يزداد توزيع صحيفة "الأحداث المغربية" الى ما يقارب ضعف توزيعها اليومي كل ثلاثاء وخميس. والسبب هو ملحق "من القلب الى القلب" الذي تفرد له الصحيفة في حدود ثلاث صفحات من عدد صفحاتها البالغ 12 صفحة يومياً ! في هذا الملحق تنشر الصحيفة رسائل من قراء يتحدثون فيها عن مشاكل غالبا ما تكون من نوع المشاكل التي يتعذر تناولها علنا أو حتى على نطاق ضيق . وتترك الصحيفة القراء يكتبون على سجيتهم مع تدخل بعض الأحيان بغرض الصياغة . ويعتقد محررو الصحيفة انه طالما ان هذه المشاكل توجد في المجتمع المغربي فلا معنى من عدم طرحها ومحاولة مناقشتها علناً . بل هم يعتقدون بانه بات "من الضروري" ان تتناول الصحافة هذا "التابو" المسكوت عنه . بيد ان المحافظين، خصوصاً الأصوليين، يرون عكس ذلك، إذ يعتقدون بان الصحيفة تستغل هذه المشاكل وتقدمها بطريقة مثيرة من اجل زيادة توزيعها ليس إلا . بيد ان "الأحداث المغربية" التي صدرت قبل ثلاث سنوات في مدينة الدار البيضاء لم تصدر كصحيفة إثارة كما يقول منتقدوها ، بل أصدرتها مجموعة من أعضاء حزب الاتحاد الاشتراكي الذين لهم وجهة نظر ومواقف لا تنسجم ومواقف قيادة الحزب. عندما صدرت الصحيفة كانت تطبع في البداية حوالي 20 ألف نسخة يومياً وسرعان ما تضاعفت هذه الكمية وأصبحت منافسة لصحيفة "الاتحاد الاشتراكي" اليومية والتي تعتبر حتى الآن الصحيفة الأكثر توزيعاً لكن "الأحداث المغربية" أصبحت في بعض الأحيان الصحيفة اليومية الأكثر مبيعاً في المغرب ، الى ان استقرت الكميات التي تقوم بسحبها لتصبح في حدود 120 ألف نسخة يومياً . ويترأس تحرير الصحيفة محمد البريني وهو عضو في اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي وسبق له ان كان رئيساً لتحرير "الاتحاد الاشتراكي" كما يكتب فيها أسماء وازنة من أعضاء الاتحاد الاشتراكي أو من المتعاطفين معه، لذا فان الصحيفة تهتم بالدرجة الأولى بالقضايا السياسية، لكن المؤكد ان ملحق "من القلب الى القلب" هو الذي يستقطب أكبر عدد من القراء خصوصاً وسط الشباب والفتيات الذي يرغبون في قراءة مشاكل يعيش بعضهم مثلها، و آخرون يدفعهم حب الاستطلاع والفضول الى قراءة مشاكل تتفاوت من بعض الأمراض التي يخجل أصحابها عن ذكرها وهي في اغلبها أمراض جنسية من العجز الجنسي وفقدان البكارة الى الخيانة الزوجية ومشاكل الزواج والطلاق. لكن في كل الأحوال فان "الجرعة الجنسية" هي التي تحظى بالاهتمام . وإذا كان هناك من يعارض نشر هذه المواضيع او يتحفظ عنها فان آخرين يرون إنها طالما توجد فلابد من التعامل معها بصراحة وحرية . وفي هذا السياق فان بعض المهتمين يعزو سبب عدم ذهاب أصحاب المشاكل النفسية والجنسية الى عيادات الأطباء الى تدنى القوة الشرائية وكذلك إلى قيود التقاليد التي تحول قطعاً بين أي فتاة مثلاً ان تذهب الى الطبيب لتشكو له من فقدها بكارتها وكذلك الى ارتفاع نسبة الأمية في بلد يتجاوز عدد سكانه 30 مليون نسمة. وإذا كانت "الأحداث المغربية" اختارت التعامل مع هذا "التابو" فان الأمر ليس جديداً كلياً على الصحافة المغربية التي دأبت على تناول مثل هذه الأمور بجرأة وصراحة، لكن الأمر لم يصل الى حد إصدار ملحق خاص كما فعلت "الأحداث المغربية". وتصدر حالياً في المغرب 14 صحيفة يومية بين عربية وفرنسية يتوزع مكان صدورها ما بين الرباطوالدار البيضاء . وتتصدر الصحف التي تصدر بالعربية قائمة التوزيع، إضافة الى بعض الصحف الأسبوعية التي تحقق أرقام توزيع لا بأس بها، وعلى رغم ان شركات التوزيع لا تفصح عن أرقام التوزيع الحقيقية للصحف بيد ان بعض المؤشرات يشير الى ان مجموع مبيعات هذه الصحف المغربية في حدود 400 ألف نسخة. وتكتفي بعض الصحف بنشر كميات السحب، وعلى رغم وجود قانون يفرض على الصحف الإشارة الى كميات السحب فان الصحف المغربية ومعظمها صحف حزبية لا تشير الى ذلك . إضافة إلى ذلك فان هناك صحفاٌ يطلق عليها المغاربة اسم "صحف الرصيف" وهي صحف عادة ما تكون في حجم تابلويد تعتمد الإثارة على حساب الصدقية وغالباً ما تتصدرها عناوين عن جرائم ذات طبيعة جنسية، لكن في معظم الأحيان لا تكون هناك صدقية لأخبارها، ويقبل عليها القراء لمجرد التسلية وتزجية الوقت. وهنا يختلف الأمر بالنسبة الى صحيفة "الأحداث المغربية" فهي في الأصل صحيفة سياسية، وعلى رغم ان تكهنات في الوسط الصحافي تغمز من قناة حقيقة ما ينشر فيها وما إذا كانت الرسائل بالفعل لقراء حقيقيين فان محرري الصحيفة يؤكدون انهم يغرقون يومياً وسط أكوام من الرسائل الموجهة من قراء تحدوهم رغبة عارمة في ان يروا رسائلهم منشورة في ملحق "من القلب الى القلب" . والواقع ان ما فعلته "الأحداث المغربية" هو إنها عادت الى زاوية كانت بعض الصحف العربية تنشرها قبل عقود، والمفارقة أنها لم تكن آنذاك تقابل بالاستهجان الذي تقابل به حالياً، ويفسر ذلك بعضهم باتساع قاعدة وعي القراء إضافة الى اتساع الموجة الأصولية التي تناهض التوجهات المتحررة في تناول قضايا المجتمع . ولم تسلم "الأحداث المغربية" من انتقادات لاذعة وصلت حتى الى المساجد حيث هاجم الصحيفة عدد من أئمة المساجد في الدار البيضاء، لكن الصحيفة تعتبر ان هذا الهجوم والانتقادات تدخل في إطار صراع سياسي بين التيارات المتحررة والمحافظة . ولعل من الأمور اللافتة على الساحة الإعلامية في المغرب ان الصحف التي تصدرها التيارات الأصولية أو تلك المتعاطفة معها ظل توزيعها محدوداً . ومجمل القول ان "الأحداث المغربية" فتحت زاوية من" القلب الى القلب " لتكون مساحة يتنفس من خلالها بعض القراء وفي المقابل فتحت نقاشاً حول مسألة تناول المشاكل الاجتماعية في الصحافة وحدود هذا التناول، بل أكثر من ذلك حول مسألة التوازن ما بين تحقيق أي صحيفة للانتشار والقواعد التي يتم التزامها في هذه الحالة قراء مغاربة يتحدثون عن زاوية "من القلب الى القلب" تتفاوت ارتسامات القراء المغاربة حول " زاوية من القلب الى القلب "، لكنها في كل الأحوال تحظى بالاهتمام في ما يلي بعض هذه الارتسامات . نادية شاطر: المشاكل المطروحة هي مشاكل حقيقية لأنها تعكس ظواهر اجتماعية ونفسية يعيشها المجتمع المغربي وتدخل في خانة السكوت عنه، أتمنى من المشرفين على هذا الباب ان يخلقوا من هذه المشاكل العاطفية والجنسية وهي الطاغية مواضيع كبيرة، يهتم بها مختصون في هذا المجال، وليعطوا إجابات واضحة، إن المشاكل التي يجيب عنها قراء هي ضرب من الجنون لأنها لا تستند الى مقومات علمية. إن المشاكل النفسية التي تقرأها تعكس المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية للمغرب، أنا شخصيا لا أومن بأن زاوية "من القلب الى القلب" تخل بالحياء العام، فكل موضوع قابل للنقاش والحوار، ليس عندي ما يسمى بالممنوعات والخطوط الحمراء… جميل ان نقرأ مثل هذه المشاكل ففيها متعة جميلة. سعدية حفاري: هذه الزاوية جريئة أكثر من اللازم ولا تراعي مبدأ الاحترام الذي يفترض وجوده داخل الأسرة ، ألاحظ أحيانا أن المشاكل المطروحة أضخم من أن تجد لها حلا مناسبا… إنه ركن وقح، لأنه يتناول مشاكل من الدرجة الثانية بالنسبة الى الواقع المغربي ، فالجنس والعلاقات لا تشكل للمغرب معاناة حقيقية تصل إلى نشرها، لأن هناك مشاكل أعمق وأهم تتصل بالبحث اليومي عن الخبز وعن النضال من أجل الكرامة والكبرياء، وهو ركن مراهق كمن يتفرج على مجلات "بلاي بوي" أو الأفلام الخليعة التي يمنعها الآباء عن أبنائهم. أحمد بلمقدم "تشكيلي": صحيح ان زاوية" من القلب إلى القلب" تبيع الصحيفة، وتطرح قضايا جنسية مختلفة لكنني أتساءل هل المغرب يوجد به هذا العجب؟ ان من يكتب في هذه الزاوية حالة خاصة، و أقول إن بعض الرسائل التي أقرأها خيالية مئة في المئة ، تنشر فقط لإثارة القارئ ليس إلا، رسائل مخلة بالحياء العام. وفي هذا الصدد ذكرت الصحيفة ان فتاة من فاس من حي "ظهر المهراز" أصابت بمرض السيدا الإيدز عدداً كبيراً من الشباب. اعتقد بان هذه الحكاية خيالية، لأن الذي يكون مصابا بالسيدا، قد لا يجد الراحة ليكتب رسالة بأسلوب جميل. إن ما ينشر في زاوية من القلب إلى القلب خرافات . هذا رأيي. سعاد مالك: ما يمكن قوله هو أن الزاوية تثير قضايا ليس لها أساس من الصحة في المجتمع المغربي. والحقيقة أن هناك قضايا لها أهمية أكثر من الأمور التي تنشر يوميا على صفحات الجرائد، ويقرأها الآباء والأبناء، ولا تترك مجالا للنقاش فيها مع الأولاد بطريقة موضوعية. أليس من الاجدر بنا ان نهتم بالمسائل الاساسية التي تهم المجتمع المغربي. عبد الله اوزاد "مسرحي" هناك مسألتان مهمتان في هذه الزاوية: الأولى أن الزاوية كسبت نوعاً رديئا من القراء، قراء لهم مشاكل نفسية عويصة، لأنهم لا يريدون التحدث عن مشاكلهم ومكبوتا تهم إلا لهذه الزاوية، المسألة الثانية هي أن هذه الزاوية تمس بالأخلاق والعادات والتقاليد، وأصبحنا نقرأ عن اللواط وعاشق العادة السرية، وهلم جرا. لو كنت باحثا اجتماعيا مثلا، وقرأت مثل هذه المهازل لقلت أن المغرب "بلد شاذ" ومنحل أخلاقيا.