يشعر الواصل الى كابول انه انتقل من دنيا الى اخرى ومن حياة الى ما يشبه النهاية. لم تكن الساعة قد تجاوزت العاشرة ليلاً لكن بدا من الصمت المطبق ان المدينة نامت منذ ساعات. بعض النوافذ تفتح وتغلق على عجل وبعضها الآخر مقفل وربما مسمّر من الداخل. أضواء قليلة تنبعث من الأبنية والمنازل، السكون يلف الأرصفة او ما بقي منها. عليك افتعال كلامٍ مع مرافقيك لئلا يصيبك هذا الصمت، فهناك لا توجد أي معالم للحياة سوى بعض حواجز لقوات "طالبان" ويزيد الظلام الدامس من رهبة الظلال التي تضفيها القبعة الأفغانية على الوجوه الثابتة التي يقف أصحابها على الحواجز. بعد العاشرة من كل ليلة يفرض حظر تجول في العاصمة الأفغانية لأسباب أمنية والحظر يشمل كل مرافق الحياة حتى الأفران والصيدليات. يواجه الأفغان مشكلة حقيقية في حال اضطروا للخروج بعد العاشرة وإن لسبب طارئ. وحشة قاتلة تلف كابول ليلاً وألف سؤال وسؤال يخطر في البال حول ما يجري خلف هذه النوافذ الموصدة في مدينة اندثرت وأصبحت في دواخل أهلها وفي ذاكرتهم. ويبدو ان الأيام والأشهر والسنوات تزيد خلال انقضائها من عزلتهم ومن انكفائهم الى دواخلهم. الصورة الشاحبة التي أوحت بها كابول ليلاً تتثبت أكثر فأكثر مع طلوع النهار. المدينة صارت ريفاً والدمار يشعر المرء ان زلزالاً ضربها فباتت الظلال تملأ شوارعها وأبنيتها المتآكلة وسياراتها المهترئة. وحدهم جنود "طالبان" يقودون سيارات حديثة من نوع "Four wheel drive" عليها لوحات تعود لدول عربية أبرزها "دبي". أما العامة من الأفغان فهم يعتمدون على الدراجات الهوائية في تنقلاتهم في المدينة. يشتد الازدحام كلما اقتربت من وسط المدينة ولكنه ازدحام بلا جدوى وبلا ضجة، ازدحام صامت ومريب. تشعر ان هذا الخراب ليس ثمرة حرب واحدة انه خراب سار بطيئاً ومنهجياً حتى أوصل المدينة الى ما وصلت اليه. مرافق عامة بالكاد تعمل وأكداس من أبنية مدمرة، دور السينما والمسارح والمتاحف ومراكز الموسيقى والتسلية السابقة هي اما حطام او تحولت الى مساجد. أشرطة الموسيقى لا تزال تتدلى على الطرقات لتذكر بيوم "شنقت" فيه حركة "طالبان" أجهزة التلفزيون وقطعت أشرطة الموسيقى ضمن حملة القضاء على الفساد. الزي الأفغاني التقليدي تجاوز الميل الوطني ليصبح لباساً إلزامياً شرعياً ويعاقب كل من يرتدي بنطالاً عادياً او من لا يعتمر القبعة الأفغانية او من حلق ذقنه او حتى شذبها. تلك هي المدينة التي يفاخر قادة "طالبان" بانها مدينة نقية تمنع فيها الترهات كالتلفزيون والموسيقى والاختلاط بين الجنسين. النساء في كابول يظهرن للوهلة الأولى كأسراب زرقاء يجبن المدينة بخطوات مسرعة بلا صوت. ترتدي الأفغانيات في الطرقات البرقع التقليدي الذي يغطي الوجه والجسم. وحده اللون يوحي بأنوثة من ترتديه، أزرق سماوي في الأغلب يخفف من ثقل ما تراكم من غبار وأثقال الحياة. الشوارع تعج بالنساء وفي الغالب هن من المتسولات. "طالبان" وبذريعة الحفاظ على كرامة المرأة من الامتهان منعت النساء من التعلم والعمل لكنها تسمح لهن بالتسول. وتبرر ذلك بالقول انها ليست ضد عمل النساء وتعليمهن لكن ليست لديها القدرة لإيجاد مدارس ومراكز عمل منفصلة لهن لذلك قررت ابقاء النساء في المنزل الى حين توافر الامكانات لمثل هذا الفصل بين الذكور والاناث وان هذه الاجراءات هي طارئة وموقتة، وكلمة موقتة هنا قد تعني عشرات السنين. معظم المتسولات هن من أرامل المجاهدين اللواتي فقدن أي معيل ذكر في العائلة وبعد القوانين التي فرضتها "طالبان" اضطرت الكثيرات من النساء المتعلمات الى التسول لكسب الرزق. قبل حكم "طالبان" كان عمل النساء في معظمه في حقول التعليم والإدارة. في كابول تم الاحتفال هذه السنة وللمرة الاولى في عهد "طالبان" باليوم العالمي للمرأة، اذ احضرت 700 امرأة الى وسط العاصمة وتم الاحتفال بتلاوة آيات من القرآن وأبيات من الشعر وبالتذكير بحقوق المرأة في الاسلام، ووزعت أغطية على الرؤوس وبعدها أعيدت النساء الى منازلهن. أما أحد أخطر قرارات "طالبان" فكان منع الأطباء الذكور من فحص المرضى من النساء منعاً للاختلاط والملامسة. فمنعت الكثير من النساء من الحصول على العلاج المناسب لعدم توافر عدد كاف من الطبيبات. في مستشفى أنديرا غاندي في كابول قسم خاص للسيدات. يشرف على المستشفى محمد يار وهو مجاهد سابق وأحد أعضاء حركة طالبان وهو مرتاح للوضع الطبي في "الإمارة الإسلامية" الأفغانية وينكر وجود أي مشكلة في معالجة النساء المرضى. ويقول "في الإمارة الإسلامية اليوم كل واحد يملك بيته ونفسه وزوجته ولم يكن الوضع كذلك سابقاً". أما ليا وهي مشرفة من الصليب الأحمر الدولي في كابول فترى ان الوضع الطبي للنساء في أفغانستان مشكلة كبرى: "بسبب الحدود الطبيعية والثقافية فإن الأولوية تعطى دائماً للرجال للذهاب الى العلاج عند الحاجة وهناك حواجز كبرى امام النساء قبل ان يسمح لهن بالذهاب الى المستشفى وهذا له علاقة بالخلفية الثقافية وله أيضاً علاقة بالوضع الاقتصادي الصعب". سهيلة طبيبة صحة عمرها 29 سنة ومضى على عملها 7 سنوات. المشرف العام على المستشفى محمد يار سمح لها بلقائنا في مكتبه وأمامه. من وراء البرقع الذي هو أيضاً لباسها الطبي وبصوت غير واضح تحدثت سهيلة بشكل سريع فقد أرادت الانتهاء من الكلام على عجل قائلة: "نحن كمسلمين يجب ان نراعي الحجاب وليست هناك مشكلة بين الرجال والنساء. هناك أجنحة للرجال وأخرى للنساء ولا أعتقد بان النساء يواجهن اي مشكلة من حيث الطبابة اليوم في أفغانستان". شير محمد عباس ستانكازي نائب وزير الصحة في حكومة "طالبان" يقول: "في الحقل الطبي لا نشعر ان هناك اي مشكلة لأن لدينا طاقماً كافياً في الوقت الراهن. في كابول هناك 14 مستشفى بينها 2 للسيدات. لدينا مئات الطبيبات والممرضات والتقنيات اللواتي يعملن معنا ولديهن برامج تدريبية في تلك المستشفيات". لكن الواقع يشير الى ان معظم الطبيبات المؤهلات غادرن كابول، و"طالبان" أعدت للنساء بدءاً من العام 9919 صفوف تدريب في بعض المستشفيات للمستويات الأخيرة من التعليم الطبي اي بدءاً من المستوى الرابع لكن ليس هناك اي تسجيلات او صفوف في السنوات الاولى، واذا كانت هناك بعض الطبيبات اليوم فماذا سيحدث مستقبلاً اذا استمر منع تعليم الفتيات؟ تجيب ليا: "طبعاً ستكون هناك مشكلة كبيرة في المستقبل اذا كان هناك جيل كامل غير متعلم على الاطلاق. نستطيع ان نرى ذلك في المستشفى على سبيل المثال. لدينا ممرضات مؤهلات حالياً لكن ليس هناك تلميذات ممرضات فلا توجد نساء حالياً تحت التدريب. ان أصغر ممرضة مؤهلة هي في الخامسة والثلاثين وهذا ينذر بمشكلة كبيرة في المستقبل". في أفغانستان تمنع "طالبان" الفتيات من التعلم بعد سن الثامنة والمواد الدينية هي أساس التعليم في تلك المرحلة. وسمحت الحركة ببعض المدارس المنزلية بشكل محدود في حين تقوم احدى المنظمات المعارضة لطالبان بالتدريس بشكل سري. اذ يتم تغيير مكان التعليم في كل مرة ويطلب من الفتيات عدم اعلان وجهتهن اذا سئلن عن ذلك. يتحدث محمد فاضل وهو أستاذ الشريعة في جامعة كابول عن تدمير الكثير من المدارس والجامعات خلال الحرب ويروي كيف ان طلاب الطب يدرسون بشكل نظري لعدم توافر المختبرات: "نحن لا نمنع التعليم للاناث ابداً لكن الشروط لم تهيأ بعد. لا امكانات لدينا لفتح جامعات مستقلة للفتيات، لقد جاهدنا عشرين عاماً لتطبيق الشريعة الاسلامية ولو استمر النظام التعليمي كما كان في السابق لما كنا حصلنا على شيء. لقد دمرت المدارس في الحرب ونحن لا نملك أمكنة كافية للرجال فكيف نعطي النساء؟ هناك مدارس خاصة في جميع المساجد للبنات الصغيرات و"الإمارة الإسلامية" تؤكد على إرسال هؤلاء البنات الى المساجد لكن نحن في حالة طارئة ولا نستطيع ان نعطي ما تعطيه الدول الاخرى. علينا ان نعالج الاولويات وبعد ذلك اذا وجدنا الفرصة نعالج هذه الأمور أيضاً". المخاوف من جيل أمي من النساء لا يقلق كثيراً قادة حركة "طالبان"، يقول ستانكازي: "ان الحكومة تركز الآن على الحرب لكن ما ان تنتهي هذه الحرب وتملك الحكومة الوقت فستركز على هذه الأمور. لقد حدث ذلك لنا من قبل، فنحن لم نرد ان يدخل الروس الى بلدنا لكنهم دخلوا ولم نرد ان تدمر بلدنا لكنها دمرت، والآن الامر نفسه يتكرر، فإذا كان على جيل أو جيلين أو ثلاثة ان يعانوا فعليهم ان يعانوا، انه وضع خارج عن سيطرتنا". في باكستان حيث يعيش قرابة المليوني لاجئ ونازح أفغاني تروي الأفغانيات حكايات كثيرة لا يستطعن البوح بها في أفغانستان حيث القيود أكبر وأقسى من محاولة التمرد عليها. مريم تعيش في بيشاور منذ سنتين ونصف بعدما هربت من كابول. بدت بحاجة ماسة لأن تتحدث كما لو انها من النادر ان تجد احداً يستمع اليها. تقول انها بحاجة لأشهر عدة لتروي كل ما عانته "لا أدري من أين أبدأ، كنا في كابول نجلس نحن النساء من العائلة نفسها وكان الجميع لديه ما يقوله، كل عائلة لديها فقيد أو فقيدة، كنا نجلس معاً ولم يكن يسمح لنا بالخروج، فقط نجلس ونتحدث لساعات طويلة عن الحياة التي نعيشها في كابول". مريم فقدت زوجها قبل ثلاث سنوات وهي تعيش مع ابنتيها في أحد البيوت الطينية المخصصة للاجئين الأفغان. تروي كيف هاجم عشرة من رجال "طالبان" منزل أخيها، طلبوا السلاح وسألوا عن أخيها وزوجها بعد وشاية بأنهم يخفون سلاحاً. لم يجدوا أي سلاح لكنهم أخذوا زوجها وأخاها ولم يعد أي منهما وما زال مصيرهما مجهولاً. اغتصبوا زوجة أخاها وأخذوا ابنته التي اختفت بعد الحادثة. "الحياة تحت حكم "طالبان" تعني اننا لا شيء فلا قيمة للحياة عندهم. يقولون انهم مسلمون لكن هذا ليس بالاسلام فنحن مسلمون منذ القدم ولم يكن هذا حالنا يوماً، لم يعد هناك شيء سواء للرجال او للنساء، لا مدارس ولا عمل والاطفال الذكور يضربون الاناث اذا لم يرتدين البرقع". تعمل مريم في صنع السجاد وتنظيف البيوت وبناتها يذهبن الى المدرسة. انها فقيرة والمال الذي تتقاضاه ضئيل جدا،ً وأصابها من جراء العمل لساعات طويلة مرض في ظهرها لكن العلاج مكلف ولا طاقة لها عليه. فعمدت الى التسول وتقول: "كان المجاهدون أفضل نوعاً ما من "طالبان" لأنهم كانوا يسمحون للنساء بالخروج ولكن الآن حتى الرجال لديهم مشاكل وهم عرضة للضرب مهما كان السبب بسيطاً. اذا خرجنا للتسول ومددنا أيدينا يضربوننا، فحين تظهر يد المرأة كان الضرب هو الجزاء لأنها ستتعرض لأنظار الرجال". الهرب اليومي الى باكستان لا يعني ان القيود على الأفغانيات ستخف بالضرورة، فالكثير من الأفغان نقلوا مفاهيمهم وقناعاتهم الى باكستان واستمروا في ممارستها ورسّخ هذا الأمر الفرز في مناطق انتشار الأفغان. وتبدو الأفغانيات في التجمعات السكنية المعارضة لطالبان اكثر ارتياحاً في لباسهن وممارسة حياتهن اليومية من دون ان يعني ذلك خروجاً عن التقاليد طبعاً. وما منعت منه النساء من تعلم وعمل تحاول بعض الجمعيات الأفغانية تجاوزه عبر مدارس خاصة لتعليم الفتيات كمنظمة "راوا" النسائية المعارضة لطالبان والتي أنشأت مدارس للفتيات في عدد من المخيمات الأفغانية وهي تعمل بالخفاء خوفاً من تعرض ناشطاتها الأفغانيات للأذى وقد قتلت فعلاً رئيسة الجمعية وتعرضت فتيات منها للتهديد بالقتل. الوجوه التي تصادفها في تلك الشوارع والأزقة الطينية في بيشاور تشعرك بقساوة التجارب التي مر بها هؤلاء اللاجئين. احدى الممارسات التي لا تخلو رواية او واقعة أفغانية من ترديدها، ما عانته الفتيات الصغيرات والشبان في أحيان كثيرة. فقد مارست المجموعات الأفغانية المسلحة عمليات خطف واغتصاب بشكل منظم وللبيع في أسواق البغاء. هذا الأمر هو أكثر ما كان يخيف مريم بعد ان تكرر حدوثه مع عائلة أخيها فكانت تخاف على بناتها من المصير نفسه، فتقول: "إنهم متوحشون، لا يحترمون كبار السن ولا يستمعون لأحد ويفعلون ما يريدون، كنت قلقة في أفغانستان حيث كنت أرى وأسمع ما يحدث مع الفتيات وكانت ابنتاي تكبران أمامي وشكلهن حسن. خفت ان يأخذوهن فأنا فقيرة ولا معيل لي. لم أكن مرتاحة أما الآن هنا في باكتسان فأنا مطمئنة وبناتي يذهبن للتعلم وآمل ان يخدمن بلدهن يوماً". ترفض مريم فكرة العودة الى أفغانستان في ظل حكم "طالبان" وتروي بحرقة كيف كان عناصر "طالبان" يدفعون بنساء متخلفات عقلياً الى الطرقات وكان عمل هؤلاء النساء ضرب اي مرأة في الشارع اذا أظهرت وجهها ويديها."لقد رأيت هذه المرأة المريضة عقلياً في الشارع تضرب امرأة اخرى فأتى طالب وضربها وقال هذه زوجتي. كان يريدها ان تضرب باقي النساء لا زوجته، كان لكل طالب أربع زوجات. إنهم يريدون ان تدفن النساء تحت الوحل ولا يريدون ان تكون النساء مرئيات من قبل أي شخص فهم لا يعتبرون ان المرأة انسانة". الأفغانيات الهاربات الى باكستان هن في الغالب فقيرات وغير متعلمات، لا يتكلمن الا البشتونية ولا يفهمن الأوردو لغة الباكستانيين، كل هذا دفع بكثير من الهاربات الى بيشاور الى امتهان الدعارة. من بين هؤلاء سهيلة التي أتت الى باكستان بعد حكم "طالبان" بسنتين. كانت متزوجة ولديها ثلاث بنات. لم تكن تعمل وبالكاد تستطيع ان تكتب اسمها. زوجها قتل في أحد أسواق كابول بعدما قصفت المنطقة بصاروخ. إحدى بناتها وكانت في التاسعة من عمرها اغتصبت وقتلت ووجدت جثتها مرمية على الطريق. بعد موت زوجها بقيت سنة تتسول في كابول. ذهبت يوماً الى أحد مراكز توزيع الطعام وهي ترتدي البرقع وحين رفعته لتأكل رآها ثلاثة من المسلحين. "أخذوني في عربة الى أحد البيوت وأتى رجال آخرون، اغتصبوني ثم تركوني هناك خلال الليل وبعدها تركوني أذهب. بعدها استمريت في التسول وكانت هناك امرأة مشهورة تدعى كوكو تدير منازل دعارة في كابول. تقصدت مصادفتي مرات عدة في الشارع فهي تسعى وراء الفقيرات لجذبهن الى عالمها، في الطريق حاولت الرفض لكنها قالت لي ستحصلين على المال وتعودين في المساء الى منزلك وتطعمين أولادك. كنت خائفة على بناتي فقد كن صغيرات. ذهبت معها الى منزلها وهناك كان يأتي مسلحون وكانوا يقولون لنا ستفعلون ما نطلبه وإذا طلبتم مالاً سنرجمكن.. كانوا متوحشين ويعاملوننا كالحيوانات. بقيت في منزل تلك السيدة تسعة أشهر وهناك كان معي أكثر من عشرين امرأة معظمهن كن من الأرامل كما كانت معنا بعض الفتيات اللواتي تم خطفهن. من تدخل الى هناك لا يمكنها العودة. أصبت بالمرض فقالت لي كوكو لا يمكنك ان تبقي وطردتني من البيت". سهيلة هربت بعد طردها وبناتها الى بيشاور حيث ما زالت تمارس الدعارة وهي تقول لابنتيها انها تعمل في تنظيف البيوت ولا تدع أحداً يدخل منزلها الذي تسعى دائماً لتبديله حتى لا يلاحقها أحد. "أنا أشعر بالذنب وبأنني لست إنسانة لكن علي ان أفعل ذلك لأعيل بناتي. أنا لا أنظر لمن يفعل بي ذلك وأحياناً كثيرة أغطي وجهي". وغير بعيد عن منزل سهيلة تنتظر مريم عودة ابنتيها من المدرسة فتقبلهن وهي دامعة، فالماضي القريب بالنسبة اليها هو ذكريات قاتمة وموحشة والأمان النسبي المتوافر في منزلها الطيني ليس مصدراً لطمأنينة كاملة. تختم كلامها قائلة: "جعلونا نترك كل ما لدينا أخذوا كل ما يمكن ولم يتركوا لنا ما نحيا من أجله.. كرامتنا وحياتنا لا تعنيهم... لم يعد هناك شيء..."