استشهاد أربعة فلسطينيين في غارة إسرائيلية على مدينة غزة    "الشركة السعودية للكهرباء توضح خطوات توثيق عداد الكهرباء عبر تطبيقها الإلكتروني"    العضلة تحرم الأخضر من خدمات الشهري    كافي مخمل الشريك الأدبي يستضيف الإعلامي المهاب في الأمسية الأدبية بعنوان 'دور الإعلام بين المهنية والهواية    د.المنجد: متوسط حالات "الإيدز" في المملكة 11 ألف حالة حتى نهاية عام 2023م    الأمير سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف.    النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع ووزير الداخلية بالكويت يزور مركز العمليات الأمنية في الرياض    النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع ووزير الداخلية بدولة الكويت يزور الهيئة الوطنية للأمن السيبراني    «الحياة الفطرية» تطلق 66 كائناً فطرياً مهدداً بالانقراض في محمية الملك خالد الملكية    فعاليات يوم اللغة العربية في إثراء تجذب 20 ألف زائر    أمين عام رابطة العالم الإسلامي يلتقي بابا الفاتيكان    الدفعة الثانية من ضيوف برنامج خادم الحرمين يغادرون لمكة لأداء مناسك العمرة    لا تكتسب بالزواج.. تعديلات جديدة في قانون الجنسية الكويتية    الشرقية تستضيف النسخة الثالثة من ملتقى هيئات تطوير المناطق    تحت رعاية خادم الحرمين.. «سلمان للإغاثة» ينظّم منتدى الرياض الدولي الإنساني الرابع فبراير القادم    سلمان بن سلطان يدشن "بوابة المدينة" ويستقبل قنصل الهند    رضا المستفيدين بالشرقية استمرار قياس أثر تجويد خدمات "المنافذ الحدودية"    افتتاح إسعاف «مربة» في تهامة عسير    بلسمي تُطلق حقبة جديدة من الرعاية الصحية الذكية في الرياض    وزارة الداخلية تواصل تعزيز الأمن والثقة بالخدمات الأمنية وخفض معدلات الجريمة    "مستشفى دلّه النخيل" يفوز بجائزة أفضل مركز للرعاية الصحية لأمراض القلب في السعودية 2024    وزارة الصحة توقّع مذكرات تفاهم مع "جلاكسو سميث كلاين" لتعزيز التعاون في الإمدادات الطبية والصحة العامة    أمانة جدة تضبط معمل مخبوزات وتصادر 1.9 طن من المواد الغذائية الفاسدة    نائب أمير مكة يفتتح غدًا الملتقى العلمي الأول "مآثر الشيخ عبدالله بن حميد -رحمه الله- وجهوده في الشؤون الدينية بالمسجد الحرام"    وزير العدل: مراجعة شاملة لنظام المحاماة وتطويره قريباً    المملكة تؤكد حرصها على أمن واستقرار السودان    استعراض أعمال «جوازات تبوك»    أمير نجران يدشن مركز القبول الموحد    رئيس جامعة الباحة يتفقد التنمية الرقمية    متعب بن مشعل يطلق ملتقى «لجان المسؤولية الاجتماعية»    وزير العدل: نمر بنقلة تاريخية تشريعية وقانونية يقودها ولي العهد    البنوك السعودية تحذر من عمليات احتيال بانتحال صفات مؤسسات وشخصيات    متحف طارق عبدالحكيم يحتفل بذكرى تأسيسه.. هل كان عامه الأول مقنعاً ؟    مدرب الأخضر "رينارد": بداية سيئة لنا والأمر صعب في حال غياب سالم وفراس    جمعية النواب العموم: دعم سيادة القانون وحقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب    القتل لاثنين خانا الوطن وتسترا على عناصر إرهابية    1% انخفاضا بأسعار الفائدة خلال 2024    العلوي والغساني يحصدان جائزة أفضل لاعب    ماغي بوغصن.. أفضل ممثلة في «الموريكس دور»    ضمن موسم الرياض… أوسيك يتوج بلقب الوزن الثقيل في نزال «المملكة أرينا»    الاسكتلندي هيندري بديلاً للبرازيلي فيتينهو في الاتفاق    لمن القرن ال21.. أمريكا أم الصين؟    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    لا أحب الرمادي لكنها الحياة    استعادة القيمة الذاتية من فخ الإنتاجية السامة    تجربة مسرحية فريدة    منادي المعرفة والثقافة «حيّ على الكتاب»!    إن لم تكن معي    أداة من إنستغرام للفيديو بالذكاء الإصطناعي    الطفلة اعتزاز حفظها الله    أجسام طائرة تحير الأمريكيين    شكرًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رجل الرؤية والإنجاز    الجوازات تنهي إجراءات مغادرة أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية    "القاسم" يستقبل زملاءه في الإدارة العامة للإعلام والعلاقات والاتصال المؤسسي بإمارة منطقة جازان    أكياس الشاي من البوليمرات غير صحية    ضيوف الملك يشيدون بجهود القيادة في تطوير المعالم التاريخية بالمدينة    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    لمحات من حروب الإسلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أفغانستان ... بلاد الحروب ومتحف الإثنيات . المرأة الافغانية غير مستكينة تحت نقابها والحكومة تسعى الى صورة مختلفة لها الحلقة الأخيرة
نشر في الحياة يوم 10 - 02 - 2002

النساء العابرات في الطرق، والراكبات خلف أزواجهن وأشقائهن في المقعد الخلفي من الدراجة الهوائية في شوارع كابول، لا يبدو ان النقاب قد حد من نبض اجسامهن، فهن على رغمه منعتقات من ما يحجبه هذا القماش الأزرق الذي خلفته طالبان وراءها، والذي يصاحب محاولات خلعهن إياه حيرة وتردداً وخوفاً.
المرأة الافغانية ليست ساكنة تحت نقابها، فغالباً ما تشعر ان ثمة نافذة فيه تطل منها، ربما كان اللون الأزرق غير الكثيف هو ما يشعرك دائماً بأن ثمة حياة وخفقاناً تحت هذا النقاب، فالنقاب الأفغاني على رغم ستره الجسم كله، يبقى رقيقاً، وغير قاطع، وقماشاته المتداخلة والمتقاطعة تسمح بتفلت اجزاء من الجسم منه. الصحافية غير الافغانية التي ارتدته محاولة اختبار ما تشعر به الافغانيات تحته، قالت انه قاس، وان القماش في حال كان رديئاً سيصيب الجسم بالحكاك، وأشارت الى ان ذلك القماش المخرم الذي يحجب العينين غالباً ما يصطدم برموش العين فيبعث ذلك على الضيق، كما لفتت الى ان المشهد منظوراً إليه من تحت النقاب مختلف، اذ تشوبه غمامة رمادية، وهو أكثر بطئاً، وأحياناً تشعر انه غير حقيقي، فقد تعتقد ان الحجم أو الشيء المرتسم أمامك بعيد ولا تستطيع لمسه أو حمله، أو التحدث معه.
طبعاً، يبقى هذا الكلام أقرب الى سياحة من تحت النقاب، وربما أخفى هذا النقاب ما هو أقسى منه، ولكن المرأة الأفغانية اعتادته وأحياناً ألفته، وصارت الحياة من دونه أمراً بالغ الوقاحة.
منذ هزيمة طالبان والى اليوم لم تتمكن النساء الأفغانيات من خلع النقاب، حتى أولئك الشديدات الرغبة بخلعه لم يفعلن ذلك بعد. ثمة عالم من المشاعر والأحاسيس والرؤى اكتسب من تحت النقاب، فصار هذا الأخير مرآة النظر والعبث وأحياناً الاغواء.
حياة داخل النقاب
تقول قمر البنات، وهي سيدة أفغانية تعمل في مركز لتدريب النساء، بسخرية ولكن بشيء من الغبطة "ان للنقاب حسناته، فأحياناً تحتاج الى ان لا يعرفك احد وأنت تمر من قربه"، وعند سؤالها عن الذي تراه من خلف النقاب تبتسم وتقول "نرى اشخاصاً نعرفهم ولا يعرفوننا، في عهد الحكومة الطالبانية لم نكن نتجرأ على تعريف من نلتقيه بأنفسنا حتى لو كانوا أزواجنا أو اشقاءنا، أما الآن فالأمر مختلف، اذ نستطيع ان نكشف هوياتنا لمن نلتقيه". وتضيف: "من الصعب على الرجال معرفة هوية المرأة من تحت النقاب، فأحياناً كثيرة كنت أمرّ من جانب زوجي ولم يكن يعرفني".
لكن مشكلة المرأة الافغانية أعمق من أسر النقاب، اذ هي تعرضت وبشكل منهجي الى عملية الغاء تدريجي، حتى صارت كائناً سلبياً تناقصت أدواره يوماً بعد يوم. وطبعاً كان لما أقدمت عليه طالبان من الغاء للمرأة، مقوماته الثقافية في المجتمع الافغاني، فالمرأة موجودة في مكان هجاسي في الوجدان الافغاني. الايديولوجيا الاجتماعية الافغانية غالباً ما تهجس بمخاوف تطاول النساء، ومع الوقت تشعر ان هذا الحضور الكثيف، وإن كان سلبياً فإنه يشير الى تحفز المرأة الدائم هناك. عندما يتحدث الأفغان عن مدى تجاوبهم مع ما يطلبه الغرب منهم يستحضرون بسرعة، حرصهم على الحفاظ على شخصية المرأة الأفغانية، وعندما تسألهم عن ملكهم أمان الله، يقولون انه على رغم ايجابياته فقد سمح للمرأة بالسفور، وبالوظيفة وبالعمل. وهم حين ينتقدون طالبان لا يشيرون في الغالب الى اقدام الحركة على ما أقدمت عليه في موضوع المرأة. هذا من جهة، ولكن من جهة اخرى ثمة ماض قريب كان للمرأة فيه دور ما، هذا الأمر قد يساعد على انطلاقة جديدة. فالمرأة موجودة في الشارع وحيدة وإن منقبة، وسبق لها ان عملت واختلطت بالرجال، وطالبان لم تتمكن من حذف هذه التجارب على رغم محاولاتها. ويبدو أن القادة الطالبان غير محترفين في مجال العمل التوتاليتاري، ولهذا الجهل احياناً مفاعيل إيجابية. فهم مثلاً منعوا المرأة من العمل ولكنهم لم يمنعوها من التسول، هذه المعادلة تشكل عبرة تستعمل دائماً في مجال إدانتهم حتى من قبل أبناء عمومتهم في الأيديولوجيا من عناصر تنظيمات المجاهدين.
التسول آفة النساء
وظاهرة تسوّل النساء، إحدى اكبر الآفات الاجتماعية في كابول، وهي شملت نساء متعلمات، وموظفات سابقات. ويبدو ان المسافة بين التسول والمواطنة في افغانستان ليست طويلة، إذ لطالما تسمع عن نساء منعهن طالبان من مزاولة اعمال التعليم مثلاً فلجأن مباشرة الى التسول، ولا يعبّر عن هذا الانتقال السريع بشيء من التردد، وتشعر أحياناً ان الأمر كما يحكيه الأفغان سياق طبيعي وتصرّف غير مدان.
وآفة التسول يحتكرها النساء والأطفال في كابول، وهي آفة معيقة ومعرقلة، فنزولك الى الشارع سيكون مصحوباً بذلك الضجيج الذي يحدثه هؤلاء من حولك ومن التعليمات التي يوجهها إليك مرافقك الأفغاني بعدم التجاوب مع المتسولين، إذ ما ان تبدي تجاوباً سيرتد عليك بأن يتعقبك متسولون آخرون بأعداد مضاعفة. نساء يتسولن ولكنهن يرتدين البراقع، انها المعادلة الطالبانية ثقيلة ومولدة تساؤلات كثيرة، فتلك المرأة التي يظهر معصمها وهي تمد يدها طالبة المعونة، هل كان يسمح لها بإظهار معصمها في أيام طالبان؟ ثم انك من النادر ان تلاحظ تجاوباً مع هؤلاء النساء والأطفال، خصوصاً في ظل الفقر المدقع الذي يعيشه جميع الأفغان، فما سر هذا الإصرار على التسول؟ وهذه الأعداد الكثيفة من المتسولات والمتسولين الأطفال لن تكفيهم بالطبع الدراهم القليلة التي قد يحصلون عليها اثناء تجوالهم بالشوارع فماذا يوفرون؟ ثمة سر وراء القبول الاجتماعي لظاهرة التسول عليك البحث عنه. طبعاً ثمة اسباب موجبة، منها تفشي ظاهرة الأرامل، التي ساهمت في تكثيفها الحروب المتواصلة، إذ أحصت احدى المؤسسات الاجتماعية في تسع مناطق من كابول، من أصل 19 منطقة تشكل المدينة، اكثر من عشرة آلاف أرملة عليهن إعالة عائلاتهن في ظل منع الطالبان المرأة من العمل. ومن الأسباب الموجبة المؤدية الى التسول ايضاً ظاهرة اصحاب الإعاقات والتشوهات التي أحدثتها الحروب وتضم نحو مليون أفغاني. اما اقتصار التسول على النساء والأطفال دون الرجال فمن المرجح ان اسبابه ثقافية، وهي من ذلك النوع الذي غالباً ما يهب المثقفون الأفغان للدفاع عنه فور طرح قضايا متعلقة بالغزو الثقافي.
لكنك تشعر ان ثمة اسباب اخرى تسهل الاقدام على التسول، وتساعد على عدم اعتباره نقيصة اجتماعية. قد تقترب من الجواب عندما تشرع في رصد مفاهيم "الخير" و"الإعانة" التي أدخلها الأفغان الى وعيهم وجعلوها جزءاً من تبادلاتهم، مما سهل تقبل التسول على اساس انه جزء من هذه الدورة الحياتية، لكن الأمر الحاسم في موضوع سهولة لجوء المرأة الى التسول هو ذلك النقاب الذي يمكنها من اخفاء هويتها. وطبعاً يبقى تعميم ملاحظة قبول التسول مبالغة، إذ لطالما تسمع من يدينها ومن يدعو الى معالجتها.
النساء صامتات في شوارع كابول، على رغم حضورهن في ازدحاماتها، والأصوات التي تبعثها الازدحامات هي اصوات الرجال فقط، أو هذا ما تعتقده، فكيف لأصوات من غطى النقاب اجسامهن ان تخرج من تحت قماشه؟ هذا الأمر يمكن لك ان تختبره في صوت المتسولة التي تلاحقك، والتي حين تطلب منك مساعدتها، تطلبها بصوت يصل الى أذنك صدى خفيض له. هذا الأمر يجعلك اكثر ميلاً الى التجاوب مع طلبها، إذ يتضاعف تعاطفك مع الحال التي تعيشها، وتشعر ان ذلك الصوت الغائر وغير الملحّ انما يئن تحت حاجة فعلية وحقيقية. أما الأطفال المتسولون فمعظمهم فقدوا أطرافاً من اجسامهم خلال حرب ما، ما يجعل مقاومة التجاوب معهم من الأمور الصعبة التي يطلب منك مرافقك بصرامة الاتيان بها.
همس الافغانيات
ويبدو ان اصوات النساء الخفيضة خصلة اجتماعية على المرأة الالتزام بها، إذ لا تسمع طوال اقامتك في كابول صوتاً يذكرك ان ثمة نساء يعشن على هذا الكوكب، حتى اولئك غير المنقبات اللواتي تصادفهن في اماكن عملهن او في الفندق، لا يسمعنك أصواتهن، وهن يتحدثن الى بعضهن بعضاً مقربات آذانهن لكي يلتقطن الصوت لوحدهن. هذا الأمر يشعرك من جديد برغبة في ان تكون طرفاً في محادثتهن هذه، فما هي المواضيع التي تحتمل التحدث بأصوات خفيضة الى هذا الحد، وكيف يجدن الاستمرار بالالتزام بخفض اصواتهن.
لم تخلع المرأة الأفغانية البرقع على رغم هزيمة طالبان. احياناً يفسر الأفغان هذا الأمر بالحياء، وأحياناً يدافعون عن البرقع بصفته شعيرة اجتماعية محلية. ولكن ضيفة مختار مذيعة نشرة الأخبار باللغة الفارسية في الإذاعة الأفغانية تقول انها تخاف خلعه، وتضيف "لا أستطيع الخروج من المنزل من دون البرقع، فأنا أخاف ان يعترضني احد، أو أن يرشقوني بتلك المادة المشبوهة. أنا ارغب بخلع البرقع، فأنا لم أكن أرتديه اصلاً قبل حكم طالبان".
نساء عدن الى الادارة
عادت الكثيرات من النساء الأفغانيات الى اعمالهن في الإدارات العامة والوزارات، وجلسن على مكاتبهن غير منقبات. وتقول حنيفة المذيعة "كنت اعمل سابقاً قبل الظهر في الإذاعة وبعد الظهر مدرسة. خلال حكم طالبان فقدت الوظيفتين وصرنا نعيش على مساعدة الأهل والأقارب، فزوجي مهندس ولكنه فقد عمله ايضاً". وتضيف "عملي كمذيعة ما زال هاجساً إذ من الصعب علي الخروج ليلاً، على رغم ان زوجي لم يمانع". ومذيعات راديو كابول كغيرهن من الموظفات الأفغانيات العائدات الى اعمالهن، يخعلن البرقع ما ان يصلن الى مكاتبهن، ولكنهن ما زلن حائرات بأجسامهن ووجههن خارجه، فيظهرن خجلاً واضطراباً ملحوظين، وتظهر عليهن هيئة الارتباك عند مواجهتهن الرجال من مدرائهن. اما المدراء والموظفون الرجال، ففي تقديمهم لزميلاتهم النساء وحديثهم عنهن شيء من الاحتفال بعودتهن، ورحابة ربما زاد منها شعورهم بأن أنوثة ما ستصيب مكاتبهم الفقيرة والقاسية، وأن تلك النساء سيلطفن من دون شك ذلك الإيقاع المضجر والكئيب الذي يعيش فيه موظفو الإدارة الأفغانية.
الموظفات في المصرف المركزي بطيئات في اعمالهن. من الواضح انهن باشرن العمل بعد انقطاع طويل، فتلك السيدة التي تعمل على الآلة الطابعة لا تعمل بالسرعة التي تعمل فيها الطابعات عادة، ولكنك لا تشعر بالضيق، كما لا يشعر بذلك الزبائن الآخرون المنتظرون.
ويبدو ان الحكومة الموقتة ادرجت في برامجها عودة سريعة للمرأة الى ميادين العمل. وهذا ليس مرده الى شعور الحكومة بالمشكلات الناجمة عن حجب المرأة وعن الظلم الذي لحق بها، بقدر ما يعود الى إدراك هذه الحكومة ان صورة افغانستان المطلوب تعديلها تتضمن ذلك الإجحاف الكبير الذي ألحقته طالبان بالمرأة. فيجهد الكثير من المسؤولين الحكوميين لتعديل هذه الصورة ولعدم الصاقها بالمجتمع الأفغاني، وفي المقابل فإن احدى العلامات الرئيسة التي يبحث عنها القادمون الى افغانستان من الغرب، هو اثر طالبان على المرأة. ولعل تجاوب الحكومة السريع مع رغبات العالم في تغيير صورة المرأة الأفغانية، هو من باب إدراك هذه الحكومة لحاجة افغانستان لتسويق صورة مختلفة. وفي هذا السياق يأتي تعيين وزيرتين في الحكومة الموقتة، كما يأتي في هذا السياق العودة السريعة للموظفات الى الإدارات العامة. ولكن هذا التجاوب قد يأخذ اشكالاً غير مقنعة في كثير من الأحيان. فوزيرة شؤون النساء في الحكومة الموقتة لطالما اشتكت من انها لا تعرف من اين تبدأ بالعمل، وأن المهمات الملقاة على عاتقها لإعادة المرأة الأفغانية الى المجتمع تتطلب امكانات دولة كاملة.
ووجود وزيرتين في الحكومة الأفغانية امر مفارق جداً على رغم ما يحمله من إيجابيات. إذ لطالما تشعر وأنت في افغانستان بغرابة ان تضم حكومة هذا البلد وزيرات. هذا الأمر لم تشهده دول وضع المرأة فيها متقدم بأشواط على وضع المرأة الأفغانية. وهذه المفارقة هي بالنسبة الى الكثير من الأفغان سبب لإدانة الحكومة ولتعيير كارزاي بعضوية نساء لحكومته.
صورة مختلفة
ولتقدم حكومة كارزاي صورة مختلفة للمرأة الافغانية، خصصت كلية تابعة للجامعة الافغانية للطالبات، وفي هذا رد على منع طالبان النساء من التعلم. اطلق على الكلية اسم جامعة امهات المؤمنين، وهذه التسمية دفعت بصحافية غربية الى الاحتجاج امام احد المسؤولين الحكوميين، اذ قالت الصحافية ان النساء عُرِّفن من جديد بصفتهن امهات للرجال، في حين تحتاج المرأة الى ان تشعر بأنها هي نفسها محط اهتمام الحكومة، لا بصفتها اماً او اختاً. المسؤول الحكومي ابتسم للصحافية الغربية طالباً منها اعطاء حكومته فرصة لتقليب المصطلحات واستبدالها حيث يجب الاستبدال.
وكلية البنات كما يسميها اهل كابول هي الوحيدة من بين كليات الجامعة الافغانية اعيد طلاؤها واستبدلت لافتة التعريف بها، وهي اليوم تنتظر انتهاء فصل العطلة الشتوية حتى تباشر استقبال الطالبات. ولكن احداً لا يعلم كيف ستحل ادارة هذه الكلية معضلة عدم تدرج فتيات كابول وشاباتها في نظام دراسي يؤهلهن لدخول الجامعة، ويرجح المسؤولون اقتصار القبول على الطالبات اللواتي انقطعن عن الدراسة الجامعية بعد ان كن باشرنها قبل حكم الطالبان. ثمة امر آخر لم يوضحه المسؤولون، ويتمثل في ان الكليات عادة تسمى بأسماء الاختصاصات التي تدرسها، ولكن هذه الكلية سيكون اختصاصها "البنات"، فهل ثمة مناهج وتخصصات خاصة بالبنات. الخطوة الاهم بحسب الحكومة هو الاعلان عن السماح للمرأة بالعودة الى الجامعة، والخطوات الاخرى ستتبعها.
الترجمة الحرفية لمركز اعادة تأهيل النساء في شارع وزير اكبر خان في كابول هي "مركز آريانا لاعادة تربية النساء". المركز مؤلف من طبقتين، وأعيد تأهيله فور مغادرة الطالبان. اذ تقول مديرته شفيقة معابر ان الحركة اقفلت المركز الذي تأسس سنة 1913 وصادرت معداته وحولته لاحقاً مركزاً لها.
وبعد اغلاقه كان المركز يقوم بدوره، ولكن في المنازل. هذا الأمر تسمعه من كثيرات من الناشطات النسائيات في كابول، ولكنك لا تجد جواباً عن ماذا كانت النساء يعملن في منازلهن، خصوصاً ان وظائف المراكز النسائية المقفلة في عهد الطالبان هي تعليم الخياطة وصناعة السجاد والكتابة على الآلة الطابعة. ولكن فعلة تعليم النساء في منازلهن تحاكي الروايات التي نقلت عن المجتمع الافغاني في ايام طالبان، ولهذا تشعر بأن محدثيك من الناشطات الافغانيات غالباً ما يستهويهن تقديم انفسهن على هذا النحو.
تتوزع انشطة مركز آريانا على تعليم صناعة السجاد والخياطة وتربية النحل والدواجن، وفي الموسم المقبل ستبدأ النساء المسجلات في المركز بتعلم الكومبيوتر الذي خصصت له في المركز غرفة كبيرة، وضعت في انحائها آلات طابعة ربما كانت هي ما تقصد المسؤولة انه أجهزة كومبيوتر.
النساء في غرف المركز قليلات، اذ يغلب على هذه صفوف تعليم الاطفال، فيجلس هؤلاء على الارض، وهم من اعمار متفاوتة وقد يصل الفرق في العمر بين التلميذ وزميله الذي يجلس بقربه 10 سنوات. اما المدفأة التي تتوسط قاعة التدريس فهي مطفأة على رغم الصقيع الذي يصفع وجوه الاطفال. ثمة صفوف مختلطة، جلست فيها شابات ونساء الى جانب فتية وأطفال. وتلك الشابات وضعن على رؤوسهن مناديل رقيقة فظهرت خصلات من شعرهن، وهن يخفينها فور فتح المدير باب القاعة.
اما في قاعة تعلم الخياطة، فجلست نساء خلف ماكينات الخياطة شارعات في خياطة ذلك النقاب الازرق الذي حجب المرأة الافغانية، والذي قالت مديرة المركز ان من مهمات مركزها مساعدة المرأة على تجاوزه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.