بعض الآباء يمنع دخولها الى البيت. آخرون يعترفون بالإدمان عليها بينما يحرمها عدد من الائمة بدعوى انها تنقض الوضوء. انها صحيفة "الاحداث المغربية" التي تحدث موجات صدمية منذ بدء صدورها قبل أقل من عامين، خصوصاً في صفحاتها "من القلب الى القلب" يروي فيها المغاربة، مرتين اسبوعيا، أدق تفاصيل اسرارهم. الرباط - رويترز- يدور معظم الروايات التي تنشرها زاوية "من القلب الى القلب" في صحيفة "الاحداث المغربية" حول قضايا جنسية، مما أثار جدلاً ساخناً بين ليبراليين يرون في ذلك ظاهرة صحية واسلاميين يعارضونها لأنها مغرقة في الاباحية وتشجع على الدعارة والممارسات الشاذة في بلد ما زالت فيه التقاليد والاعراف الهاجس الاكبر. وهذه الروايات كثيرة. بعض الفتيات يعترفن فيها بتفاصيل تقشعر لها الابدان عن حوادث اغتصاب من أقرب الناس اليهن، آبائهن اوأشقائهن أو أخوالهن. ويتحدث شاذون عن تجاربهم، ويسألون بعبارات يعتبرها المحافظون فاجرة فاضحة اذا كانت ميولهم تتعارض مع الشريعة. ويقول عبدالكريم العمراني المحرر المسؤول عن صفحات من "القلب الى القلب": "ليس لدينا محظور. نحن ننشر هذه المشاكل لأنها، وللأسف، موجودة في مجتمعنا". ويضيف العمراني وهو يتصفح رزماً ثقيلة من الرسائل معظمها كتبت بأناقة: "يصلنا اسبوعياً نحو ألف رسالة ونستطيع بسهولة ملء اربع صفحات يومياً لكن الحمل كبير ولا طاقة لنا به، على الاقل في الوقت الحالي". ويتحدث العمراني، بحماس واضح، عن البداية فيقول: "وصلتنا الرسالة الاولى ونشرناها على الفور. تلقينا 12 رداً فنشرناهما كان ذلك أول الغيث الذي لم يتوقف من ذلك الحين". كان الحصاد وفيراً ل"الاحداث المغربية" التي بدأتها مجموعة من الصحافيين انشقوا عن يومية "الاتحاد الاشتراكي" الناطقة باسم حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي يرأسه رئيس الوزراء عبدالرحمن اليوسفي. ويتضاعف توزيع الصحيفة مرتين ونصف المرة يومي الثلثاء والخميس مقارنة مع التوزيع اليومي الذي يزيد على اي حال عن مئة ألف نسخة، مما يجعلها الصحيفة الاكثر مبيعاً في المغرب. وانتقل مقر الصحيفة من شقة متواضعة الى مبنى حديث براق بواجهات زجاجية تغطيه من كل الجوانب. وكما هو متوقع فإن المنتقدين كثيرون، خصوصاً في اوساط اصحاب المهنة الذين يعيبون على الصحيفة لجوءها الى "الجنس الرخيص" و"فبركة" القصص باقلام محررين يتمتعون بخيال جامح. لكن العمراني يرد بسرعة: "لا استغرب التجريح فالغيرة من نجاحنا تنهشهم. ما يسمونه الفبركة يحتاج الى اقلام كثيرة وهذا ينقصنا وانظر بنفسك الى البرهان". قالها وهو يقلب بين رزم من الرسائل معظمها مؤرخ في حزيران يونيو. قال أحمد الكوهن أستاذ علم الاجتماع: "هذا الانفتاح في البوح عما يقلقنا يظهر ان مجتمعنا يزداد نضجاً من مجتمع قبلي قديم الى دولة عصرية وديموقراطية". واضاف ان الكثير من المحظورات "خصوصاً تلك المتعلقة بالجنس هي السبب الرئيسي لأمراض نفسية خطيرة. ولا أرى علاجا أفضل من الحديث عنها". لكن الاسلاميين يرون أن الصحيفة تدعو الى "الفاحشة وتغري بالرذيلة والانحراف". وفي رسالة الى الصحيفة، كتبت مجموعة من العلماء وخطباء المساجد في الدار البيضاءالمدينة الاكبر في المغرب ومقر الصحيفة: "دأبت صحيفتكم منذ أمد غير قصير على تخصيص ركن في عدد الثلثاء والخميس من كل أسبوع لنشر حكايات ووقائع من الجنس المستباح بكل صوره وأنواعه من زنا وشذوذ وزنا المحارم وذلك بأسلوب مستهجن وصياغة نابية عن المروءة والفضيلة". وأضافت الرسالة ان هذا التعاطي "خلف موجة عالية من الاستياء والاشمئزاز في كل فئات المجتمع وأصنافه، اضافة الى ما تحدثه تلك النماذج من الجنس الفاحش في صدور الشباب من اثارة الغرائز الفاترة واغراء بالرذيلة والانحراف". لكن "الاحداث المغربية" ردت بأن اتهمت العلماء بازدواجية المعايير مشيرة الى ان شيخاً مثل يوسف القرضاوي تحدث بإسهاب عن المشاكل الجنسية في برنامجه الشهير "الشريعة والحياة" الذي تبثه قناة "الجزيرة" التلفزيونية من قطر مستخدماً التعابير ذاتها التي خطها اصحاب المشاكل للصحيفة. ولخص الاستاذ الجامعي محمد ظريف وهو متخصص في الشؤون الاسلامية موقفه بالقول: "كباحث افضل ان ينشر كل شيء فهذا يعطيني فكرة عن المجتمع الذي أعيش فيه. المفروض أن لا أغطي الشمس بالغربال. وكمواطن ما أقرأه يصدمني بكل صراحة وأصاب بالغثيان من بعض الرسائل التي يكتبها أناس اقل ما يقال عنهم انهم غير سويين. انهم يظهرون المغرب على انه مجتمع منحل لا قيم فيه... انت تعرف ان بناتاً لا يزيد عمرهن عن 11 عاماً يقرأون هذه الصفحات وهذا كثير. أعتقد بأن دور الصحافة يجب ان يكون أسمى من ذلك".