الخريّف يعلن في ملتقى الصحة العالمي: نستهدف توطين صناعة 200 دواء نوعي    «الطيران المدني»: 1273 شكوى من المسافرين على الناقلات الجوية    سكري القصيم يتحدّى «التين»    بعد هاتريك العين.. «التورنيدو» سادس الهدافين    الاتفاق يطمع في نقاط الرفاع البحريني    ملاحقة تجار السموم    الإدارة العامة لصحة السجون بوزارة الداخلية والهيئة السعودية للتخصصات الصحية توقعان اتفاقية تعاون    اختتام معرض «إبداع 2025» بمشاركة 159 طالباً وطالبة بمنطقة مكة    النائب العام يشارك في مؤتمر القمة الأول لرؤساء النيابات العامة في الدول الأعضاء في مجموعة العشرين    وفاة سعيد السويلم أكبر معمر سعودي    الآسيوي "لابورت" أفضل لاعب في مباراة النصر والاستقلال الإيراني    90 % من سكان غزة مهددون بانعدام الأمن الغذائي    «واتساب» تطور ميزة الدردشة مع المساعد الذكي    احترام سيادة الدول أساس حسن الجوار    حق قيام دولة فلسطينية    هل هناك فسحةٌ للأمل    دعم رحلة رواد الأعمال    بالتراحيب وكرم الضيافة.. «السعودية» تستقبل الزوار في «بوليفارد وورلد»    15.7% نموا بالحاويات الواردة للموانئ السعودية    استقرار نسب التضخم في السعودية عند 2% بحلول 2029    سمو وزير الدفاع يزور إيطاليا    في ختام الجولة 7 من دوري يلو.. أبها ضيفًا على الحزم.. والفيصلي يواجه الطائي    في ثالث جولات دوري أبطال أوروبا.. قمة ثأرية بين برشلونة والبايرن.. وليفربول يواجه لايبزيغ    فينيسوس يقود «ريمونتادا مثيرة» للريال أمام دورتموند ب «هاتريك» في دوري أبطال أوروبا    المركز الوطني لإدارة الدين يقفل طرح أكتوبر 2024 ضمن برنامج صكوك السعودية المحلية بالريال السعودي بإجمالي 7.830 مليارات ريال    فعاليات موسم صرام    مجلس الوزراء يوافق على إنشاء كلية للعلوم الطبية في جدة    أهمية «داش كام» !    أفعال لا أقوال    الرئيس الصهيوني والعرب    مجالات الكتب المسموعة    محمد القشعمي.. أستاذ جليل من الزمن الجميل    قراءات في الشعر والنثر    تجمّع مطارات الثاني    أخطاء شائعة خير.. هذه هي الكارثة    تعظيم شعائر الله    دور الإعلام في أرباح شركات الدواء    ما هي تكلفة الوحدة ؟    نقص الحديد سبب 10 % من حالات القلب    خالد بن سلمان وكروسيتو يستعرضان العلاقات السعودية - الإيطالية والتطورات في المنطقة والعالم    الأحوال المدنية تستعرض تجربتها في خدمات توثيق واقعة المواليد والوفيات مع وزارة الصحة في ملتقى الصحة العالمي 2024    محافظ الطائف يستقبل القنصل العام لجمهورية فرنسا    7116 جولة تفتيشية للالتزام البيئي    أمير الشرقية يوجه بإيجاد حلول لتكدس الشاحنات    اعتماد عالمي جديد لمستشفى دله النخيل يدعم مكانة المملكة كوجهة للسياحة العلاجية    الدراسات تظهر تحسّن أكثر من 60٪؜ من مدارس التعليم العام    أمير الشرقية يستقبل رئيس جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل    البدء بأعمال الصيانة لطريق الظهران -بقيق بطول 16 كلم الخميس المقبل    الأرصاد: الفرصة ماتزال مهيأة لهطول أمطار رعدية    "مفوض الإفتاء في جازان": القران والسنة تحث على تيسير الزواج    أمير القصيم يدشّن مشروع "وقف الوالدين" الخيري في البدائع    سعود بن نايف يستقبل الشدي المتنازل عن قاتل ابنه    5 مخاطر مؤكدة للمشروبات الغازية    وزير الدفاع ونظيره البريطاني يبحثان المستجدات الإقليمية والدولية    لو علمتم ما ينتظركم يا أصحاب البثوث    الأمير سعود بن نهار يستقبل قائد قاعدة الملك فهد الجوية المعين حديثًا    الرقابي يرفع شكره للقيادة لإقامة مسابقة حفظ القرآن في موريتانيا    الخيانة بئست البطانة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا يصر الرئيس حافظ الأسد على خط الرابع من حزيران 1967 ؟
نشر في الحياة يوم 03 - 04 - 2000

صار واضحاً ان الموقف السوري من مفاوضات السلام مع اسرائيل يختزل بمقولة الانسحاب الاسرائيلي الى خط الرابع من حزيران يونيو 1967. فهذا الطرح لم يعد مجرد بادرة تكتيكية في سياق المفاوضات مع اسرائيل ومع اميركا بل اكتسب لدى السوريين اهمية استثنائية بحيث صار يختزل الرؤية السورية للسلام او المفهوم السوري للسلام مع اسرائيل. انه المسألة المركزية في عملية التفاوض: تعاود او تتوقف او تستأنف او تنجح او تفشل في ضوء الموقف منه. وهذا ما يفسر توقف محادثات شيبردزتاون وتعثر او فشل القمة بين الرئيسين كلينتون والأسد في جنيف 26/3/2000. لذا كان من الضروري درس هذا الموضوع كنقطة تحول مفصلية في الصراع العربي - الاسرائيلي وتقديم قراءة جيو - استراتيجية لمعنى اصرار الرئيس حافظ الاسد على خط الرابع من حزيران 1967. هذه القراءة ذات الطابع الاكاديمي تتناول طبيعة الصراع السوري - الاسرائيلي وتاريخية الرابع من حزيران 67 وخلفيته ووظيفيته وهدفيته ومدى حظه من النجاح وما يقدمه من امثولات!
1- في طبيعة الصراع السوري -
الاسرائيلي: صراع جيو - استراتيجي
في قلب الصراع العربي - الاسرائيلي باطاره العام، لا بد من التمييز بين ثلاثة انواع من الصراعات: فالصراع على القدس هو صراع ديني، صراع الايمان والرموز، والصراع على الضفة الغربية هو صراع ايديولوجي على الارض والهوية اما الصراع السوري - الاسرائيلي فهو صراع جيو - استراتيجي تحتشد فيه اربعة عناصر على علاقة بالجغرافيا هي: الحدود والسيادة والامن والمياه. فاذا كانت استراتيجية الدولة تقوم بحسب مفهوم الاستراتيجية على فن تنسيق القدرات العسكرية والسياسية والديبلوماسية والاقتصادية والثقافية لتحقيق هدف محدد وضعته القيادة السياسية للدولة فان الجيو - استراتيجيا تؤكد وتبرز مدى التأثير الحاسم للجغرافيا في صياغة هذه الاستراتيجية وفي تحديد هذا الهدف. هذا التأثير يؤكده كلام الجنرال شارل ديغول للسيد محمد حسنين هيكل في كل مرة يحدثه في السياسة بادئاً بالقول: "ان من يريد التكلم في السياسة عليه النظر قبلها الى الخريطة".
2- في تاريخية طرح
الرابع من حزيران
من المهم العودة الى الخطاب السياسي للقيادة السورية الرئيس الاسد ومن ثم الوزير فاروق الشرع لتبيّن الفترة التاريخية التي برز فيها مصطلح الرابع من حزيران 67 لدى السوريين. ذلك ان لغطاً كبيراً احاط بالخلط بين "وديعة رابين" وخط الرابع من حزيران 67. وقد تعددت الاجتهادات حول التاريخ الذي حمل فيه وزير الخارجية الاميركي السابق وارن كريستوفر للسوريين وديعة رابين 1992 ام 1993، ام 1994 وخلاصتها انه "بحسب رابين وبشرط تأمين احتياجات اسرائيل، فانها مستعدة للقيام بانسحاب كامل مما يعني تراجعاً الى خط 4 حزيران 1967".
وفي العودة الى الخطاب السياسي للمسؤولين السوريين قبل مؤتمر مدريد وخلاله وبعده حتى منتصف العام 1994 يتبين ان خطب وتصريحات الرئيس الاسد وكلمات للوزير فاروق الشرع في مؤتمر مدريد بالذات، تحدثت كلها عن الشرعية الدولية والقرارين 242 و338، ومبادئ مدريد: الارض مقابل السلام باعتبارها الاسس لاقامة سلام عادل وشامل. فالرئيس السوري لم يشر الى خط 4 حزيران بعد لقائه الاول بالرئيس كلينتون في جنيف 17/1/1994 ولا في خطابه امام الجلسة الاولى لمجلس الشعب السوري 12/9/1994. وقد اتسم الخطاب السياسي السوري بالشمولية الكلية = استعادة كل الارض مقابل السلام الكامل.
لكن الرئيس السوري خرج من التعميم الى التحديد بعد زيارة الرئيس كلينتون لدمشق 28/10/1994 فقال في بيانه لدى اختتام الزيارة: "نحن مع سلام عادل وشامل باعتباره خياراً استراتيجياً وذلك وفقاً للقرارات الدولية 242، 338، 425... ولقد اكدت استعداد سورية للالتزام بمتطلبات السلام الموضوعية باقامة علاقات سلام عادية مع اسرائيل مقابل انسحاب اسرائيل التام من الجولان الى خط الرابع من حزيران 1967". وفي مؤتمر صحافي مشترك مع الرئيس حسني مبارك 2/6/1995 اتخذ الرئيس الاسد موقفاً مبدئياً وحازماً اذ قال: "موقف سورية معروف وواضح. سورية تتمسك بقوة ولا يمكن ان تتنازل عن خط الرابع من حزيران 1967. فهذا امر محسوم بالنسبة لنا. ولا يمكن ان نقبل بأقل من هذا ابداً".
باختصار، ان قراءة متأنية لمسار المفاوضات السورية - الاسرائيلية، وللخطاب السياسي السوري ترجّح ان الرئيس السوري اعتمد هذا الطرح بدءاً من منتصف العام 1994 ولاسباب غير قليلة لمبررات سنعود اليها لاحقاً!
3- اضواء على خط الرابع من حزيران
1967 مقاربة جغرافية
في خرائط ملونة نشرتها صحيفة "لوموند ديبلوماتيك" عدد 551 شباط 2000/ صفحة 16 يتبين بوضوح خط الرابع من حزيران 67. واذا كان من الصعب تحويل الخريطة الى كلمات، فانه من المهم ايراد الافكار الاساسية التالية:
- منذ البداية، بداية القرن، كان الصراع يدور حول بحيرة طبرية و"انتمائها الجغرافي"!
- فبموجب خط سايكس - بيكو 1916 قسمت البحيرة: نحو ثلثها في فلسطين والثلثين في سورية.
- وبموجب معاهدة باريس بين بريطانيا وفرنسا 23/12/1920 قسمت تقريباً بشكل نصفي شمال جنوب بين فلسطين الانتداب البريطاني وسورية الانتداب الفرنسي.
- وبموجب معاهدة باريس ذاتها ولكن بحسب ترسيم وتثبيت الحدود الذي قامت به لجنة بوليه - نيوكومب 7/3/1923 واصبح يشكل الحدود الدولية بين فلسطين وسورية سجل في عصبة الامم 1924 ووافقت عليه العصبة 1934 فان نقاط الحدود عددها 71: من 1 الى 39 مع لبنان ومن 40 الى 71 مع سورية الدقيقة تقع بين النقطتين 60 و62 اي من جسر بنات يعقوب حيث تمر الحدود على بعد 50 متراً من نهر الاردن ومن ثم على عشرة امتار فقط من مدخل النهر في بحيرة طبرية الى عيون مسفير بطول نحو 13 كلم ثم الى بعد 1200 متر عن البحيرة نقطة 62 حتى جيب منطقة الحمّة بممر يتراوح عرضه بين 2 - 3 كلم. وهكذا بموجب الحدود الدولية اصبحت بحيرة طبرية ونهر الاردن داخل حدود فلسطين باصرار بريطاني ودعم صهيوني يقابلهما "اهتمام" فرنسي "بالمواصلات" او بعض الحقوق المكتسبة للسوريين واللبنانيين.
- في حرب 1948 تخطت القوات السورية الحدود الدولية في ستة اماكن ودخلت الى فلسطين واحتلت مواقع مساحتها 5.66 كلم مربع في الشمال والوسط والجنوب، اي على بحيرة طبرية.
- في مفاوضات الهدنة 1949 تمسكت سورية بخط وقف اطلاق النار وتمسكت اسرائيل بخط الحدود الدولية، لكن الامم المتحدة اعتمدت حلاً وسطاً هو خط الهدنة جاعلة الاراضي التي احتلتها سورية مناطق منزوعة السلاح "يبقى مصيرها معلقاً حتى اجراء مفاوضات بين الجانبين لحل القضية الفلسطينية".
- منذ بداية الخمسينات شرعت اسرائيل في قضم المناطق المنزوعة السلاح بما يخالف اتفاقية الهدنة فسيطرت على 5.48 كلم فيما ظلت سورية متمسكة ب18 كلم مربع منها. وفي ضوء هذا الواقع تشكل خط جديد ما بين الحدود الدولية 1923 وبين خط الهدنة 1949 وهذا الخط هو خط الرابع من حزيران 67 لانه ظل كذلك حتى حرب حزيران 1967 اي حتى عشية احتلال اسرائيل للجولان. واهمية هذا الخط انه يضع السوريين على الشاطئ الشرقي لبحيرة طبرية وجزء من مجرى نهر الاردن.
4- مبررات الرابع من حزيران 67
ان خروج الرئيس الاسد من التعميم في مفهوم السلام الى التحديد خط الرابع من حزيران 67 عام 1994 هو ناتج قراءة متأنية ودقيقة لجغرافيا الصراع ولمواقف القوى المختلفة: العربية والاسرائيلية والدولية الاميركية خاصة:
- فهناك السابقة المصرية 1978
- وهناك التجربة الفلسطينية اوسلو 1993
- وهناك الموقف الاميركي الداعي الى الحل الوسط
- وهناك الموقف الاسرائيلي المنطلق بالنسبة الى سورية والضفة، على الاقل، من انه لا عودة الى حدود 1967 وبالتالي لا تنازل في موضوع بحيرة طبرية باعتبارها الكنز الجيو - استراتيجي الاهم بالنسبة الى الدولة العبرية وهي في الوقت عينه عقب اخيل لديها.
يقول فريدريتش راتزل المفكر الالماني وابو الجيوبوليتك المعاصر "ان بعض نقاط الحدود لها قيمة جيو - استراتيجية مهمة مرتبطة بحياة الدولة".
ينطبق هذا الكلام على بحيرة طبرية بالنسبة الى اسرائيل: فهي خزان المياه الوحيد لديها واشبه بالبطين الأيسر لقلبها. منه ينطلق الشريان الابهر الناقل القطري للمياه الى معظم انحاء الدولة من الشمال الى الجنوب 200 كلم من طبرية في الشمال الى النقب في الجنوب:
- فهي مستجمع انهر الحاصباني والوزاني والدان وبانياس ومجار مائية وينابيع بدفق يتراوح بحسب المعدل السنوي بين 544 - 800 مليون متر مكعب.
- طولها 23 كلم، وعرضها 14 كلم، ومساحتها 165 كلم مربع، وعمقها 45 متراً، وتخزينها بين 3 - 4 مليارات متر مكعب، وملوحتها 800/ بالمليون PPM، وتبخرها السنوي بين 270 - 300 مليون متر مكعب، ومستواها بالنسبة الى البحر المتوسط 210 امتار تحت سطح البحر.
- تقوم اسرائيل بضخ مياه البحيرة بين 450 - 600 مليون متر مكعب سنوياً بواسطة توربينات ضخمة الى علو 475 متراً خزان البطوف ومنه الى مختلف انحاء اسرائيل وصولاً الى النقب.
- هناك خمسة هواجس لدى اسرائيل في موضوع مياه طبرية:
الكمية تأمين الدفق والملوحية تخفيف نسبتها العالية والعطوبية لا التلوث ولا التسميم الارتفاعية ضخ المياه ذو كلفة عالية 18$ من طاقة الكهرباء القانونية مشكلة نقل المياه من حوض الاردن الى حوض آخر على شاطئ المتوسط.
- في بداية العام 1994 كلف رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق اسحق رابين المعلق العسكري في "هآرتس" المعروف والمسموع الكلمة لدى المؤسستين السياسية والعسكرية في اسرائيل زئيف شيف ان يضع تصوراً "للحد الادنى لشروط السلام مع سورية" فوضع شيف دراسة هي في الحقيقة الموقف الملزم لاسرائيل مع رابين وبيريز ونتانياهو وباراك وأي مسؤول آخر يأتي الى السلطة في اسرائيل وخلاصتها كما نشرت في شباط 1994 "لن يضع السوريون اقدامهم من جديد في بحيرة طبرية". فهذه المياه غالية ومهمة جداً بالنسبة الى اسرائيل اكثر من النفط. والسبيل لتجاوز هذه المشكلة هو تعديل الحدود… وتبادل مناطق".
- ان الدليل الحسّي على اهمية البحيرة هو في الهجوم الاول الذي شنه الاسرائيليون عام 1967 "لتطويق البحيرة" كخطوة اولى في احتلال الجولان بتاريخ 9/6/1967. يضاف اليه الحديث عن حلول يتصورها الاسرائيليون "لإنقاذ" البحيرة 7 حلول مقترحة حتى الآن".
خلاصة كل ذلك ان الرئيس حافظ الاسد بعد قراءة متأنية للوضع وبالتحديد لاهمية طبرية الاستثنائية بالنسبة الى اسرائيل وللواقع العسكري على الارض 1967 ولمقررات الشرعية الدولية، اقدم على مجازفة محسوبة فوضع خطاً احمر على بحيرة طبرية يقابل به الخط الاحمر الاسرائيلي على البحيرة ذاتها، وهدف الرئيس الاسد تحويل نقطة الضعف في الحدود الاسرائيلية الى نقطة قوة في الموقف السوري. وان تقاطع الخطين الاحمرين على الزاوية الشمالية الشرقية للبحيرة هو الذي يشكل عقدة المفاوضات السورية - الاسرائيلية، وهو الذي افشل قمة كلينتون - الاسد في جنيف 26/3/2000 لأن الرئيس كلينتون كما اصبح واضحاً اخذ بالرأي الاسرائيلي رأي شيف بأن لا يكون للسوريين منفذ الى بحيرة طبرية. وهذا يعني ان الموقف الاميركي - الاسرائيلي لن يلتزم بخط الرابع من حزيران 67 في تلك النقطة بالذات فقط بل يصر على تعديل الحدود الدولية 1923 هناك. وبديل 10 امتار من شاطئ البحيرة يصر الاسرائيليون ومعهم الاميركيون على الاحتفاظ بشريط يتراوح بين 100 متر و1200 متر لكي "يقفلوا" الدائرة على البحيرة من جهة الشرق! مقابل تعديل لجهة الجنوب يعطي سورية منطقة الحمّة وهو ما رفضه الرئيس السوري.
5- مكاسب سورية من التمسك
بخط 4 حزيران 67
ان توصل الرئيس السوري الى خيار 4 حزيران ليس موقفاً مجانياً ولا طوباوياً بل لأن مثل هذا الخيار يحقق لسورية عدة مكاسب في تفاوضها مع اسرائيل واميركا نشير الى خمسة منها:
مكاسب جيو - استراتيجية: بحيث تكون سورية مشاركة في ملكية نصف المياه في طبرية وهي بالنسبة الى اسرائيل بسبب وضعها المائي مادة استراتيجية لندرتها واهميتها.
مكاسب قانونية، تتمثل في:
- تأكيد الحقوق المكتسبة للسوريين بموجب ملحق اتفاقية 1923 الذي ينص على الاعتراف لسكان سورية بحقوق في الاردن، وبامتلاك طرق السكة الحديد بين الحدود وسمخ على البحيرة وبحق بناء رصيف عائم على البحيرة واستعمال الموجود، وبأنه لا جمارك على استعمال السوريين لمرافئ طبرية وبأن "سكان سورية ولبنان ستكون لهم الحقوق ذاتها في الصيد والملاحة كسكان فلسطين على بحيرتي الحولة وطبرية وفي نهر الاردن بين البحيرتين".
- تأكيد حقوق سورية في المناطق المنزوعة السلاح عام 1949 بحسب اتفاقية الهدنة وهي اراض تبقى معلقة قانوناً "بانتظار تسوية اقليمية نهائية بين الطرفين" بحسب المادة 5 من اتفاقية الهدنة وليس من حق اسرائيل ان تضمها او ان تتصرف بها.
- تأكيد المعنى القانوني للقرارين 242 و338 اي "الارض مقابل السلام". فالاراضي المحتلة هي بالضبط تلك التي احتلت في حزيران 1967 وبالتالي على اسرائيل ان تعود الى خط 4 حزيران الذي انطلقت منه لاحتلال الجولان.
- تأكيد القانون الدولي بالنسبة الى مياه نهر الاردن لأن اسرائيل تشارك فقط بنسبة 11 في المئة من حوض الاردن اولاً، وهي تقوم بما يخالف القانون الدولي بنقل مياه النهر من حوض الى آخر من دون موافقة الشركاء المعنيين في مياه النهر اي سورية ولبنان.
مكاسب سياسية: ذلك ان الطرح الاميركي القائم على الحل الوسط سيكون حتماً على حساب الطرف العربي لأن اسرائيل تحتل الارض العربية، لهذا يقول الرئيس السوري تصريح للتايم 23/11/1992 "ان موضوع الحل الوسط غير قابل للنقاش وغير وارد عندنا". وطرح خط 4 حزيران يشكل اختراقاً متبادلاً بين سورية واسرائيل وعندها يصح الحديث عن حل وسط هو بالضبط اعادة ترسيم خط الرابع من حزيران، وهذا ما دعت اليه سورية لأن الحل الوسط عندها لن يكون كله داخل الارض السورية!
مكاسب تكتيكية: باحراج الموقفين الاسرائيلي والاميركي بالبدء بالحدود او بالتزامن مع بقية الموضوعات السلام والامن والمياه… لأن الموقف من الحدود سيحدد جملة الامور الاخرى فيضمن الحقوق السورية من جانب ويجعل "التكرّم" بمنطقة الحمّة غير ذي جدوى لأنها واقعة اصلاً ضمن حدود 4 حزيران 67!
مكاسب استراتيجية: يحاول الرئيس السوري عبر هذا الطرح تحقيق جملة اهداف كلياً او جزئياً. فما هي هذه الاهداف؟
6- اهداف الرئيس الاسد
من الاصرار على خط 4 حزيران 67
ان اهم ما ينبغي التوقف عنده في هذا الموضوع، هو الاهداف الكبرى الجيو - استراتيجية للرئيس السوري وهي خمسة ذات ابعاد وطنية وقومية واقليمية ومائية واقتصادية.
البعد الوطني السوري: وهذا البعد يختصره قول الاسد "لن يكون السلام على حساب الارض مهما طالت السنوات، لأن الارض هي الكرامة، هي الوطن" البعث 15/12/1992. وهو من ناحية ثانية رفض لمفاعيل الحرب 67 ورد على لاءات اسرائيل: لا عودة الى حدود 67، بنعم للعودة الى حدود 67 وبالتالي فان الارادة السورية لم ترضخ للاملاء الاسرائيلي بفعل الحرب.
البعد القومي العربي: ويتمثل في الاصرار السوري على رفض الامر المفعول بين القوى الانتدابية الاستعمارية التي رسمت حدود 1923 وبالتالي اخذ المبادرة لتهبيط هذه الحدود مقدمة لتعديل حدود اخرى داخل ما يعرف بسورية الطبيعية!
البعد الاقليمي: وفيه ضرورة اعتراف اميركا واسرائيل بدور سورية الاقليمي ومركزها، ووجود منطقة نفوذ حيوية لها لبنان. وطبيعي ان يكون وطن الارز نقطة الارتطام الاولى بين سورية واسرائيل: تصادماً في حال الاختلاف، ومقايضة في حال الاتفاق! وكما استفادت سورية من نقطة الضعف الاسرائيلية في بحيرة طبرية لاحراج اسرائيل، استفادت اسرائيل من نقطة الضعف السورية في لبنان لاحراج سورية وردت بقرار الانسحاب من الجنوب وأتبعته بتهديد يسقط تفاهم كيسنجر 1976 بين سورية واسرائيل، ويلغي تفاهم نيسان 1996. ودعت الامم المتحدة لتحمل مسؤولياتها في جنوب لبنان بعد الانسحاب.
البعد المائي: ان استفادة سورية من طبرية ستظل محدودة، ولكن المهم في الامر هو ورقة طبرية للحصول على تسهيلات مائية لسورية:
اولها: توقف اسرائيل عن عرقلة مشروع اقامة سد الوحدة على نهر اليرموك وضرورة نقل المياه نحو دمشق.
ثانيها: واهمها، الضغط الاميركي على تركيا لزيادة حصة سورية والعراق من مياه نهر الفرات لأن سورية لن تتحمل قيام كماشة تركية - اسرائيلية: واحدة تقفل عليها في الشمال والثانية تسرق مياهها في الجنوب... وهي تعاني من العطش. وترحب سورية بقيام مشروع لحل اقليمي لموضوع المياه تشارك فيه دول الشرق الادنى وترعاه المؤسسات الدولية ويؤمن حقوق كافة الاطراف على قاعدة القانون الدولي لمجاري المياه الدولية.
البعد الاقتصادي: ان الرئيس الأسد يأمل من الولايات المتحدة ان تأخذ في الاعتبار:
- ضرورة تمويل اميركي - اوروبي - ياباني لاعادة اسكان مهجري الجولان وعددهم نصف مليون شخص.
- تقديم رؤوس اموال وقروض لدعم الاقتصاد السوري.
- حصول سورية على دعم مالي اميركي سنوي على شاكلة مصر واسرائيل، فسورية لن تقف متفرجة على اسرائيل وهي تحصل على عشرات المليارات من الدولارات ثمناً للسلام، ما لم تشارك في قطف ثمار السلام!
الخلاصة
في ضوء كل ما ذكرنا، وهو قليل من كثير، يمكننا ان نفهم لماذا يصر الرئيس الاسد على خط الرابع من حزيران 1967، كما يمكن ان نخرج ببعض الامثولات الاساسية:
اولاها: براعة الرئيس الاسد كمفكر استراتيجي يحوّل ورقة عادية الى ورقة استثنائية ليضعها في خدمة بلده، ويواجه بها قوتين عالميتين: اسرائيل والولايات المتحدة. ولكن استراتيجية سورية هي عمل رجل واستراتيجية اسرائيل هي عمل مؤسسة سياسية - عسكرية.
ثانيتها: ان الرئيس الاسد يفاوض نظرياً اسرائيل لكنه يفاوض عملياً الولايات المتحدة لأنها هي القادرة على تلبية الحد الادنى من اهدافه ومطالبه… وهذا ما لم يتأمن في جنيف!
ثالثتها: ان مسألة تعديل الحدود الدولية تخضع لموازين القوى: فالحدود، كما يعرّفها ميشال فوشيه، هي "الزمان مسجلاً في المكان". ولعل اخطر ما فيها ان تتحول المصالح الى مبادئ، فتلغي مفهوم "التفاوض".
ورابعتها: ان اشهار اسرائيل الحالة اللبنانية كنقطة ضعف وعقب أخيل في وجه سورية، في مقابل اشهار سورية لبحيرة طبرية كنقطة ضعف وعقب أخيل في وجه اسرائيل، ينبغي ان يدفع القيادة السورية دون ابطاء الى اعادة نظر جذرية في العلاقات اللبنانية - السورية، بما يؤدي الى تلازم حقيقي وصادق ومقنع بين دولتين سيدتين وشعبين شقيقين وارادتين حرّتين، ذلك ان التلاقي الثنائي للارادات الحرة هو الذي يشكل القاعدة الصلبة للعلاقات وليس الشكليات الهشة التي تسقط لدى اول هبة ريح.
ختاماً، فان اسرائيل، وهي تشدد على مقولة الامن ومعها اميركا فهي لا تريده لحاضرها بمقدار ما تريده لمستقبلها. فاذا بقيت جسماً غريباً في المنطقة فانها ستواجه في المستقبل القدرات الحضارية والديموغرافية والعلمية لدى العرب. وهذا هو الخطر الحقيقي، بل التحدي الحقيقي لها، كدولة وكيان، حتى ولو امتلكت مئات القنابل الذرية وعشرات صواريخ "آرو" و"توما هوك" وقبلت الشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.