احتفلت ايران بالذكرى الثانية والعشرين للثورة الاسلامية التي كانت أطاحت بنظام الشاه في 11 شباط فبراير عام 1979 بثورة الحشود البشرية التي بشرت حينها بعهد جديد للايرانيين خصوصاً جيل الشبان الذي أصبح يشكل الآن أكثر من ثلثي سكان ايران. وانضم خمسة آلاف من قوات الباسيج المتطوعون أو المليشيا الاسلامية الى قافلة من المقاتلين الثوريين تجمعوا عند ضريح الإمام الخميني في مقبرة جنّة الزهراء جنوب العاصمة، بينما استعرض 500 من راكبي الدراجات البخارية الطريق المؤدية من المطار وحتى مرقد الإمام الخميني، في ألعاب أطلقوا خلالها شعارات تعيد الى الذاكرة تلك الأيام العشرة الممتدة منذ وصول الخميني من باريس، وحتى انهيار امبراطورية رضا شاه بهلوي وهي أيام أطلق عليها الايرانيون اسم "عشرة الفجر" ويقيمون خلالها كل عام احتفالات تضم مهرجانات دولية للسينما والمسرح والموسيقى وتنتهي بتظاهرة واسعة يوم الثاني والعشرين من بهمن الشهر الايراني يشارك فيها في الغالب معظم الايرانيين. وكالعادة في كل عام توجه مرشد الجمهورية الاسلامية خليفة الإمام الخميني آية الله علي خامنئي الى ضريح الإمام الخميني ليدشن البدء بمراسم الاحتفال حيث القى الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني وحفيد الخميني السيد حسن خطابين بهذه المناسبة وتوالت الخطابات الى اليوم الأخير بتظاهرة في ساحة الحرية آزادي بخطاب ألقاه الرئيس محمد خاتمي. وكما هو متبع يزور رئيس الجمهورية مع أعضاء حكومته ضريح الإمام الخميني و"شهداء الثورة" ويجددون العهد بمواصلة النهج وهو ما فعله الرئيس خاتمي الذي أكد مجددا أنه ماض على نهج الإمام الراحل في الحفاظ على إرثه المتمثل في نظام الجمهورية الاسلامية. ولكن وبعد مرور كل هذه السنوات على انتصار الثورة، يواجه أنصار الخميني وتلامذته، وعلى مقربة من استحقاق الانتخابات الرئاسية المقررة في حزيران يوينو، وضعا صعبا في تفسير نهج الإمام وخطه وهم يتبادلون الاتهامات حول الانحراف والردة عن نهج الإمام، إذ يتهم المحافظون ومعهم أيضاً الاصوليون، الاصلاحيين بأنهم إما أن يكونوا انحرفوا بالضبط عن الخط الذي رسمه الإمام الخميني لنظام الجمهورية الاسلامية، أو أنهم يفتحون الطريق لأعدائها من الليبراليين ومعارضي نظام ولاية الفقيه، ليعودوا مجدداً الى صدارة الأحداث كما كانوا في بدايات سقوط نظام الشاه. وكتبت صحيفة "كيهان" أن 150 نائباً في مجلس الشورى الذين وجهوا أخيراً رسالة الى رئيس السلطة القضائية طالبوه باحترام الحريات ووقف الاعتقالات "التعسفية"، استوحوا رسالتهم ومضمونها من بيان بهذا الخصوص صدر عن "حركة تحرير ايران" المحظورة. وشنت السلطة القضائية التي توجت عامها "الثوري" المنصرم بإغلاق نحو 30 صحيفة ومطبوعة، حملة اعتقالات استهدفت صحافيين وناشطين سياسيين ولم توفر أعضاء في مجلس الشورى، وهي تستعد، كما يبدو لاعتقال أو محاكمة محمد رضا خاتمي شقيق الرئيس، وربما مدير مكتبه أيضاً حجة الاسلام محمد علي أبطحي، في محاولة لإقصاء رموز الحركة الاصلاحية، وهو ما أشار اليه المدير العام لوزارة الداخلية جواد قديمي ذاكر الذي قال خلال الاحتفال ب"عشرة الفجر" ان محاكمة مساعد وزير الداخلية مصطفى تاج زادة، بذريعة تخلفات الانتخابات التشريعية الماضية، ولدوره في التحريض على الاضطرابات في مدينة خرم آباد العام الماضي، يهدف أساساً الى اقصاء تاج زادة وغيره من المؤثرين في استمرار الحركة الاصلاحية، في ما الأنظار كلها متجهة الى الانتخابات الرئاسية المقبلة ومن المقرر أن يبدأ تسجيل المرشحين لها في نيسان ابريل لكن المؤكد أن خاتمي سيرشّح نفسه، والمحافظون ما يزالون يفكرون بمرشح قوي وهم يستعدون كما يبدو الى مقاطعة تقديم أسماء لكي لايواجه خاتمي مرشحاً جدياً الأمر الذي يؤثر سلباً على اقبال الناخبين على صناديق الاقتراع وهو ما يريدون التأكيد عليه ليقولوا إن شعبية خاتمي انحسرت. وقال رئيس "مكتب تعزيز الوحدة"، أكبر الحركات الطلابية المؤيدة للاصلاح، ابراهيم شيخ محتجاً: "لقد أسقطت أمتنا نظاماً استبدادياً لكن الطرف غير المنتخب في المؤسسة الحاكمة يضحي بالعدالة والحرية من أجل استعادة هيمنته على السلطة"، وأضاف "ان الاصلاحات التي بدأها الرئيس خاتمي منذ انتخابه في عام 1997 تستهدف اقامة حكم القانون لكن المحافظين يحاولون تبرير ممارساتهم الديكتاتورية باسم الدين". وأكد ابراهيم شيخ ان الاسلام لا يعارض الحرية، ووصف تصرفات المحافظين المتمثلة في اعتقال الكتاب والناشطين السياسيين لمجرد تعبيرهم عن آرائهم وزجهم في السجون من دون محاكمات أو بعد محاكمات صورية بأنها انحراف مفتوح عن الدستور ومبادىء الثورة. إلا ان المحافظين اتهموا الاصلاحيين بخيانة الثورة، وقال زعيم جمعية التضامن الإسلامي حميد رضا ترقي ان بعض من يسمون أنفسهم اصلاحيين يريدون تقويض الدين والمبادىء الإسلامية باسم الحرية. والى جانب الصراع حول القيم الثورية، يبرز الحديث بقوة هذه الأيام عن ردة في القيم الأخلاقية والدينية وتحذير من ازدياد نسب جرائم القتل والطلاق، وازدياد نسبة المومسات الشابات. فقد ذكر مسؤول كبير في جهاز القضاء الإيراني أن السلطة القضائية اعتقلت اخيراً في طهران عدداً من الإيرانيات الشابات بسبب ممارستهن الدعارة في دول الخليج العربية. وقال حجة الإسلام عباس علي زادة رئيس قصر العدل في طهران إن الاعتقال شمل اعضاء شبكة لإرسال الشابات اللواتي يتم اختيارهن ممن تتراوح أعمارهن ما بين 13 و 17 عاماً. وجاء هذا الاعتقال، او الاعلان عنه، بعدما كانت السلطات في دولة الإمارات العربية المتحدة طردت أخيراً عدداً من الإيرانيات بعد التأكد من اصابتهن بمرض فقدان المناعة "الايدز" وتم التعرف عليهن في طهران وأجرت صحيفة "رسالت" المحافظة مقابلات مع عدد منهن اعترفن بأنهن كن يمارسن الدعارة المغطاة بإطار قانوني أو شرعي يسمى "الصيغة" أو العقد الموقت وزواج المتعة. وقال المسؤول الايراني ان شبكات إرسال "المومسات" وهو لم يلفظ كلمة مومسات وحرص على استخدام لفظ تهريبهن الى الخارج تختار بضاعتها من الفتيات الفارات من منازلهن ومن المطلقات والشابات اللواتي يتعاطى ذووهن المخدرات. وأعلن عباس علي زادة أن السلطة القضائية وضعت يدها على شبكة كانت تقوم بنقل الفتيات إلى منزل حيث يوضعن تحت رقابة تامة بواسطة كاميرات تحصي عليهن أنفاسهن قبل إرسالهن الى الخارج. ولم يوضح علي زادة عدد الفتيات المتورطات كما لم يقل ان اللواتي أُلقي القبض عليهن "مومسات" لكن المصادر الصحافية أكدت أن العدد كبير. وتثير هذه القضية حفيظة الدعاة الى التمسك بالأصول والقيم من الذين يأخذون على الرئيس خاتمي اتباعه سياسة "التساهل والتسامح"، إذ تغير شكل الحجاب الاسلامي في طهران خصوصاً حيث تقوم محال بيع الألبسة الجاهزة بعرض "موديلات" لحجاب أقل ما يقال عنه أنه "مثير". فمثلاً الزائر لمعارض بيع الألبسة في شمال العاصمة يشاهد أن الفتيات بدأن يقبلن على ارتداء "الجينز" مع سترة قصيرة وغطاء للرأس مستوحى من القبعات الأجنبية في الغرب عموماً. وإذ أعلنت قوى الأمن الايرانية الشهر الماضي أنها لن تمنح الايرانيات اللواتي طُردن من الخليج جوازات سفر، وذلك للحد من ممارسة الدعارة، فإن صحفاً أصولية شنت حملة على ما تصفه بتدهور القيم الدينية ودعت الى منع الايرانيات غير المتزوجات من السفر الى الخارج، وامتنع عدد من السفارات الخليجية عن منح تأشيرات دخول الى ايرانيات غير متزوجات، لكن مسؤولاً ايرانياً في دائرة الهجرة والجوازات قال ل"الوسط" إنهن يتحايلن على القانون ويحصلن على جوازات سفر وتأشيرات بعد إبراز وثائق زواج "موقت" وغالباً ما يكون الأزواج هم السماسرة". وقد اعتقلت الشرطة الايرانية 165 شخصاً مطلع الأسبوع الماضي في اقليم خوزستان الذي تقطنه غالبية عربية، لكن الشرطة تتساهل في الغالب مع حالات "نقص الحجاب" أو ما يسمى بالفارسية "بد حجاب" أي الحجاب السيء، ولا تعترض - كما كانت تفعل في السابق - سبيل العشاق من الشبان والشابات أو الواقفات على طول بعض الطرق المعروفة في "ولي عصر خصوصاً قرب حديقة ملت، وفي "غاندي، ومطهري، وغيرها، اللائي يركبن أول سيارة غير أجرة تقف لهن. حتى جرائم القتل أخذت نسبتها ترتفع، ويقول الجنرال محسن أنصاري نائب قائد الشرطة العام إن هذه الجرائم ارتفعت بنسبة 17 فى المئة، داعياً القادة الايرانيين الى التفكير بحل جدي لهذه المعضلة الخطيرة. وأورد أنصاري أرقاما اعتبرها خطيرة وقال ان 50 في المئة من جرائم القتل يذهب ضحيتها أقرباء الجناة أي أنهم يرتكبون جرائمهم مع أفراد العائلة. ويبرر المتخصص في علم النفس والاستاذ الجامعي أمان قرائي مقدم هذه الظاهرة بأسباب عدة منها انهيار القيم، خصوصاً علاقات الأسرة الواحدة، بينما لايظهر متخصص آخر هو ناصر قاسم زاد أي دهشة لازدياد معدل الجريمة في طهران بسبب انتشار البطالة بين الشبان، لكنه يتفق على أن تدهور القيم والأمراض النفسية المتعددة التي يوجدها، هي في طليعة الأسباب. وبرزت في احتفالات هذا العام بعيد الثورة أكثر من أي وقت مضى، خشية المحافظين والاصوليين على السواء، من تحول الجمهورية الاسلامية الى نظام علماني وهم يحذرون من "الاصلاحات على الطريقة الأميركية" التي يقولون إنها تعبّد الطريق لحريات غير منضبطة وردة عن القيم والاصول، بينما الاصلاحيون الذين يرددون أن الثورة الاسلامية لم تسقط نظاماً قمعياً لتقيم بدلاً منه نظاماً قمعيا آخر باسم الدين، يروّجون هذه الأيام لفكرة تحسين العلاقات مع الولاياتالمتحدة، على رغم قرارهم التقليدي الذي دأبوا عليه كل عام في مجلس الشورى بإعادة العمل في الموازنة بعشرين مليون دولار لمواجهة ما يسمونه المؤامرات الأميركية، ويقولون إنهم ينتظرون من إدارة الرئيس جورج بوش الجديدة موقفاً شجاعاً لا يختلف عليه كثيراً المحافظون الذين يقولون على لسان أمين عام جمعية المؤتلفة حبيب الله عسكر أولادي "إن مفتاح هذه العلاقات في جيب بوش" الذي يتعين عليه أولاً أن يعيد الأرصدة الايرانية المجمّدة منذ زمن الشاه، ويرفع الحظر عن التعاون التجاري والنفطي مع ايران. لكن ما ميز احتفالات الثورة هذا العام هو مشاركة مصارعين اميركيين في سباق دولي لمناسبة "عشرة الفجر" في مدينة مشهد الدينية المحافظة. وإذا جرى خلال "عشرة الفجر" سحب أعلام أميركية كانت موضوعة في مدخل قاعات عرض سينمائية في العاصمة بمناسبة "مهرجان فجر السينمائي الدولي" بقرار من وزارة الثقافة والارشاد الاسلامي، فإن ذلك لا يعني ان موضوع العلاقات الايرانية - الأميركية انحسر بعدما تصاعدت الاحتجاجات التي رفعها محافظون وأصوليون انتقدوا وضع أعلام دولة معادية ليست بيننا وبينها علاقات ديبلوماسية في احتفال رسمي بمناسبة عيد الثورة الاسلامية". وشاركت الأفلام الأميركية في مهرجان "فجر" ما سيفتح الطريق مرة أخرى لسجال عن أهمية هذه العلاقات في العهد الأميركي الجديد