انتظرت الشاعرة السورية سهام الشعشاع زهاء عشر سنوات كي تنتقل بقصيدتها من طور الصيرورة والتشكل، إلى مرحلة النشر. وهي مدة ليست قصيرة، وتشي بخفر شديد يتملك الشاعرة التي يتبدى لايقينها في العنوان الذي اختارته لباكورتها "كأني لم اكن يوماً" "منشورات الريس"، بيروت. كأنها تود لو تظل مقيمة في منطقة اللاحسم: "كأن طين البداية لم يكوني/ ولم ينقض على خصري/ زخارف حزنه الابدي". بيد ان التجربة المتجلية في الديوان، سرعان ما تكشف استواءها ونضوجها، وامتلاكها صوتها الخاص الذي تداري الشاعرة اساه وانكساره وتمزقه بغنائية عالية الشفافية والحدة. كأنها تدشن بموازة "القلب الذي اتعبه البكاء" منائر لغوية لا تشبه صنيع الآخرين. وان اغرى الامر، في وهلته الاولى، بمثل هذه المقاربة التي تدحض نفسها بنفسها، بعد التوغل في غابة القصائد المتشابكة المسكوبة برغبة جمالية جامحة نحو التجاوز والقبض على جمرة الوعي الخاص بالتفرد : "وجهي خريفي الملامح/ باهت كالموت حين يمر ملهوفاً/ يفتش عن صديق/ وكطائر خان الفضاء غناءه/ وغدا كأعمى انكرت خطواته الكسلى الطريق". الشعر الذي تكتبه سهام الشعشاع في هذه المجموعة يفصح عما هو أبعد من القصيدة. ففي طياته تتكشف عن تجربة وجودية عميقة يتلون بها الخطاب الشعري، وتعلن من خلالها الذات عن تشظيها وانخطافها. وهو ما يمنح القصيدة مذاقاً ابستمولوجياً لاذعاً، تظهر عبر ظلاله هشاشة الحياة وتوق الكائن للتسامي. ولهذا ربما، أمكن ل "كأني لم أكن يوماً" ان تقدم صوتها صافياً ومختلفاً، بنبرة مضخمة بالغناء الذي لا يعيد لقصيدة التفعيلة بهاءها وحسب، وانما يدفعها أيضاً الى تأمل مشروعها الذي لم تسرق بريقه كثافة النثر وعتمته المضيئة.