في هذه الحلقة يروي انيس نقاش قصة علاقته بالتنظيمات الايرانية المعارضة لنظام الشاه في اواخر السبعينات. ويقول انه اقترح انشاء "الحرس الثوري" بعد انتصار الثورة خوفاً عليها من انقلاب عسكري. ويكشف القصة الكاملة لمحاولته اغتيال رئيس الوزراء الايراني السابق شهبور بختيار، في فرنسا، تنفيذاً لحكم صادق عليه الخميني. ويتحدث عن اقامته في السجن والمفاوضات الطويلة لاطلاقه وهنا نص الحلقة الثانية: ما هي العلاقة مع إيران التي دفعتك الى تنفيذ مهمة إيرانية؟ - قرأت كتاباً لأحد الاستراتيجيين يتحدث عن دور التحالفات العسكرية والتوزيع الاستراتيجي في العالم. وفهمت من خلاله دور حلف شمال الاطلسي ودور تركياوإيران، وطريقة الدول الكبرى في التخطيط لمصالحها. بعد التفكير في ما تضمنه الكتاب وجهت رسالة الى "أبو جهاد" عنوانها "الامبريالية تخطط بشمولية وعلى الثورة ان تخطط بشمولية"، اقترحت فيها توسيع علاقتنا مع الحركات الثورية وحركات التحرر لإقامة شبه تحالفات ثورية مضادة لتلك القائمة. ولم يكن "أبو جهاد" بعيداً عن هذه الاجواء، ولم يكن ينتظر رسالتي ليفكر بهذه الطريقة. فهو كان يتبع الاسلوب نفسه في المعاملة التي تلقاها من الصينوالجزائر بمدّ يد العون للفلسطينيين. فأخذ على عاتقه ان يساعد اي حركة تحرير ثورية تطلب هذه المساعدة. وبناء على اقتراحي الذي ركز على إيرانوتركيا، طلب مني القيام بما يمكن ان أحققه في هذا المجال. فبدأت بإقامة علاقات مع مناضلين أتراك وإيرانيين، لم يكونوا يتصلون بحركة "فتح" وحدها بل بمنظمات أخرى أيضاً. وهكذا تمكنت من تأسيس علاقة مع شبكة من الأتراك الموجودين في لبنانوتركيا، وتعرفت، عن طريق أحد الإيرانيين الذين كانوا في لبنان وعملوا معنا الشهيد محمد صالح الحسيني، الى مجموعات إيرانية أخرى. تطورت هذه العلاقة من مدّ يد العون الى تبادل الخدمات. اذ يمكن هؤلاء ان يدخلوا الأراضي المحتلة بجوازاتهم من دون سمة دخول. وكان يمكن الإيراني والتركي ان يدخلا هذه الأراضي للاستطلاع وتزويدنا المعلومات. وأرسلنا مجموعات منهم لهذه الغاية. وفي المقابل، كانت هذه المجموعات تتلقى منا مساعدات لدعم أنصارها في الداخل. وكانت هناك معسكرات تدريب على الأسلحة والمتفجرات ودورات سياسية للعمليات التنظيمية والأمنية. وبعد مدة، رفعت تقريراً تقويمياً وتبيّن لي ان المنظمات التركية اليسارية التروتسكية وغيرها لا تؤدي الى نتيجة في تركيا. يمكن ان تقوم ببعض الأعمال المساعدة في بعض الجوانب، لكنها لا تؤثر جدياً في النظام التركي، فيما المنظمات الايرانية، وهي متعددة، من "مجاهدو خلق" و"فدائيو خلق" والمجموعات الاسلامية، أكثر جدية في عملها وارتباطها بالناس. وبالتالي هناك أمل بأن تؤثر في النظام القائم. وأوضحت في التقرير وجوب الا يتم اي نوع من المساومة بين منظمة التحرير وبعض هذه الأنظمة لوقف الدعم لهذه المجموعات في مقابل اعتراف هذه الدول بمنظمة التحرير وفتح سفارات لها فيها. فركزت على إيران لأن العمل فيها جدي. لكن تركيا لا أمل منها، وهذا ما حصل، اذ تم نوع من التفاوض وتوقفت المنظمة عن الدعم، في حين استمر في إيران. في بداية تحرك الثورة الإيرانية، أثبتنا سلامة تحليلنا، وايجابية علاقتنا الاستراتيجية بهذه القوى، على رغم اننا كنا نخسر سياسياً بتعزيز عدائنا لنظام هو أصلاً معاد. وكان انتصار الثورة الإيرانية انتصاراً لنا، في ضوء اسهامنا في دعمه، فأفرز تغييراً استراتيجياً في المنطقة، بقلب أقوى الأنظمة لجهة عدد السكان والجيو - سياسة والجيش والامكانات المادية والنفطية، من دولة معادية لنا متحالفة مع اسرائيل الى العكس. وبعد هذا الانتصار، كان طبيعياً ان أذهب الى إيران وأتابع العمل مع أصدقائي الذين تبوأوا مناصب. بعد هذا الانتصار بأسبوع وعودة الإمام الخميني وتعيين حكومة مهدي بازركان كان ما زال من المعارضة الإيرانية في بيروت محمد صالح الحسيني وجلال الدين فارسي الذي ترشح لرئاسة الجمهورية. وفي منزلي، دار حديث مع جلال الدين فارسي أبدينا خلاله تخوفاً، بعد انتصارنا، من ان تعود "تجربة مصدق" لأن الجيش غير ممسوك، على رغم خروج الشاه. اذ يمكن الجيش ان ينفذ انقلاباً وأن يعيد الأمور الى الصفر. فاقترحت بناء جيش موازٍ للجيش القائم، من دون تسليحه كأي جيش. ويكفي ان يتمكن من مقاومة اي عملية انقلابية. وهذا نوع من تسليح للشعب ضد هذا الاحتمال. تسمية "الحرس الثوري" طلب مني جلال فارسي ان أكتب هذا المشروع. في اليوم التالي، زارني محمد صالح في منزلي، وكنت انتهيت من وضعه وسميته "الحرس الثوري". وقضى بتأسيس حرس بسلاح خفيف من نوع "كلاشينكوف" و"آر.بي.جي."، يتمركز في ثكن الجيش لمنع حدوث اي عملية انقلابية. ويتكون من الشعب والقوى التي أسهمت في السلطة. فحمل محمد صالح المشروع الى الامام منتظري الذي كان في سورية، وهو يعدّ محرك المجموعات الإيرانية الآتية من إيران والتي كانت تتلقى التدريبات في سورية ولبنان. وكان مركز استقطاب. بعدما زرت طهران سمعت ان الحرس الثوري انشئ، واستوضحت طريقة التأسيس، فأجابوا "بكل بساطة ذهبت مجموعة من خمسة أشخاص الى احدى ثكن الجيش، فخاف الضابط منهم، وسألهم ماذا يريدون؟ فأجابوه "الثكنة مطوّقة ويجب ان تسلّموها". فتجاوب. وفي اليوم الثاني، نشر خبر تأسيس الحرس الثوري متضمناً دعوة الى الراغبين في الالتحاق به، ان يقصدوا هذه الثكنة لارتداء الزي العسكري وتسليمهم السلاح. لم ينل هذا المشروع موافقة حكومة بازركان، لكن الإمام أيده واعتبر مجلس الثورة فكرة سليمة ويجب تأسيس هذا الحرس. فتحول المشروع من فكرة مجموعة صغيرة الى فكرة تبناها النظام الثوري في إيران. وعُيّن "بو شريف"، وهو من المعارضين المقيمين في بيروت وقد تلقى فيها تدريبات، لقيادة هذا الحرس. ثم أصبح مؤيداً لبني صدر ولجأ الى باكستان. هذا هو دورنا المتواضع في نجاح الثورة الاسلامية في إيران، لأن الفضل للشعب الذي اضطلع بدور أساسي. وكانت القاعدة الأساسية للقوى الثورية التي تتحرك من الخارج يتوزع جزء منها بين أوروبا ولبنان. أين كانت تتدرب هذه القوى؟ - كانت غالبية المعسكرات موجودة في سورية بإشراف الفلسطينيين وتحديداً "أبو جهاد" وقرب صور جنوبلبنان بعدما هدأت الحرب. تحقق الانتصار وذهبت الى إيران للمشاركة في انضاج الفكر السياسي وتنسيق العلاقات. في هذه الأثناء كان بختيار هرب من طهران وبدأ يدعو من الخارج الى قلب النظام الاسلامي في ضوء وجود الجيش على الحدود الكردية - العراقية، وحصول انفجارات في طهران. فأجمعنا على ان بختيار خطير. وكانت التظاهرات تسير في الشوارع تدعو بالموت لأميركا ولبختيار. ناقشنا موضوع هذه التظاهرات ومطالبة الشعب بالموت لبختيار، فرأينا وجوب ان يُعدم. فهناك معلومات تفيد ان بختيار يتحرك بقوة ويمثل نقطة استقطاب في الخارج ويتحرك اكثر من الشاه لإعادة قلب النظام، فعُقد اجتماع في المساء، ضم محمد منتظري نجل آية الله منتظري الذي استشهد في عملية نسف المركز الجمهوري ومحمد صالح وطرحنا الموضوع وأيده، ورأى انها فكرة سليمة لأن بختيار أعلن غير مرة مسؤوليته عن تحركات تهدف الى اطاحة النظام. يعني انك عرضت اغتيال بختيار وتطوّعت؟ - في ذلك الوقت، كنت أشعر أنني من الذين شاركوا في انجاح الثورة وأتحمل مسؤولية استمرارها وتقويم وضعها. اذاً، لم يكن هناك جهاز إيراني؟ - بعدما طرحنا الفكرة في هذه الجلسة، رأى محمد منتظري طرح الفكرة على الإمام واتخاذ موقف منها والحصول على فتوى من المحكمة الثورية وبالتالي البحث عمّن يساعد في التنفيذ. فكُلّف محمد صالح البحث في هذا الموضوع مع كادر الحرس الثوري والحصول على القرار من الإمام. فاتضح ان هناك محكمة ثورية في إيران كانت أصدرت حكم الإعدام في حق بختيار، وكذلك فتوى الامام بالمصادقة على قرار المحكمة من دون اعلانها. وتمت الموافقة على تنفيذ العملية بقيادة الحرس، مع الاشارة الى ان "أبو شريف" القائد لم يتدخل في الموضوع وتم البحث فيه مع محسن رضائي قائد الحرس الذي استقال ومحسن رفيق دوست الذي أصبح وزيراً للحرس. ولم يكن للحرس في تلك الأيام، أجهزة او عناصر، فسئلت رأيي عمن يمكن ان يقوم بذلك. فتطوعت، فتساءلوا كيف، كونهم يعرفون انني كنت أدعم الثورة سياسياً ومالياً وبجوازات السفر، ولا يعرفون انني منفذ لعمليات في الخارج وصاحب خبرة. فأوضحت لهم قدرتي على الاشراف على التنفيذ، على ان يختاروا اثنين او ثلاثة من العناصر الايرانيين للمساعدة. في البداية، كان القرار بأن أساعد في تحديد موقع بختيار واستطلاعه واعداد الخطة وتهريب الأسلحة، على ان ينفذ العناصر الإيرانيون العملية. ولكن اثناء الاعداد للعملية، وجدت ان الشابين الإيرانيين اللذين اختيرا يتكلمان الانكليزية، ولم يكن ثمة تنبه الى ان مكان إقامة بختيار هو فرنسا. وهكذا، لم يكن في استطاعتهما التحرك والتنفيذ وحدهما، فتورطت تدريجاً في الاشراف على التنفيذ. وتطوعت للاشراف على الاعداد والتنفيذ. فتم شراء الأسلحة من بيروت واعداد جوازات السفر كذلك، وزارها الشابان الايرانيان وأمضيا فيها 15 يوماً، واضطررت الى ضمّ شابين آخرين اليهما لبنانيوفلسطيني لاستكمال عملية الاستطلاع وتوسيع المجموعة. وتمت عملية تهريب الاسلحة عبر المطار في حقيبة رياضية اذ لم تكن هناك تدابير أمنية مشددة. وفي مطار أورلي، كنت على علم بثغرة هناك. اذ عند الوصول وقبل النزول الى الجمارك، لا يخضع حامل حقيبة صغيرة للتفتيش، اذ نادراً ما يتم ذلك. فأعطينا التعليمات لحامل الحقيبة وهو اللبناني بأن يخرج من دون ان يمرّ بمركز تسليم الجمارك. فوصل بكل بساطة. أين تدرّب العنصران الإيرانيان؟ - في مخيم صبرا، حيث كان ثمة معسكر صغير لإطلاق النار من أسلحة خفيفة. وكان اللبنانيوالفلسطيني تلقيا التدريبات سابقاً. أبعاد الدور الفلسطيني من هي الجهة الفلسطينية التي كانت على علم بهذه العملية؟ - بمعرفتي بالاتفاق بين منظمة التحرير وفرنسا بعدم القيام بعمليات على الأراضي الفرنسية، أخفيت الموضوع تماماً عن القيادة الفلسطينية. وأخذت العملية على عاتقي مع محمد صالح بألا نخبّر أحداً في ضوء وجود هذا الاتفاق. فمشاركتي او عدمها، بحيث ينفذ الإيرانيان فقط، يمكن ان يدفع الجهاز الفلسطيني الى اعتبار نفسه ملزماً بهذا الاتفاق مع الفرنسيين ويبلّغ عن العملية. وبالتالي، لم أبلّغ أحداً، حتى "أبو جهاد"، على رغم ثقتي به واقامتنا في المبنى نفسه والروابط العائلية بيننا. وأدى اخفاء هذا الأمر عن "أبو جهاد" الى أزمة بينه وبين أبو عمار الذي لم يصدق عدم علمه بالعملية كونه يدرك تماماً مدى علاقتنا. واضطر "أبو جهاد" الى ان يوضح للسفير الفرنسي انه يعرفني ولم يكن على علم بالعملية، لتبرير الموقف حيال الفرنسيين. لم يكن أحد من القياديين الفلسطينيين على علم بالأمر. ولم أحتج اليهم نظراً الى علاقاتي ومعرفتي بطريقة تأمين السلاح، وكان يمكن تأمين كل شيء في بيروت. ما هي جنسية الجوازات؟ وأين أعدّت؟ - كان معنا ثلاثة جوازات سورية، أما أنا فاستعملت جوازي العادي على أساس أنني لست منفذاً. ولكن، عندما حصل التنفيذ، كنت أملك جوازاً سورياً باسم آخر، وقبل وقت قصير من السفر، وجدت ان أرقام الجوازات متسلسلة وتكهنت في حال شُكك في أحدها ان تكشف العملية. فخاطرت بحمل جوازي الخاص فإما ان أكشف وإما لا. وهم لن يفتشوا عن اللبناني المنفذ للعملية. فوزعت الشباب على شقة وفنادق وكنت أملك شقة أخرى وبدأنا عملية الاستطلاع. وماذا بعد ذلك؟ - عندما بدأت البحث عن بختيار وجدت ان مراسلاً من وكالة الصحافة الفرنسية حاوره، فاتصلت بالوكالة بصفتي صحافياً عربياً وأريد ان أقابل بختيار، وطلبت عنوانه. فأعطوني رقم الهاتف في مكتبه بولفار رسباي في باريس. اتصلت بالمكتب وعرّفت عن نفسي كصحافي عربي وأريد مقابلة بختيار فطلبوا مني معاودة الاتصال في اليوم التالي. وظننت انهم سيعطونني موعداً لمقابلته في المكتب لكنهم أعطوني عنوان البيت وحددوا موعداً للمقابلة. معلومات كاملة... ولكن أين أقمت تلك المدة؟ - كنت أملك شقة مفروشة في الدائرة ال15، بالقرب من فندق "ميكو". وذهبت الى منزله لإجراء المقابلة كصحافي، واستطلعت منزله ومن يحميه وتحرك الشرطة العسكرية حوله، وجمعت المعلومات. عندها فوجئ الإمام بمعرفتي بهذه المعلومات في أسبوعين، لأن الإيرانيين كانوا يعتقدون انه لاجئ في لندن، اذ كان يخطب في "الهايد بارك"، ومن ثم اكتشفت خلال عملية التنفيذ في مرحلة ثانية ان الاستخبارات الفرنسية كانت توزع معلومات صحافية خاطئة لحمايته. ففي وقت كنا نراقب منزله، قرأت في "لوموند" ان بختيار يتفقد القوات الموالية لنظام الشاه في كردستان التي قال انها ستحرّر إيران. والواقع انه كان موجوداً في منزله. ماذا كانت مشاعرك حياله في المقابلة؟ - كنت أشعر بالارتياح، لأنني تمكنت من دخول منزله واستطلاع المعلومات، وانه لا يتمتع بحماية أمنية كبيرة باستثناء وجود اربعة عناصر من الشرطة الفرنسية. جلسنا وشربنا الشاي وأجاب عن كل الأسئلة معلناً أن "هذا النظام لن يستمر، وسنعيد الديموقراطية". أنجزت الحديث، وأبدى استعداداً لأي مقابلة أخرى. ثم أعددت الخطة بالطريقة نفسها، أي عن طريق اجراء مقابلة ثانية، يرافقني فيها، ونحن مسلحون، صحافي ومصور للتنفيذ. هل نشرت المقابلة؟ - كلا، كان يمكن ان يطالبني بذلك في الزيارة الثانية. فالمهم ان هناك امكاناً لدخول المنزل مرة أخرى. من اطلع على العملية في إيران؟ - أطلعت محسن رفيق دوست مسؤول الأركان الإدارية في الحرس، ومحسن رضائي عضو الأركان. واتفقنا على ان تتم بهذه الطريقة. ولكن، ويا للأسف، عندما انتقلت مع الشبان الى باريس في المرحلة الثانية، كنت جالساً في "كافيه دولابيه" أقرأ الصحف، وأجمع أكبر عدد منها للاطلاع على ما يحدث، فوجدت تصريحاً في "فرانس سوار" لآية الله خلخالي يقول فيه "أننا أرسلنا مجموعة لتصفية بختيار في فرنسا". فاعتبرت ان العملية احترقت وكُشفت في ضوء هذا التصريح الخاطئ. فاتصلت لأبلغهم ان ما حصل خطأ، فأجابني محمد صالح ان "هذا الأمر خطأ كبير، وليس على علم به". وعادة، يخيف خلخالي العالم ويقول انه أرسل كارلوس الى أميركا اللاتينية وراء الشاه. مجرد تهديدات لا أكثر. بدأت المعلومات عن بختيار ونشاطه تتراكم، ولا تقتصر على التهويل والتخويف وتصريحات في الصحف، لكن هناك بالفعل سيناريو وتمويلاً أميركياً لبختيار والاتصال بمجموعة ضباط للقيام بانقلاب برئاسته. ورأينا ان ضربه في هذا الوقت مهم، فوقعنا في مأزق، ولم يعد في الامكان تنفيذ الخطة، اذ كلما كنت اتصل بمكتبه، كان يقال لي انه غير موجود. وأعرف انه موجود لأن منزله تحت المراقبة وبالتالي هناك وضع غير طبيعي. ثم اكتشفت ان الحراسة شددت بوجود اربعة عناصر مدنيين من الصباح الى المساء، وانه لا يعطي مواعيد. لكن ضرورة التنفيذ وخطورة الموضوع، أصبحا يحتّمان القيام بأي عمل، ولو خطراً، فاتخذنا القرار باقتحام المنزل من دون موعد. وقررت استخدام كل المجموعة التي تضم خمسة أشخاص بمن فيهم أنا، بحيث يتمركز اثنان في الخارج ويدخل الثلاثة. وفعلاً تمكنا من الوصول الى الباب. وليس كما كتب في الصحف، اننا أخطأنا الشقة، حيث قتلت امرأة. ووصلنا الى أمام الباب في سيارة واحدة، وكنا ثلاثة فقط، على ان يلحق بنا الاثنان في الباص ويتوقفا في المحطة القريبة. دخلنا بصفتنا الصحافية. ولم أُسأل عن بطاقتي. دخلنا وطلب رجل الأمن من زميله المتمركز في الأعلى النزول للتأكد. فأصبح الوضع حرجاً، لأنه سيسأل بختيار هل لدينا موعد. فاشتبكنا معهما وصفّيناهما لنصعد بالقوة نحو الباب، فقُتل واحد وجُرح آخر. صعدنا، وبقي واحد من الشرطة جُرح ايضاً، فاخترقت رصاصة طائشة باب منزل الجيران حيث كانت المرأة خلف الباب تستطلع سبب الضجة في الطابق، وهي ضجة لم تكن صادرة عنّا بل من فتيات كنّ يتغازلن مع الشرطة، لأن العملية حصلت بكواتم للصوت، فأصيبت من الرصاصة الطائشة برأسها من خلف الباب. لم يرَ أحد المرأة. كان اطلاق النار على الشرطي، فيما ذهبت مع الشاب الثاني الى باب بختيار وقرعنا الجرس ليفتح. وعندما تقدم مرافقه ليفتح كان هناك جنزير أمان من تحت، خلافاً للعادة، وكنت أنتظره، فلم يرَ الا المسدس ولم يتمكن من التعرف اليّ. فرمى بنفسه وأقفل الباب. وحاولنا خلع الباب، فلم نتمكن لأنه كان مصفّحاً ضد الحريق والسرقة وكانت عملية اختراقه صعبة، ولم تعد تنفع كواتم الصوت. فقررت استخدام رشاش "الماغ" الخاص بالشرطة الذي لم ينفع ايضاً... عندئذ قررنا الانسحاب. ولكن بقي الشرطي الواقف في الحديقة الذي لم نشتبك معه، فتنبه الى حصول الاشتباك وطلب النجدة باللاسلكي. وصادف حظنا السيئ، مرور قوميسيير في الشرطة في المكان مع سائقه وسمع النداء، فلم تحتج الشرطة الى وقت لتصل، فحصل الاشتباك وأصبت وقبض علينا. ثم اقتادونا الى مركز الشرطة للتحقيق. أرسلوني الى المستشفى حيث خضعت لجراحة على مرحلتين. في المرة الأولى لنزع الرصاصة وفي المرة الثانية ليكشف عليّ طبيب العظام. وبعد 10 أيام نقلت الى مستشفى آخر، داخل سجن "فرين" الشهير الذي سجن فيه المناضلون الجزائريون. وبدأ التحقيق. متى تمت العملية؟ - في 18 تموز يوليو 1980، وكان الحكم الأقصى آنذاك الاعدام. ولكن مع مجيء الاشتراكيين في 1981، ومرورنا بالمحكمة أوائل العام 1982، كانت القوانين عُدّلت ليصبح الحكم الأقصى المؤبد. فصدرت أحكام بالمؤبد في حق أربعة منا و20 سنة سجناً في حق الخامس. هل اعترفت خلال التحقيق بالخطة؟ - تم توقيفنا في الاشتباك. واعترفنا في اطار تحليل سياسي، وفسرنا الهدف من اغتيال بختيار على انه عدو للثورة ويدّعي الديموقراطية، وعدو للشعب كون الثورة شعبية. وبالتالي هو لا يمثل احداً، ويتآمر مع الأميركيين، كما فعلوا مع مصدّق، لقلب النظام. وبالتالي لا يحق له ذلك. وأنتم كحكومة فرنسية تخطئون في حماية أشخاص كهؤلاء لأنها ليست لجوءاً سياسياً. فاللجوء السياسي يجب الا يتم بالتآمر على الشعب الإيراني. هذا كان الهدف من العملية. ثانياً، نحن نشكّل مجموعة لبنانية - فلسطينية - إيرانية تتضامن مع الثورة الإسلامية. ولنا الحق في الدعم. هل كشفتم مصدر قرار الاغتيال؟ - قلنا ان هناك قراراً صادراً من المحكمة. ما هو اسم القاضية التي حققت معكم؟ وماذا سألت؟ - كان اسمها مدام ريشييه. وطرحت بعض الأسئلة، فأجبتها انني لا أهتم بالجهة التي أمرت بذلك. فأنا أعرف شخصاً إيرانياً وأتضامن مع الثورة الإيرانية وقررت ان أقوم بالعملية. هل صرّحت باسمه؟ - كلا، أعطيت اسم أحمد. لم تكن التحقيقات مهمة، اذ كنا نركز على الجانب السياسي. ألم تُسأل عن تاريخك وعلاقاتك؟ - كان جوابي انني أؤيد الثورة الفلسطينية، وأن ليس لها علاقة بالعملية. وأثبتوا هذا الأمر من خلال علاقتي بالمنظمة ولكن ليس هناك دليل. اعتُقلنا، وبعد التحقيقات، صدر قرار المحكمة بالمؤبد وأقمنا في السجن عشر سنوات" تمّت خلالها مفاوضات لإطلاقنا. ماذا فعل الإيرانيون؟ هل مارسوا ضغطاً على الفرنسيين، من خلال عمليات أمنية مثلاً؟ - سمعت بعمليتي خطف طائرات. لم يكن للإيرانيين علاقة بهما، بل لشباب عرب طالبوا بإطلاقنا. متى حصلت هاتان العمليتان؟ - عمليتا خطف لطائرتين فرنسيتين الى مطار طهران، وفُجّر في واحدة منها جزء من الطائرة. من نفذهما؟ - لا أعرف، ولكن علمت من الإذاعات انهم كانوا يطالبون بإطلاقنا. تحوّل أنيس نقاش بنداً أول في ملف العلاقات الفرنسية - الإيرانية. - بعد اعتقالنا بأسابيع، بدأت الحرب العراقية - الإيرانية. وبالتالي أصبح الوضع في إيران حرجاً. ولم يعد هناك امكان للاهتمام بنا. ولكن بعد أربع سنوات او خمس، تغيّر الوضع على الجبهة العراقية - الإيرانية لمصلحة إيران. وتورطت فرنسا أكثر في تلك الحرب، وتحوّل تسليح العراق من سوفياتي الى فرنسي. وتمادى هذا التورط الى أكثر من التسليح، اذ أجّر الفرنسيون العراق طائرات تم سحبها من سلاح البحرية. وهذه العملية تحصل للمرة الأولى في التاريخ، ليس للتدريب بل لخوض حرب وكان التورط الفرنسي بالأدلة الحسية ومعلوماتياً وعلى مستوى خبراء، وصواريخ مضادة للطائرات فوق بغداد. كذلك تورّطت البحرية الفرنسية في الخليج، بعمليات تنصّت ودعم معلوماتي لتصويب الأهداف ضد إيران. في هذا الوقت حصل تحرك غير إيراني يساند إيران، كان الهدف منه توجيه ضربات الى الحكومة الفرنسية لإجبارها على إعادة التوازن، في حال رفضت إعادة النظر في تحالفاتها. وهذا حق مشروع، لأن التورط الفرنسي كان أهم من السوفيات كونهم باعوا السلاح للعراق، ولم يسحبوه كما فعل الفرنسيون. أصبح الوضع حساساً بين فرنساوإيران بعد اندلاع الحرب العراقية - الإيرانية وتحديداً بعدما فتحت فرنسا أبوابها للمعارضة الإيرانية المسلحة التي نفذت عمليات إرهابية ضد إيران بدعم لوجستي فرنسي. ولم تخفِ فرنسا ذلك، فحصلت أكثر من عملية خطف لطائرات إيرانية الى باريس ومنها طائرة "جمبو". وبعدما سلّم الخاطفون أنفسهم للحكومة الفرنسية، حُكم عليهم بالسجن ستة أشهر، وهذا مستغرب... شكل ذلك نوعاً من التواطؤ. ورداً على هذه العملية، خُطفت طائرة فرنسية. فزارني الأمن الفرنسي في السجن ليسألني هل أعلم شيئاً عن العملية. فأجبت بالنفي لأنني مسجون. سألك الأمن الفرنسي هل كنت مسؤولاً عن إدارة العملية في الخارج؟ - سُئلت هل لدي معلومات في ضوء المطالبة بإطلاقنا. وذكّرتهم بالطائرة الإيرانية التي خُطفت قبل أشهر، وحُوكم خاطفوها بستة أشهر سجناً، مخففة الى ثلاثة. وقلت لهم الا تعتبرون ذلك تواطؤاً، وأنتم تعملون على محاربة الإرهاب؟ كيف تصورون الحكم على خاطفي الطائرة الفرنسية في إيران؟ وأنا سأطالب الحكومة الإيرانية بحكم لا يتجاوز ثلاثة أشهر. وأعطيتهم مثلاً عن عقوبة سرقة راديو سيارة في فرنسا، فهي قد تصل الى ستة أشهر. فكيف يمكن معادلتها بخطف طائرة؟ هذا تواطؤ فاضح. ثم وقعت حرب 1982 في بيروت وعملية خطف الديبلوماسيين الإيرانيين، وفي رأيي كان ذلك نموذجاً، ولم يُعرف عنهم شيء. وتورط الأميركيون والفرنسيون أكثر في صراع الشرق الأوسط بتدخل قوات الحلف الأطلسي في بيروت لمصلحة فريق ضد آخر، فاجتمعت كل هذه العوامل ودفعت بعض القوى الى احتجاز رهائن في لبنان، بهدف المساومة عليهم. ومن المواضيع التي تمّت المساومة عليها وجودنا في فرنسا. مفاوضات... لإطلاقنا تم التحول الأساسي أوائل عام 1986، حين فوجئت ان محامي، أنطوان كونت، زارني في السجن ليعلمني ان مفاوضات أجريت لإطلاق الرهائن الفرنسيين في مقابل إطلاقي. وتعهد الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران اطلاق الأربعة الآخرين بعد مدة. وتم الاتفاق على ذلك بوساطة سورية. عارضت هذا الاتفاق اذ لا ضمان بعد خروجي، بأن يخرج الأربعة الآخرون.واعتبرت ان الحل هو تخفيف الأحكام علينا من دون إعلان ذلك، فنضمن خروج كل المجموعة. استغرب المحامي إصراري. ثم علمت ان الطرف الفرنسي المفاوض في الحكومة تمثل بالوزير رولان دوما، الذي استغرب رفضي الخروج من السجن وسأل عمّا يمكن القيام به، فارتؤي في ضوء المفاوضات الجارية بوجود طرفين ان يبحث المفاوض الإيراني مع أنيس أي معي لإقناعه. فزارني الشخص الإيراني وفوجئت بأنه شقيق الشهيد محمد صالح، واسمه محمد صادق الحسيني، اذ استفاد الأطراف المعنيون منه بصفته الصحافية وكشخص مقرّب مني للقيام بهذه الوساطة. لم يأت ليفاوضني بل ليبلغني ان هذا القرار ناتج عن مفاوضات، ولا يجوز رفضه. فأجبته ان للشورى دوراً، وأرى امكان حصول الأمر بشكل أفضل بصيغة قانونية تقضي بتخفيف الأحكام. فحمل هذا الاقتراح الى الأطراف المفاوضين، وفشلت عملية التبادل. وبقيت أربع سنوات اضافية في السجن. في العام 1986، كانت الانتخابات الفرنسية، وحصلت عمليات تفجير كبيرة وترددت مطالبات بإطلاق جورج عبدالله والأرمني غربدجيان من الجيش الأرمني. وشُوشت الأمور، ولم يتضح من يقوم بها. ونظراً الى وقوع ضحايا أبرياء في الشوارع، صرّحت في الصحف انني لست مسؤولاً عن هذه العمليات ودِنتها. ورفضت ان يصاب اي طفل او امرأة او رجل بريء من أجل اطلاقي. في هذه الأثناء اشتدت أزمة الرهائن، وتم الاتصال بي في السجن عن طريق صحافي فرنسي، اسمه تيسييه، يملك خبرة في شؤون لبنان، بعد خطف أحد المصورين من وكالة سيغما، فزار لبنان بصفته مديراً وأطلقه. اعتبرت الخارجية انه نجح، وطلبت منه ان يزورني في السجن، فطلب هو مني تزويده معلومات للمساعدة انسانياً لتطمئن عائلات الرهائن. ولم يكن لدي معلومات عن الرهائن ولماذا لا تُحل قضيتهم. وقال انه سيقترح ذلك على وزارة الخارجية، والذي انتدبه لهذه المهمة مدير مكتب دوما، واسمه كوسرون، وقد عُيّن سفيراً في سورية لاحقاً ثم نائباً لرئيس الاستخبارات الخارجية. وفي اليوم التالي، أبلغني الموافقة، وسألني عن الشروط. وكان أولها طرد المعارضة الإيرانية المسلحة فقط وتحديداً "مجاهدي خلق"، وثانيها حلّ مسألة القرض الذي أقر في عهد الشاه لفرنسا وقيمته بليونا دولار، والمخصص للمفاعل النووي اذ كان على فرنسا ان تساعد إيران في بنائه او تعيد الأموال. وأصدرت المحكمة التجارية في فرنسا آنذاك حكماً لمصلحة إيران، بإعادة الأموال مع فوائدها، ولم تنفذه الحكومة. ثالثها اعادة معارضين عراقيين الى باريس أُبعدا الى بغداد وحُكما بالاعدام مع حمايتهما لئلا يعدمهما صدام. رابعها وقف تدخل فرنسا في الحرب العراقية - الإيرانية ودعمها للعراق ضد إيران. وخامسها اطلاق المجموعة التي حاولت اغتيال بختيار. فسُمح لي بالاتصال هاتفياً ببيروتوطهران لأبحث عن الشخص الذي سيُبلغ هذا الاتفاق، فلم أجد أحداً في بيروت، أما في طهران فتحدثت الى رفيق دوست. وتمت الموافقة على ابعاد "مجاهدي خلق" واعادة القرض واطلاقي أولاً ومن ثم باقي المجموعة، مع شرط تخفيف الأحكام، وإعادة المعارضين العراقيين الى باريس. الشرط الوحيد الذي لم يتمكنوا من اقراره هو الموقف من الحرب العراقية - الإيرانية. وقد نُفذت فعلاً اعادة العراقيين، وتسديد مبلغ كدفعة من القرض لأنه يحتاج الى مفاوضات تفصيلية، تتطلبها الفوائد، بموجب شيك سلّمه وزير الخارجية الفرنسي الى نظيره الإيراني علي أكبر ولايتي في لقاء في نيويورك. وكانت الانتخابات غيّرت الموقف وتسلّم اليمين الفرنسي رئاسة الوزراء... ولم تنفذ باقي البنود. ثم بدأت مفاوضات جديدة مع حكومة جاك شيراك الذي وعد بتنفيذها، ونفذها فعلاً. من كان يفاوض مع شيراك؟ - كانت المفاوضات مباشرة مع الحكومة الإيرانية، وأرسلوا مندوبين من وزارة الخارجية الى طهران واتفقوا على باقي النقاط. اذاً ما كان دور سورية؟ - كان السوريون على اطلاع وعلم للاشراف على تأمين نجاح المفاوضات. أما في ما يتعلق بشرط اطلاقنا، فلم يكن يجوز لرئيس الحكومة قانوناً اطلاقنا، لأن ذلك من حق رئيس الجمهورية، كأن يطلب ميتران من شيراك القول علناً انه يُطلقنا، ويعلن شيراك تعهده، بناء على تعهد ميتران ذلك، عام 1986. ورفض ذلك في حينه. مع تطور المفاوضات حتى عام 1988 ووعود شيراك على مراحل، أُطلق الرهائن الفرنسيون فيما بقينا في السجن. وحصلت انتخابات جديدة. رحل شيراك وأتى الاشتراكيون. انتهت الحرب العراقية - الإيرانية وتطورت العلاقات الى تحسن وأطلق الرهائن. وأعطت طهران اشارات ايجابية كثيرة حيال باريس على مستوى التبادل التجاري. اضراب عن الطعام في نهاية 1988، قررت الاضراب عن الطعام، وكتبت رسالة الى وزير العدل بهذا المعنى مفادها انكم لم تنفذوا وعدكم. وبعد 20 يوماً، أتى دور المحامي فيرجيس بعدما عيّنته محاميّ في المدة الأخيرة لإدارة معركتي مع الدولة، وهو أنسب من يقوم بذلك. وأصبح لدي محاميان أنطوان كونت ممثلاً قناة المفاوضات، وفيرجيس ممثلاً قناة الهجوم على الدولة. من كان يدفع نفقات المحامين؟ - دفعت العائلة لأنطوان كونت مبلغاً رمزياً، فيما لم يتقاضى فيرجيس شيئاً. اذ اعتبرها قضية سياسية وهو زوج جميلة بو حيرد وأول عمل سياسي قمت به وأنا طفل كان التظاهر تأييداً لجميلة. استمر اضرابي عن الطعام 130 يوماً، كنت أحتسي الماء فقط، وأخضع كل 40 يوماً لتحليل الدم، وكان وضعي خطيراً يربطونني ويضعون لي المصل. لأن القانون الفرنسي يجيز ذلك. في هذه الأثناء أعلن ميتران في لقاء مع الصحافيين ان لا مجال للرضوخ أمام ضغوط الاضراب عن الطعام، لكن المحامي أبلغني موقفاً من وزيري الخارجية والداخلية انهما، اذا توقفت عن الاضراب، سيطلبان من رئيس الجمهورية اطلاقي. فسألت عن الضمانات، وسمعت وعوداً كثيرة. عندئذ، سُمح لرفيق دوست الذي أراد زيارتي لإقناعي بوقف الاضراب، ان يأتي الى باريس. عندما أتى وعلم بالمفاوضات طلب منهم الضمان. فأعطاه رولان دوما قولاً قاطعاً بإطلاقي بعد ستة أشهر من تاريخ وقف الاضراب، ومع باقي أفراد المجموعة. وكنت أنهيت الاضراب عن الطعام في شباط فبراير 1990. فزارني رفيق دوست وأبلغني بالاتفاق رسمياً ين الدولتين فوافقت. وأوقفت الاضراب، وأطلقنا بعد ستة أشهر بعفو خاص من رئيس الجمهورية ميتران. ماذا كان دور فيرجيس؟ - كان يضطلع بدور مع الاعلام، وكان يظهر على شاشة التلفزة لإيضاح وضعي الصحي الخطير، ويؤكد ان الاضراب جدي، متحدثاً عن الوعود الكاذبة. وكان يرتكز على الصراع بين اليمين واليسار. وأكثر من مرة شارك في مناظرات تضمنت اتهامات متبادلة بين الجانبين عن المسؤولية في الوعود. وحصل ذلك مرة بين دوما وشارل باسكوا ومرة أخرى بين ميتران وشيراك خلال الحملات الانتخابية. أين ذهبتم بعد اطلاقكم؟ - الى إيران. هل تعتبر ان إيران كانت وفية لك؟ - هذا الوفاء أكيد من إيران والمناضلين في لبنان، ومن الفلسطينيين الذين تدخلوا غير مرة مع الفلسطينيين ونصحوهم بوجوب حلّ هذه القضية لمصلحة فرنسا والعلاقات مع الشرق الأوسط. وقد أوصل "أبو اياد" خلال مدة اضرابي عن الطعام أكثر من رسالة بأن لأنيس أصدقاء في غير بلد وعلاقات مع غير طرف. هل حاول كارلوس الاهتمام بقضيتك؟ - كلا. هل تداخلت قضيتك مع قضية جورج عبدالله؟ - تداخلت من خلال عمليات التفجير وإدراج اسمينا في بيانات مشتركة كانت تصدر وتطالب بإطلاق المناضلين. ما أربك الأمن الفرنسي اذ لم يكن يعرف من ينفذ عمليات التفجير بين الأرمن وجماعة جورج عبدالله. هل كانت لك علاقة بمجموعة "الألوية الثورية" التي ينتمي اليها جورج عبدالله؟ - كلا. التقيت جورج عبدالله في السجن، كيف حصل ذلك؟ - كان في سجن آخر، حيث تمرد السجناء وأحرقوه، ما اضطر السلطات الى نقلهم الى مواقع أخرى، ونُقل جورج الى سجن مولان الذي كنّا فيه، وبقينا سنة. ما عدد السجون التي زرتها؟ - تقريباً ستة سجون، بينها سجن في خارج باريس على بعد 400 كيلومتر. عما تحدثتما أنت وجورج؟ - كنا نتحدث عن أوضاع لبنان والمقاومة فيه والاحتلال الاسرائيلي الذي وصل الى بيروت. واكتشفت ان جورج عبدالله مظلوم بالحكم المؤبد. اذ لم يثبت تورطه بعمليات الاغتيال. ولكن قُدم الى المحاكمة ضمن أجواء المتفجرات والضغوط وفي ظل حمّى رهيبة في المحاكم ضد اسمه، واعتبرت تبرئته خضوعاً للضغوط. واكتشفت ايضاً انه أتى الى فرنسا لإنهاء عمليات الألوية الثورية اللبنانية تنظيم لبناني له علاقات بمنظمات فلسطينية عدة واخلاء الأماكن التي كانوا فيها. وبعدما قام بعمليات نتيجة الاحتلال الاسرائيلي في لبنان، تم التفاهم بواسطة الجزائر ومنظمة التحرير على وقف عمليات "الألوية". وقبض عليه لحيازته جوازاً مزوراً. وحصل تورط في عملية خطف فرنسي في لبنان، فضلاً عن عمليات التفجير. هو لم يتورط بأي عملية. ماذا فعلت خلال مدة سجنك؟ - كنت أمضي الوقت في المطالعة، علماً اننا بقينا سنتين ونصف السنة في العزل التام. اذ كنّا في قسم "الأمن العالي" ولا نرى الا الحارس الذي يمدّنا بالطعام. عندما تسلم الاشتراكيون الحكم وغيّروا الأنظمة، اعتبروا ان هذا القسم غير انساني وأقفلوه. هل شعرت يوماً أنك لن تخرج؟ - كان لديّ دائماً أمل بأن قضيتنا لن تطول، وهناك من يطالب بإطلاقنا. وكانت التضحيات خارج السجن تسهّل علينا الأمور. فكنا في حال نضالية، في ظل قتال اخواننا واحتلال بيروت. لم نكن في حال استرخاء وعزلة في السجن. هل كنت تملك راديو؟ - كان لنا الحق في ذلك وفي قراءة الصحف. وقد دفع ثمن هذا الحق أربعة سجناء استشهدوا في 1974، فضلاً عن حقنا في المراسلة في ظل الرقابة. من كنت تراسل؟ - العائلة، وبعض الأخوان في بيروت في "فتح" ولمواضيع حساسة جداً، من مثل رأي سياسي في الحرب العراقية - الإيرانية ودور فرنسا وانتخاب رونالد ريغان رئيساً للولايات المتحدة. هل كنت تراسل "حزب الله"؟ - لم يكن قائماً في تلك الأيام. ما هي علاقتك به؟ - علاقة تقدير ومودة. وأقدّرهم لقيامهم بتضحيات وبعمل جدي، وأتى بنتيجة واضحة. هل تعرف حسن نصر الله قبل 1980؟ - لم أعرفه. أعرف أشخاصاً كانوا ينتمون الى "فتح" والمقاومة ودرّبتهم، أصبحوا أعضاء في "حزب الله" وقيادته العسكرية. وسئلت عن هذا الموضوع في السجن. هل تركزت الأسئلة على علاقتك بإيران؟ - لم يسألوا، كنا نُسأل مع جورج عبدالله عن المتفجرات. هل تعرضت للتعذيب؟ - كلا. اختلف وضعي عن وضع الشباب لأنني أصبت، وعندما خرجت لم أتعرض للتعذيب. وهل تعرض الباقون للتعذيب؟ - ليس بمعنى التعذيب، بل منع من النوم خلال 48 ساعة ومواصلة التحقيق. هل ندمت لأنك حاولت قتل بختيار؟ - كنت من الناس الذي يعرفون تجربة مصدّق والانقلاب العسكري. وكنت أعرف ان اي جهد لإفشال مخطط أميركي شبيه هو تاريخي. وأعطاني التاريخ هذا الحق، اذ تبيّن انه أحد السيناريوهات التي كان زبيغنيو بريجينسكي يراهن عليها ويقول ان الوضع لا يزال قابلاً للسيطرة، على رغم انتصار الثورة، لأنهم كانوا يملكون هذه الورقة للعبها. وتبين بعد التحقيق مع الضباط الذين اعتقلوا وجود محاولة انقلاب. ودفعت الأموال لذلك. والفرق بين انقلاب مصدّق والآخر، ان واحداً فشل والثاني نجح. وقد دفع مبلغ خمسة ملايين دولار لمجموعة الضباط بحسب اعتراف "سي.اي. آي."، فيما دفع في الآخر 30 مليون دولار. من حظك انك لم تكن في سجن عربي؟ - لا أريد الشكر بالسجن الفرنسي. فهناك قانون، اذا التزمته لا أحد يتعرض لك. ذهبت في 1990 الى إيران متى عدت الى لبنان؟ - بعد 5 أشهر عدت الى لبنان. وما زالت لدي إقامة في لبنان، وأتحرك بشكل طبيعي. هل لاحظت متغيرات في إيران؟ - هناك متغيرات تختلف عما كنا نطمح اليه، لكن تحليلي الموضوعي يبرّر هذا التغيير. انتهت الثورة في شكل لا عنيف. وهي أول ثورة تشهد تظاهرات تنتصر على أقوى قوة مسلحة. وجاءت بانفتاح في ضوء مشاركة أطراف عدة. لكن إدخال الثورة الاسلامية في حربين: حرب داخلية في ضوء اعلان "مجاهدي خلق" الثورة المضادة التي أدت الى اغتيال 1200 مسؤول في القيادة الإيرانية، وينسى العالم هذا الأمر الذي أدى الى أجواء رعب داخل إيران وأجبرت السلطات على اتخاذ بعض القرارات والنظم القاسية. وحرب خارجية، وأي بلد يكون في حال حرب لا يستطيع ان يعطي الحريات المطلقة فيصبح الأمن والعسكر هما الأساس، ما أدى الى أجواء غير متوقعة في بداية الثورة. لقاء الخميني هل التقيت الخميني؟ وأين؟ - في قم، وفي المستشفى عندما تعرض لأول طارئ صحي. هل كنت معجباً بشخصيته؟ - شخصيته نادرة وغير عادية، بهدوئه وسكينته، ويتمتع ببعد نظر وثبات، في ظل تقلقل الناس. هل كانت هناك فتوى باغتيال بختيار؟ - كان هناك قرار من محكمة سبق الفتوى باغتيال بختيار. هل اضطلعت شخصيات أخرى بأدوار في قضية الرهائن؟ - هناك ادعاءات، فهناك من تحرك من دون نتيجة جدية. هل أنت شيعي؟ - أنا مسلم. أفهم أنك سنّي، ألم يؤثر ذلك في علاقتك بإيران؟ - لا علاقة للقضية بالمذهبية بل بالسياسة. وأسأل دائماً كيف أطللت على الثورة في إيران وكنت أجيب: من نافذة فلسطين. أنت لبناني وأطللت على الثورة من نافذة فلسطين وحاولت اغتيال بختيار؟ - من أجل فلسطين وحماية هذه الثورة التي ستحمي فلسطين. قمت بدور صغير لكن المهم ان الوضع الاستراتيجي في المنطقة تغيّر الأسبوع المقبل: عمليات واغتيالات واختراقات