في كتابه الجديد "100 رسم وأكثر" الصادر أخيراً عن "دار المستقبل العربي" في القاهرة، يذكّرنا الفنان محيي الدين اللباد بحضوره كرسام كاريكاتير مميز، بعد أن طغت على الساحة، في الفترة الأخيرة، صورته كمصمم غرافيكي وصانع كتب من طراز فريد. يستعيد اللباد قدرته على التألق ورسم الكاريكاتير الجارح، وعلى رغم ان معظم رسوم هذا الكتاب الجديد رافقت صدور الطبعة العربية من "لوموند ديبلوماتيك"، إلا أنها في نظر معظم محبي فنه نوع من العودة الى فنه الأثير بعد سنوات من الغياب. وجاءت هذه العودة في وقتها تماماً، لأنها تقدم وجهة نظر متفردة في قضية "العولمة"، وتقدم نوعاً من "المقاومة اللبادية" لها كما يشير الى ذلك في المقدمة سمير قصير. يلجأ اللباد الى السخرية من انماط ثقافة الاستهلاك، كما تجسدها رموز الثقافة الاميركية المعاصرة، وفي مقدمها الفأر ميكي وعلامات "ماكدونالدز" و"كوكاكولا". وعلى رغم وجود عدد من الرسوم التي تسخر من الحضور المكثف للكومبيوتر والانترنت في حياتنا المعاصرة، إلا أن الرسوم نفسها تكشف تمكّن اللباد من تلك التكنولوجيا. فالفنّان المصري المعروف، كان من اوائل الذين استخدموا تلك التقنيات في عمله كمصمم، وهو يتعامل معها "كأفق جديد" في خدمة الفنّان. وكما هي عادته يفضل اللباد أن تكون رسومه نصاً قائماً بذاته، وعلامة بصرية قادرة على توليد دلالة من دون اللجوء الى عبارات شارحة، قد يأتي حضورها على حساب العلامة البصرية. ولا تغيب الهموم السياسية عن الرسوم التي تعالج أحوال العرب في ظل تسويات مدريد وما بعدها. وتتسع الرقعة لتشمل معالجة أوضاع يوغوسلافيا. ولا ينسى اللباد أن يعطي حساً ساخراً لعناوين رسومه مثل "الاطلنط يضربون يوغلافيا بأمر طنط" والاشارة واضحة الى دور الولاياتالمتحدة التي تكاد تكون المتهم الرئيسي في الكتاب، والضحية الوحيدة لريشة اللباد المسنونة. ومن المحطّات المهمّة في الكتاب موقف اللباد الواضح من "الديكتاتورية"، ومن هذا النوع من الزعامات المكتوبة لدول العالم الثالث، وهي الزعامات التي تلتصق بكراسي السلطة والنفوذ. وهنا يمكن للمشاهد لهذه اللوحات ان يتابع موقف اللباد من صدام حسين وبينوشيه وغيرهما. ويبقى أمتع ما في الكتاب الجزء الذي يحمل عنوان "كمبيوطر وانطرنط"، ويتناول فيه العلامات البصرية التي أوجدها عالم الاتصالات والكومبيوتر، في سخرية لاذعة وحارقة وواعية، كما كانت أعمال اللباد دائماً.