تمر المنطقة المغاربية بجو متقلب، فما ان تصحو سماؤها حتى تعود الغيوم بسرعة للتلبد. فالدول الخمس التي يتشكل منها اتحاد المغرب العربي ومنذ قمة مراكش في شباط فبراير 1989 مضافاً اليها مصر المترشحة بقوة لعضوية الاتحاد والتي يبدو أن حظوظها أصبحت كبيرة للالتحاق به متى اجتمعت قمته المتعطلة منذ 6 سنوات تنتظر انعقاد هذه القمة المصيرية لإعادة التنظيم الاقليمي الى سكته. وخلال الأسابيع القليلة الماضية أحيت تحركات مكثفة أمل عقد القمة في الجزائر في الخريف المقبل غير أن غيوماً جديدة جاءت لتعيد الشك. فخلال زيارة قام بها الرئيس بوتفليقة الى تونس جاءت اشارات عدة اعتبرها المراقبون مؤشرات على أن الوضع لم ينضج بعد لعقد القمة. وفي ما عدا العلاقات الثنائية كان عقد القمة في أول جدول المحادثات بين البلدين اثر لقاءات ثنائية بين الزعماء المغاربيين أبرزت احتمالات بعقد تلك القمة التي اعتبر بعضهم انها ستكون قمة الانبعاث من جديد لهيكل لم يعد له وجود فعلي. فقد لاحظ المراقبون ان الرئيس الجزائري أشاد بقوة بكل من تونس وليبيا "البلدان اللذان يملكان حدوداً طويلة مع الجزائر واللذان وقفا مع الجزائر في محنتها الطويلة مدة حقبة زمنية كاملة حيث كانا درعاً واقياً وجداراً موصداً لا منفذ منه لغادر أو مخادع" في اشارة واضحة لصد حدود البلدين أمام المتطرفين الدينيين أيام الحرب الأهلية الجزائرية. ويعتقد المراقبون ان الرئيس الجزائري لو اكتفى بذكر تونس دون ليبيا في هذه الاشادة لاعتبر ذلك طبيعياً منه باعتباره في ضيافة تونس، أما وقد أشرك ليبيا في تلك الاشادة فإن المحللين لم يفتهم اهمال التعرض للمغرب ولموريتانيا الشريكين الآخرين في اتحاد المغرب العربي والمجاورين للجزائر، ما اعتبر وكأنه لا ينطبق عليهما ويشير الى أن عدم اشراكهما في الاشادة يشكل دلالة على أنهما لم يقفا مع الجزائر في الظروف الصعبة التي مرت بها وأن حدودهما كانت مجال تسريب "للمخربين"، ان قصداً أو من دون قصد خصوصاً مع ما تم ذكره من شماتة بعض الأشقاء من الجزائر في محنتها. وبالطبع فليس من شأن هذا أن يساعد على ترطيب الجو أو الإعداد لقمة تنعقد في الجزائر خلال 3 أو 4 أشهر، على أن الرئيس بوتفليقة لم يقف عند هذا الحد بل انه، وفي خطاب ألقاه أمام مجلس النواب التونسي، لم يتأخر عن اعلان تأييد الجزائر لحق تقرير مصير الشعب في الصحراء الغربية وهو مما يثير الحفيظة المغربية على رغم موافقة الرباط المبدئية على اجراء استفتاء تتولاه الأممالمتحدة ما زال يتأخر مرة بعد مرة. ولعل هذه النقطة بالذات هي أكثر ما يخلق حساسيات لدى الرباط التي ترى في أي اشارة من هذا القبيل تدخلاً وانحيازاً ضدها. غير أن الرئيس بوتفليقة ما انفك خلال اقامته في تونس يدعو للاسراع باقامة الاتحاد المغاربي. وقد تولى على غير العرف الجاري في مثل هذه الأحوال توجيه رسالة الى الرئيس بن علي حيث يتم الاكتفاء عادة ببرقيات مجاملة قصيرة جاءت فيها "دعوة للتصالح والتصارح في اطار الاتحاد المغاربي" . وتطرح كل هذه المواقف المعلنة سؤالا عما إذا كانت الأطراف المغاربية كلها ما زالت متحمسة، كما هو أمر تونس، للبدء فوراً في عقد اجتماع لوزراء خارجية الدول المغاربية الخمس بقصد تحضير قمة تنعقد قبل آخر السنة لدرس طلب مصر الانضمام الى الاتحاد وتعيين أمين عام جديد بعد سنوات من انتهاء ولاية الأمين العام الحالي.