بنى الممثل المغربي حميدو لنفسه شهرة عالمية بفضل مشاركته في اعمال تحت ادارة اكبر المخرجين الاوروبيين والاميركيين اضافة الى نشاطه المسرحي في فرنسا وايضاً في بلده المغرب. ومن ابرز افلام حميدو "الحياة والحب والموت" للفرنسي كلود لولوش و"رونان" للاميركي جون فرانكنهايمر حيث تقاسم البطولة مع كل من روبرت دي نيرو وجان رينو، و"قواعد الالتزام" للاميركي ويليام فريدكين مع تومي لي جونز وصامويل ايل جاكسون، و"هيديوس كينكي" مع بطلة فيلم "تايتانيك" البريطاني كيت وينسليت، و"روزباد" للاميركي الراحل اوتو بريمنغر. وآخر افلام حميدو "لعبة جواسيس" الذي تم تصويره في المغرب بإدارة طوني سكوت مخرج الفيلم الاميركي الشهير "توب غان" ويشارك فيه كل من روبرت ريدفورد وبراد بيت، وفيه يؤدي حميدو شخصية صعبة تعيش مواقف خطرة وحساسة الى جوار النجمين المذكورين. وفي باريس حيث يقيم حميدو التقته "الوسط" في حديث حول طريقة جمعه بين عمله في الغرب وحفاظه على كيانه العربي الاصيل الذي يتضح من سلوكه واسلوب عيشه. حدّثنا عن بداية مشوارك مع الفن. - انا مولود في الرباط من عائلة لا علاقة لها اساساً بالميدان الفني، لكنني اكتسبت منذ الصبا حب السينما وطوّرت رغبة ملحة في متابعة اخبار النجوم، لا سيما الاميركيين منهم، فكنت وانا بعد في العاشرة اعرف من تزوج ومن طلّق ومن توفي، وكنت اشاهد جميع الافلام خصوصاً تلك المبنية على المغامرات ورعاة البقر وكان بطلي المفضل النجم جيمس كاغني. وفي الوقت الذي اصبحت فيه قاموساً حيّاً للسينما الاميركية، تدهور وضعي في المدرسة، لكنني لم أقلق كثيراً بهذا الشأن ومن كثرة ما قرأته عن حياة النجوم الكبار وعن فترة صباهم في المدرسة حيث كانوا عادة الاواخر في الصف. ادركت ان النجاح الفني لا علاقة به بإجادة الدروس بل ان العكس هو الصحيح في اكثر الاحوال يضحك. وكل ذلك فعلته من دون ان يرضى ابي عني، لكن امي وقفت الى جواري ودافعت عني وواجهت غضب والدي بدلاً عني. لكنني عرفت في ما بعد ان ابي كان يشعر بشيء من الفخر وهو ينصت اليّ في المذياع. ومع استقلال المغرب تطورت الامور وتكونت بعثات تعليمية الى الخارج لا سيما الى فرنسا في ما يخص الفن المسرحي واستطعت الفوز بمنحة الى مدرسة الدراما في باريس اثر مشاهدة احد المسؤولين لي في مسرحية "البخيل" لموليير في الرباط. هل فرح والدك بخبر حصولك على المنحة؟ - انا اتذكر لحظة اعلاني عن الخبر لأبي وكأنها ليلة امس، حيث كنا نجلس انا وامي وهو حول مائدة الطعام نتناول وجبة العشاء المكوّنة في تلك الليلة من "لوبيا". واستجمعت قواي لأخبر ابي عن سفري، فرحت اتكلم بشكل مسرحي وبصوت يشبه يوسف وهبي قلت له: "أنا سأترك المدرسة يا والدي فقد حزت على منحة ستؤدي بي الى تعلّم فن التمثيل حسب الاصول في باريس كي اصبح في ما بعد ممثلاً في السينما والمسرح". ولم اعرف ماذا اتوقع بالتحديد. وفجأة سمعت والدي يقول لي "ارحمني"، ويضغط فوق رأسي الى ان وجدت نفسي غارقاً في طبق اللوبيا، وكدت اختنق في الشوربة يضحك.والحقيقة ان والدي كان يرتدي قناع الصرامة، لكنه كان مثل كل اب يتمنى لي النجاح ويخاف عليّ، وهو أوصلني بنفسه الى الباخرة التي نقلتني الى فرنسا ووجد صعوبة في اخفاء دموعه لحظة رحيلي. وانا منذ تلك اللحظة فعلت كل شيء على امل اسعاده ورفع رأسه وإرضائه كلياً. قانون نابليون وماذا حدث في باريس؟ - عشت من لا شيء، لأن المهم كان متابعة الدروس والحصول على شهادة بهدف العودة الى المغرب وممارسة التمثيل هناك، لكن القدر شاء ان اتعرف الى الممثل الفرنسي الراحل برنار بلييه، الذي منحني شهادتي في ختام العام الدراسي وسألني عما انوي فعله في ما بعد. وعندما اخبرته بنيّتي العودة الى بلدي نصحني بالبقاء وبمحاولة الدخول الى معهد الكونسرفاتوار الدرامي علماً ان الالتحاق يتم استناداً الى اختبار صعب وان العدد المقبول من التلاميذ سنوياً هو حوالي 25 من 500 متقدم. شجعتني الفكرة ورحت ادرس وأتدرب وخضت تجربة الامتحان وتم قبولي بعد حصولي على استثناء خاص بفضل قدراتي الفنية ولأن المعهد لا يقبل استناداً الى قانون من ايام نابليون، الا التلاميذ الفرنسيين فقط. وأردت بعدها ان أبرر هذا الاستثناء فعملت ليلاً نهاراً طوال السنوات الثلاث التي قضيتها في الكونسرفاتوار كي اتخرج منه بدرجة جيدة، وتدربت ايضاً خارج المعهد عن طريق المشاركة في دبلجة الافلام في ادوار سينمائية صغيرة جداً، وفي ختام العام الثالث حصلت على شهادة التقدير من الدرجة الاولى وهذا حدث استثنائي حتى يومنا هذا في سجلات المعهد. وعادة ما يلتحق المتخرّج من المعهد بمثل هذه الشهادة بفرقة "لا كوميدي فرانسيز" الوطنية الفرنسية الا ان القرار الخاص نفسه بعدم قبول الاجانب وقف في طريقي، فأخذني الممثل الكبير الراحل جان لوي بارو في فرقته التي كانت تعمل فوق خشبة مسرح "اوديون" التابع للمسرح الوطني لكن بقواعد مختلفة. هكذا وجدت نفسي اؤدي الدور الرئيسي في مسرحية اسمها "لي بارفان" الحواجز للمؤلف الكبير جان جينيه الى جوار الممثلة المسرحية الفرنسية القديرة ماريا كازاريس، علماً ان المؤلف فرضني على المخرج جان لوي بارو بدلاً من الممثل سامي فريه الذي كان قد رشح للدور، لأن الدور هو اساساً لشخصية عربية، فلم يفهم جان جينيه سبب اختيار الفرقة لممثل فرنسي بدلاً من فنان عربي. ونجحت المسرحية بشكل جعلني اتلقى فوراً عشرات العروض المسرحية والسينمائية مع عمالقة من طراز آلان كافالييه وجان بيار ملفيل لكن في كل مرة لأداء شخصية عربية من دون ان تتصف هذه الشخصية بجمال الدور الذي أديته في "الحواجز". وقبلت بعض هذه الادوار ورفضت بعضها لقلة تأقلمها مع الصورة التي ارغب في منحها الى الجمهور عن العرب، الى ان التقيت السينمائي المبتدئ حينذاك كلود لولوش والذي أعمل معه حتى بلا مقابل من اجل مساعدته على انجاز افلامه المثيرة والجميلة جداً في نظري. ان احد أجمل أدوارك هو في فيلم "الحياة والحب والموت" لكلود لولوش، ألم يفرضك هذا العمل فوق الشاشة الفضية؟ - انها حكاية طويلة، فأنا فعلاً لعبت الدور الاول في هذا الفيلم من اخراج لولوش وحصلت من اجله على جوائز عدة كأحسن ممثل، لكنني اكتشفت في ما بعد ان الفوز بجائزة في بداية المشوار الفني شيء لا يفيد ابداً بسبب الصعوبة الموجودة في ما بعد من اجل الحفاظ على المستوى نفسه، فمن النادر ان تتوافر الادوار الممتازة والقوية بشكل مستمر مما يعني ان الهبوط الى مستوى ادنى امر لا بد منه. لقد واجهت البطالة طوال ثلاث سنوات كاملة بعد فيلم "الحياة والحب والموت" وكم من مرة في خلال هذه الفترة سألت نفسي عن فائدة عملي وتعبي وكل ما انجزته منذ مغادرتي المغرب، خصوصاً انني كنت قد تزوجت ورزقت بابنتي سعاد التي كانت تحتاج الى رعاية وغذاء. وكي اصمد بدأت استمد قوتي من نقاط ضعفي وبدأت أتدرب على ممارسة الرياضة مثل الملاكمة والكاراتيه، ومع تقوية جسدي ازداد صبري وتضاعفت عزيمتي في مواجهة الازمة. سنوات الاحتلال هل شعرت في لحظة ما بأنك كنت ضحية تصرفات عنصرية في الغرب؟ - انا واجهت هذا السؤال مرات كثيرة، وأردّ عليه دوماً قائلاً ان العملية غير مرتبطة مباشرة بالعنصرية، بل بقلّة الادوار المكتوبة في السيناريوهات الاجنبية لفنانين عرب. ويجب الاعتراف بأن مهنة التمثيل تتعلق كثيراً بالمظهر، فهل يمكنني تقمص شخصية هاملت او روميو او رجل اميركي أو فرنسي فوق الشاشة؟ لا بطبيعة الحال، وهناك مشكلة ثانية هي مدى حساسيتنا نحن العرب بسبب سنوات الاحتلال التي عشناها في تاريخنا، تجاه اي شيء قد يمسّ كياننا. واقصد ان اي ممثل اوروبي او اميركي لا يرى اي عيب في اداء دور ارهابي او مجرم مثلاً لأن مثل هذه الشخصيات موجودة في الحياة، بينما اذا تلقيت انا كممثل عربي يعمل في الغرب هذا الدور نفسه سأعتبر الموضوع بمثابة اهانة لي ولعروبتي ما يقلّل من نسبة الادوار التي سأتقبلها بصدر رحب. وانا كرجل عربي لا يمكنني تجاهل ماذا يحدث في منطقة الشرق الاوسط وتضامني مع الشعب الفلسطيني، وهذه الوقائع تجعلني أقرأ كل سيناريو جديد أتسلمه بحرص شديد وترقّب هائل امام كل سطر فيه قبل التوقيع على عقد مشاركتي في الفيلم، ذلك ان مشواري الفني محدود في الزمان بينما جذوري العربية ابدية. هل انت مستعد في اي وقت للعمل في فيلم عربي مثلاً؟ - طبعاً وانا اعمل في افلام مغربية بين حين وآخر، واذا كان ظهوري في الاعمال العربية تميزه الندرة فالامر يعود اولاً الى تردد اهل السينما هناك في الاتصال بي لانهم يعتقدون ان عملي مع عمالقة هوليوود يضعني في مرتبة خاصة خارج نطاق منالهم من الناحية المادية. وهذا خطأ جسيم لأنني اتعامل مع كل شخص طبقاً لامكاناته طالما ان العمل يثير انتباهي ويفتح شهيتي الفنية، وانا اتمنى العمل في افلام مصرية مثلاً وعربية بشكل عام، والدليل على كلامي مشاركتي حديثاً في فيلم مغربي جميل تلقيت العرض الخاص به اثناء تواجدي في الدار البيضاء من اجل فيلم "لعبة الجواسيس" الى جوار براد بيت وروبرت ريدفورد. ما هي طريقتك في تعلّم ادوارك؟ - انا أطبّق الطريقة الاميركية التي تتلخص في معايشة الدور عن طريق الاختلاط سابقاً بأشخاص يتمتعون بمواصفات الشخصية المكتوبة في السيناريو. وانا قبل ان أؤدي دور السجين في فيلم "الحياة والحب والموت". زرت مثلاً السجون الفرنسية وقضيت ساعات طويلة مع رجال ينتظرون تطبيق حكم الاعدام عليهم لأدرك طريقة تصرفهم امام مصيرهم المحتوم. وحينما مثلت شخصية الاب العربي المغترب في فرنسا والذي يعترض على زواج ابنته من فرنسي ترددت الى الكثير من الاحياء الباريسية الشعبية وتعرفت الى رجال عرب مغتربين وتحدثت معهم عن هذا الموقف بالتحديد فتعلّمت منهم الكثير ومثّلت دوري بشكل لا علاقة له بما كنت قد فعلته تلقائياً. انها طريقة استوديو الممثل" الأميركية المعروفة وهي تناسبني تماماً. قضيت فترة من حياتك في هوليوود أليس كذلك؟ - نعم أنا عشت هناك ثماني سنوات عملت خلالها مع كثير من نجوم السينما الاميركية لكنني قررت العودة الى باريس من دون التخلي عن المشاركة طبعاً في الافلام الهوليوودية كلما عثرت على فرصة لذلك. ان نمط الحياة هناك لم يعجبني في الحقيقة بالمقارنة مع مثيله في اوروبا. ابنتك سعاد حميدو ممثلة ايضاً، فكيف تقبّلت انت في البداية رغبتها في ممارسة مهنة فنية؟ - يجب ان اعترف بأني اعترضت كثيراً على رغبتها في بداية الامر، لكنني تركت سعاد وسافرت الى هوليوود لأهتم بمستقبلي السينمائي. وهي في ذلك الوقت بقيت هنا في باريس وتعلّمت الدراما وكوّنت لنفسها شخصية فنية مميزة ليست مبنية ابداً على انجازاتي، لذلك افتخر بها وأهنئها على ما حققته بمجهودها الشخصي. ما هي أمنيتك الآن؟ - سأغضب كثيراً اذا مضى عمري من دون ان اشارك في فيلم مصري، لأني تعلّمت حب السينما على يد يوسف وهبي وعباس فارس وفريد شوقي اسوة بجيمس كاغني ومارلون براندو وجون واين فأنا ابن السينما المصرية وأتمنى فعلاً ان يفتخر العرب جميعاً بعروبتي وأن يتحدوا بهدف انجاز اعمال فنية مشتركة قوية وجيدة تلغي الحدود بينهم اسوة بما يفعله الغرب حالياً