أيتها النظرات الكسيحة كالبنفسج يا بركة السنونو الزرقاء لقد عاد الأرق القديم يضرب صدغيّ كحطّاب جبلي. خمسون عاماً وأنا أسير وأسير... ولم أصل الى شيء! هل الخطأ في الطريق، أم في قدميّ؟ كما أبحرت أكثر وأبعد مما أبحر كولومبس دون أن تلوح في الأفق تباشير أميركا، أو حتى "تانزانيا" جديدة!! ولكنني أعرف لماذا؟ *** أحب التسكع والبطالة ومقاهي الرصيف ولكنني أحب الرصيف أكثر. *** أحب الغابات والمروج اللانهائية ولكنني أحب الخريف أكثر. *** أحب الزهور والرياحين والعطور الباريسية ولكنني أحب رائحة الغبار أكثر. *** أحب الأبواب والنوافذ المغلقة والاصطلاء على نيران المواقد ولكنني أحب الزمهرير في الخارج أكثر. *** أحب النظافة والاستحمام والعتبات الصقيلة وورق الجدران ولكنني أحب الوحول أكثر. *** أحب الشهيق والزفير ورياضة الصباح ولكنني أحب السعال والدخان أكثر. *** أحب العلم والعولمة والمنطق والنطق السليم ولكنني أحب هذيان البرداء أكثر. *** أحب حفيف الأشجار وشدو البلابل وتغريد العصافير ولكنني أحب أبواق الاسعاف أكثر. *** أحب الحصون المنيعة والقلاع الخالدة ولكنني أحب الأنقاض أكثر. *** أحب القلوع والأشرعة الخفاقة، والصيادين المبكرين المسالمين ولكنني أحب الأمواج أكثر. *** أحب الأدب الجاد، والسياسة الجادة، والأحزاب الجادة والخطباء الجادين، والقضاة الجادين، والعشاق الجادين، والقبلات الجادة. ولكنني أحب ابتسامة الجيوكندا الغامضة والساخرة الى الأبد أكثر. *** أحب القادة العظام والقمصان المضادة للرصاص ولكنني أحب الرصاص أكثر. *** أحب العزلة والصوامع والتصوف في أعالي الأديرة والجبال ولكنني أحب زحام الملاجئ أكثر. *** أحب الحدائق المعلقة وناطحات السحاب ولكنني أحب الزلازل والقصف الجوي أكثر. *** أحب الهدوء والطمأنينة وراحة البال ولكنني أحب الغيظ وصرير الأسنان أكثر. *** أحب الشمس والقمر والنجوم ولكنني أحب الظلام أكثر *** أحب المقاومة ورايات النصر ومعارك التحرير ولكنني أحب وأرتاح للهزائم أكثر. بل مذ كنت عاملاً صغيراً في إحدى ورشات البناء كنت أسند رأسي في لحظات القيلولة على الخرائط ومواد البناء وأفكّر بالأطلال واليوم الذي يمر، ولا أحقد فيه على شعب، أو حزب، أو طائفة، أو زعيم، أو خطيب، أو صحافي، أو شاعر، أو مذيع، أو سائق، أو راكب، أو شارع، أو نافذة، أو عصفور، أو زهرة، أو سحابة في هذه الأمة، لا اعتبره يوماً من عمري، أو يخصني من قريب أو بعيد. *** ولذلك حتى الآن لا أعرف: هل أنا مشروع كاتب؟ أم مشروع خائن؟