ف. إس. نايبول: بلير لا لينين السير فيديا نايبول، المعروف على نحو اوسع باسمه الادبي والروائي: ف. إس. نايبول، هاجم بحدة رئيس حكومة بريطانيا توني بلير وشبّهه بقرصان يقف على رأس ثورة اشتراكية "تدمّر فكرة الحضارة في هذا البلد"، اي بريطانيا. المؤلف المولود في ترينيداد والذي اشتهر بكتبه الكثيرة، لا سيما منها "مساحة من ظلام" و"بيت للسيد بيسواس"، اتهم بلير بمحاولة تدمير فكرة "الثقافة الرفيعة" نفسها. كيف؟ عن طريق "تزعّمه ثقافة عاميّة عدوانية تحتفي بنفسها وبكونها عامية"، كما تحوّل كلمة نخبوية الى كلمة قذرة. "ففي كل يوم - كما قال نايبول - تسمع على الراديو وزيرا ما من هذه الحكومة المثيرة للاشمئزاز، يقول شيئاً معينا عن امور لم تعد حكراً على الاقلية المحظوظة. وهذا ما يدمّر فكرة الحضارة في هذا البلد". ولم تقف الآراء الرجعية لنايبول عند هذا الحد: فالعفن، كما زعم، انما ابتدأ مع حكومة 1945 العمالية لما بعد الحرب العالمية الثانية. فنحن "الآن في مواجهة ثورة اشتراكية كاملة، والشيء الغريب هو انها لا تقول بجعل الثقافة الرفيعة في عهدة الجميع". واذا لم يكن بلير من أسس هذه الوجهة فانه، اليوم، من يحمل الراية السوداء التي ورثها عن اسلافه العماليين. والسير فيديا 68 عاماً الذي نال لقب الفروسية الملكي البريطاني في 1990، كان زعم ان مداخلات "العمال الجدد" في ما خص الفنون انما اساءت الى سمعة بريطانيا في العالم، محذراً من ان الاقتصاد هو الذي سيدفع الثمن في النهاية. التعليق الابرز على ما قاله نايبول وبدا صادماً للاجواء الثقافية التقدمية والطليعية، هو ان الأديب الكبير لا بد يخلط بين بلير و... لينين! تحذيرات بيئوية البيئويون يقولون ان سخونة الجو كونياً أدت الى موت مئة الف شخص في السنوات الماضية، وانها تهدد باحداث هجرات ضخمة وامراض وفقر، وربما حروب. وقد كان للطقس المتطرف الذي تسبب به التسخين على نطاق كوني، ان ترك اسوأ الآثار على البلدان الفقيرة التي قد تسارع الى اتهام الغرب ب"العدوان الكربوني". صاحب هذا الكلام هو المؤرخ البيئوي ديفيد كايس في كتاب جديد له حيث يحلل كيفية تأثير التغيرات المناخية السابقة على الحضارات الانسانية، وما الذي يعنيه ذلك في ما خص المستقبل. فهناك، في رأيه، اجماع علمي على ان جوّ الأرض يغدو اشد حرارة، وربما كان ذلك نتيجة لكميات ثاني اوكسيد الكربون. فالتسخين يخل بعمل الانظمة الطقسية مفضياً الى اوضاع اكثر فاكثر تطرفاً من ضمنها الجفاف والفيضانات والاعاصير. وكانت السنة النموذجية على هذا الصعيد عام 1998 حين قاد ذوبان الثلوج الى مقتل اربعة آلاف صيني والف واربعمائة هندي والف باكستاني. كما قضى لاسباب مناخية اخرى خمسمائة فيليبيني والف وثلاثمائة بنغلادشي. وفي عموم بلدان اميركا اللاتينية مات اربعة عشر الف شخص. "وفيما ينحط العالم الثالث الى الفوضى - كما يكتب كايس - فان الغرب مرشح لأن يطلب لنفسه المزيد من الانفصال والعزلة. وهكذا سوف تنهار الاتفاقات التجارية وتتردى حركة التموين السلعي وقيمة البضائع المصنّعة الرخيصة الثمن. وهذا ما سوف ينتج تضخماً اعلى في البلدان المصنّعة". ثم ان البلدان المتخلفة التي لا تنتج الا 20 في المئة من مجموع ثاني اوكسيد الكربون، بينما تعاني معظم مشكلاته، مرشحة لأن يصيبها عداء حاد للغرب، بحسب المؤرخ. فكيف وان اقطاراً مثل جزر المالديف عرضة لأن تندثر كلياً اذ يطمرها البحر، بفعل عدم استعداد الغرب لتقليل انتاجه من ثاني اوكسيد الكربون. وهذا هو "العدوان الكربوني". الكلام اعلاه الذي يحمل بعض وجاهة، يندفع الى ذرى رؤيوية ودرامية لا تخفى مبالغاتها. الا ان التضخيم هذا ربما ساعد في خلق اجواء ضاغطة باتجاه حمل البلدان الصناعية على شيء من التغيير. لماذا "ألمانياالشرقية"؟ أعمال العنف الصغيرة وكذلك استقصاءات الرأي العام تجدد توكيد الحقيقة التالية: ان الشطر الشرقي من المانيا الذي عُرف سابقاً ب"جمهورية ألمانيا الديموقراطية" الشرقية او الشيوعية هو الاكثر احتضاناً لليمين المتطرف وعنفه. فال 1500 حادثة من حوادث عدم التسامح العرقي والديني والقومي التي شهدتها المانيا كلها في 1999، حصل نصفها في الشطر الشرقي، علماً بانه لا يضم الا خُمس مجموع السكان. واذا كان رقم ال1500 يمثل ارتفاعا بنسبة 5 في المئة عن عدد الحوادث المماثلة في 1998، يبقى ان ما جرى في الشرقية كان اشد من احداث الغربية ارتباطاً بتنظيمات يمينية متطرفة ومعلنة. السوسيولوجيون والمحللون السياسيون يرون اسباب ما يحصل في نسبة البطالة التي تضرب الشق الشرقي والتي لا تزال تبلغ 18 في المئة يتركّز معظمها في وسط الشبيبة. وهذا فيما يساوي معدل الدخل الفردي فيه نصف مثيله في الشطر الغربي. ورغم محاولات كثيرة ومتعاظمة للانفاق والاستثمار على سكان الشرقية لا تزال مشكلة التفاوت تغذّي الشعور بالاستياء الناجم عن شعور بالتبعية للشطر الغربي. فكيف وان "عالم الشرقيين" دُمّر بكامله اذ اكتشفوا ان دولتهم ومجتمعهم واقتصادهم وتعليمهم لا تساوي شروى نقير؟! العنف ضد المرأة العنف ضد المرأة، او بحسب تسمية اخرى: العنف المنزلي، يتصاعد في معظم البلدان الصناعية وما بعد الصناعية. هذا ما تقوله استقصاءات وارقام تعود الى فرنساوبريطانيا والولايات المتحدة. كيف ولماذا؟ دارسو العلاقات الاجتماعية والجنسية يقولون ان السبب الاهم وراء ذلك ان المرأة تغيرت والرجل، كذلك، تغير. فالمرأة غدت اكثر تعلماً، اكثر عملا، اقل طلبا للزواج واكثر تطليقاً. اما الرجل، لا سيما اذا كان مرتبطا بالتعليم والاقتصاد القديمين، فغدا وضعه اشد تعرضا للمآزق والازمات: من البطالة في الاقتصاد والاسهام البيتي الى الاكتئاب والشعور باللاجدوى على جبهة المشاعر النفسية. وهذا الواقع ما بدأ يدعو نسوياتٍ بارزات الى التركيز على "ازمة الرجل والظلم اللاحق به" فضلا عن "ازمة المرأة والظلم اللاحق بها". كائناً ما كان الحال يبقى ان التحول هذا يخلق اوضاعاً انتقالية هي التي تفسّر تصاعد العنف المنزلي... في انتظار ان تنشأ وتتبلور علاقات اجتماعية وجنسية، ومن ثم قِيَمية، مغايرة. هجمات على "الوطني" فيلم "الوطني" الذي يصوّر معركة الاستقلال الاميركي عن بريطانيا، اواسط القرن الثامن عشر، يتعرض لهجوم تلو آخر. وكل الهجومات من العيار الاستراتيجي الثقيل. فالفيلم الذي يلعب فيه ميل غيبسون دور البطولة، متهم بالتالي: 1ً- انه يمجّد الوطنية الاميركية على نحو شوفيني وافتخاري يجافي روح العصر الديموقراطي والقليل القومية. 2ً- انه يقدّم البريطانيين كطرف قليل الانسانية وعديم الرحمة وبلا اخلاق. 3ً- انه يطمس وجود مشكلة عنصرية في ما خص السود الذين يُظهرهم احراراً، ويتكتّم على ان الكثيرين من قادة الاستقلال الاميركي انما كانوا ملاّك عبيد. 4ً- انه يقدّم لوحة ذكورية مرفوضة من النساء. 5ً- انه يشيع قيماً معادية للاجهاض والطلاق وحبوب منع الحمل، من خلال توكيده المتشدد على اهمية العائلة واولويتها. التحالف الذي ينتصب في وجه الفيلم هو، بكلمة اخرى، اميركا الحديثة والتقدمية التي سبق لها ان تصدّت لافلام جون واين ثم سيلفستر ستالوني. الا انها لم تغضب من قبل كما اغضبها الفيلم هذا. فنكلشتاين والمحرقة كتاب نورمن فنكلشتاين "صناعة المحرقة" هو الآن موضع نقاشات لا تنتهي. النقاد كثيرون وبعضهم يصل الى توجيه اعنف الاتهامات. والمؤيدون قليلون وبعضهم تأخذه حماسة للكتاب منقطعة النظير. ما يقوله الكتاب هو ان المحرقة النازية لليهود انما تعرّضت لاستغلال من المنظمات اليهودية واسرائيل. وقد مهّد تصنيم المحرقة هذه، لا سيما منذ حرب 1967 العربية - الاسرائيلية، لرفض اي تشكيك بالدولة العبرية التي غدت فوق النقد لأنها "وريثة" المحرقة. وهذا التصنيم الذي غدا تجارة رابحة هو ما جعل عدد الناجين يزيد عما كان بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة. كلام فنكلشتاين ليس جديدا كليا. والكثير منه صحيح جداً. مع هذا ظهرت انتقادات لبعض ما ورد في الكتاب اضعفت صدقيته واساءت اليها. فهو يقول ان امه، وهي من الناجين، لم تتلق الا 3500 دولار كتعويض، لكنه يذكر في احد هوامشه ان اباه تقاضى لسنوات تقاعدا شهريا قيمته 600 دولار. ويقول ان عدد الناجين من المحارق بعد الحرب الثانية هو 100 الف شخص، الكثيرون منهم ماتوا بعد ذاك بوقت قصير. ولذا لا يمكن ان يكون هناك اليوم مئات الآلاف من الناجين الاحياء الذين يتلقون تعويضات سويسرية والمانية. والنقد الموجه اليه ان تعريف الناجي قد طرأت عليه تغيرات جعلته يتعدى من سجنوا في المعتقلات ليشمل اولئك الذين أُجبروا على مغادرة بيوتهم وبلدانهم، او الذين مكثوا ابان الحرب في الغابات، وفي بعض الحالات ورثة الضحايا ممن عانوا مشكلات مالية و/او بسيكولوجية. كذلك رأى فنكلشتاين ان المنظمات اليهودية الكبرى "تجلس فوق" 25،1 بليون دولار دفعتها لها المصارف السويسرية ولم يُدفع منها قرش واحد للضحايا الافراد. ورد نقاده على ذلك ان التسوية التي تم التوصل اليها لم تُرفق حتى اللحظة بتحويلات مالية من سويسرا، لأن المطلوب قبل ذلك ان توافق المحاكم الاميركية على الأمر. ويؤكد الكاتب ان معظم ذاك المال لن يتوجه الى افراد بل الى منظمات يهودية، ويقول النقاد ان تقسيم الاموال هو ما لم يتم التوصل الى اتفاق حوله حتى الآن. ويزعم فنكلشتاين ان الكاتب والناشط اليهودي الاميركي - الفرنسي ايلي فيزيل كذاب ونصّاب، لأنه زعم انه قرأ باللغة الييدشية "نقد العقل المحض" لكانت بعد خروجه من المعسكر وكان في الثامنة عشرة، علماً ان الكتاب لم يُنشر بالييديشية. ويقول النقاد ان الكتاب نُشر فعلا بالييدشية في وارسو ببولندا عام 1929. ويجزم فنكلشتاين بان الاكاديمية الاميركية ودارسة المحرقة ديبورا ليبستات قالت ان التساؤل والشك بما يرد في شهادات الناجين هو انكار للمحرقة. وتنفي ليبستات جملة وتفصيلا ان تكون قالت هذا. ويقطع الكاتب بان لورنس ايغلبرغر يكسب سنويا 300 الف دولار لرئاستة اللجنة الدولية للمحرقة، وهي اموال كان ينبغي ان يتمتع بها الناجون والضحايا. ويرى النقاد ان معاش ايغلبرغر هو ما تدفعه شركات التأمين ولا يُدفع من اموال المحرقة وضحاياها. وهكذا دواليك يستمر نقاش في ادق التفاصيل التي يخطىء فيها الكاتب الذي يصيب، على الارجح، في الجوهر.