على رغم وصول سعر صرف الجنيه المصري الى حوالي خمسة جنيهات في مقابل الدولار الاميركي، وهو رقم قياسي كبير لضعف العملة المصرية، وذلك نتيجة التأثيرات الحادة التي عكستها أحداث 11 ايلول سبتمبر في الولاياتالمتحدة وتداعياتها على الاقتصاد المصري، فقد رفض البنك المركزي التوسع في ضخ الاحتياطي النقدي لدعم سيولة القطاع المصرفي، خوفا على سلامة هذا الاحتياط الذي بلغت قيمته 14.5 مليار دولار، في الوقت نفسه استبعد المحافظ الجديد للبنك محمود ابو العيون تحليل بعض الاقتصاديين الذين توقعوا تغييرا في سياسة الصرف الاجنبي، مؤكدا "ان النظام الحالي ما زال معمولا به"، مع العلم ان هذا النظام اعتمده سلفه اسماعيل حسن، واسهم في القضاء على السوق السوداء، لكن المحافظ ابو العيون لم يستبعد ابعاد الجنيه عن الدولار، واشار صراحة الى ان "المستقبل يحمل خروج مصر من الربط الكامل بين الجنيه المصري والدولار الاميركي، وفي وقت مناسب سيتم ربط الجنيه المصري بسلة عملات. وكان البنك المركزي بدأ منذ كانون الثاني يناير 2001 في تطبيق نظام جديد لسعر الصرف يقوم على اساس تحديد سعر صرف مركزي للدولار في مقابل الجنيه المصري بلغ وقتها 385 قرشا ووضع هامشا لتحرك السعر في كلا الاتجاهين يصل إلى 1 في المئة، ثم قام البنك المركزي بعد ذلك بتحريك هذا الهامش ليصل إلى 1.5 في المئة صعودا وهبوطا، إلا ان الأسواق شهدت خلال شهري حزيران وتموز يونيو ويوليو الماضيين ضغوطا شديدة على الجنيه أدت إلى خروج جانب كبير من الصرف الأجنبي إلى خارج القنوات الرسمية وتركزت في قنوات غير شرعية أخرى بغرض المضاربة على قيمة العملة إلى ان تصاعدت أسعار صرف العملة في هذه الأسواق. وحيال هذا الوضع كان على البنك المركزي حسب رأي حسن ان يتخذ خطوة لمواجهة هذه الاختلالات، وبالتالي تم رفع السعر المركزي إلى 415 قرشا وزيادة هامش الحركة إلى 3 في المئة صعودا وهبوطا، وبذلك اصبح هامش التحرك في السعر واسعا أمام البنوك وشركات الصرافة، وقد اختار ان يضع السعر المركزي في مستويات مرتفعة حتى تختفي حدة المضاربات مع الوقت وينخفض سعر الصرف إلى القيمة العادلة. وقد نفذت هذه الخطوة ابتداء من الخامس من آب اغسطس الماضي، ولوحظ انها ادت الى خفض سعر الجنيه بنسبة 7.8 في المئة، لكنها اسهمت في الوقت نفسه بالقضاء على السوق السوداء لمدة ثلاثة اشهر. ووفق معلومات البنك المركزي، بلغت موارد الجهاز المصرفي في تلك الفترة 3.35 مليار دولار، منها مليار دولار في شهر آب، في مقابل 1.25 مليار دولار في ايلول سبتمبر ونحو 1.1 مليار دولار في تشرين الاول اكتوبر. غير ان المشكلة تفاقمت عندما تبين ان عملاء البنوك سحبوا من وحدات الجهاز المصرفي في الفترة ذاتها نحو اربعة مليارات دولار، بواقع 1.7 مليار دولار بنكنوت، في مقابل 2.3 مليار دولار حسابات عملات تحويل، لذلك طالب البنك المركزي اخيرا البنوك بضبط استخداماتها اليومية بالنقد الاجنبي مع مواردها الذاتية التي تحققها من سوق النقد بحيث لا يترتب على ذلك أي عجز، وشدد المحافظ ابو العيون على ضرورة الحفاظ على الاحتياطي النقدي في ظل التراجع المتوقع في ايرادات الدولة من النقد الاجنبي خلال المرحلة المقبلة نتيجة الاوضاع الدولية التي أثرت سلبا بشدة على السياحة وايرادات الطيران وعائدات هيئة قناة السويس وتحويلات العاملين في الخارج. واضاف موضحا انه ليس منطقيا، ضخ هذا الاحتياطي في البنوك، لتغطية عمليات استيرادية لسلع استهلاكية وترفيهية في ظل هذه الاجواء العالمية غير المستقرة، مع العلم ان حجم واردات مصر من الخارج يبلغ 17 مليار دولار سنويا. ولفت ابو العيون الى ان الاجراءات التي تم اتخاذها لتوفير السيولة وزيادة الاحتياطي، حققت نتائج ايجابية في الاشهر القليلة الماضية، مما ادى الى خفض الفرق بين سعر الاقراض للبنك "الانتربنك" منذ 4 تشرين الاول اكتوبر الماضي من 14 الى 7 في المئة. واكد ان سياسة سعر الصرف التي تم تطبيقها منذ آب الماضي والتي تعتمد المرونة، ساهمت في زيادة موارد السوق بشكل غير متوقع، وكذلك زيادة حجم مبيعات الجهاز المصرفي الى اكثر من 30 في المئة عن حاجة السوق، وقال ان النظام الجديد لسعر الصرف غطى اكثر من 75 في المئة من الطلبات المقدمة والتي كانت منتظرة. حيال كل هذه التطورات تدرس مصر جديا ربط الجنيه بسلة من العملات من بينها اليورو نظرا الى اهمية تجارتها مع الاتحاد الاوروبي. وتقوم حاليا إدارة البحوث الاقتصادية في البنك المركزي باجراء دراسات حول امكان فك الارتباط بين الجنيه والدولار بهدف الحد من التأثير السلبي لهذا الارتباط الذي ظهر خلال ثلاث ازمات سابقة أدت الى انخفاض قيمة الجنيه بنسبة 25 في المئة. والهدف من الدراسات كسر الارتباط وانشاء سلة عملات تشمل اليورو والين الياباني والجنيه الاسترليني والمارك الالماني باوزان ترجيحية بحيث تمثل كل عملة في الاحتياطي النقدي حسب طبيعة ومقدار المعاملات التجارية والمالية بين مصر واي دولة أخرى، وبذلك يصبح من الممكن تلبية الاعتمادات المستندية للمستوردين او المصدرين حسب العملة التي يتعاملون بها مع الطرف الآخر. ولعل احد الاسباب الرئيسية للتفكير في انشاء مثل هذه السلة هو ارتفاع سعر اليورو أمام الدولار، وبالتالي فان تحسن الميزان التجاري لمصر مع الاتحاد الاوروبي من شأنه ان يعمل على فك هذا الارتباط سريعا وعدم شعور المستورد او المصدر المصري باي تقلبات تلحق بتعاملاته التجارية او بالارباح الخاصة به. وتبرز اهمية اليورو في سلة العملات التي يمكن ان تعتمدها مصر للجنيه من خلال اهمية مستقبل العلاقات الاقتصادية مع المجموعة الاوروبية بعدما بدأت اتفاقية الشراكة بينهما الموقعة في حزيران يونيو الماضي، تأخذ طريقها نحو التنفيذ اثر اقرارها في الاول من كانون الاول ديسمبر 2001 من قبل البرلمان الاوروبي. ويعتبر الاتحاد الاوروبي شريك مصر التجاري الاول اذ تبلغ حصته 32 في المئة من صادراتها و 42 في المئة من مستورداتها، وقد استفادت من المساعدات المخصصة في اطار برنامج "ميدا - 1" والبالغة قيمتها 686 مليون يورو، ويتوقع ان تستفيد ايضا من برنامج "ميدا - 2"، مع العلم ان الاتفاقية ستدخل حيز التنفيذ بعد مصادقة برلمانات الدول ال 15 الاعضاء في الاتحاد الاوروبي عليها فضلا عن مجلس الشعب المصري.