-1- لم يبق من أجراس الثورة سوى الصدى ولا من جواد الشعر سوى اللجام ولا من طريق الحرية، سوى الحواجز الثابتة والطيارة. لقد قضيت طفولتي وشبابي، ومسيرة الحرية والتحرير كلها، بين البنادق والرشاشات، والسلاسل، والدبابات، والمجنزرات، والدوريات المؤللّة، والمجوقلة وكل خطوة والثانية: قف: هويتك. قف: أوراقك. قف: جواز سفرك. قف: ماذا في حقيبتك؟ قف: ماذا في جيوبك؟ قف: ماذا في فمك؟ قف: إلى أين أنت ذاهب؟ قف: من أين أنت قادم؟ وكلما أردت القفز عن هذا الواقع، لا أقع إلا في النظارة! ... نعم دخلنا القرن الحادي والعشرين ولكن كما تدخل الذبابة غرفة الملك. -2- مستقبل العراق مظلم مستقبل فلسطين مظلم مستقبل الحرية مظلم مستقبلة الوحدة مظلم مستقبل التحرير مظلم مستقبل الاقتصاد مظلم مستقبل الثقافة مظلم مستقبل الحب مظلم مستقبل الطقس مظلم وفوق ذلك: هناك تعتيم إعلامي وتعتيم سياسي وتعتيم عسكري وتعتيم اقتصادي وتعتيم ثقافي وتعتيم طائفي وفوق ذلك انقطاع التيار الكهربائي كل نصف ساعة. ومع ذلك، لا يتحدثون في هذه الأيام سوى عن الشفافية. -3- أخذوا طريقتي في التسكع، واعتمار القبعات وإشعال اللفافة، ونفث الدخان، وتذمري من المتسولين، وطالبي الإحسان، واسلوبي في التحيات، والرد عليها. وغضبي من الشكاوى العامة والضحك بصوت مرتفع ثم طريقتي في احتضان البار. وإدارة ظهري للجميع والتصفيق للنادل، وعدد الكؤوس التي اشربها ومقدار الحثالة التي أخلّفها ثم أخذوا طاولتي في المقهى وطقوسي في الكتابة وحجم الدفاتر التي استعملها ولون الحبر الذي أكتب به والآن... يريدون يدي، مع تجاعيدها ووشم الغزل القديم عليها! -4- أيها الحدادون أيها النجارون أيها الحجارون أيها البواقون في الاستعراضات العسكرية أيها الطبالون في الفرق الكشفية أيها المسحّرون في الأحياء الشعبية أيها الباعة المتجولون في الأسواق التجارية أيتها النساء المتلاسنات من نافذة لنافذة يا سائقي السيارات والشاحنات يا شرطة المرور يا مشجعي المباريات الرياضية أيها الخطباء والهتافون في المواكب الرسمية أيها المشفطون بسياراتهم صباح مساء اخفضوا أصواتكم وأصوات صفاراتكم وأبواقكم ومطارقكم تخاطبوا همساً وسيروا على رؤوس أقدامكم فالوطن يحتضر!!