كتاب بسيط. بضع صفحات كتبت فوقها بضع كلمات. قصائد او نثار قصيدة واحدة، وحولها بياض ناصع، تنتشر فيه نجوم و"كائنات رَسَمَتْ نفسها"، كما تقول الشاعرة سوزان عليوان في هامش تعريفها بديوانها "كائن اسمه الحب" إصدار خاص 2001. كائنات بسيطة بخطوط قليلة، وألوان قوس قزح، وعالم من لونين: الأسود والأحمر المتفاوت النازح حيناً نحو البُني والمنجذب أحياناً الى الزهري. لا. ليس كتاباً للأطفال. ولم تكتبه طفلة. انه كتاب نص شعري، كتابة ورسماً. تخلق فيه الشاعرة عالماً بسيطاً، مفترضاً، سانحة، "صرحاً من خيال"، تبنيه بخفّة انما بعمق وحدّة، بعفوية انما بحرفة الشاعر القابض على تجربته، باقتضاب انما بإشباع للعبارة.. إن سوزان عليوان، في كتابها الصغير، "كائن اسمه الحب"، تشد القوس قدر الامكان، ودائماً هي عند حد التناقض، حتى في الكلمة الواحدة التي تبدو قمةَ الهرم، نقطةَ لقاء الأضلع، وتحتها، او ضمنها، او عبرها المعاني الكثيفة. كأنها ذروة البداهة. كأنها انقضاض على القارئ، تسلل وانقلاب على مسلماته، وعلى المتوقع لديه. تبدو قصيدة سوزان عليوان قمةَ البساطة، تدهش القارئ لسهولة كلماتها، تقول الشاعرة اللبنانيّة الشابة ما لديها بتلقائية، وتختفي كشاعرة صنعت بعناء وعناية كل تلك البساطة والتلقائية والرهافة والحنان والحميمية. تتوارى خلف ومضاتها اللامعة النابضة، تختفي كإنسان خجل. وتورط عليوان قارئها بأن تجعله "كائناً اسمه الحب". تدخله عالمها، كالسحر، وتستعمل حواسه، تستخدمها بالدرجة التي تريد، وبالوجهة التي تشاء. تستحوذ ملكاته كلها بقدرتها على التعبير وعلى الامساك بيده وفتح أبواب المعاني والصور أمامه. فقصيدة سوزان عليوان مفتاح، او طاقة على عالم رحب يتكشف، كأنها قصيدة رقمية. وفي الوقت نفسه كأنها قصيدة الحدس. تعتمد تقنية "ألف ليلة وليلة" في جذب القارئ الى متاهتها السحرية... والقارئ يحس انه ليس بحاجة الى التحليل والتفسير، ولا الى النظريات : فالأمور في منتهى السهولة واليسر. منذ البداية يشعر قارئ "كائن اسمه الحب" انه عمل طالع من تجربة متينة وجهد وبحث عن الصوت في الصدى. شغل بين حدين: الجدية والمرح... المسؤولية والرهبة أمام الشعر ومؤسسته من جهة، والجرأة والمجاهرة بالخصوصية وتوقيعها من جهة ثانية. فسوزان عليوان تتكئ إلى معرفة بالشعر، قديمه وجديده، التقليدي منه والحديث، تمكنها من اختيار مساحة تجريب حرة، تجعل كل كتاب جديد لها يختلف عن سابقه. كما هي حال درجات السلّم.