالتأكيد غير ما كان العام 1992، الظروف تغيّرت كثيراً أيضاً وخصوصاً الظروف الاقليمية، فضلاً عن ان الظروف المحلية والوضع الاقتصادي أصبح مغايراً. في عام 1992 كانت هناك أوضاع معقدة على المستوى الاقتصادي في البلاد لا تقل عن الصعوبات التي يواجهها لبنان حالياً، لكن كان هناك ما يصح القول بأنه نافذة إقليمية أتاحت للبنان فترة استراحة امتدت لأكثر من ثلاث سنوات على رغم الاعتداءات الاسرائيلية عامي 1993 و1996. الوضع الآن شديد الصعوبة، لكنني لا أجد ان الأمور وصلت الى حدود خط الانهيار. نحن أمام خطوط إنذار. الحريري نفسه يحذر ويطلق أجراس إنذار متعددة من وقت الى آخر. لكن السؤال المطروح أيضاً هو الآتي: إذا لم يكن الحريري موجوداً في المعادلة السياسية والاقتصادية حالياً في لبنان، فمن هي الجهة السياسية القادرة على مواجهة مخاطر المعادلة القائمة؟ الحريري عاد الى السلطة - حسب معلوماتي - ليس بشروطه، بل نتيجة ظروف ومعطيات سياسية نشأت بعد الانتخابات النيابية ونتيجة بعض الضغوط الخارجية عليه ليعود الى السلطة. بعد الانتخابات النيابية كانت هناك وجهتا نظر أمام الحريري: الأولى تقول له بالبقاء خارج السلطة، والثانية تقول له بالعودة اليها لضرورات تتعلق ليس بشخصه وإنما لحاجة الدولة الى وجوده داخلها. وهذا أمر حقيقي، فقرر الاتجاه الثاني بعدما رفض آراء أصدقاء كثيرين له طالبوه بالبقاء خارج السلطة، وانا ممن سمعوه يقول إن مصلحته الشخصية المباشرة تكمن في أن يترك الوضع لتداعياته الاقتصادية والنقدية، الا ان المصلحة الوطنية تقتضي إمساك كرة النار مجدداً. ففعل، وهو لا يزال يمسك بهذه الكرة. الوضع الذي تواجهه منذ ثمانية أشهر سياسي معقد، كما لو أن هناك حرباً خفية غير معلنة على هذه الحكومة لعدم تنفيذ مشروعها. وهذا انطباع سائد لدى أناس كثيرين عاملين في الحقل العام. بل ليس من المصادفة ان صندوق النقد الدولي أتى على ذكر تدني احتياطي مصرف لبنان من العملة الصعبة بنسبة 10 في المئة بين نيسان أبريل وأيار مايو الماضيين. فلنتذكر ما حدث آنذاك من تطورات اقليمية وحروب خفية لإسقاط الليرة اللبنانية: حصلت حرب ضد الليرة، وحرب لخفض احتياطي مصرف لبنان، وحرب لإخراج الأموال الى الخارج ،اي تهريب العملة الصعبة تبعاً لضغوط قوية، وأريد ان أشير هنا الى ضغوط مصرفية واقتصادية في هذا الاتجاه أكثر منها سياسية. وثمة عدد من المصارف انخرط في هذه اللعبة الخطيرة. ثم كانت أخيراً ما سميت حرب تحرير الذهب والتصرف به. من أطلق هذه الشائعة؟ قيل ان هناك نواباً سيقترحون تسييل الذهب. من هم هؤلاء النواب؟ وهل هذا الخبر صحيح أساساً؟ اذاً هناك جهة معينة تحرك عوامل صراع اقتصادي خفي يترك آثاره السلبية على مجمل الوضع الاقتصادي في البلد الذي هو شديد الحساسية حيال أي أمر من هذا القبيل. ونحن نعرف ان العملة الوطنية بدورها شديدة الحساسية ومن شأنها التأثر بموقف سياسي. حتى لبنان بلد يمكن استفزازه بموقف سياسي وبمقال صحافي وبخطاب، ولا يتطلب بالضرورة حدثاً كبيراً حتى يُستفز. الأزمة الاقتصادية هل هي ملف اقتصادي أم سياسي؟ - الملف مزدوج. لست مع نظرية تغليب ملف على آخر او إطفاء ملف بملف آخر. ولست مع نظرية فصل الملفات. لكل ملف وقته ويجب ان يطرح في أوانه. واذا كانت هناك أزمة اقتصادية، فإن ذلك ينبغي الا يُغيّب حق اي مسؤول سياسي او نائب في طرح مشكلة ملف سياسي آخر. لا يجب أن نتخلى تحت وطأة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية عن طرح الملفات السياسية الأخرى. وفي المقابل لا يفترض تحت وطأة الملفات السياسية أن نقفل الباب في وجه الحديث عن المأزق الاقتصادي. لذلك في الشأن السياسي فإن التنصت وما يدور في فلكه من مسائل تتصل بالمناخ الأمني الذي تعيشه البلاد، يجب ان يطرح في كل وقت. هل السياسيون مسؤولون عن وصول الوضع الاقتصادي الى ما أصبح عليه؟ مثلاً عدم دفع فواتير الكهرباء والمياه وسواها. هل المقصود بذلك ان الطبقة السياسية هي المسؤولة؟ - من هي الطبقة السياسية؟ هل هي كل من يعمل في السياسة في لبنان؟ المقصود ربما الذين هم في السلطة مباشرة او بالواسطة... - اذا كان المقصود الذين وردت أسماؤهم في لوائح فواتير الكهرباء - وهي لوائح مجتزأة - فهم ليسوا جميعاً في السلطة، بل ان جزءاً بسيطاً منهم في السلطة. تعريف الطبقة السياسية في لبنان بات أشبه بتعريف لتهمة. وهذا أمر مسيء جداً للحياة السياسية. نحن أمام عمل سياسي وهناك مجموعات سياسية: أشخاص وأحزاب وتيارات وحركات. في هذه الساحة اناس محط اتهام وآخرون مسؤولون عن حيوية سياسية ووطنية مهمة. لذلك فإن وضع الطبقة السياسية في دائرة الاتهام بالجملة هي أخطر تهمة يمكن ان توجه الى المجتمع السياسي اللبناني. فاذا كان بين السياسيين فاسدون فهذا لا يعني ان المجتمع السياسي في لبنان فاسد، والا فسنتّهم المجتمع اللبناني برمته بالفساد. وهذا أمر غير صحيح. هناك أسماء وردت في لوائح فواتير الكهرباء لا يمكن ان يكونوا موضوع اي شبهة ولا يمكن ان تطاولهم لائحة من هنا او اخرى من هناك. لكن هناك أسماء لا أستطيع ان أضع نفسي في موقع الدفاع عنها أياً تكن الظروف. واضافة الى اللائحة التي تم تعميمها، هناك لائحة مصغرة اخرى لم توضع في التداول الاعلامي لكن وردت فيها مجموعة من الأسماء، وهي أسوأ من اللائحة الأولى، لأن فيها مؤسسات رسمية وقضائية وغير مدنية ومؤسسات اعلامية كبرى يفترض انها واجهة التصدي لكل عوامل الفساد في لبنان. لذلك أطرح السؤال الآتي: لماذا حصل اقتطاع مجموعة صغيرة من الأسماء ووضعها في التداول الاعلامي بينما هناك نحو مليون فاتورة كهرباء لم ُتجْبَ. كما انه لا يمكن اختصار مليون فاتورة ب25 اسماً، كما لو ان هذه المجموعة الصغيرة من الأسماء هي المسؤولة عن الفساد في لبنان وهي بؤرة الفساد في هذا البلد. وهذا أمر غير صحيح. بؤرة الفساد أكبر من ذلك بكثير. الى أي مدى في وسع الملف السياسي اغلاق الملف الاقتصادي، اي ان يكون في وسع المسؤولين ايجاد حلول سليمة للوضع الاقتصادي؟ - صحيح ان هناك مشكلة سياسية، لكن في المقابل هناك نوع من التعايش والمساكنة السياسية بين أطراف الحكم في لبنان فرضتها المعطيات الاقتصادية لا القناعات السياسية، والشعور بحجم المأزق الاقتصادي هو الذي يفرض المعطيات السياسية وليس العكس. اي ان التضامن السياسي ليس هو الذي يخلق المعطيات الاقتصادية الجديدة في البلد. إذاً هو تضامن غير صحي؟ - ليس صحياً بالتأكيد. أي أن أي أزمة سياسية طارئة اليوم بين المسؤولين من شأنها ان تؤدي الى تفاقم الأزمة الاقتصادية... - صحيح. والمطلوب من المسؤولين اثبات عكس ذلك. الشعور العميق بحجم الأزمة الاقتصادية هو الذي يولّد نوعاً من التعايش السياسي بين أطراف الحكم. الى متى يصمد الوضع الاقتصادي حيال ذلك؟ - نحن أمام مهلة لا تتجاوز أشهراً كي تثبت الادارة السياسية قدرتها على معالجة هذا الموضوع. من تقصد بالإدارة السياسية؟ - أقصد بها تحديداً رؤساء الجمهورية ومجلسي الوزراء والنواب والوسط السياسي المحيط بهذا المثلث. من أجل الوصول الى ماذا؟ - حتى صندوق النقد الدولي، الذي هو جرس انذار، حدد لنا مهلة ايضاً. كذلك فإن هذه المهلة مرتبطة ايضاً بعوامل اقليمية وليست داخلية فقط. لبنان في قلب الحدث الاقليمي وهو يحاول بدوره على رغم أزمته الداخلية التعايش مع الأزمة الاقليمية. لذلك أرى ان هذه المهلة لنا ولسوانا. لكن بالتأكيد لنا أكثر من غيرنا، بسبب صعوبة وضعنا الاقتصادي ودقته وتعقيداته أكثر من أي دولة أخرى معنية بالنزاع الاقليمي. المنطقة اليوم في صراع محموم بين التعقيدات والانفراجات، ونحن كلبنانيين في قلب هذا الصراع وليس خارجه، لأننا على خط مواجهة مباشرة مع اسرائيل وساحتنا مفتوحة أكثر من سواها من الساحات العربية الأخرى في مواجهة اسرائيل. ويتعين ايضاً ان لا ننسى ملفاتنا السياسية الداخلية. الأمر الذي يجعل مشكلتنا أكثر تعقيداً وتشنجاً