أقوى الجيوش، وأرفع الأوسمة، وأنجح المناورات. وأحدث السيارات، واليخوت والطائرات. وأفصح السفراء، وأجمل السفارات والمواقع والسكرتيرات. وأفخم الصالات، والفنادق والمفروشات، وأشهر المأكولات والمشروبات. وأجود أنواع السيجار والتبوغ، والحقائب والقبعات. وأدق الساعات والميكرفونات، ووسائل التخاطب والاتصالات. وأكبر دور النشر والترجمة والتوزيع، والطباعة الفاخرة والورق الصقيل. وأطول الشوارع واليافطات، والشعارات. ثم أحدث الألبسة الرجالية والنسائية، من الفرو والسموكن، إلى الجينز المرقع أو الممزق "عمداً" فوق الورك أو عند الركبتين. *** تحديث الإدارة، عولمة الاقتصاد مكافحة الفساد في الدوائر، والتسوّل في الشوارع، والجرذان في الحقول. تحسين الأجور، وتثبيت الأسعار، والزبائن والأطباق على الموائد. مزارع تعاونية، بيوت بلاستيكية، تروى بالرش، أو التنقيط، أو بالراحتين. سينما، مسرح، تلفزيون، فيلم السهرة، تمثيلية الأسبوع، تشويق، إثارة، ورسوم متحركة، وبرامج أطفال، ومنوعات، ومسابقات، وجوائز نقدية، أو رحلات مجانية لكل عواصم العالم. ورياضة، ورياضيون، ودورات آسيوية، وافريقية، ومتوسطية. *** وطب عربي، وصيني، ومعالجة فيزيائية. واستنبات شعر، وأظافر، وأسنان. وزراعة القلب، والكبد، والكلى، والشرج. *** نهضة عمرانية، سياحية، جنسية. بنى تحتية وفوقية. جسور متحركة، ومراكز تسوق، خدمات مثالية، أحواض زهور، أدراج كهربائية، ودورات مياه عمومية وبرلمانية. وأخيراً: برلمانات على الطراز الإسلامي... القبطي... النبطي، القوطي، البيزنطي، الفينيقي، الإغريقي... وطنافس شرقية، وسجاد تبريزي، وجلد طبيعي، وستائر أندلسية، وتحف وآثار في الزوايا. ولكل عضو، طاولة، ومطرقة أطول وأقوى من مطرقة الرئاسة، وميكرفون، وزجاجة مياه معدنية، وباقة ورد بلدي أو هولندي، وباروكة شعر مستعار، كما هو معمول في مجالس اللوردات. وركن للصحافيين، وركن للتصوير التلفزيوني، وركن لاستجواب الوزراء، وركن للزوار والسياح، وتهوية وتدفئة مركزية. كل هذا لا يعني شيئاً بدون ديموقراطية. نعم ديموقراطية، وحرية تعبير، وأحزاب معارضة، ومقاطعات، وملاسنات، وتبادل تهم، وحتى لكمات تحت قبة البرلمان. وصحافة حرة، وإذاعات مستقلة، ونزع ولصق صور، وتوزيع بيانات، وإحراق دمى، واحتجاجات، واعتصامات، وتظاهرات، وخراطيم مياه، تحت قبة الأرض والسماء. إذ ماذا نفعل بأفخر أنوع الصابون المعطر، والمياه مقطوعة؟ *** وإلا سيكون انتسابنا، واشتراكنا في مناقشات مجلس الأمن، والأمم المتحدة، والمؤسسات التابعة لها ولغيرها، كاليونسكو، واليونسيف، والفاو، ودول الشمال والجنوب، والاتحاد العالمي للصحافيين، والمحامين، وحقوق الطفل، والمرأة، ولجان حقوق الإنسان، والحفاظ على البيئة، ووقف التصحّر، ومكافحة البطالة، وحرائق الغابات، وغسل الأموال، وغيرها من اللجان والمؤسسات كاشتراك المُنعم الأميّ بكبريات الصحف العامية، وأقلها اللوموند، ودير شبيغل، والنيويورك تايمز! *** فلبنان لم ينتصر على إسرائيل في جنوبلبنان، ذلك الانتصار المدوي، لأن المواطن اللبناني أكثر شجاعة من غيره من العرب. ولا، لأن حزب الله الذي لا ينكر أحد تضحياته المجيدة، أكثر تنظيماً وتسليحاً، وإحساساً بالكرامة وذل الاحتلال، أكثر من غيره من الأحزاب والمنظمات الأخرى، فسناء محيدلي، وخالد الأزرق، وغيرهما كثيرون ما زالوا في الذاكرة، بل لأن لبنان، على رغم كل ما مرّ به وعليه، ما زال يتمتع برمق من الديموقراطية وحرية القول والتعبير. ولذلك سيكيد له اخوته العرب، أكثر مما سيكيدون لإسرائيل في المستقبل، لأنه فتح عليهم باباً، يحاولون بكل قواهم البلاغية والعضلية، إغلاقه منذ سنين. وسيحاولون إلحاق أكثر من هزيمة به، وعلى أكثر من صعيد، انتقاماً منه لهذا التطاول والخروج على الصف العربي، مهما تظاهروا الآن بالفرح والحبور والتفاؤل. والأيام، وكامب ديفيد الثالثة، أو الرابعة، والتعتيم الإعلامي المشدد عليها بيننا...