السيدة هيلاري كلينتون هي مرشحة الحزب الديموقراطي لمقعد مجلس الشيوخ الأميركي عن ولاية نيويورك. وهي بالطبع السيدة الأميركية الأولى، زوجة، لرئيس ويليام جيفرسون كلينتون. ليس من المفروض أن يكون لغدة البروستاتا الذكرية أية علاقة مباشرة أو حتى غير مباشرة بمنصب السيدة الأميركية الأولى أو بالترشيح لمقعد خال في مجلس الشيوخ. لكن حظوظ السيدة هيلاري كلينتون غريبة جداً والمصادفات السياسية والفسيولوجية تتحالف وتتآلف في حياتها الشخصية والعامة فتفرض استدعاء أغرب الأشياء إلى الذهن العام وأعجب الأسماء إلى المفردات السياسية. منافسها الجمهوري على مقعد مجلس الشيوخ، وعمدة مدينة نيويورك، أعلن في مؤتمر صحافي حاشد أن الأطباء اكتشفوا أنه يعاني من المراحل الأولى لسرطان البروستاتا. فوراً بدأت وسائل الإعلام الأميركي تغطي أخبار غدة البروستاتا للعمدة جولياني، وأبعادها السياسية، وتأثيرها على حظوظ الفوز للمتنافسين على مقعد مجلس الشيوخ. والصور التلفزيونية المكررة للعمدة جولياني تقنعنا جميعاً بأن الرجل تدرب كثيراً على أداء الإعلان البروستاتي، وتشاور طويلاً مع مستشاريه السياسيين والإعلاميين حول احتمالات الفوز في الانتخابات مع البروستاتا، أو على الرغم منها. النظام السياسي الأميركي عموماً، والإعلام السياسي الأميركي على وجه الخصوص لا يعتذران عن إدراج البروستاتا وكل الأعضاء التناسلية في اللعبة السياسية الانتخابية، بل وربما ساد الاعتقاد بأن اللعب بالأطراف السفلى وتدليكها إعلامياً يجعل اللعبة أكثر إثارة وأعظم مدعاة للانتصاب السياسي الفعّال. تبدو السياسة الأميركية أحياناً للناظر إليها من بعيد، متراوحة بين آلام البواسير وقاذوراتها، وهزائم العِنّة السياسية والفكرية، وكوابيسها. وكلها تنحصر، أفكاراً وبرامج ومفردات ونتائج في النصف الحيواني الأسفل حيث الروائح الكريهة. والناظر من قريب مضطر بالطبع إلى أن يسد أنفه ويغيب بعضاً من عقله ويكتم شيئاً من غيظه، خاصة إذا كان من المتابعين للسياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط، وكل شرق غير أوسط. لم تهبط البروستاتا وتوابعها فجأة على ساحة المعركة الانتخابية النيويوركية، أو على المشهد الإعلامي السياسي الأميركي. السناتور دول المرشح الجمهوري في انتخابات الرئاسة الأميركية الأخيرة ظهر في برنامج إعلاني أشاد فيه بدواء شهير يساعد على حل مشكلة العنّة الرجولية. ولم يبد السناتور دول منزعجاً لأنه فقد فرصة الانتصاب السياسي في معركة الرئاسة الأميركية ولعله كان معذوراً في ذلك لأن الأحداث أثبتت فيما بعد أن منافسه على منصب الرئاسة كان أكثر انتصاباً، وليس بحاجة إلى مساعدة دوائية، بقدر حاجته إلى مساعدات جميلات. وظهرت مع السناتور دول زوجته التي كانت رئيساً لهيئة الصليب الأحمر الأميركي وكانت تشارك زوجها فرحته بالدواء الجديد الذي مكنه من الانتصار على النتائج الجانبية لعملية جراحية سابقة في البروستاتا، ولها كامل الحق في الفرح والابتهاج، عندئذ وفيما بعد، لأنها تخرجت من مدرسة البروستاتا الأميركية لتصبح متنافسة على ترشيح الحزب الجمهوري لمنصب الرئاسة الأميركية. ولم يقتصر التداخل بين البروستاتا والسياسة على الضفة الأميركية من الأطلسي، فلقد عبرت الظاهرة السياسية البروستاتية إلى الجانب الأوربي، وكادت أن تعمل عملها في السياسة الفرنسية. أخفى الرئيس الفرنسي ميتران إصابته بمرض البروستاتا عن الناخبين ورفض الاستئناس برأي طبي أميركي ثان لاعتبارات تعود إلى شرف فرنسا، وعدم حاجة البروستاتا الرئاسية الفرنسية إلى معونة أميركية. وعاد شبح البروستاتا السياسية إلى الإعلام الفرنسي عند وفاة ميتران، وبعد نشر مذكرات طبيبه المختص، التصريحات المحزنة لأخيه بأن الرئيس رفض نصيحته بطلب المعونة الأميركية المختصة، وربما كان السبب هو خوف الرئيس الفرنسي السابق على الصورة الفحولية الدونجوانية في أذهان الناخبين والناخبات. أرادت الحظوظ السياسية للسيدة هيلاري كلينتون أن تتأرجح بين رجل يمتلك غدة بروستاتية نشطة جداً، وأوشك نشاطها المحموم أن يفقده منصب الرئاسة ويفقدها منصب السيدة الأولى، ورجل أعلن الإصابة البروستاتية رغم كفاحه المعروف مع زوجة، وعدد من العشيقات ويوشك هذا الإعلان البروستاتي المهم، أن يقلب الحسابات الانتخابية للسيدة هيلاري كلينتون رأساً على عقب. نحن لا نعرف حقيقة تأثير غدة البروستاتا وتوابعها على التاريخ والسياسة والمجتمع. لكن السياسة البروستاتية الأميركية المفتوحة، والمفردات السياسية الأميركية الجديدة تفتح المجال واسعاً من أجل مراجعة بروستاتية للتاريخ