يتمتع الشارع الايراني بدينامية كبيرة تعكس الصراع المتنامي بين القوى الإصلاحية اليسارية التي يتقدمها الرئيس محمد خاتمي والقوى اليمينية المحافظة التي يتقدمها "القائد" مرشد الجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي. ويكاد هذا الصراع يكون الخبز اليومي للحياة السياسية والاجتماعية في البلاد في ظل الخلاف بين الطرفين حيال كل الأمور بدءاً بالسياسة من دون الانتهاء بالشؤون الاجتماعية والثقافية والإعلامية وحتى الدينية. لذلك، وعلى عكس الصورة الخارجية لإيران، يرتدي الصراع داخل البلاد حدة أين منها حدة الصراع بين الأحزاب السياسية في أي بلد أوروبي ابان حملة انتخابية معينة. ففي ايران يمكن القول ان دينامية الوضع السياسي تجعل الأوضاع في البلاد تبدو وكأنها في حال انتخابات دائمة، وهذا في الأوضاع الطبيعية، فكيف الأمر إذا كانت الانتخابات التشريعية ستجرى في آذار مارس المقبل؟ وإذا كان توزع القوى في صورة عامة ينقسم بين التيارين الاصلاحي والمحافظ، فإن واقع الأمر هو ان داخل كل تيار هناك تيارات إما متشددة وإما محافظة، ما يعني ان الخريطة السياسية لا تنقسم بين أسود وأبيض وانما داخل كل لون يمكن أن تكون هناك ألوان أخرى تتقاطع مع ألوان أخرى في اللون النقيض، وبالتالي فإن الدينامية السياسية تزداد وترتفع وتيرتها مع كل نشاط سياسي عام ولا سيما في الانتخابات على مختلف مستوياتها. ولا شك في ان في مقدم الأمور التي تشكل محور الصراع بين كل القوى السياسية ادارة البلاد وطريقة الحكم فيها. وفي هذا المجال فإن الصراع هو بين منطقي الثورة والدولة. فالقوى المحافظة ترى ان ايران جمهورية اسلامية ولا خلاف على نظام الحكم الإسلامي فيها بين التيارات السياسية، وبالتالي فإن الحكم الشرعي الإسلامي هو الحكم في أي نزاع. وبهذا الاعتبار، فإن ولاية الفقيه تعطي "القائد" أو "المرشد"، أي "الولي الفقيه"، صلاحيات مطلقة في ادارة البلاد من خلال كونه وفق المنطق الشرعي الإسلامي نائب الإمام المهدي المنتظر ويتمتع بالصلاحيات نفسها التي يتمتع بها الإمام نفسه الى حين ظهوره. لكن التيار الإصلاحي يرى ان المشرع للجمهورية الإسلامية، الإمام الخميني الذي قاد الثورة وصنع هذه الجمهورية، حدد صلاحيات الولي الفقيه بعشرة بنود في دستور الجمهورية الإسلامية، ولو أراد للولي الفقيه الذي كانه طوال فترة ما بعد الثورة الى حين مماته عام 1988 أن يكون مطلق الصلاحية لما وضع هذه البنود، بل كان اكتفى ببند واحد قال فيه ان الولي الفقيه مطلق الصلاحية. وهكذا فإن الخلاف في هذا الأمر ليس خلافاً شكلياً بل هو في جوهر ادارة البلاد، لأن وجود الولي الفقيه بصلاحيات مطلقة يحول رئيس الدولة الى مجرد منصب فخري. وينسحب الخلاف على هذا الموضوع على مختلف مؤسسات الحكم في البلاد، اذ ان للقوى المحافظة قدرة كبيرة على اعاقة حركة الاصلاحيين الذين يتمتعون بغالبية برلمانية اضافية لوجود الرئيس محمد خاتمي في سدة المسؤولية وفق برنامج شكّل عماد الحركة الإصلاحية في البلاد عندما انتخب خاتمي عام 1997. ومن أبرز بنود هذا البرنامج اطلاق الحريات العامة والشخصية والإعلامية وتخفيف قبضة السلطة على الأمور الاجتماعية وفتح باب الحوار مع الغرب تحت شعار "حوار الحضارات"، فيما يتمسك التيار المحافظ بالأحكام الشرعية في كل ميادين الحياة. لكن في كل الأحوال، ومع المواجهات السياسية اليومية بين التيارين والتي وصلت حد التصفيات الجسدية لشخصيات اصلاحية في أواخر التسعينات وزج العشرات في السجون بسبب التعبير عن رأيهم واقفال العشرات من الصحف الإصلاحية ومحاكمات الصحافيين، يحرص التياران على اظهار وحدة الحكم أمام أية أزمة كبيرة تواجهها ايران ولا سيما في المرحلة الراهنة وبعد التطورات الاقليمية التي أدت الى انتشار القوات الأميركية على كل الأراضي المحيطة بإيران من أفغانستان وباكستان شرقاً وجنوباً، الى جمهوريات آسيا الوسطى السوفياتية السابقة وتركيا شمالاً، الى العراق ودول الخليج غرباً ناهيك عن الوجود العسكري في مياه الخليج نفسه. وفيما يجمع الطرفان على أن هذا الوجود يشكل تهديداً خطيراً للجمهورية الإسلامية، يرى التيار الأكثر تشدداً بين المحافظين ان من ايجابيات هذا الوجود العسكري انه يضع واشنطن رهينة للانتشار العسكري نفسه، أي ان هذه القوات قد تصبح في أي لحظة عرضة لعمليات عسكرية واسعة على شكل حرب عصابات يقوم بها حلفاء ايران في هذه الدول التي في الإمكان ان تتحول بين ليلة وضحاها الى فيتنامات متعددة يجعل من العسير على الادارة الأميركية تحمل الاستمرار في وجودها فيها على رغم الأهمية الاستراتيجية التي يرتديها هذا الوجود في مواجهة الصين وروسيا وحتى أوروبا. وباعتبار ان كل الملفات الخارجية الايرانية تشكل في صورة أو أخرى أموراً ذات حساسية عالية للأمن القومي الايراني، فإن التيار المحافظ يمسك دائماً بالمفاصل الأساسية لهذه الملفات، وما تهميش دور وزير الخارجية كمال خرازي في اعلان ايران موافقتها على توقيع ملحق البروتوكول المتعلق بالحد من انتشار الأسلحة النووية سوى دليل على ذلك، إذ تولى حسن روحاني مستشار المرشد لشؤون الأمن القومي عملية الإعلان الى جانب وزراء خارجية فرنسا وبريطانيا والمانيا، كما أعلن روحاني موافقة بلاده على اخضاع منشآتها النووية لعمليات التفتيش المفاجئ التي ينفذها مفتشون دوليون. واللافت في الموضوع ان التيار الإصلاحي أعلن منذ البداية موافقته على توقيع ايران على البروتوكول، فيما كان التيار المحافظ يرفض ذلك. غير ان الموافقة الايرانية على التوقيع لم تكن لتتم لو لم تحظ بموافقة جدية من المحافظين الذين كان في إمكانهم منعها، كما انهم يستطيعون تخريبها في أي لحظة لو شاؤوا، ما يؤدي الى احراج خاتمي لدرجة اخراجه إذا اقتضى الأمر. وما التظاهرات الهزيلة التي شهدتها أبواب جامعة طهران رفضاً للتوقيع على البروتوكول سوى تأكيد واضح لهذا الموقف. لكن اعلان الموافقة على التوقيع ليس نهاية الأمر، فلا يزال امام عملية التوقيع الكثير من الخطوات الدستورية التي قد تؤدي الى ضرب الفكرة برمتها. فجوهر الأمر هو ان الاجواء المحمومة التي تحيط بإيران والتهديدات الأميركية لها تجعل كلاً من التيارين يسعى لأن يكون هو المحاور مع واشنطن عبر القول "الأمر لي" وفي هذا الاطار يدخل توقيع ملحق البروتوكول ضمن عملية التسابق بين التيارين نحو واشنطن. ففي حين يسعى الاصلاحيون لانهاء الموضوع بسرعة في الوقت الراهن حيث يتمتعون بغالبية برلمانية ويمسكون بموقع رئاسة الجمهورية يسعى المحافظون للمماطلة حتى تمرير الانتخابات البرلمانية في آذار المقبل والتي يأملون ان تعطيهم الغالبية البرلمانية التي تجعل خاتمي محاصراً والاصلاحي الوحيد في مختلف مؤسسات السلطة في البلاد. وفي بقية الملفات الخارجية، فإن موضوع تنظيم "القاعدة" هو حصرياً في أيدي المحافظين، ويكاد مسؤولو الأمن المقربون من خاتمي يجهلون مضمون هذا الملف ويكررون في الإعلام ما يقدمه لهم المسؤولون المحافظون ويتلخص بالقول ان هناك بعض عناصر التنظيم المعتقلين في ايران يجرى التأكد من هوياتهم ومن مواقعهم في المسؤولية القيادية للتنظيم من دون الافصاح عن الأسماء والجنسيات، فيما تشير مصادر مطلعة الى ان هذا الملف يرتبط في صورة دقيقة بموضوع تنظيم "مجاهدين خلق" الايراني المعارض الذي على رغم تصنيفه دولياً على انه منظمة ارهابية، يحظى برعاية أميركية خاصة في أماكن وجوده في العراق لا تقل عن تلك التي كان ينالها من نظام الرئيس صدام حسين، ما يجعله ورقة تفاوضية بين طهران، وعلى وجه الخصوص المحافظين فيها، وواشنطن. وفي ملف الشرق الأوسط، يكاد يكون هناك شبه اجماع لدى طرفي الصراع داخل ايران على التهدئة في تفاصيل هذا الملف. وتجلت هذه السياسة في عدم تطرق ايران الى المجازر شبه اليومية التي ترتكبها اسرائيل ضد الشعب الفلسطيني كما تجلت في الهدوء الذي يسود جبهة الجنوب اللبناني على رغم التصعيد العسكري الاسرائيلي المتمثل بطلعات شبه يومية للطيران الحربي الاسرائيلي في الأجواء اللبنانية. كما ان ايران اكتفت باستنكار الغارة الجوية الاسرائيلية التي تعرضت لها سورية أخيراً على رغم انها جاءت بعد أقل من عشرة أيام من زيارة نائب الرئيس السوري عبدالحليم خدام لطهران ولقائه آية الله خامنئي والرئيس خاتمي ومسؤولين آخرين. وأكد الجانبان بعد يومين من المحادثات توطيد التحالف بينهما. وذلك يعني ان ايران تعتمد سياسة الانحناء امام العاصفة المتمثلة بالهجوم الأميركي الكاسح على المنطقة من دون رادع دولي أو اقليمي. ان سياسة نزع الذرائع من واشنطن التي تمارسها ايران في مختلف الملفات الخارجية تجعل من الملف العراقي الملف الأكثر تعقيداً، فهنا تريد ايران الثمن الكبير الذي تعتقد انها تستحقه لقاء سياسة "الحياد الايجابي" التي مارستها ابان الهجوم الأميركي على العراق ولقاء مشاركة حلفائها من القوى الشيعية العراقية في سلطة الحكم الانتقالي. وترى القوى المحافظة ان اقرار الولاياتالمتحدة بغالبية شيعية في سلطة الحكم الانتقالي ليست ثمناً كافياً للدور الذي لعبته ايران، لا سيما ان هذه الغالبية الشيعية مطعمة بشخصيات غير محسوبة على طهران على غرار أحمد الجلبي واياد علاوي، لذلك لا بد من ان تحتفظ طهران بورقة التهديد بانضمام الشيعة أو بعضهم الى صفوف المقاومة ضد الاحتلال في العراق، والتي لا تزال تقتصر على تنظيمات أصولية سنية، اضافة الى بعض أنصار الرئيس صدام حسين. ويبدو واضحاً ان الحصان الأساسي للخيار العسكري المحتمل في العراق هو السيد مقتدى الصدر الذي يصعّد من لهجته السياسية في كل مرحلة من مراحل التفاوض الايراني - الأميركي الذي يتم بالواسطة البريطانية حيناً والأوروبية أحياناً، فقبل تشكيل مجلس الحكم الانتقالي أعلن الصدر البدء بتشكيل "جيش المهدي" الذي يفترض ان يضم مليون متطوع، ومع احتدام المفاوضات في شأن توقيع البروتوكول المتعلق بالملف النووي أعلن الصدر حكومة ظل. وفي هذا الملف يؤيد المحافظون دعم الصدر من دون التخلي عن السيد عبدالعزيز الحكيم المشارك في سلطة الحكم الانتقالي ومواصلة اعداد العدة لاحتمالات المواجهة مع الأميركيين، فيما يميل الاصلاحيون الى التمسك بالتهدئة مع الأميركيين في العراق عبر الحوار الذي تتولاه لندن نيابة عن واشنطن. وهكذا، فإن الانتخابات المقبلة ستشكل منعطفاً تاريخياً في الحياة السياسية الايرانية من شأنه أن يرسم تاريخ ايران الحديث على مدى سنوات طويلة مقبلة. ومع اقتراب موعد الانتخابات بدأت القوى المتصارعة تعيد قراءة حساباتها وتحضر أسلحتها لخوض المعركة. فهذه الانتخابات تأتي في منتصف الولاية الثانية لخاتمي الذي يجمع المراقبون على انه عجز عن تحقيق برنامجه الإصلاحي الذي حصل بموجبه على أعلى نسبة أصوات في الانتخابات الرئاسية عام 1997. وفي اطار عملية اعادة النظر في حساباتها، عقدت "جبهة المشاركة" الاصلاحية التي يتزعمها خاتمي مؤتمرها وسط أوضاع لا تحسد عليها. وأكدت مصادر خاتمي "ان كل المؤشرات تؤكد لنا ان هناك تراجعاً سيحصل في شعبية الحركة الإصلاحية في البلاد قد يؤدي الى حصولنا على نسبة 60 في المئة بدلاً من 80 في المئة حصل عليها خاتمي عام 1997، لكن ما يفرحنا ان هذا التراجع لا يصب في خانة القوى المحافظة بل على العكس هو بمعنى من المعاني يشكل تقدماً على حركتنا في المطالبة بمزيد من الاصلاح السياسي في البلاد". لكن هذه القراءة المتفائلة لأوضاع الحركة الإصلاحية تشكل مكابرة بحسب المراقبين و"عمى سياسياً" وفق قراءة المحافظين. فمن أول العوائق التي يواجهها الاصلاحيون في هذه الانتخابات حال الاحباط التي تعيشها أبرز فئتين اجتماعيتين شكلتا الصوت الحاسم لمصلحة خاتمي وتياره، وهما النساء والطلاب. وما لم ينشأ تيار سياسي آخر، فإن حال الاحباط قد تؤدي الى إحجام هاتين الفئتين عن الذهاب الى صناديق الاقتراع وبالتالي من شأن ذلك أن يفسح المجال امام القوى المحافظة "الفولاذية التنظيم" لأن تحصد نتائج جيدة وإن كان ذلك من ضمن نسبة اقتراع سيئة. ومن أسباب حال الاحباط لدى أنصار خاتمي، اضافة الى نسبة البطالة التي تجاوزت 18 في المئة والى الأوضاع الاقتصادية المتردية، أوضاع المرأة الايرانية التي راوحت مكانها في عهده باستثناء بعض التقدم النسبي في حرية السلوك الاجتماعي، أما أوضاع الطلاب فشهدت تراجعاً، إذ قاموا بانتفاضتين ضد النظام خلال الأعوام الأربعة الأخيرة سقط خلالهما الكثير من القتلى والجرحى، اضافة الى اعتقال الآلاف. وكان أسطع دليل على تراجع خاتمي وعلى حال الاحباط عند الطلاب الشعارات المنددة بكل من خاتمي وخامنئي خلال تظاهرات حزيران يونيو الماضي على رغم عدم وجود قوى سياسية بديلة حتى الآن لتأطير الرفض الطلابي العارم. وتراوح النسبة المقدرة لقوة المحافظين بين 25 و30 في المئة في أحسن أحوالها، وهذه النسبة تعتبر قوة لا يستهان بها كونها فولاذية التنظيم وتشكل كتلة متراصة في مقابل حركة الاصلاحيين التي تواجه تفككاً بسبب عجز خاتمي عن تحقيق برنامجه، وبالتالي فإذا ما تراجعت نسبة المشاركة في الانتخابات البرلمانية المقبلة على غرار ما حصل أخيراً في الانتخابات البلدية سيكون المحافظون المستفيد الأوحد. ومن العوائق الأخرى التي تواجهها حركة خاتمي قانون الانتخابات الذي يضع الاصلاحيين تحت رحمة "لجنة صيانة الدستور" التي يعود اليها حق الموافقة على ترشيح أو رفض ترشيح أي مواطن لأي منصب في البلاد، وبالتالي فإن هذه اللجنة التي يسيطر عليها المحافظون تستطيع ان تضع الكثير من العراقيل أمام مرشحي الاصلاحيين، خصوصاً ذوي الشعبية العالية. أما المحافظون فإنهم يتطلعون بعين الرضا الى تراجع شعبية الاصلاحيين ويعدّون العدة لاحتلال موقع الغالبية البرلمانية التي ستضع المشهد السياسي الايراني أمام واقع شبيه بالواقع الذي عاشه الرئيس جاك شيراك في أواخر عهده السابق عندما اضطر، وهو الذي يتزعم تيار يمين الوسط، ان يترأس البلاد بحكومة اشتراكية بعدما تمكن الحزب الاشتراكي وحلفاؤه في أحزاب اليسار من انتزاع الغالبية البرلمانية. لكن الفارق في ايران هو ان طبيعة نظام الحكم مختلفة تماماً عن تلك الموجودة في فرنسا، فتيار خاتمي عجز عن تنفيذ برنامجه الاصلاحي على رغم امتلاكه موقع الرئاسة والغالبية البرلمانية. ويعتبر المحافظون ان تراجع شعبية الاصلاحيين "يعود الى طبيعة تشدد الشعب الايراني في تمسكه بالقيم والمفاهيم الإسلامية التي كانت احد ثلاثة شعارات رفعتها الثورة الإسلامية عام 1979 وهي: استقلال، حرية، جمهورية اسلامية. وبالتالي فإن تراخي الاصلاحيين في تطبيق تلك القيم جعل الشارع يبتعد منهم"، بحسب قول أحد مسؤولي صحيفة ايرانية محافظة. وبين قراءة التيارين للواقع الراهن عشية الانتخابات البرلمانية تتحرك الكثير من الشخصيات لإنشاء تيار ثالث قد يسمي نفسه تيار الوسط وهؤلاء عبارة عن شخصيات سياسية تحاول ان تجد لها موقعاً بين التيارين المتصارعين ويتقدم هذه الشخصيات قادة الحركة الطلابية، لكنها تواجه عقبة كبيرة في صوغ برنامج يستقطب الناس، فالجمهور الرافض للمحافظين بسبب عدم موافقته على تشددهم والمبتعد عن الاصلاحيين بسبب "تراخيهم" سيكون مضطراً لصوغ برنامج أكثر يسارية من برنامج خاتمي، ما سيجعل هذا التيار هو تيار اليسار في البلاد ويضع تيار خاتمي اليساري الحالي في موقع الوسط الفعلي. ويؤكد قادة في الحركة الطلابية ان الحركة لم تحسم خيارها بالمشاركة في الانتخابات بعد وان خيار مقاطعة الانتخابات بسبب "عدم ديموقراطية آلية الانتخابات" هو أحد الخيارات المطروحة على بساط البحث، اضافة الى خياري انشاء التيار الثالث أو التحالف مع تيار خاتمي. لكن الضبابية التي تكتنف الموقف الطلابي ما هي إلا انعكاس لحال التردد التي يعيشها جمهور كبير من الناخبين وهذا ما يجعل الاصلاحيين يركزون في حملتهم الانتخابية على حض الناس على المشاركة بقوة في عمليات الاقتراع وإلا فإن المحافظين سيحصدون فوزاً سهلاً. ويتداول بعض المراقبين سيناريو آخر للمواجهة بين المحافظين والاصلاحيين عشية الانتخابات، إذ يعتقد البعض ان الرئيس خاتمي قد يلجأ الى خطوة تقلب الطاولة على المحافظين عبر توجيهه رسالة الى الأمة يقر فيها بفشله في تحقيق الاصلاح السياسي في البلاد ويحمل التيار المحافظ مسؤولية هذا الفشل عبر عرقلة عمليات الاصلاح ويعلن استقالته من رئاسة الجمهورية ويدعو الى انتخابات رئاسية مبكرة تتزامن مع الانتخابات النيابية، ما يترك تأثيراً ضاغطاً في الشارع الايراني يستنفر اليائسين والمحبطين ويحضهم على التدفق الى صناديق الاقتراع بقوة لمنع تفرد المحافظين بالسلطة في مختلف ميادينها. لكن المحافظين يرون ان خطوة من هذا النوع تكاد تكون مستحيلة، لأن من شأنها ان "تكون المسمار الأخير في نعش الاصلاحيين السياسي"، لما فيها من خرق لقواعد اللعبة السياسية الجارية في البلاد وفق ايقاع منظم على قرارات القائد.