الشارع العربي، مثله مثل أي شارع في أية مدينة في هذا العصر، فهو خليط من التجار والموظفين والسكارى والمشردين والنشالين والعاطلين عن العمل، وحفر ومطبات ونفايات ومفاجآت. ومع ذلك يظل أجمل وأغرب شارع في العالم. المهم: كانت البنادق ملقّمة، والحراب لامعة، والمشانق ثابتة، والأصفاد محكمة، والعيون شاخصة، وميزان العدالة مصلوب الكفتين في صدر القاعة كالمسيح، والجو معتماً مكفهراً، والدبابات تطوّق الجميع، عندما دوى صوت كالرعد: محكمة!! القاضي: هل المتهم جاهز؟ الحاجب: بعنقه، وصدره وأغلاله. القاضي: أيها المتهم فلان الفلاني، هل أقدمت بتاريخ كذا، والساعة كذا على سرقة رغيف خبز من الفرن الفلاني من بيت النار مباشرة، والتهمته دفعة واحدة وأنت تركض في الشوارع؟ المتهم: نعم. القاضي: وبتاريخ كذا، والساعة كذا أكلت ميزان تاجر مع تعرفة الأسعار في الشارع الفلاني؟ المتهم: نعم. القاضي: وبتاريخ كذا، والساعة كذا، أكلت حقيبة تلميذ وأوراق الامتحانات أمام المدرسة الفلانية؟ المتهم: نعم. القاضي: وساق عدّاء، وقبضة ملاكم، وكأس الدوري الفلاني، في الملعب الفلاني؟ المتهم: نعم. القاضي: ولسان مطرب، وأذن مستمع في العرس الفلاني؟ المتهم: نعم. القاضي: ومؤخرة راقصة في الملهى الفلاني؟ المتهم: نعم. القاضي: وأدوات وتصاميم المهندس الفلاني؟ المتهم: نعم. القاضي: وسماعة ومشرط الطبيب الفلاني؟ المتهم: نعم. القاضي: ولوحة الرسام الفلاني في المعرض الفلاني؟ المتهم: نعم. القاضي: وأصابع العازف الفلاني؟ المتهم: نعم. القاضي: وشاعراً قديماً وكاتباً طليعيّاً في الأمسية الفلانية؟ المتهم: نعم. القاضي: وعاشقاً مع حبيبته في الحديقة الفلانية؟ المتهم: نعم. القاضي: وعصفوراً مغرّداً مع عشه وفراخه في البستان الفلاني؟ المتهم: نعم. القاضي: وصياداً عجوزاً مع شبكته وأسماكه وطيور البجع والنورس التي من حوله؟ المتهم: نعم. القاضي: ومنقذاً جسوراً على الشاطئ الفلاني؟ المتهم: نعم. القاضي: وقطة سيامية؟ المتهم: نعم. القاضي: وكلباً بوليسياً؟ المتهم: نعم. القاضي: وأوسمة القائد الفلاني؟ المتهم: نعم. القاضي: وتاج الملكة الفلانية، وخوذة المحارب الفلاني، وسيف الفاتح الفلاني، من المتحف الفلاني؟ المتهم: نعم. القاضي: ورزمة من الكتب التاريخية والعلمية والاقتصادية والدينية، في المكتبة الفلانية؟ المتهم: نعم. القاضي: وبتاريخ كذا، والساعة كذا، كنت تقتلع الحجارة من الأرصفة والساحات وتقضمها متلذذاً كالمكسرات والدم يسيل من نابيك وشدقيك؟ المتهم: نعم. القاضي: وكنت تقفز في الشوارع وعلى السطوح، وقمم الجبال، الى أعلى حد مستطاع لتنال بأسنانك المكشّرة، سحابة، أو نجمة، أو حتى قطعة من فجر هذه الأمة، الآتي... المتهم: نعم. القاضي: وبتاريخ كذا، والساعة كذا، حاولت أن تأكل أحد أطفال الانتفاضة والحجر بيده؟ المتهم: نعم. القاضي: وحش، قاتل، مجرم، سفّاح، مجنون. إن القتل، والحرق، والشنق، والسحل والتمزيق، قليل عليك من دفعك الى هذه الجرائم، الى هذا الجنون المطبق. ومن هي الجهة أو الجهات التي تقف وراءك وأمامك ومن حولك؟ المتهم: لا أحد. القاضي: كاذب، يجب أن تتكلم شئت أم أبيت. المتهم: لا أتكلم إلا بحضور محام. القاضي: سيدافع عنك محامي المحكمة... الدولة... النظام... المتهم: لا... أريد محامياً جائعاً!!