يسعى يوسف سامي اليوسف في كتابه "القيمة والمعيار: مساهمة في نظرية الشعر"، الى تقديم وصفة جاهزة في التذوق الشعري، بوصفه حارساً اميناً على الذائقة التي اصابها العطب، جراء "النزوع الى التجريد العمائي الذي يشبه رقص الاشباح!". ويبدو الناقد الفلسطيني منهمكاً في استعادة مقومات نظرية الشعر التي اشتغل عليها النقاد العرب القدامى، امثال عبدالقاهر الجرجاني والباقلاني وابن عربي وابن طباطبا ومزج هذه العناصر في وعاء واحد، وتطبيق هذا الاكسير السحري على النص المعاصر، ليس لاعادة اكتشاف جمالياته، بل لنسفه والغاء صفة الشاعرية عنه الا فيما ندر. فشعر اليوم، حسب تطبيقات مؤلف الكتاب، "خوض في وجول التجريد والتهويم التي هي مقتل الشعر" و"خواء متأنق او متأنث". ويشير اليوسف الى ان وظيفة الشعر، ينبغي ان تكون "تزويد الناس بجرعة منعسة"، ولعل هذه الوصفة الروحانية، التي تطغى على رؤى الناقد، تكشف عمق الهوة المتأصلة لديه في تذوقه للنص الجديد، من دون اطلاع عميق على منجزات الشعر الحديث، وهو اذ يعيد انتاج نظريات الاسلاف، انما يقوّض علانية اي معيار نقدي آخر في تذوق الشعر، متجاهلاً المتغيرات التي فرضها العصر على "وظيفة الشاعر"، اذا كان للشعر وظيفة اصلاً! والكتاب الصادر اخيراً عن "دار كنعان" في دمشق، تطغى على فصوله، السمة المدرسية عموماً، سواء في ذلك التأنق التراثي في اختيار المفردات، او في النبرة الوصائية المتعالية في اطلاق حكم قيمة على ما هو شعر وما ليس شعراً. ويقول صاحب "من الشعر العظيم": "حاولت هذه المقالات ان توضح جملة من المبادئ والافكار التي اراها جديرة بالاعتناق، وذلك لأنها تشكل اسساً مبدئية في النقد الادبي، ومن ابرز هذه الافكار واحدة، ان الجرعة الوجدانية هي العنصر الفعال في تحديد قيمة النص الادبي". يوسف سامي اليوسف في مساهمته النقدية هذه كمن يضع النقد الحداثي في غرفة العناية الفائقة، داعياً الى معالجته بطب الاعشاب.