«وزارة الصناعة» توقع مذكرات تفاهم مع 6 دول لتطوير قطاع التعدين والمعادن في المملكة    الذهب يتراجع وسط ترقب لتقرير التضخم الأمريكي    استشهاد خمسة فلسطينيين في قصف إسرائيلي على مركز إيواء للنازحين بمدينة غزة    لماذا تتوقف الرسائل الصوتية عند تقريب الهاتف من الأذن؟    250 شركة برتغالية تستعد لدخول السوق السعودية    «إثراء الضيافة القابضة» تدشن هويتها الجديدة بحضور وزير الحج والعمرة    حسابات السومة    «التعليم»: الفحص اللياقي.. شرط لقبول الطلاب المستجدين العام القادم    «دلة البركة» توقّع اتفاقية تعاون مع شؤون حجاج الصين    حج آمن    المملكة والسَّعي لِرفع العقوبات عن سورية    فيصل بن بندر يطلع على أعمال أمن المنشآت    الأهلي يصطدم بالخلود.. وصراع «الوسط» ب «ديربي الرياض»    الشباب ينهي عقد كويلار    الاتحاد يتخلى عن صدارته    "سلامة الأغذية" بالرس يحصل على "الأيزو"    المتحدث الأمني لوزارة الداخلية يؤكد أهمية تكامل الجهود الإعلامية بمنظومة الحج    أمير الشرقية يتسلم تقرير الملتقى العلمي    فيصل بن نواف يطلق ملتقى «جسور»    أمير القصيم يدشن مشروعات محافظة أبانات    سعود بن بندر يستقبل مدير الالتزام البيئي ورئيس «رياضة الأساتذة»    البروتين البديل    سعود بن خالد يشهد اتفاقية «الفاحص الذكي»    مستشفى المذنب يُجري 1539 عملية جراحية    مفتي الطائفة العلوية ل«عكاظ»: السعودية محل ثقة.. ودورها محوري في سورية    «أمن الدولة»: انتقلنا من مرحلة توفير الأمن إلى صناعته    مدير الجوازات: أجهزة ذكية لقياس مدة بقاء الحجاج في «الكاونتر»    زمن السيارات الصينية    بايدن يرفع كوبا عن اللائحة الأميركية للدول الراعية للإرهاب وهافانا ترحب    مجلس الوزراء: تشكيل لجنة مركزية دائمة للجهات الأمنية في المنافذ الجمركية    من أعلام جازان.. الشيخ الجليل ناصر بن خلوقة طياش مباركي    صراع «الفاشنيستا» تديره فَيّ فؤاد    الدبلوماسي الهولندي ما رسيل يصف بعض جوانب الحياة في قنا حائل    ابو قلبٍ مريح    أمريكا والتربية    م ق ج خطوة على الطريق    احتفاء ب"الحرف اليدوية"    ولي العهد ورئيس البرازيل يبحثان تطوير العلاقات    برينتفورد يفرض التعادل على مانشستر سيتي بالدوري الإنجليزي    يا رجال الفتح: كونوا في الموعد    مفوض الإفتاء في جازان يحذر من خطر الجماعات المنحرفة خلال كلمته بالكلية التقنية بالعيدابي    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين.. نائب أمير منطقة مكة المكرمة يفتتح» مؤتمر ومعرض الحج 2025»    "سلمان للإغاثة" يحلق عالمياً    منشأة خامسة لأرامكو السعودية تدخل قائمة "المنارات الصناعية"    زراعة البن .. إرث أصيل ومحصول واعد    الآثار المدمرة بسبب تعاطي المخدرات    «الغذاء والدواء»: الجنسنغ بجرعات عالية مضر بالصحة    هل انتهت كرة السلة في المدينة المنورة ؟!    ألمانيا.. بين دعم السلام والأسلحة الفتاكة!    الدكتور علي مرزوق إلى رتبة أستاذ مشارك بجامعة الملك خالد    أفكار قبل يوم التأسيس!    انطلاق فعاليات معرض مبادرتي "دن وأكسجين" غدًا في جازان    نائب أمير تبوك يتسلم التقرير السنوي لانجازات واعمال فرع وزارة التجارة    أمير الشرقية يقدم التعازي لأسرة السماري    إنجاز علمي جديد.. «محمية الملك عبدالعزيز الملكية» تنضم للقائمة الخضراء الدولية    أمير الجوف يشيد بدور "حقوق الإنسان"    «اجتماعات الرياض» تبحث إعادة بناء سوريا وتحقيق أمنها    برعاية الأمير فيصل بن خالد.. إطلاق جائزة الملك خالد لعام 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بيشاور ... مدينة الحدود والغرباء والفوضى !
نشر في الحياة يوم 05 - 11 - 2001

تعتبر مدينة بيشاور أهم المحطات الحدودية في آسيا الوسطى. مرّ بها مسافرون من كل العصور والأزمنة، من عهد الاسكندر الكبير حتى عصر الملكة اليزابيث الثانية. ومثل كل المدن الحدودية، قد تبدو أحياناً مخيفة ومفزعة لزائريها وللغرباء الذين يعبرونها في طريقهم الى بلدان أبعد وأشد قسوة. صحيح أنها تحاول أن تبدو ككل المدن العصرية، لكن الجغرافيا والجيو-استراتيجيا تضطرانها الى الإنغلاق. تضيق أزقتها الداخلية، وتدنو شرفات منازلها حتى تبدو كأنها تعانق بعضها أو تبدو كالجيران الذين يتهامسون. وبسبب وجود ممر خيبر في محيط المنطقة، وهو المعبر الذي سلكه جميع الغزاة الذين فتحوا المنطقة، يبدو المجتمع النسائي في بيشاور أشد إنغلاقاً وعزلة ونفوراً من العالم الخارجي.
ولا يحتاج التوتر الذي يطغى على شوارع بيشاور الى ملاحظة دقيقة، فهو ظاهر في عيون التجار والسماسرة الذين ينتشرون في سوق المدينة. ويتحول ذلك القلق والتوتر عداء حين يبادر الصحافي الأجنبي الى إستخراج آلة التصوير ليرصد المشاهد التي يراها أمامه. إنه شعور بالخوف لا يراود الزائر لأي مدينة أخرى في العالم! التفتيش في مطار بيشاور تجربة لا نظير لها في أي مطار في مدن العالم الأخرى.
حاولت أن أستعين بآراء صحافية ايرانية صديقة عاشت في بيشاور إبان الثمانينات حتى لا ترسخ تلك الصورة الثقيلة للمدينة في ذهني. ففاجأتني الصديقة الايرانية بالقول إن الهواجس والشكوك والريبة لها علاقة لا تنفصم مطلقاً مع أهل بيشاور. إذ إن المدينة تعاني مشكلة مخدرات وإنتشار الأسلحة الخفيفة والثقيلة، وكثرة الجواسيس، واللاجئين الآتين من أفغانستان التي تشهد منذ ثلاثة عقود حرباً لا مثيل لها.
غير أن بيشاور ليست مدينة بلا تاريخ. فقد سعى الامبراطور المغولي أكبر الى تحصينها وتحسين أسواقها باعتبارها منفذاً حدودياً مهماً. وترافق ذلك التحسين والتوسع مع تشديد الرقابة على حدود المدينة ومداخلها، الامر الذي زاد عقلية الحصار التي لا تزال المدينة تتسم بها. كما أن المدينة تنعم بخيرات طبيعية كثيرة. فقد كانت تعرف أصلاً ب "مدينة الزهور"، وهي التسمية التي اشتقت منها تسميتها الحالية، وهي إشارة الى خصوبة الوديان المحيطة بها، ومياه نهر كابول التي تسقي حدائقها حيث تنمو أشجار الخوخ والأجاص والدراق، جنباً الى جنب مزارع الرز وقصب السكر والتبغ.
وكان ممر خيبر قد شهد في الزمان الغابر مرور جحافل القوات التي قادها الاسكندر الكبير نحو العام 327 ق.م. وتحصنت في قلعة تم كشف أطلالها قرب بيشاور. والواقع أن ممر خيبر يبدأ تعرجه وسط الجبال على بعد 18 كيلومتراً غرب بيشاور ليفتح طريقاً حيوية بين آسيا وشبه القارة الهندية. وشهد هذا المعبر المشهور جحافل القوات التي قادها جنكيز خان وملوك المغول. وربما لهذا أضحى التمنطق بالسلاح جزءاً لا يتجزأ من زي سكان بيشاور ومنطقة ممر خيبر. وربما لهذا أيضاً غدا معتاداً سماع طلقات الرصاص في مختلف أرجاء المدينة حتى اليوم، وإن أضحى يقتصر على حفلات الزواج ومراسم الأفراح الاجتماعية الاخرى، ولم يعد يقتصر على الصراع التاريخي على الذهب والنساء والأرض كما كانت حاله في الماضي.
وهكذا فإن زائر بيشاور لا بد أن يسعى الى زيارة ممر خيبر، خصوصاً بلدة دارا الحدودية التي اشتهرت بصنع البنادق. غير أن الحروب الأفغانية المتعاقبة والعنف الطائفي الذي تشهده المناطق الحدودية تجعل زيارة الممر رحلة مفعمة بالمخاطر.
أما أبرز معالم بيشاور فهي ساحتها الرئيسية التي تتوسطها. وهي المكان المفضل لأصحاب المذاهب والأحزاب السياسية الذين يحشدون أنصارهم هناك ليستمعوا الى خطبهم الحماسية. وهو اليوم المكان المفضل لتجار العملة. وتتفرع من الميدان طريقان تفضي إحداهما الى سوق الخضر، وتقود الأخرى الى سوق المجوهرات. وتوجد محال تجارية كثيرة متخصصة في بيع العاديات المشغولة بالأحجار الكريمة والأوسمة العسكرية المرتبطة بالقوات التي سعت الى غزو تلك الرقعة من العالم في زمان مضى.
غير أن شعور المدينة بالخطر من حدودها والغرباء الذين يفدون إليها لا يعني أن أهلها قد تخلوا عن ترحيبهم التقليدي بالضيوف، وهو ما تترجمه الدعوات التي لا تنقطع لإحتساء الشاي، المشروب المفضل في تلك المنطقة. وحين يكثر تردد الزائر على السوق يألفه أصحاب المحال التجارية، ويشعرونه بثقتهم فيه، الى درجة أن بعضهم لا يتردد عن تقديم القروض الى الغرباء، مطمئناً الى أنهم سيردونها ذات يوم.
وإذا كانت بيشاور تقوم على الأسواق المتعددة، بحكم كونها مدينة حدودية، فمن أهم معالمها المقاهي الكثيرة التي تنتشر في حاراتها وأسواقها. هناك يصادف الزائر رواة الأقاصيص والحكايات الشعبية. بل يوجد شارع يحمل اسم "شارع الحكائين"، يكثر فيه كتاب "العرائض" الذين يساعدون الأهالي على تجهيز أوراقهم القانونية لمواجهة المحاكم والفصل في نزاعاتهم المدنية والإدارية.
وهناك سوق المصنوعات النحاسية التي يباهي تجارها بالشخصيات الشهيرة التي زارت مدينتهم كالممثلة الأميركية اليزابيث تايلور.
وحيث تجول الزائر في البازار تلاحقه رائحة مشويات "الكباب" والخبز الذي يتم إعداده بطريقة فريدة. وبالطبع فإن بيشاور تشتهر أيضاً ب "الكباب" الخاص بها الذي تضاف إليه التوابل والطماطم والبيض، ويوضع على قطعة من رغيف "نان" الذي تشتهر به المنطقة على أوسع نطاق.
أما حركة عبور السيارات داخل المدينة فهي ذات طابع يخص بيشاور وحدها: كل السيارات والشاحنات والمقطورات تتحرك في الشوارع في فوضى فريدة من نوعها، ولا يتوانى السائقون عن إطلاق أبواق سياراتهم لسبب أو من دون سبب. ويتنقل قادة الفصائل الأفغانية عادة في سيارات من طراز جيب، ذات زجاج مظلل. وتزيّن الحافلات والشاحنات برسوم تجعل كلاً منها لوحة فنية متنقلة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.