ثمانية أعمال مسرحية هي حصيلة انتاج "ستوديو الممثل" اللندني الذي مضى عقد على انطلاقته الأولى. وآخر هذه الأعمال مسرحيّة "شهرزاد" من اعداد واخراج العراقية روناك شوقي، بالتعاون مع حفنة من الوجوه الشابة. وكما يوحي العنوان، فإن فصول المسرحية مستمدّة من قصص الف ليلة وليلة، ولكن بلغة معاصرة يتحرر خطابها من السرد التقليدي الممل. وعبر هذا الخيار قدّمت المخرجة وفرقتها محاولة تجريبية مغامرة غايتها "الخروج من النظرة الاستشراقية لشهرزاد، لنحرر هذه الشخصية من صفرة ورق الأسطورة القديم، وننقلها الى حياتنا المعاصرة: الصراع بين شحكمة المرأة واستبداد الرجل". وتهدف المسرحيّة إلى "دخول عالم شهرزاد"، أو بالأحرى "إدخال عالم شهرزاد الى عالمنا الحالي بكل تناقضاته، وأعلان موقفنا منها، والبحث عن تلك الليالي الضائعة التي جمعتها بشهريار"، كما نقرأ في برنامج المسرحيّة. تنطلق المخرجة من كون تلك القصص ألهبت خيال أجيال وحضارات مختلفة، ما جعلها محط اهتمام القراء والنقاد والباحثين على حد سواء. ومع غياب أسم مؤلفها، فان سرد أحداثها أحتفظ بشئ من سحر المتعة الممزوجة بصورالخرافة والأسطورة، ذات الملامح الجنسية. اذ يحيلنا ذلك النص الى مستويات متعددة من أنماط السرد الروائي، حيث أختلطت فيه ثقافات شعبية متعددة. ويمكن تلمس التأثيرات الفارسية عليها عبر كتاب "هزار أفسانة" ومعناه "ألف خرافة"، ويعتقد ان "ألف ليلة وليلة" حورها العرب الى عنوانها الحالي لتفضيلهم الاعداد المفردة. وقد أحتفظت روناك لنفسها بشخصية شهرزاد ونزهة الرمان. فيما قام الممثل الشاب عدنان علوان بأداء شخصية شهريار ونور الدين والأب والزوج والمخرج. ووزعت بقية الأدوار على فاتن العمري دنيازاد، الأخت الكبرى والعجوز، جميل ضاهر بياع الحرير، الحمال، وزير هارون الرشيد وعازف العود، أحمد حسني مصلح الأحذية، هارون الرشيد والجن، رندا جدعون قمر الزمان وورد الأكمام، زيدون مشتت أنس الوجود، وزير شهريار والشاب بائع الخضار، زينب الفاطمي الجارية ودنيا الزمان. وتبدأ المسرحية من لحظة الاعداد لها، أي اننا أزاء مجموعة شخصيات تعد نفسها لتمرين يدخل المشاهد والممثل الى صلب موضوع المسرحية. لذا فقد لجأت المخرجة أولاً الى رسم الأجواء العامة وكسر عامل الزمن عبر الغناء الأندلسي والتنابز بين لهجات الممثلين العراقية واللبنانية والفلسطينية والمصرية...، وتطعيمها بموسيقى ريمسكي كورساكوف. وكأنها بذلك تلقي نظرة شاملة على تراث منطقة كاملة وتاريخها وأساطيرها، فتكسر نوعاً من التقليد المدرسي الذي يقضي بتقديم الشخصيات حسب تواتر زمني وحاجات السرد والحوار. وربما كان الاقتباس الحر هو ما أفادت منه شوقي في الاقدام والتجرئ على هذا الفعل. وهو ساعد، أيضاً، في التوقف عند ذرى اللحظات الدرامية التي يقوم عليها العمل. تتبادل الشخصيات الرئيسة مواقع القوة والضعف : فشهريار ليس على شاكلة الرجال، بل هو شخص يجسد غلاظة ذلك المستبد الملول والضجر والمتخم بالبرود إلى حدّ الدموية. فيما تقف شهرزاد على الضد، فهي نابضة بالحياة ومزودة بغريزة المرأة ومعارف وأسرار الكتب. ويأخذ الليل، كزمن واقعي ذي دلالات درامية، المساحة الأشمل في تلك الحكايات، كونه صنعة الراوي. ذلك ان حكايات شهرزاد تروى في خلوات مسائية بينها وشهريار، حيث يتساوى فعل القتل بفعل الميثولوجيا، ولذلك فإن الكلام المباح يتوقف عند أول اطلالة فجر. وتبقى مصائر شخصياتها معلّقة، درءاً لمشاعر الخوف، وهواجس القتل والملل عند شهريار الذي يعيش في انتظار حكايات جديدة، ونهايات جديدة. لكن السؤال الذي يظل عالقاً في الذهن، هو كيف تتساوى غلاظة القلب وقسوة الفعل مع حكايات تغلب عليها نفحة الاقناع والتملص من قصاص الموت المحتم؟ فهل تتحمل مرويات شهرزاد أساليب معكوسة الأتجاه لبعث جذوة الطفولة التي تسكن قلب الملك؟ من هنا فان عادية القصص تتضخم دراميتها باستعارات أيروسيّة تدور حول الحب والعشق العذريين. ولتأكيد ذلك نجد ان شوقي أفردت فصلاً كاملاً لحكايات الأخوات الأربع مع الحمال الذي يخترق عوالمهن السرية والمشبوبة برغبات حسية، تؤشر الى أشوق رجل يسندن حاجاتهن اليه. وعلى نفس المنوال، فان الحكايات الأخرى تفتح بدورها كوات نحو آفاق أخرى تشكل متواليات درامية لا تنتهي مع كل صباح جديد، بل تتجاوز ألف ليلة وليلة. أين تقع معاصرة هذه المغامرة المسرحية؟ الجواب يكمن في تلك الاستعارات التي تراها المخرجة مرتبطة بعالم المرأة وصراعها من أجل توكيد ذاتها وخلاصاتها الاجتماعية في عالم اليوم. فشخصية شهرزاد عبر هذا العمل، تمتلك وجوهاً وتأويلات عدة، يمكن للمبدع ان يجسدها بمستويات كثيرة، سواء عبر الاستعارة السياسية او الجمالية والفنية. لذا فقد عرجت روناك شوقي الى استعراض نموذج الديكتاتور القابع في دواخل الرجل، وأدانت من خلال ذلك أنظمة سياسية واجتماعية ما زالت تنظر الى المرأة بشكل لا يختلف عن تلك التي ألبسها شهريار في وضعها المعاصر. فهي كائن يثير الملل يقتل السرور، وعنصر شهوة وقتية، ومواطن من الدرجة الثانية. لكنّ اداء روناك شوقي لم يرق الى المستوى المطلوب، إذ قدمت تجسيداً يقترب الى الفن الأيمائي أكثر منه الى الأداء المسرحي الذي تتقنه عن دراسة وارث عائلي. أكثرت الفنانة العراقيّة من الحركات الزائدة، على حساب هدأة البوح والسرد. فيما برز الممثل الشاب عدنان علوان في جميع الشخصيات التي جسدها باقتدار، على مستوى الألقاء والحركة، الأمر الذي غلب صنعته على الآخرين. وتفردت مجموعة الشباب من الجنسين، بتجاوز رهان الهواية ورفع التحدي