الانتخابات الايرانية التي حملت السيد محمد خاتمي الى رئاسة الجمهورية الاسلامية الايرانية بأكثرية ما يزيد على 21 مليون ناخب مليئة بالدلالات والامثولات، كما انها تفتح باب الاحتمالات المستقبلية سواء بالنسبة الى الوضع الداخلي في ايران، ام بالنسبة الى علاقاتها الدولية. من الامثولات نشير الى الآتي: 1- شارك الشعب الايراني بكثافة ملحوظة في الانتخابات 67 في المئة، فقد صوت فيها 28.159 مليوناً من أصل نحو 42 مليوناً. وفي هذا دلالة على الروحية الديموقراطية التي يتمسك بها الايرانيون من جهة، وعلى إصرارهم على اختيار الرئيس خاتمي من جهة ثانية. 2- من اللافت ان عدد الاصوات التي نالها خاتمي سنة 2001 زادت عن عدد الاصوات التي نالها عام 1997. ففي العام 1997 حصل على نسبة 69.1 في المئة من اصوات المقترعين، في حين حصل على 77.77 في المئة من اصواتهم سنة 2001. وتعكس هذه الظاهرة الدلالات الآتية: * أعطى الشعب الايراني تفويضاً كاملاً وحاسماً للرئيس خاتمي. * تجاوز الايرانيون مسألة الانجازات والاصلاحات التي لم يحققها خاتمي، والتي وعد بها من قبل. وهذا يعني ان الايرانيين يعرفون من يقف حجر عثرة امام الرئيس لتحقيق هذه الانجازات والاصلاحات. * إن دموع خاتمي وهو يعلن ترشحه للرئاسة تحمل كل معاني وأبعاد المأساة السياسية التي يعيشها، وهي مأساة يحياها انصاره من دعاة الاصلاح في ايران وخلاصتها "ان العين بصيرة واليد قصيرة". * إن رأياً عاماً دولياً يقف الى جانب خاتمي في توجهاته السياسية والاصلاحية، مما يسمح لإيران بإنهاء عزلتها الدولية. 3- إن عودة خاتمي بقوة الى الساحة السياسية الايرانية، لا تعني حكماً عودته بالقوة ذاتها الى الساحة التنفيذية. فهو أسير معادلات داخلية دينية وأمنية وقضائية يقف على رأسها مرشد الثورة آية الله علي خامنئي. وهو أمر يطرح على بساط البحث مفهوم الديموقراطية بالذات، في جوهرها وليس فقط في تطبيقها بفعل الممارسة الانتخابية. ففي حين يصر خاتمي على ان انتصاره "هو انتصار للديموقراطية والحرية"، يرى المرشد خامنئي ان الانتخابات هي "تجسيد للنظام الشعبي الديني" تحاشياً لمصطلح الديموقراطية! 4- لقد اجتهد الرئيس خاتمي طوال السنوات الاربع الماضية، وسيسعى مجدداً الى التوفيق بين التوجهين: ارادة الشعب والشريعة. لكنه نادراً ما وفق في ذلك. ولم يعد خافياً ان تيارين يتجاذبان السلطة في ايران. خامنئي والمحافظون في جهة، وخاتمي والاصلاحيون في الجهة الثانية. فماذا عن احتمالات المستقبل؟ ثلاثة احتمالات تواجه ايران في المستقبلين القريب والبعيد: الأول: ازدياد "الردكلة" Radicalisation في الجانبين وداخل الجماعة الشيعية بشكل عام، ليس فقط في ايران، بل في مناطق وجود الشيعة في العالم. وواضح ان الجهة المقابلة للخاتمية هي "حزب الله" بنموذجه اللبناني. الثاني: ان حدة المواجهة سترتفع حتماً بين هاتين النظرتين وهذين التوجهين من مستوى التوافق الى مستوى التساكن الى مستوى الصدام الحتمي. مع أن خاتمي ليس قائداً دموياً، فإن مسار الأحداث قد يضعه في وضع "اللاخيار"! الثالث: إن أهم انعكاسات التيار الخاتمي سيكون حتماً على الشيعة في لبنان وعلى "حزب الله" بشكل خاص. باختصار، تمر إيران حالياً بوضع شبيه بما كانت عليه ايطاليا والفاتيكان في أوائل القرن الماضي، حين كان الأمر مطروحاً حول سلطة البابا كرئيس دولة في الكنيسة الكاثوليكية، يومها كانت المعادلة قائمة بين اثنين: صوت الله... وصوت الشعب! الى ان حسم البابا بيوس الحادي عشر 1922-1939 الأمر بالجمع بين الاثنين والقول: "إن صوت الشعب من صوت الله" وليس ضده. فهل سيصل الايرانيون يوماً الى تحقيق هذه المعادلة الجديدة؟!