قد لا يطول الامر بالزائر الذي تطأ قدماه ارض الجمهورية البلغارية لاكتشاف مشكلة كبيرة وخطيرة تعاني منها البلاد منذ انتهاء الحقبة الشيوعية، وهي مشكلة "الكلاب الضالة في الشوارع"، فالقادم قد لا يلحظ المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها المجتمع البلغاري المتحول الى الديموقراطية ونظام السوق، لأنه سيجد في شوارع العاصمة وساحاتها الرئيسية المشكلة بين أقدامه، فالسلطات تقف عاجزة منذ سنوات امام تنامي اعداد الكلاب الضالة والتي تقدر اعدادها بحوالي 300 ألف كلب في عموم البلاد، لكن المشكلة تصل الى حد التفاقم الشديد في العاصمة صوفيا التي تشير الارقام في بلدية المدينة الى ان اعداد الكلاب الضالة فيها يزيد عن 50 ألف كلب. ويقول المواطنون البلغار إن هذه المشكلة بدأت بالظهور مع انهيار النظام الشيوعي وتردي اوضاعهم الاقتصادية منذ عام 1990، بعدما اضطر اصحاب الكلاب، نتيجة لضغط الظروف الاقتصادية وتآكل مداخيلهم وتفشي البطالة في صفوفهم، الى التخلي عن هواياتهم بتربية الكلاب لعدم القدرة على توفير الغذاء المناسب لها، الامر الذي دفع بهذه الكلاب البيتية الى التشرد في الشوارع مُشكّلة خطراً علىالمارة. وتفيد الاحصاءات ان اكثر من ألفي شخص راجعوا المستشفيات في العاصمة هذه السنة بعد تعرضهم لهجوم الكلاب الضالة، حيث يؤدي ذلك الى الاصابة بالعديد من الامراض الخطيرة والتي تفضي الى الموت بعد معاناة ومداخلات جراحية كبيرة. وتشير الارقام الرسمية الى ان عدد العمليات التي اجريت في مدينة بلوفدين منذ عام 1996 وصل الى 400 عملية افضى أغلبها الى الموت. وتواصل بلدية العاصمة المعركة ضد الكلاب في الشوارع على رغم قناعة عمدتها ستفان سفيانسكي بأنه خسر الحرب ضد الكلاب، وقال ل "الوسط": "نحن نعد الآن لمعركة اخرى لكن بأساليب حديثة، ففي السابق كانت فرق البلدية تقوم بإعدام الكلاب في الشوارع، مما اثار جمعية اصدقاء الكلاب التي اعتبرت ذلك وحشية غير مقبولة، لذا تم وقف هذه العمليات في الشوارع... بعد ضغط الرأي العام". وتقوم خطة البلدية منذ سنة ونصف السنة على جمع الكلاب واجراء عمليات تعقيم على الذكور والاناث لوقف الانجاب لديها، لكن عمدة المدينة لا يخفي دعوته لجمع الكلاب وقتلها في اماكن بعيدة عن أعين المارة. وتشير التوقعات الرسمية الى انه رغم استخدام كافة اساليب الابادة او وقف التوالد، فإن البلاد مهددة بانفجار كبير في أعداد الكلاب خلال 2-3 سنوات، يمكن ان يرتفع معها اعداد الكلاب لتصل الى نصف مليون كلب في مدينة عدد سكانها مليون ونصف مليون انسان. وتعتقد المصادر الرسمية ان المشكلة الرئيسية في تعقيم الكلاب هي عدم توافر الاموال اللازمة لذلك، خصوصاً ان عملية تعقيم او تنطيف الرأس الواحد تحتاج الى 16 دولاراً وبينما تقدر تكلفة عملية التعقيم للذكور بخمسة دولارت و23 دولاراً للإناث، مما يضع البلدية في موقف مالي محرج لحاجتها الى مليون دولار سنوياً لتنفيذ برنامج المكافحة، لكنها لم تستطع في هذه السنة توفير اكثر من 150 ألف دولار فقط، ولم يبق امامها سوى اجراء 816 عملية تعقيم حتى نهاية السنة الحالية. ومع اقتراب فصل الشتاء يشعر المسؤولون في البلدية بأن أعداد الكلاب ستتضاعف في المناطق المأهولة بالسكان، لأن الكلاب ستغادر الغابات والجبال بحثاً عن الطعام، مما يزيد الاخطار المحدقة بالبشر. ويتذكر احد الصحافيين البلغار بطل رواية "الحرب والسلام" لتولستوي الذي كان يتمنى ان يصبح كلباً لينجو من نيران الحرب، فيقول: "ماذا لو عرف البطل بمأزق الكلاب الضالة في بلغاريا اليوم، فهل سيغير أمنيته أم يبقي عليها؟".