مأساة بورما حقوق الانسان في بورما من أسوأها في العالم. لكن، الى ذلك، يصدّر البلد المذكور نصف ما يتداوله العالم كله من هيرويين. ومن بورما يصل 60 في المئة من الهيرويين الذي يستهلَك في الولاياتالمتحدة الأميركية. وهذا جميعاً يسلط على تلك الأمة الآسيوية الكثير من الضوء، ويلح على كثير من المتابعة، لا سيما في ظل انخراط بعض الأوروبيين في الدفاع عن حقوق الانسان هناك قبل أيام فقط أطلق سراح البريطاني الشاب جيمس مودسلي وعاد الى بلده. ويرقى تاريخ بورما الحديث الى العام 1886 حين استعمرها البريطانيون، لتستمر على هذه الحال حتى 1948، سنة استقلالها الذي تبعه اعتماد النظام الديموقراطي البرلماني. لكن في 1962 بدأت الأمور تتغير نحو الأسوأ: فقد تولى انقلاب عسكري قاده الجنرال نا وين اطاحة رئيس الحكومة المنتخب يو نو. وأدى القمع ونزعة الانكفاء عن العالم الى انحدار اقتصادي ملحوظ ألمّ بالبلد الذي كان يُسمّى حتى ذاك الحين "حقل أرزّ آسيا". ولم تنجل الأمور الا في 1988 حين عادت السلطة الى "مجلس استعادة قانون ونظام الدولة" سلورك، الذي غيّر اسم البلد ليصبح "ميانمار" كيما تعكس هذه التسمية الجديدة التركيب الاثني الغني للمجتمع. فهناك 67 جماعة اثنية، البورميون احداها وأكبرها، واليهم هناك الكارين والشان والكاشين والمون والأكها والبولاو والأراكان والروهينغيا وغيرهم. ومع ان تسمية ميانمار لم يؤخذ بها عملياً، ولم تشع وتدخل الاستعمال الشعبي، فقد حقق المجلس الحاكم انجازات ملموسة. ففي 1990 أقدم على اجراء انتخابات عامة حيث حققت "الرابطة الوطنية للديموقراطية" فوزاً كاسحاً. لكن الجيش أعلن، من ناحيته، "عدم شرعية" الانتخابات وعدم التقيّد تالياً بنتائجها، معيداً فرض سلطته القسرية على البلد. وكان ان تم فرض الاقامة الجبرية لست سنوات على داو أونغ سان سوو كيي، مؤسسة الرابطة وابنة أحد أبطال الاستقلال الذي قضى اغتيالاً: أونغ سان. ورغم منح أونغ سان جائزة نوبل للسلام في 1991، لم تنته اقامتها الجبرية إلا في 1995 فاستأنفت نشاطاتها المعارضة والمدافعة عن حقوق الانسان وسط صعوبات لا تُحد. ويستمر حكم الطغمة العسكرية لشعبٍ معظمه قبائل جبلية تعيش في الغابات والهضاب. ويستفيد الحكم الحالي من الروابط الاقتصادية التي يقيمها مع بلدان جنوب شرق آسيا التي لا تزال تعتقد ان "الانخراط البنّاء" يتيح تأثيراً لا تتيحه المقاطعة والعزل. اما في الداخل فقضت السلطة كلياً على مقاتلي قبائل الكارين ووقّعت تسعة اتفاقات لوقف اطلاق النار مع تسع مجموعات من المسلحين المتمردين، ما اعتُبر إقراراً منها بتجزئة السيادة الوطنية وانتقاصها بالتالي. لكن السؤال اليوم هو: الى أي مدى تمضي بلدان آسيا، ومن ورائها الولاياتالمتحدة، في تحمل "الشواذ البورمي الخطير"؟ النساء في كرة القدم عدد غير مسبوق من النساء يحتل الآن مواقع أساسية في كرة القدم. ففي قرابة نصف النوادي المحترفة في بريطانيا، والبالغ عددها 92 نادياً، تشغل النساء منصب الرئاسة أو الادارة التنفيذية أو السكرتارية العامة. ويلاحظ في هذا الصدد ان دخول هذا العالم الذي هو تقليديا رجالي جداً، يترافق مع توكيد النساء المعنيات على عدم احتياجهن الى أية محاباة أو تحيز لمصلحتهن. وهذا ما تلاحظه الصحف التي تحدثت اليهن مسجّلة ان "التركيز على الاحتراف والكفاءة هو القاسم المشترك بين كل هؤلاء النسوة". لكن ذلك كله لا يعني على الاطلاق ان نزعة التمييز الجنسي sexism اختفت من هذا المضمار تماماً. ذاك ان سكرتيرات نوادي كرة القدم لا زلن ممنوعات من مرافقة افراد الفريق حين يسافرون للعب في مكان ما. والسبب انهن قد "يتسببن في الهاء اللاعبين"! مموّلو الرئاسيات الأميركية غالباً ما يتحدث المراقبون عن دعم الرساميل والمصالح المالية الكبيرة لمرشحي الرئاسة الأميركية. وهذا التعميم، على صوابه، لا يلغي ضرورة التخصيص، لا سيما أن المصالح المذكورة كثيراً ما تتعارض، فيما يأتي دعم بعضها لهذا المرشح، وبعضها الآخر لذاك، دليلاً على توجهات سياسية واقتصادية مهمة. فقد قدم قطاع المال والضمان والعقارات 39.7 مليون دولار لجورج دبليو بوش مقابل 17 مليوناً لآل غور، فيما قدمت مكاتب المحاماة 8.1 مليون دولار لبوش و11.9 مليونا لغور. وانحازت شركات النفط والغاز بشكل كاسح للمرشح الجمهوري المحسوب عليها فأعطته 12.7 مليونا ولم تعط منافسه إلا 2.3. والى حد ما حذت شركات الصيدلة والصحة حذوها فمنحت بوش 7.7 مليون دولار وغور 3.4. أما صناعة الكومبيوتر، طليعة "الاقتصاد الجديد" الاقرب الى الديموقراطيين، فنال منها غور 5.6 مليون دولار وبوش 4.3. وكان الاختلال كبيراً في الشركات الزراعية ذات الملكيات الجنوبية المحافظة التي دعمت بوش ب7.8 مليون دولار وغور ب1.5 فقط. وتفوق بوش أيضاً لدى هوليوود والشركات التلفزيونية التي قدمت له 5.7 مليون دولار فيما قدمت لغور 3.5. اما المواصلات فأعطت الجمهوري 7.1 مليون دولار والديموقراطي 1.9. والشيء نفسه حصل في شركات البناء، إذ نال الأول 6.1 مليون دولار والثاني 2.4. أما الاختلاف النوعي فجاء من مكان آخر هو النقابات الغنية جداً التي أعطت غور 5.8 مليون ولم تعط بوش إلا 200 ألف دولار. وبدورها فالشركات والمصالح الأخرى اقتسمت تقديماتها على أساس: 78.2 مليون دولار لبوش و41.1 مليون لغور. وفي الحصيلة الاجمالية بلغت حصة المرشح الجمهوري، أي مرشح الحزب الأغنى والممثل تقليدياً للأغنياء، 177.6 مليون دولار، بينما لم تتعد التقديمات لمعركة المرشح الديموقراطي ال96.4 مليون دولار. سجال بيئوي آخر نقاش جديد تطلقه الحركة البيئوية الخضراء الاوروبية لا بد ان يتعدى قارّتها الى العالم كله: فقد تأكد ان الجبل الثلجي الأكبر في أوروبا في طريقه الى التحلل: انه برايداميركورجوكول Breidamerkurjokull الواقع في ايسلنداالجنوبية، والذي تتفكك أجزاء قد ينهار بعضها في سنوات قليلة ويهبط في شمال المحيط الأطلسي. البيئويون الذين علّقوا على هذا الكشف الكبير، رأوا ان التسخين الحراري شرع يترك آثاره على أقصى شمال الكرة الأرضىة، مهدداً لا بإذابة الثلوج فحسب، بل أيضاً برفع مستويات مياه البحر بالتالي. وهذا ما كان الخضر قد حذّروا منه طويلاً بصفته من النتائج المحتومة لتكاثر الغاز الصناعي الذي يسخّن مناخ كوننا عبر احتجاز ضوء الشمس في الطبقة العازلة لثاني اوكسيد الكربون. فإذا كان جبل الثلج الأكبر يتداعى، كما يقولون، فلنتهيأ لكوارث أخرى ستكون، عاجلا او آجلا، في انتظار البشرية! وكالعادة دائماً هناك وجهة نظر أخرى تستبعد قرع طبول الذعر وتؤكد على أهمية المعرفة: فإذا عدنا الى تاريخ هذا الجبل الايسلندي، بحسب وجهة النظر هذه، رأيناه مختلفاً كثيراً في القرن السابع عشر عنه اليوم. فالأرض الساحلية المحيطة به كانت خالية تماماً من الثلج آنذاك، كما كان السكان المحليون يزرعونها كأية أرض أخرى صالحة للزراعة. هكذا كثر فيها القطيع والماشية كما زُرع القمح وحُصد لحقب مديدة. وفقط في العقود الأولى للقرن الثامن عشر بدأ الطقس يبرد هناك، وظهرت على سطح برايداميركورجوكول ألسنة ضخمة من الثلوج، لكنها راحت تهبط الى الشواطئ وتتجمع فيها فارضة على الزراعة وتربية المواشي ما يشبه التراجع المنهجي. وهذه الحقبة المعروفة ب"عصر الثلج الصغير"، هي ما استمرت قرابة مئتي عام لتبلغ ذروتها، في ايسلندا، في حوالي 1890. وفي هذه الغضون أدت الى تقريب الجبل من البحر بقدر ما مهدت لتسخين تالٍ بدأ بالظهور في 1930 واكبه انبعاث للزراعة التي كانت بادت، أو كادت تُباد، وعلامات ذوبان بطيء للثلج. فالأمر، بحسب وجهة النظر هذه، يُبحث عنه في تحولات المناخ لا في الصناعة وثاني اوكسيد الكربون. الثقافة والمساواة بعد فشل محادثات سياتل في العام الماضي، تمضي مفاوضات منظمة التجارة الدولية في جنيف ساعية الى "تحرير" الخدمات، لا سيما التعليم الخاص والرعاية الصحية، من يد الدولة. وهذا ما أفضى الى مخاوف جدية من أن يخضع التعليم، وفي صورة متعاظمة، لحافز الربح أكثر مما للحاجات الثقافية... خصوصاً في ظل النظر الى التمدرُس كأي نشاط اقتصادي آخر. وقد حدا الخطر هذا ببعض مسؤولي اليونسكو الى مهاجمة الحكومات التي "تقلّص مسؤولياتها وتنسى ان للحياة أبعاداً تتعدى الأسواق الاقتصادية"، والتحذير من الميل "الى جعل كل شيء تجارة، بما في ذلك التعليم". والوجه الآخر لهجوم مسؤولي اليونسكو تجسّد في التأكيد على المساواة بين الشعوب كما بين الطبقات الاجتماعية: ذلك ان "الثقافة - كي تكون القاسم المشترك الايجابي بين شعوب العالم - ينبغي ان تكون متاحة للجميع. والوصول اليها لا ينبغي ربطه بالقدرة على تأمين المبالغ المالية اللازمة لأن التعليم والثقافة جزءان من عملية بناء الأمم والحضارات". وقد اقترحت الولاياتالمتحدة وبلدان الاتحاد الأوروبي وضع التعليم والخدمات المتصلة به على طاولة المفاوضات في اجتماع منظمة التجارة الدولية. ومع ان المحادثات التجارية لا تتطرق الى التعليم الرسمي الا ان المتوقع ان تتناول سائر جوانب التعليم الخاص. والحال ان دخول التجارة الى التمدرس، خصوصاً في المراحل الجامعية، كان قد تزايد نوعياً في السنوات الأخيرة. ويتوقع البعض مزيداً منه مع تعاظم استخدام الانترنت. والمعروف ان الولاياتالمتحدة هي المصدر الأساسي لخدمات التعليم الخاص من خلال جامعاتها المحلية والمدارس والجامعات التي تملكها في بلدان العالم. وهذا، مرة أخرى، ما يكرّس السجال ضد "الثقافة التجارية" بوصفه سجالاً ضد الولاياتالمتحدة وقيمها ومصالحها.