توازن دول الخليج في توجهاتها المستقبلية بين تحقيق معدلات نمو عالية، مستفيدة من الارتفاع الكبير في أسعار النفط منذ النصف الثاني من العام 1999 وحتى الآن وبين زيادة فاتورة مشتريات السلاح التي تفرضها جملة من المتغيرات الاقليمية والعالمية منذ حرب الخليج الثانية. وبقدر ما كان الانفاق الدفاعي في دول مجلس التعاون الخليجي ضرورياً خلال الفترة الماضية، فإنه شكل في بعض الأحيان عائقاً أمام تنفيذ مشاريع تنموية كبيرة أو تأجيل بعضها. فقد أنفقت دول الخليج منذ العام 1992 حوالي 250 بليون دولار في قطاع الدفاع والأمن على أساس تخصيص حوالي 30 في المئة من اجمالي الانفاق لهذا القطاع. وتشير احصاءات عربية رسمية الى أن اجمالي النفقات المدنية والعسكرية لدول مجلس التعاون بلغ حوالي 833 بليون دولار خلال الفترة ما بين 1992 و2000، شكلت ايرادات صادرات النفط الجزء الأكبر منها. وتدافع دول المجلس عن هذا التوجه بقولها ان تعزيز قدراتها الدفاعية بات ضرورة استراتيجية أملتها الظروف السياسية والعسكرية التي سادت المنطقة في العقدين الأخيرين. وتشمل استراتيجيات دول المجلس لتقوية جيوشها شراء أسلحة متطورة وزيادة عدد قواتها المسلحة وانشاء مشاريع عسكرية مشتركة وتعزيز أنظمة المراقبة العسكرية وصيانة الأنظمة القائمة وتحديثها، وتقديم حوافز مادية للمواطنين للانخراط في صفوف القوات المسلحة التي كانت تعتمد الى حد كبير على قوات عسكرية وافدة. وأمام هذه التحديات التي فرضتها متغيرات سياسية وعسكرية في المنطقة لم يتجاوز الانفاق على الشؤون الاقتصادية نسبة 15 في المئة من اجمالي المصروفات في دول المجلس في تلك الفترة، ووصلت هذه النسبة الى ما دون ثلاثة في المئة في بعض الدول الأعضاء، في حين تراوحت بين 15 و25 في المئة بالنسبة الى الانفاق على قطاع الخدمات الاجتماعية. وعلى رغم ارتفاع الانفاق الدفاعي فإن اقتصاد دول المجلس حقق نمواً ايجابياً في معظم السنوات الماضية، لكن النمو الحقيقي لم يتماش مع النمو السكاني اذ استقر في معظم بلدان المجلس فوق ثلاثة في المئة. ويؤكد الخبراء ان معدل النمو الحقيقي في دول مجلس التعاون كان يمكن أن يفوق هذه النسبة لو تم توجيه جزء من الانفاق العسكري لاقامة مشاريع تنموية، حيث لا تزال العملية التنموية تعتمد الى حد كبير على انفاق القطاع العام على رغم التوسع في القطاع الخاص. ويرى الخبراء ان الانفاق العسكري ينبغي أن يشكل حافزاً لحكومات دول الخليج للمضي في عملية إعادة هيكلة اقتصادها خصوصاً في اتاحة الفرصة أمام القطاع الخاص ليلعب دوراً أكبر في المرحلة المقبلة، مما يرفع الكثير من العبء عن كاهل هذه الحكومات. برامج الاصلاح وتنفذ معظم دول المجلس برامج اصلاح اقتصادي لتخفيف اعتمادها على صادرات النفط المتقلبة وضمان نمو اقتصادي قابل للاستمرار ولا يتعرض للآثار السلبية التي تتركها تذبذبات أسعار النفط التي أوجدت عجوزات مزمنة في الموازنات والحساب الجاري لمعظم دول التعاون، ويتوقع أن تتجاوزها في العام 2000 نتيجة الارتفاع الكبير في أسعار النفط الخام. إلا أن هذه البرامج لا تزال تشير ببطء شديد وتتباطأ أكثر بل تتوقف أحياناً كلما ارتفعت أسعار النفط في الوقت الذي لا تزال فيه بعض دول المجلس مترددة في تحويل ملكية منشآت القطاع العام الى القطاع الخاص. وتشير تقديرات مصرفية الى ان مساهمة القطاع الخاص في اجمالي الناتج المحلي في دول مجلس التعاون ارتفعت في 35 في المئة الى ما يقارب 40 في المئة في العقد الأخير مما يعكس بطء عملية التخصيص، وبالتالي اعتماد عملية التنمية الاقتصادية على الانفاق الحكومي الى حد بعيد. فمن الطبيعي أن يؤثر ارتفاع الانفاق الدفاعي على النمو الاقتصادي وموازنات دول المجلس لأن القطاع العام لا يزال يهيمن على معظم النشاط الاقتصادي. ويؤكد الخبراء انه آن الأوان لحكومات الدول الخليجية للعمل على توسيع دور القطاع الخاص لتمكينه من قيادة عملية التنمية في حين يترك للحكومات الدور الاشرافي والخدمات الاجتماعية. ويقول الاقتصادي السعودي احسان ابو حليقة ان "الحاجة أصبحت ماسة لاستزراع عناصر الاستقرار في ايرادات الخزانة العامة لدول الخليج، ولا يعني الاستقرار الثابت بل الابتعاد عن التذبذب صعوداً وهبوطاً وبعيداً عن أية مبالغة". ويؤكد محمد العسومي مدير الدائرة الاقتصادية في مصرف الامارات الصناعي ان "انتهاج دول المجلس لبرامج واستراتيجيات اصلاحية واضحة ومحددة هو السبيل الوحيد لتحقيق نمو اقتصادي قابل للاستمرار لا يتأثر بأسواق النفط ويتماشى مع النمو السكاني السريع". ويلفت الى أن هذه الاصلاحات يجب أن تركز على القطاع الخاص الذي يمتلك أكثر من 350 بليون دولار في الخارج اضافة الى جذب الاستثمار الأجنبي خصوصاً في مشاريع انتاجية كبيرة ومتوسطة، وإلا ستبقى موازنات دول الخليج فريسة لتقلبات أسعار النفط والانفاق الحكومي. وعلى رغم انخفاض ايراداتها النفطية العام 1998 وبداية 1999 حافظت دول مجلس التعاون على مستويات انفاق معقولة خشية حدوث ركود اقتصادي، فقد كانت الحاجة ماسة لزيادة المصروفات، خصوصاً الاستثمار في مشاريع التنمية نتيجة الارتفاع الكبير في عدد السكان الذي يقدر حالياً بنحو 26 مليون نسمة في مقابل أقل من 15 مليون نسمة منتصف الثمانينات. عجز الموازنات وأدى ارتفاع معدلات الانفاق، خصوصاً في مجال الدفاع والأمن مع انخفاض العائدات النفطية في بعض السنوات، إلى حدوث عجز ضخم في الموازنات الخليجية وصل ذروته العام 1991 حين بلغ 8.57 بليون دولار، وتراجع بعد ذلك ليصل إلى 8.14 بليون دولار العام 1995 وبلغ أدنى مستوى له العام 1997 وهو 309 ملايين دولار بسبب ارتفاع أسعار النفط. وبسبب انخفاض أسعار النفط عام 1998 ارتفع العجز بحدة ليصل 3.11 بليون دولار، وذلك نتيجة انخفاض ايرادات دول المجلس بأكثر من 50 في المئة لتصل إلى 55 بليون دولار، في حين يتوقع أن يتحول العجز إلى فائض هذا العام للمرة الأولى منذ انتهاء الفورة النفطية من جراء الارتفاع الحاد في أسعار النفط، حيث يتوقع أن يرتفع دخل دول المجلس إلى حوالي 125 بليون دولار، بزيادة 40 بليون دولار عن العام 1999. وتتوقع الدوائر الاقتصادية أن يقفز اجمالي الناتج المحلي لدول المجلس بنحو 20 في المئة بالقيمة الاسمية، في حين لن يتجاوز النمو الفعلي 4 في المئة، ولن يتعدى نسبته 2 في المئة في بعض دول المجلس، وهو أقل بكثير من معدل النمو السكاني المتوقع ان يبلغ 5 في المئة. ويحذر خبراء من حدوث أزمة بطالة ومشكلات اجتماعية أخرى في غياب اصلاحات اقتصادية جذرية على المدى المتوسط نظراً الى التوقعات باستمرار معدلات النمو السكاني عند مستوياتها الحالية في غياب أية ضوابط سكانية بل ان هناك حوافز في معظم الدول الأعضاء للأسر لانجاب أكبر عدد ممكن من الأطفال. ولا تعترف دول المجلس علناً بوجود مشكلة بطالة فيها، إلا أن مصادر اقتصادية ومصرفية تؤكد وجود أكثر من مليون عاطل عن العمل على رغم السياسات المعلنة لهذه الدول بالعمل على إحلال العمالة المواطنة بدل العمالة الوافدة لديها. وفي غياب نمو اقتصادي حقيقي مرتفع فإن الدخل الفردي المجمع في دول المجلس انخفض من 11900 دولار عام 1991 الى حوالي 10 آلاف دولار العام 1998، وينتظر أن يرتفع الى ما يقارب 12 ألف دولار العام 2000 نتيجة الزيادة الكبيرة في أسعار النفط. اعادة هيكلة سعودية وأمام هذا الواقع بدأت المملكة العربية السعودية تحركاً واسعاً لإعادة هيكلة اقتصادها، سيكون له نتائج مهمة على صعيد الاقتصاد السعودي، وعلى صعيد اقتصاد دول المجلس ككل، باعتبار أن السعودية تمتلك أكبر اقتصاد خليجي، وكونها الأكثر سكاناً حيث يمثل سكان السعودية نحو 75 في المئة من اجمالي سكان دول المجلس. وتتركز إعادة هيكلة الاقتصاد السعودي بشكل أساسي في الاعتماد على القطاع الخاص والاستثمار الأجنبي لأخذ دور مهم في الاقتصاد الوطني. فقد أعلنت السعودية أخيراً عن تحسينات كبيرة في قوانين الاستثمار، وأوشكت على فتح قطاع الطاقة أمام المستثمرين الأجانب لجذب التمويل والتكنولوجيا. وتعول الحكومة السعودية على القطاع الخاص لتحقيق معدلات نمو اقتصادي حقيقي تزيد على 3.5 في المئة خلال سنوات الخطة الخمسية السابقة التي اعلنتها قبل شهرين إذ تتوقع أن تبلغ استثمارات هذا القطاع ما يقارب 127 بليون دولار أي بمعدل يتجاوز 25 بليون دولار سنوياً وبنسبة 70 في المئة من اجمالي الاستثمارات. وتهدف الخطة كذلك الى خلق أكثر من 800 ألف وظيفة جديدة للسعوديين وهو ما يعكس جدية الحكومة في توطين الوظائف وادراكها لخطورة مشكلة البطالة. ويشير محللون اقتصاديون الى أنه بإمكان دول المجلس الاستمرار في خطط تعزيز قدراتها الدفاعية على أساس انه حق مكتسب لأية دولة تسعى الى حماية انجازاتها الاقتصادية إلا أن ذلك يجب أن يكون متزامناً وموازياً لخطط الاصلاح الاقتصادي، والا فإن تفاقم مشكلة البطالة سيكون أمراً لا مفر منه. أكبر سوق للسلاح وتشير احصاءات حديثة للمركز الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن الى أن برامج تعزيز الامكانات العسكرية والأمنية لدول المجلس لا تزال تسير في الاندفاع نفسه الذي انطلقت به بعد حرب الخليج الثانية إذ بلغ حجم الانفاق العسكري نحو 31.8 بليون دولار العام 1999 و31.6 بليون دولار العام 1998، شكلت ما يقارب 45 في المئة من اجمالي ايراداتها النفطية و12 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي، مما يجعل منطقة الشرق الأوسط أكبرسوق للسلاح في العالم. ويلفت خبراء الى انه في حال استمرار معدلات الانفاق الدفاعي في دول المجلس على الوتيرة ذاتها في الأعوام المقبلة فإن معدلات النمو الاقتصادي الحقيقي ستبقى متدنية في غياب تسارع حقيقي لعملية الاصلاح الاقتصادي، وذلك نظراً الى توقعات بعدم بقاء أسعار النفط عند مستوياتها في العام 2000 متوسط الأسعار عام 2000 حوالي 28 دولاراً للبرميل كما سيسهم ذلك في الابقاء على المستويات المرتفعة للدين الداخلي في دول المجلس والذي تجاوز 200 بليون دولار بنهاية العام الماضي. ويتوقع أن يؤدي ارتفاع أسعار النفط الى تحول العجز في الحساب الجاري السعودي الى فائض ضخم يزيد على 20 بليون دولار العام 2000 وهو أعلى معدل له منذ الفورة النفطية. وتقدر تقارير مصرفية سعودية ان يتعزز احتياطي السعودية بأكثر من 14 بليون دولار بنهاية العام الجاري ليصل الى 91 بليون دولار في حين ستسجل الموازنة فائضاً يزيد على خمسة بلايين دولار على رغم تجاوز مستويات الانفاق المحددة في بداية العام. وتتمتع دولة الامارات بوضع اقتصادي جيد نتيجة ارتفاع انتاجها النفطي في السنوات العشر الأخيرة مع نمو كبير في موجوداتها الخارجية التي تقدر بأكثر من 150 بليون دولار تحقق لها عائدات سنوية تزيد على ثمانية بلايين دولار سنوياً. وتتميز الامارات ضمن المجموعة الخليجية بعدم وجود عجز حقيقي أو ديون داخلية، حيث يتم تغطية العجز نتيجة الانفاق الاتحادي والمحلي من عوائد الأصول الخارجية. لكن الخبراء يشددون في الوقت نفسه على ضرورة اتباع الامارات سياسة تصحيح اقتصادي لأن دخلها يعتمد بشكل كبير على صادرات النفط الخام وموجوداتها الخارجية الأمر الذي يجعلها عرضة لانعكاسات سلبية لهزات أسواق المال الدولية، في الوقت الذي تخصص فيه الحكومة حوالي 26 في المئة من اجمالي الانفاق للقطاع الأمني والدفاعي أي ما نسبته 10 الى 15 في المئة من الناتج المحلي، في مقابل أقل من واحد في المئة في الدول الصناعية. ويتوقع الخبراء أداء جيداً للاقتصاد القطريوالعماني في الفترة المقبلة بسبب دخل مستقر لهما من مبيعات الغاز، غير أنهم يعتبرون أن مشاريع الغاز غير كافية في عملية التنويع الاقتصادي على رغم انها تشكل عنصراً أساسياً فيها. وتحاول الكويت تجاوز النتائج التي أفرزها الغزو العراقي والتي أدت الى تدهور أصولها الخارجية الى نحو 45 بليون دولار في مقابل أكثر من 100 بليون دولار، ودفعتها الى تخصيص مبالغ ضخمة لتمويل برامج إعادة بناء قواتها المسلحة وتعزيز امكاناتها الدفاعية والأمنية مما يؤثر سلباً على القطاعات المدنية وعلى جهودها في معالجة العجوزات المالية المتراكمة. أما البحرين فهي الدولة الخليجية الوحيدة التي لا تعتمد في دخلها على النفط الى حد كبير، حيث تنتج نحو 160 ألف برميل يومياً بدخل أقل من بليون دولار سنوياً، في حين تجني أكثر من 1.5 بليون دولار سنوياً من الضرائب على الدخل والواردات وصادرات الألمنيوم والبتروكيماويات والمنتجات الأخرى. وينتظر أن ترتفع عائدات مبيعات الالمنيوم بحدة في الفترة المقبلة بعد موافقة مجلس ادارة شركة "ألبا" أخيراً على مشروع لتوسعة الطاقة الانتاجية للشركة بنحو ربع مليون طن لتصل الى ما يقارب 750 ألف طن سنوياً. وبذلك ترزح البحرين كغيرها من دول مجلس التعاون تحت عبء الانفاق الدفاعي الذي يقدر بنحو 25 في المئة من مصروفاتها مما يحتم عليها الاعتماد بشكل أكبر على القطاع الخاص في عملية التنمية الاقتصادية. دور القطاع الخاص ويتضح مما تقدم أن دول مجلس التعاون الخليجي لديها الامكانات لتحقيق نمو اقتصادي قابل للاستمرار من خلال العمل على تمكين القطاع الخاص من أخذ مكانة متقدمة في التنمية والاكتفاء بدور اشرافي للحكومات حتى يتسنى لها التفرغ لتعزيز الخدمات وحماية الانجازات الاقتصادية. وإذا ما أريد لهذه الدول الاستمرار في مستويات الانفاق الدفاعي المرتفع على المدى القصير والمتوسط فإن عليها توسيع برامج المبادلة "الأوفست" التي تتطلب من مصدري السلاح استثمار جزء من قيمة الصفقات العسكرية في مشاريع مدنية في منطقة الخليج، وأن يتم التركيز على المشاريع الانتاجية وتلك التي تمكن دول المجلس من الحصول على التكنولوجيا اضافة الى المشاريع التي لا تعتمد على العمالة بشكل مكثف. ويعتقد خبراء انه ينبغي على دول المجلس أن تطبق برامج "الأوفست" على الصفقات المدنية كذلك شأنها في ذلك شأن الدول الأخرى، مشيرين في هذا الصدد الى التجربة السعودية التي لا تزال تطبق برامج "الأوفست" وتسعى الى توسيعها. ويؤكد الخبراء ان مثل هذه الخطوة ستسرع وتيرة الاستثمار الأجنبي في دول المجلس بشكل كبير نظراً الى ضخامة الصفقات المدنية التي تعلنها هذه الدول بين الحين والآخر وخططها الرامية الى توسيع وتحديث وصيانة بنيتها الأساسية وهو ما يعني طرح مشاريع ببلايين الدولارات في المستقبل تذبذب أسعار النفط وانعكاسه على ايرادات دول مجلس التعاون السنة السعر سلة اوبك دولار الدخل بليون دولار 1997 18.6 84 1998 12.2 55 1999 17.4 85 2000 26 125 متوقع 2001 20 1.2 المصدر: مركز دراسات الطاقة الدولي ومصادر أخرى. دخل الفرد في دول مجلس التعاون متأثراً بعدد السكان 1999 دولار عدد السكان مليون البحرين 8829 0.7 الكويت 14015 2.1 عمان 6430 2.5 قطر 20673 0.6 السعودية 6995 19.9 الامارات 16545 2.8 المصدر: مجلة "ميد".