ما بين حقبة السبعينات من القرن الماضي وحتى منتصف العقد الثاني من الألفية الثالثة، شهدت العلاقات الفرنسية الإيرانية عددا من التقلبات، إثر تغير سياسة طهران تجاه باريس، وتورطها في قضية الرهائن بلبنان، وكذلك موقف فرنسا من الملف النووي الإيراني، وصولا إلى استضافتها اجتماع المقاومة الإيرانية الذي عقد قبل أيام، بحضور عشرات الآلاف من المطالبين بإسقاط نظام حكم الولي الفقيه، والذي تسبب في معاناة الشعب الإيراني، فضلا عن انتهاكاته المستمرة في المنطقة، والتي أدت إلى قطع 6 دول علاقاتها مع إيران. الشيطان الصغير عندما غادر الخميني منفاه في فرنسا على متن طائرة "إير فرانس"، في مطلع فبراير 1979، ليعود إلى بلاده ويقود الثورة، ظن البعض أن العلاقات الفرنسية الإيرانية ستصل إلى أعلى درجات التعاون والتنسيق، لا سيما أن الخميني استغل وجوده بباريس في تنظيم صفوف الموالين له داخل إيران، والترويج لأفكاره عبر وسائل الإعلام العالمية، إلا أنه بعد الثورة تحولت نظرة إيران تجاه فرنسا واصفة إياها ب"الشيطان الصغير" بعد توقيع صفقة سلاح مع نظام صدام حسين عام 1980. ومنذ هذا التاريخ، شهدت علاقات البلدين تراجعا كبيرا اتضحت معالمه بين عامي 1985 و1986، إذ زادت التوترات، واتهمت باريسطهران باستهداف مصالحها عبر تدبير اختطاف فرنسيين في لبنان، وأيضا عبر سلسلة هجمات إرهابية في باريس بينها اعتداء شارع "رين" في سبتمبر 1986، والذي خلّف 13 قتيلا وأكثر من 250 جريحا. وفي يوليو 1987، قطعت العلاقات الدبلوماسية بين فرنساوإيران عقب قضية وحيد قورجي، المترجم في السفارة الإيرانية، والذي اشتبهت المخابرات الفرنسية في صلته باعتداءات 1986، فاحتمى بسفارته. فحاصرت قوات الأمن لأسابيع مبنى السفارة بأمر من وزير الداخلية آنذاك، شارل باسكوا، ثم رحّل قورجي من فرنسا بعد مثوله أمام القضاء. اغتيال باختيار اُستؤنفت العلاقات بين البلدين في 1988 مع الإفراج عن آخر الرهائن الفرنسيين في لبنان مع نهاية الحرب الإيرانية العراقية، غير أنها عادت إلى التعقّد في يوليو 1991، عقب اغتيال رئيس الوزراء الإيراني الأسبق، شهبور بختيار، على يد كوماندوز من ثلاثة أشخاص في الضاحية الباريسية "سورين". كان بختيار لاجئا في فرنسا منذ الإطاحة بالشاه العام 1979، وأكثر المعارضين مصداقية، فكان في صدارة القائمة السوداء لطهران. وبعد انفراجة خفيفة خلال فترة حكم الرئيس محمد خاتمي، عادت العلاقات الفرنسية الإيرانية لتتعقد عقب انتخاب محمود نجاد عام 2005. وقد شكل الأخير مع المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي ثنائيا متشددا فيما يتعلق بقضية النووي الإيراني. الملف النووي عقب مفاوضات شاقة ومتقلبة امتدت لمدة تزيد عن عقد من الزمن، أعلنت 6 قوى عظمى توقيع اتفاق تاريخي مع إيران يتعلق ببرنامجها النووي، وذلك في الرابع عشر من يوليو 2015. وكانت إيران تتهم فرنسا ووزير خارجيتها لوران فابيوس بالتصلب في مواقفها خلال المفاوضات التي سبقت الاتفاق. وفيما بعد زار فابيوس طهران، وعلق الرئيس فرنسوا هولاند على الزيارة بالقول "إنها اختبار لنوايا إيران بعد الاتفاق". كان الرئيس يشير بذلك إلى الهجمات الشخصية التي تعرض لها فابيوس من المحافظين الإيرانيين، بسبب مواقفه الحازمة خلال المفاوضات التي أدت إلى اتفاق فيينا. وشدد هولاند هكذا على الدور الذي يجب أن تلعبه إيران في إقامة السلام في الشرق الأوسط والشرق الأدنى، إلا أن توقعاته باءت بالفشل، إذ سارت السياسة الإيرانية الداعمة للفوضى بالمنطقة على النهج نفسه، وجاء اجتماع المقاومة الإيرانية في باريس رسالةً ضمنية بأن العاصمة الأوربية التي أسهمت في الثورة ضد نظام الشاه، هي نفسها التي تهيئ الأجواء للإطاحة بنظام الولي الفقيه.