الزيارة التي يقوم بها رئيس الحكومة الاسرائيلية، ارييل شارون الى البيت الابيض هذا الاسبوع، هي، كما يفترض، الزيارة التقليدية التي يقوم بها كل رئيس حكومة جديد للدولة العبرية الى واشنطن حال تسلمه مهام منصبه. فقد اعتاد سابقوه على زيارة كهذه منذ حرب اكتوبر 1973 التي كانت مؤشراً الى نقلة نوعية في العلاقات الاميركية - الاسرائيلية. وجرت العادة ان يتصل الرئيس الاميركي، جمهوريا كان أم ديموقراطياً، برئيس الحكومة الاسرائيلي هاتفيا، ليهنئه بمناسبة تسلمه منصبه ويدعوه لزيارته في غضون اسبوعين أو ثلاثة، فيأتيه راكضاً، حاملاً قائمة بالطلبات "الضرورية الحيوية"، لاسرائيل وأمنها. ينزلونه في بيت الضيافة الرئاسي "بلير هاوس" قرب البيت الابيض. ويلتقي الرئيس ووزيري الدفاع والخارجية ومستشار الامن القومي، ويخطب في مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الاميركية، ويجري لقاءات مع كبار المسؤولين في الكونغرس، ثم مع كبار الاعلاميين، ولقاءات أخرى مع عدد من وسائل الاعلام الرئيسية. في اسرائيل يسمونها "زيارة الولاء"، لكنهم يعتبرونها مع ذلك أهم حدث في السياسة الخارجية يحدد الخطوط العريضة للعلاقات بين البلدين وللتنسيق بينهما في المنطقة. ورغم ان الادارة الأميركية مضطرة حكماً الى التعامل مع أي رئيس وزراء اسرائيلي بغض النظر عن توجهاته السياسية، فإن شارون لا يخفي مخاوفه إزاء زيارته هذه على الرغم من التطمينات الأميركية، وخصوصاً من بوش نفسه. والسبب في مخاوف شارون، ليس فقط كونه يعاني من حال ارتياب دائم بسبب تاريخه العسكري الدموي، بل لأنه يعرف ان وسائل الاعلام الاميركية تتخذ منه موقفا سلبيا. فهو بالنسبة للاعلاميين الغربيين شخصية يمينية متطرفة للغاية. اسمه ارتبط عندهم بمجازر صبرا وشاتيلا لبنان 1982. وبعضهم لا ينسى له مجازره المتكررة منذ العام 1948 وفي مطلع الخمسينات مجزرة قبيه ودوره الخطير في حرب 1967 وحرب 1973. وقد دخل شارون في معركة قضائية مع الصحافة الاميركية بسبب نشرها هذه التواريخ. وتجدد هذا النشر بشكل واسع عندما تسلم شارون رئاسة ليكود بعد هزيمة بنيامين نتانياهو، سنة 1999، ثم خلال الانتخابات الاخيرة لرئاسة الحكومة. وقد صدم الاعلام الغربي بفوز شارون على ايهود باراك بتلك النسبة العالية، ولم يتردد في انتقاد الناخبين الاسرائيليين على هذا الاختيار. وفي حينه، لم يقف شارون مكتوف اليدين إزاء هذه الهجمة. وارسل مبعوثيه لطمأنة الحكومات الغربية بأنه "تغيّر". واختار شعاره الانتخابي "السلام والامن" في اطار هذه الطمأنة، وكذلك تركيزه على اقامة حكومة وحدة وطنية. وعندما فاز بالحكم اصر على ضم حزب العمل الى حكومته. واختار شمعون بيريز، الحائز على جائزة نوبل للسلام وذا السمعة العالمية الطيبة، ليكون قائما بأعماله في رئاسة الحكومة ووزيرا للخارجية في محاولة للتغطية على تاريخه. ودفع لذلك ثمنا باهظا أقام حكومة موسعة ومنح حزب العمل 8 وزارات بينها وزارتا الدفاع والخارجية واغضب حلفاءه في اليمين ورفاقه في ليكود. اضافة الى كل ذلك، طلب شارون من مساعديه ومستشاريه ان يعدوا جيدا للزيارة. فقدموا له تقريرا متفائلا يؤكد ان الادارة الاميركية تتعامل معه كرئيس حكومة منتخب بغض النظر عن المواقف السابقة ضده، وان بوش يحتاج اليه لا اقل من حاجته هو الى بوش. "ففي الانتخابات الاخيرة حصل على 19 في المئة فقط من اصوات الناخبين اليهود في الولاياتالمتحدة". وان بوش يحتاج اليه لكي يضاعف هذه النسبة على الاقل، في الانتخابات القادمة. لكن شارون، الذي يحب هذا التقدير ويتمنى ان يكون صحيحا لم يركن اليه. فهو لا يريد الاعتماد على تقديرات مستشاريه القادمين من معسكر اليمين. ويريد رأياً أكثر موضوعية. فتوجه الى مجلس الامن القومي، برئاسة الجنرال عوزي ديان، وأوكل اليه الاعداد للزيارة. ومجلس الامن القومي هو مؤسسة رسمية، أسسها ايهود باراك في السنة الماضية، من مجموعة خبراء عسكريين وسياسيين ومخططين استراتيجيين بهدف وضع دراسات وخطط استراتيجية للحكومة الاسرائيلية. وكان رئيس المجلس "الجنرال ديان" زار واشنطن بعد الانتخابات واجرى مباحثات ذات طابع استراتيجي بين البلدين. فاستفاد من هذه المباحثات في تقديم النصائح الى شارون، واهمها ان لا يبدو مثل سابقيه حاملا المطالب، بل دعاه الى طرحها باسلوب آخر يظهرها جزءا من عملية التنسيق والتعاون وخدمة المصالح المتبادلة، على النحو الآتي: اولا: الامتناع عن التقدم بلائحة مطالب، كما اعتاد رؤساء الحكومات السابقون أن يفعلوا. والمطالب الملحة التي يريدها شارون في المجال المالي او العسكري او السياسي ينبغي ان تطرح بواحدة من طريقتين، إما بشكل عابر مثل مطلب تحرير مبلغ 440 مليون دولار المقرر في عهد الرئيس كلينتون للتعويض عن الانسحاب من لبنان والاستعداد للانسحاب من الضفة الغربية وقطاع غزة. وقد امتنع كلينتون عن الضغط على الكونغرس ليحرر المبلغ، بسبب جمود مفاوضات السلام، واما في اطار الرؤية الى المصلحة المشتركة والاستقرار في المنطقة وحتى في اطار خدمة المصالح الاميركية مثل مكافحة الارهاب. ثانيا: محاولة اقناع الرئيس بوش بعدم الربط بين ازمة العراق وعملية السلام مع الفلسطينيين. وتأتي هذه المحاولة في اعقاب تصريحات وزير الخارجية الاميركي، كولن باول، عندما زار المنطقة قبل اسبوعين، وقال ان "الهدوء في المناطق الفلسطينية يساعد الجهود الاميركية لتجنيد العالم العربي ضد نظام حكم الرئيس العراقي، صدام حسين". وقد اثار التصريح قلقاً اسرائيلياً. اذ رأوا ان ادارة بوش، قد تضغط على اسرائيل في الموضوع الفلسطيني لكي تكسب الدول العربية في معركتها ضد العراق، وستكبل ايديها في تطبيق سياستها ضد الفلسطينيين التي تسميها، اعتباطاً "ضد العنف والارهاب". ويتذكر شارون جيداً، كيف كانت ادارة جورج بوش الاب تفرض على اسرائيل عدم الرد على الصواريخ العراقية التي سقطت في تل ابيب وحيفا ابان حرب الخليج سنة 1991 شارون كان يومها وزيرا في حكومة اسحق شامير، وذلك خوفاً من المساس بالتحالف العربي - الغربي ضد العراق. ويريد شارون من بوش الابن، ان لا يكرر هذا التصرف. وفي مقابل ذلك يطرح نفسه كجزء من التحالف ضد العراق، وسيبدي الاستعداد لوضع القدرات الاسرائيلية العسكرية والاستخباراتية تحت تصرف هذا التحالف. ثالثا: تحميل الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات وغيره من المسؤولين خصوصا في قيادة "فتح" المسؤولية الكاملة عن "العنف المتواصل" في الاراضي الفلسطينية المحتلة، ومحاولة اقناع بوش بأن عرفات يمكن ان يغير سياسته، اذا أبدت الادارة الاميركية موقفاً حازماً منه. ويستمد شارون التشجيع في هذا المطلب، من تصريحات بوش امام رؤساء المنظمات اليهودية الاميركية، التي قال فيها انه يتفهم موقف الحكومة الاسرائيلية الرافض لاستئناف المفاوضات في ظل العنف. رابعا: تطوير خطط التعاون لمكافحة الارهاب عموما في العالم، وخصوصا في الشرق الاوسط، وسيحاول شارون اقناع بوش بأن "الارهاب العربي والاسلامي الموجه حالياً ضد اسرائيل، سينتقل بسرعة الى دول الغرب". وان أخطر ارهاب حالياً هو ذلك الذي يديره "حزب الله" اللبناني ضد اسرائيل وارهاب "حماس" و"الجهاد الاسلامي". وسيدعو الادارة الاميركية الى ضم لبنان الى اللائحة الاميركية للدول الداعمة للارهاب، بسبب الدعم العلني للحكومة اللبنانية ل"حزب الله"، وتهديد السلطة الفلسطينية بضمها الى القائمة في حال استمرار دعمها العلني ل"حماس" و"الجهاد" وامتناعها عن اعتقال قادتهم. خامسا: استئناف المحادثات المشتركة لتطوير علاقات التعاون الاسترتيجي بين اسرائيل والولاياتالمتحدة، وتوسيعها في مجال تبادل المعلومات وغيرها. وهذا الموضوع يعتبر دائما على جدول المباحثات بين البلدين في كل لقاء. بهذا، يحاول شارون ان يبدو مختلفاً عن سابقيه بل أفضل منهم. وهو يأمل في أن يجد عند بوش اذناً صاغية واستعدادا لغسل تاريخه، خصوصاً انهما كانا التقيا قبل 3 سنوات في اسرائيل، واخذه شارون الذي كان وزيرا للخارجية في حكومة نتانياهو آنذاك في جولة على الحدود الاسرائيلية ليقنعه بكثرة الاخطار الامنية، وارتبطا بصداقة حميمة يومها. وقام بوش بتذكير شارون بتلك الرحلة "الممتعة"، عندما هنأه بانتخابه رئيساً للحكومة. والأسئلة التي تطرح نفسها هي: كيف ستظهر ممارسات حكومة شارون على الارض الفلسطينية في هذه المعادلة؟ وهل سيكون شارون اللاعب الوحيد في الملعب الاميركي؟ وكيف سيتعامل العرب مع مطالب شارون وردود فعل ادارة بوش عليها؟